مستقبل مخرجين فلسطينيين خارج الحدود

آن ماري جاسر (آب أند بيورن)
آن ماري جاسر (آب أند بيورن)
TT

مستقبل مخرجين فلسطينيين خارج الحدود

آن ماري جاسر (آب أند بيورن)
آن ماري جاسر (آب أند بيورن)

تضع الحرب الدائرة في قطاع غزّة المخرجين الفلسطينيين أمام تساؤلات مهمّة تتعلّق بما يستطيعون القيام به لتحقيق أفلامهم المقبلة.

لم يعد الحاضر كالماضي، في السابق كان يكفي حديث البعض عن تاريخ الصراع أو عن ذكريات العيش في غزة أو القدس الشرقية أو عن عرس تخيّم عليه قوانين الاحتلال أو عن وضعٍ عائلي متأزم بسبب هجرة جديدة.

كانت هناك أفلام عن سجينات من النساء («3000 ليلة» لمي المصري)، أو عن سجناء رجال («أميرة» لمحمد دياب)، أو عن جدار عازل بين شرق القدس وغربها («200 متر» لأمين نايفة)، أو عن زواج تتدخل فيه السياسة («واجب» لآن ماري جاسر و«عرس رنا» لهاني أبو أسعد)، أو عن وقاءٍ من القتل الجماعي للفلسطينيين («كفر قاسم» لبرهان علوية و«جنين جنين» لمحمد بكري).

كل ذلك يبدو اليوم جديراً كمجموعة من الأفلام التي تناولت، روائياً أو تسجيلياً، عن أوضاع ما قبل 2023. لكن الصورة تغيّرت، ولا تزال تتغيّر، بعد أكتوبر (تشرين الأول) من ذلك العام. كل الموضوعات السابقة تبدو الآن قديمة لا يمكن العودة إليها مجدداً.

مع وجود أشهر مخرجي السينما الفلسطينية خارج البلاد (منذ سنوات)، كيف يمكن لهؤلاء تحقيق أفلامهم المقبلة؟ علام ستدور؟ كيف ستموّل وكيف ستُصاغ لخدمة قضية دخلت حرباً طاحنة؟

الواقع أن السينمائيين الفلسطينيين المنتشرين في بقاع عدّة أهملوا (ربما من دون قصد)، فكرة تكوين جبهة سينمائية متّحدة تعزّز مكاناتهم وأدوارهم. فضّلوا، ككثيرين من سينمائيي العالم العربي، العمل على نحو منفرد. لا يمكن لوم أحد معيّن في ذلك، فالمخرجون الفلسطينيون الذين هاجروا إلى الغرب باتوا موزّعين في بلدان شتّى. ميشيل خليفي («عرس الجليل») في بلجيكا. رشيد مشهراوي في باريس. مي المصري في لبنان (إلا إذا تركته لمنزل عائلتها في لندن)، آن ماري جاسر وهاني أبو أسعد في الولايات المتحدة. إيليا سليمان في قطر.

مع أن الوقت الآن مُتاحٌ لأن يبدأ هؤلاء (أو بعضهم على الأقل) بالتواصل مع البعض الآخر لتشكيل نواة سينمائية فاعلة، إلا أن ذلك لن يحدث بسهولة. أحد الأسباب هو ذلك التباعد الجغرافي بين المخرجين.

ربما لا تبدو المسألة الجغرافية حائلاً، لكنها كذلك في الواقع من حيث أن هذا اللقاء في الجغرافية لا يشكّل أرضية إنتاجية مناسبة.

ومن غير المتاح أن يكون لهذا اللقاء أرضية إنتاجية مناسبة لعمل مشترك. لا توجد قوّة حضورٍ إنتاجية لأيٍّ منهم تستطيع أن تقود حركة فنية من هذا النوع بغطاء تمويلي شامل، كما كان الحال أيام موجة السينما الفرنسية الجديدة أو مثيلاتها في بريطانيا والبرازيل على سبيل المثال.

تشكيل هذه الجبهة قد يكون له صدى إعلامياً أفضل بكثير من الصدى الإعلامي الذي قد ينجح فردٌ واحد في تحقيقه. لكن تطبيقه الفعلي يتطلب لقاء أفكار وخطط، كما يتطلب قراراً بتناول موضوعات لا تكتفي بعرض الواقع المأساوي الحالي، بقدر ما يتوجّه صوب منهج جديد لسينما فلسطينية تلعب الدور الإعلامي والفني المنشودان لها في عالم اليوم.


مقالات ذات صلة

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

يوميات الشرق هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي بدورته الـ45 «تشريفاً تعتز به».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )

مهرجان القاهرة المقبل بين أيدٍ خبيرة


مدير المهرجان عصام زكريا (مهرجان القاهرة).
مدير المهرجان عصام زكريا (مهرجان القاهرة).
TT

مهرجان القاهرة المقبل بين أيدٍ خبيرة


مدير المهرجان عصام زكريا (مهرجان القاهرة).
مدير المهرجان عصام زكريا (مهرجان القاهرة).

على مدار 44 دورة سابقة، جسّد مهرجان القاهرة السينمائي شخصيات مدرائه وقدراتهم على إنجاز دورات متفاوتة النجاح ومختلفة في أسباب ذلك. في أحيان كانت الإدارة جيدة وجادّة (وهو شرط رئيسي لأي مهرجان) وفي أحيان أخرى كان الفشل والعجز في استقطاب أفلام جيّدة أو قصور في الميزانية.

أدار سعد الدين وهبة المهرجان في سنوات ربيعه على نحو صارم ثم مرّ المهرجان بإخفاق مدراء لاحقين، كل حسب خبرته (وأحياناً مزاجه)، وصولاً إلى الدورة الحالية التي يقودها حسين فهمي بالتزام وثيق لتأمين حاجة القاهرة لمهرجان سينمائي دولي ناجح، وليس فقط لمهرجان سينمائي.

أفضل ما استطاع المهرجان في دورته الجديدة التي تبدأ يوم الأربعاء المقبل في الثالث عشر وتمتد لعشرة أيام لاحقة، هو تعيين الناقد السينمائي عصام زكريا في الإدارة.

عصام زكريا ليس أي ناقد بل يملك خبرة واسعة في الثقافة السينمائية وملم جيد بما يدور حول العالم من اتجاهات وتيارات وإنتاجات. هذا حدث عندما تسلم الراحل سمير فريد إدارة المهرجان لدورة واحدة كانت لامعة وحيدة قبل تقديمه استقالته تبعاً لانتقادات معظمها حجج اختلقت لدفعه للاستقالة. قبله تسلمت الناقدة ماجدة واصف لدورتين ثم اعتزلت عندما وجدت نفسها في مشاكل مشابهة.

من الفيلم اللبناني «أرزة» (مهرجان القاهرة).

حضور سعودي

يقع مهرجان القاهرة العتيد وسط مجموعة من المهرجانات العربية المجاورة. هناك في مصر مهرجان «الجونة» الذي بذل كثيراً في هذه الدورة لاستقطاب المواهب في كل الخانات ورفع عدد الجوائز والمسابقات. هناك «مراكش» الذي يبني نفسه بصبر ودراية، وهناك مهرجان «قرطاج» الذي يمر بفترة صعبة لا تلغي ماضيه الكبير، ثم هناك مهرجان «البحر الأحمر» الذي يشبه النجمة المضيئة، ويُدار ببذل وجهد مثاليين، متمتعاً باهتمام الدولة والسينمائيين السعوديين على حد سواء.

من بين هذه المهرجانات وسواها من التي تشهدها المنطقة العربية في فترات مختلفة من السنة، اثنان وفّرا للسينما العربية حضوراً أساسياً بمنهج يعكس اهتماماً خاصّاً ودائماً، هما مهرجان «القاهرة» ومهرجان «قرطاج». في سنوات غابرة نجح مهرجانا دبي وأبوظبي (قبل توقفهما) في دعم السينما العربية على نحو لم يكن منظوراً من قبل.

شارك الفيلم السعودي «ثقوب» ضمن مسابقة (آفاق السينما العربية) (الشرق الاوسط)

في مهرجان القاهرة هذا العام وضمن مسابقة آفاق السينما العربية أربعة عشر فيلماً لأربعة عشر مخرجاً جديداً أو شبه جديد. من بينها فيلم «ثقوب» المنتظر للمخرج السعودي عبد المحسن الضبعان في ثاني عمل روائي له بعد فيلمه الجيد السابق «آخر زيارة» (2019).

في ذلك الفيلم حكى المخرج قصّة أب وابنه في زيارة غير متوقعة لوالد الأول المسجى على سرير المرض. يتوخى الأب المناسبة كفرصة للتباهي بابنه الشاب كولد طيّع وصالح ضمن المفهوم التقليدي للعائلة المحافظة. هذا ما يخلف تباعداً بين الأب وابنه. في «ثقوب»، يواصل المخرج الاهتمام بالمنحى العائلي عبر حكاية شقيقين في زيارة لوالدتهما وما يفضي إليه ذلك اللقاء من نتائج.

الحضور السعودي متعدد في هذه المسابقة المهمّة التي تداوم العمل على كشف الجديد من الإنتاجات العربية. هناك فيلم له، لسبب غير معروف بعد، عنوانان «فخر السويدي»؛ والسويدي هنا لا يمت إلى البلد الأوروبي بل إلى مدرسة أهلية يقرر مديرها إنشاء فصل لتشجيع الشبان على مواجهة تحديات العصر عوض القبول بها.

ثمة مشاركة سعودية في فيلم لبناني- مصري بعنوان «أرزة» لميرا شعيب يبدو غير بعيد، في فكرته، عن «سارقو الدراجات» للإيطالي ڤيتوريو دي سيكا (1948).

وهناك مشاركة ثانية متمثلة في فيلم «مثل قصص الحب» لمريم الحاج التي تحاول فيه الإحاطة باضطرابات أوضاع العالم العربي الحالية.

فلسطين في أفلام

في هذه التظاهرة المهمّة هناك ثلاثة أفلام تدور في الشأن الفلسطيني وهي «الإجازات في فلسطين» للفرنسي مكسيم ليندون. يتداول الفيلم التسجيلي وضع فلسطيني مهاجر، يعود إلى بلد مولده ويستخدمه الفيلم لإلقاء نظرة على الوضع المتأزم في فلسطين.

في الجوار «غزة التي تطل على البحر»، وثائقي طويل آخر لمحمد نبيل أحمد الذي تم تحقيقه قبل الحرب الجارية، ويدور حول أربع شخصيات تبحث عن حياة أفضل.

شعار مهرجان القاهرة (مهرجان القاهرة)

الفيلم الثالث هو «حالة عشق»، وهو أيضاً من أعمال السينما التسجيلية؛ إذ يدور حول الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة وهو من إخراج كارول منصور ومنى خالدي.

باقي أفلام هذه المسابقة تتوزع «أرض الانتقام» لأنيس جعاد (الجزائر)، و«مدنية» لمحمد صباحي (السودان)، و«سلمى» لجود سعيد (سوريا)، و«المرجا الزرقا» لداود أولاد السيد (المغرب)، و«قنطرة» لوليد مطار (تونس)، و«وين صرنا» لدرة زروق (مصر) و«مين يصدق؟» لزينة عبد الباقي (مصر).

لجنة التحكيم لهذا القسم النشط من أعمال المهرجان تتألف من ثلاثة سينمائيين هم المنتج الإيطالي أنزو بورسللي، والكاتبة والمخرجة السعودية هند الفهاد، والموسيقار المصري تامر كروان.

لا يخلو المهرجان المصري العريق من البرامج المهمّة الأخرى بما فيها المسابقة الرسمية، وقسم خاص لمسابقة للأفلام الأفريقية، وتظاهرة للسينما الصينية من بين تظاهرات أخرى. كذلك في أهمية اختيار المخرج البوسني دنيس تانوفيتش لرئاسة لجنة التحكيم الرئيسية.