«ماد ماكس» جديد يُغير على «كان» المقبل

صراع الصحاري مستمر في نزاع فقد أسبابه

ميل غيبسون كما بدا في  أفلام «ماد ماكس» الأولى (وورنر).
ميل غيبسون كما بدا في أفلام «ماد ماكس» الأولى (وورنر).
TT

«ماد ماكس» جديد يُغير على «كان» المقبل

ميل غيبسون كما بدا في  أفلام «ماد ماكس» الأولى (وورنر).
ميل غيبسون كما بدا في أفلام «ماد ماكس» الأولى (وورنر).

يُجيد مهرجان «كان» الذي سينطلق في الرابع عشر من الشهر المقبل اللعبة جيداً. يوفر أفلاماً فنية وأفلام قضايا اجتماعية أو سياسية. يختار أفلاماً مرصّعة بالنجوم. يحشر ما يستطيع من أفلام فرنسية. يطرح الأفلام غير الناطقة بالفرنسية التي تم تمويلها، جزئياً أو كلياً، فرنسياً وتبنتها، سلفاً، شركات التوزيع الفرنسية الكبرى ثم... حتى لا يترك مناسبة ما تتسلل من بين يديه، يجلب فيلماً جماهيرياً أميركياً واحداً ويطلقه قبل عروضه العالمية التجارية.

في 2022 كان دور «توب غن: ماڤيريك» الفيلم الذي بث فيه توم كروز الحياة بعد نحو 36 سنة على تحقيق الجزء الأول. في العام التالي استقبل المهرجان «إنديانا جونز وقرص القدر» (Indian Jones and the Dial of the Destiny) الذي كان، بالطبع، الجزء الخامس من سلسلة كانت توقفت عن النمو في عام 1989 عندما قام ستيفن سبيلبرغ بتحقيق الجزء الرابع «إنديانا جونز والحملة الأخيرة» (Indiana Jones and the Last Crusade).

هذا العام هو موعد الجزء الخامس من «ماد ماكس» وعنوانه Furios‪:‬ A Mad Max Saga ‪:‬ علماً بأن المهرجان عرض، سنة 2015، الجزء الثالث منه (وعنوانه «ماد ماكس طريق الغضب»، Mad Max‪:‬ Fury Road).

الفيلم الجديد، واسمه الكامل Furiosa‪:‬ A Mad Max Saga، هو من مخلّفات الجزء السابق. تفصيل هذا أن المخرج جورج ميلر وكاتبه برندن مكارثي، وجدا أن السيناريو الذي قاما بكتابته للجزء الثالث فيه من الأحداث ما يفيض ويمكن توظيفه في جزأين لاحقين (هذا الجزء والجزء الخامس المرجح إنتاجه بعد ثلاث أو أربع سنوات).

آنيا تايلور-جوي بطلة الجزء الخامس (وورنر).

عناصر ثلاثة

تعرف هذا الناقد على «ماد ماكس» الأول سنة 1980 في صالة صغيرة كانت تقع على الجهة اليمني من نهاية شارع أكسفورد في لندن.

كان جديداً من نوعه حول رجل شرطة في أحد صحارى أستراليا يأخذ على عاتقه الانتقام من العصابة التي قتلت عائلته فقرر ملاحقتها بدراجته النارية وقتل زعيمها. الحبكة بسيطة ونراها مكررة في كل فيلم من هذا النوع، لكن ما كان جديداً تكوّن من ثلاثة عناصر رئيسية: العالم من بعد كارثة بيئية وأستراليا كمكان للأحداث كما لم نرها على هذا النحو من قبل، وشاب غير معروف آنذاك اسمه ميل غيبسون.

يمكن إضافة حقيقة أن الصراع ناتج عن غياب القانون وفقدان النفط، مما يجعل الصراع حول البحث عن هذين العنصرين صعباً. لا يتضمن الفيلم الكثير حول مسألة فقدان الغاز والنفط في أستراليا لكنه يستخدم ذلك عنصراً إضافياً.

قام غيبسون، وقد أصبح نجماً بعد هذا الفيلم، بمواصلة القتال في تلك البيئة العارية من الحياة في الجزء الثاني من هذا المسلسل في عام 1981. وبعد أربع سنوات قام المخرج ميلر والممثل غيبسون بتقديم جزء ثالث أضخم من سابقيه وأقل تأثيراً عنوانه «ماد ماكس وراء ثنيدردوم».

للجزء الرابع سنة 2016 تم تغيير الفورميلا صوب عنف أكثر وحركة دائمة من منظور شبه مختلف يحتوي على بطلين هما توم هاردي (في دور ماد ماكس) وتشارليز ثيرون.

عند هذا الحد فقد «ماد ماكس» بوصلته السابقة التي احتوت على بعض الملامح الإنسانية والأجواء الجديدة والصراع الفردي ضد الأعداء متحوّلاً إلى حبكة من الكر والفر والبطولة النسائية في الأساس (كما هو حال الفيلم المقبل). ومع وجود كل هذه الحافلات الضخمة التي تحتاج إلى البنزين لتشغيلها لم تعد مسألة النفط واردة. فقط أن الأحداث تقع، كما يبشّر الجزء الخامس، «ما بعد الانهيار».

أبعاد مختلفة

أخرج ميلر كل هذه الأفلام كجزء من ثروته السينمائية التي يرى أنها تنتمي إلى «سينما المونتاج» (في مقابل السينما التي تعتمد على التصوير). فهمه هذا ليس كاملاً ولا يجب أن يؤخذ به من دون نقاش. فأفلامه في الواقع تعتمد على الصورة لكي تسرد حكاية وعلى المونتاج لكي تؤلّف الناحية الفكرية منها، لكن الشكل الغالب هو التصوير والأداءات التقنية والميكانيكية والضروري من المؤثرات البصرية.

هذا هو المنوال ما جعل السلسلة ثرية الإيحاءات والمشاهد، خصوصاً الجزأين السابقين (لا نعرف شيئاً يُذكر عن الجزء الرابع بعد).

درس ميلر (الآتي من عائلة يونانية مهاجرة والمولود سنة 1945) الطب أولاً ومارسه متدرّباً لنحو سنة. عندما قرر الانتقال إلى العمل السينمائي فعل ذلك بسبب إعجابه، على حد قوله، بقدرة السينما على أن تكون فعلاً ميثولوجياً. لذلك لمولر تقدير كبير للأفلام التي تجمع ما بين الحكاية والحركة والميثولوجيا. الأولى تؤمن الصرح. الثانية تطرح ما يدور فوق ذلك الصرح، والثالثة ترتفع عنهما لتشكل الأبعاد المختلفة.

ومع أن مولر بنى شهرته ونجاحه على سلسلة «ماد ماكس» إلا إنه حقق أفلاماً مختلفة في الموضوعات والمضامين. في أفلام جيدة مثل «زيت لورنرو» (1992) وفي فيلمي الرسوم «هابي فيت» الأول (2006) والثاني (2011) إلا إنه يؤمن، باعترافه، بأن العنف في السينما (على غرار ما يوفّره في سلسلة «ماد ماكس») هو الأجدر بتقديمه، إيماناً منه بأنها توفر أفضل المفادات والأبعاد. يضع في الاعتبار أن الفيلم العنيف (لنقل على طريقة أفلام سام بكنباه أو جون كاربنتر) هو الذي يستطيع تحريك الخلفية بمضامينها في حين أن الأفلام الدرامية تأتي، غالباً، إما مباشرة في رسالاتها أو بلا رسائل على الإطلاق.

بطل وحيد

رسالته هذه وصلت إلى مستقبلي فيلمه الأساسي الأول «ماد ماكس» من دون تورية. لكن الغريب في أمر ذلك الفيلم، هو القبول السريع بما يعرضه. ففي الواقع لا يوفر الفيلم جديداً فعلياً لحكاية الشرطي الذي يريد الانتقام لدرجة أنه يناوئ برغبته تلك أوامر قيادته. هذا ما قام عليه فيلم دونالد سيغل «ديرتي هاري» مع كلينت إيستوود في البطولة، سنة 1971.

هناك كذلك حقيقة أن الناتج أمامنا لا يضيف شيئاً على الحبكة المستخدمة سابقاً إلا من حيث اهتمام المخرج بالبيئة والصحراء وعنف الآلة التي يطاردها ماد ماكس (ليس هناك الكثير من شرح خلفيّته) أو تطارده.

لا بد من ملاحظة أن مولر لم يكن راغباً في تسليط الضوء على بطله ماد ماكس لأكثر من حاجته لدوره في الحكاية. الأفلام الشبيهة التي تعاملت مع رجل يصرف حياته للانتقام من قتلة عائلته أو صديقة له أو ما شابه، تمحورت، في معظمها، حول أهمية الشخصية التي تقود الفيلم. البطل في تلك الأفلام (الأميركية غالباً) يسوّق الحدث من خلال شخصيّته، بينما يسوّق مولر بطله ميل غيبسون من خلال الحركة الدؤوبة والحبكة التي ستجعله ديكوراً فيها.

الجزء القادم، «فيوريوزا: أنشودة ماد ماكس» خال من ماكس نفسه بعدما كان التركيز في ذلك الجزء الرابع انفصل ليشمل شخصيتين ما زالا يحاربان عصابات السيارات والدراجات التي تهدد حياة الأبرياء. تشارليز ثيرون تمسك بالقيادة وبقوّة في دخول على محور الفيلم النسائي. هذا الفعل وجد ترحيباً بين كثيرين، لكن لا شيء فعلي تطوّر من ماد ماكس الأول. السباقات الطائشة ما زالت تسود المشاهد. القادة المتوحشون والقتلة الذين لا تدخل الرحمة قلوبهم يهددون وفي النهاية يفشلون. وإذا كان ذلك متوقعاً، فما هو ثابت أن الحكاية في كل هذه الأجزاء ما زالت واحدة.

الجزء الخامس من بطولة أنيا تايلور-جوي وسنراها تطارد العصابة للانتقام الذي هو المحرك الأول للسلسلة كلها.


مقالات ذات صلة

ريدوان لـ«الشرق الأوسط»: لا أتعجل دخول عالم التمثيل

يوميات الشرق الفنان المغربي ريدوان يجهز أغنية لتشجيع المنتخب المغربي (حسابه على «إنستغرام»)

ريدوان لـ«الشرق الأوسط»: لا أتعجل دخول عالم التمثيل

قرّر الفنان والمنتج المغربي ريدوان (نادر خياط) خوض تجربة جديدة في مسيرته الفنية عبر دخول مجال الإنتاج السينمائي بالمغرب.

محمود إبراهيم (دبي)
يوميات الشرق الفنان المصري الكبير عادل إمام (حسابه على «فيسبوك»)

فنانات مصريات يتحدثن عن كواليس عملهن مع عادل إمام

يحتفي الوسط الفني والإعلامي المصري ومتابعون على «السوشيال ميديا» بعيد الميلاد الـ85 للفنان المصري الكبير عادل إمام، الذي يوافق 17 مايو (أيار) الحالي.

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق رجل يمر أمام ملصقات لأفلام تُعرض في صالة سينما بمونتيبيللو في كاليفورنيا (أ.ف.ب)

الإقبال على دور السينما تراجع في 2024 للمرة الأولى منذ جائحة «كوفيد»

شهد عدد تذاكر دور السينما المبيعة في مختلف أنحاء العالم عام 2024 تراجعاً هو الأول منذ جائحة «كوفيد».

«الشرق الأوسط» (كان (فرنسا))
يوميات الشرق حصد فيلم Nonnas 15 مليون مشاهدة خلال 3 أيام من انطلاق عرضه (نتفليكس)

مطعمٌ طاهياتُه جدّات... فيلم Nonnas يحلّق على «نتفليكس»

كثيرٌ من الباستا والصلصات الشهية، ومطبخٌ تزيّنه جدّات تخطّين الـ60، وقصة إنسانية مؤثرة. هذه بعض العناصر التي دفعت بفيلم Nonnas إلى الصدارة على «نتفليكس».

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق تأخذ الأفلام المشاهدين في رحلة عميقة إلى الجانب الإنساني لشخصيات «هوليوود» بعيداً عن الأضواء (الشرق الوثائقية)

«أسبوع هوليوود»... أبرز وجوه السينما العالمية على «الشرق الوثائقية»

تطلق قناة «الشرق الوثائقية»، «أسبوع هوليوود»، بالتزامن مع مهرجان كان السينمائي، مُقدمة سلسلة أفلام تروي قصص نخبة من أبرز الشخصيات السينمائية العالمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

ويس أندرسون... مخرج التَّصميم الهندسي للإنسان والزمان

«المخطط الفينيقي» (أميركان إمبريكال بيكتشرز)
«المخطط الفينيقي» (أميركان إمبريكال بيكتشرز)
TT

ويس أندرسون... مخرج التَّصميم الهندسي للإنسان والزمان

«المخطط الفينيقي» (أميركان إمبريكال بيكتشرز)
«المخطط الفينيقي» (أميركان إمبريكال بيكتشرز)

يحرص مهرجان «كان» سنوياً على اختيار أفلام أميركية ذات طابع مستقل، متحرِّرة من السائد الهوليوودي، من خلال أعمال لمخرجين اشتهروا برؤاهم الذاتية وأسلوبهم الخاص في التأليف، مثل سبايك لي، وجيم جارموش، وديفيد لينش، وقبلهم روبرت ألتمن، وودي ألن، وألكسندر باين. كذلك كانت للمهرجان جولات ناجحة مع المخرج ويس أندرسون الذي يوالي عرض أفلامه فيه كلَّما حقق جديداً.

ويشارك أندرسون العام الحالي بفيلم كوميدي بعنوان «المخطط الفينيقي»، بعد أن قدَّم قبل عامين فيلم «أسترويد سيتي»، الذي انضم بدوره لما سبق لهذا المخرج أن حققه وخصَّه في هذا المهرجان الفرنسي.

المخرج أندرسون خلال تصوير «فندق بودابست الكبير» (فوكس سيرتشلايت)

إلى الصدارة

ينتمي فيلم أندرسون الجديد إلى مجموعة أفلامه السابقة، لا من حيث الحكاية التي تضمُّ مواقف مختلفة لشخصيات متعددة، بل من حيث ذلك الأسلوب الخاص الذي يميِّز كلّ ما يحقِّقه. أسلوب يعتمد الشكل الهندسي ويعمد إلى حلول فنية خاصّة به تُميِّز أفلامه عن أي مخرج آخر من أي مكان.

لم يدرس أندرسون الهندسة المعمارية أو علم الهندسة مُطلقاً، كما لم يُمارس فنَّ الرسم من قريب أو بعيد (كما فعل لينش على سبيل المثال). وذلك لم يمنعه، منذ أن بدأ الإخراج سنة 1998، من تشكيل أفلامه على نحو هندسي، ومنحِ الصورة ألواناً أساسية تُعبِّر عن المكان والمعنى الذي يجسِّدهما. ألوانه فاقعة حين يرغب في ذلك، وخافتة في حالات أخرى. حتى عندما تكون خافتة أو باهتة، تبقى مُميَّزة بدرجة كبيرة من دفع اللون إلى الصدارة؛ لذلك، فإن مُشاهدة أفلامه هي تجربة في التصاميم الشكلية وألوانها، تُحيط بالحكاية وتٌلّمُ بتفاصيل عدَّة يوفِّرها المخرج في أي مشهد، وفي أي فيلم له.

في «المخطط الفينيقي» مثال جاهز: مشهد يتألف من غرفة واسعة ذات سقف وجدران من الخشب بُنيَّة اللون، فيها 3 شخصيات. إلى اليمين رجل بسترة بنيَّة يحمل حقيبة حمراء وجهازاً تحتها. وراءه بأمتار قليلة فتاة بلباس راهبة. إلى يسار الصورة، وعلى بُعد مماثل، يقف رجل بيد مربوطة لعنقه (إثر حادثة)، يرتدي سترة لونها بيج. الغرفة نفسها موضَّبة، تحتوي على مكتب في منتصفها أمام نافذة، وعلى الأرض انعكاسات لنور الشمس.

ديكوريست

توزيع الشخصيات في الفيلم ينتمي إلى رؤية المخرج، حيث تُحسب تفاصيل كل لقطة بدقة شديدة، من حيث المساحة والمسافات، وحتى انعكاس ضوء الشمس على الأرض. الفيلم بأكمله مصمَّم على هذا النحو، كما لو أن المخرج رسم كل مشهد على حِدَةٍ قبل تصويره، وهذه ليست المرة الأولى.

يمكن ملاحظة هذا الأسلوب المميز لدى أندرسون في جميع أفلامه؛ فهو «ديكوريست» ومخرج في آنٍ معاً. في فيلم «عائلة تَننباوم الملكية» (2001)، يلعب المنزل حيث تعيش شخصيات العائلة دوراً محورياً في تعريفها، يُفسِّرها من خلال محتويات غُرَفه وتوزيع الألوان فيها. وأمضى المخرج 6 أشهر في تصميم الديكورات واختيار الألوان، مقابل 6 أسابيع فقط لتصوير الفيلم.

«دارجالينغ ليمتد» (فوكس سيرتشلايت)

في لقطة من فيلم (The Darjeeling Limited) «دارجالينغ ليمتد» عام 2007، تُظهر 3 ممثلين جالسين على كنبة عريضة داخل غرفة ضيقة ذات جدران برتقالية داكنة وحمراء باهتة. طريقة جلوسهم ووضع أيديهم أمامهم تبدو متجانسة، لأن الغاية هي توفير صورة ثلاثية الأبعاد لشخص واحد. هؤلاء هم 3 إخوة ركبوا القطار في مهمة روحانية. بدلاً من تناول شخصياتهم بشكل منفصل، يعرض المشهد اختلافاتهم وتماثلهم، ليختزل كل شيء في تلك اللقطة، فإذا بهم أقرب إلى حالة واحدة متعددة الشخصيات. هذا التماثل يطرح مُجدداً الرغبة في استخدام التصميم العام بوصفه بديلاً للدراسة النفسية أو حتى الاجتماعية.

الأسلوب كلغة

أحد أفضل أفلام أندرسون هو (The Grand Budapest Hotel) «فندق بودابست الكبير» 2014. الفندق من الخارج هو معمار كلاسيكي زهري اللون. المشاهد الداخلية حمراء قانية أساساً. بهو الفندق يتألف من سجادة عريضة في الوسط وسجادتين على جانبيها، وسُلَّم مغطى بدوره بالسجاد، وفي أعلاه مكتب الاستقبال تحت نوافذ بيضاء. المصابيح موزَّعة بالتساوي في كل مكان.

الغاية هنا هي توفير نظرة محدَّدة لفندق كلاسيكي في زمن كلاسيكي (الثلاثينات) في مدينة أوروبية تتنفَّس أريح تلك الفترة الفاصلة بين حربين عالميتين. لم يعد هناك داعٍ، والحال هذا، لمشاهد توفِّر تصويراً للمدينة أو للمكان عموماً. مرّة أخرى، تتكفَّل الصورة بتوفير المعلومات المطلوبة. حين تنتقل الأحداث من تلك الفترة الزمنية إلى أخرى (الستينات)، يتغيَّر الاعتماد على اللون الأحمر القاني وتبعاته البرتقالية والوردية. هذا يتماشى مع الرغبة في تصوير انتقالِ زمني من عصر الفخامة الأرستقراطية في العقود السابقة إلى بقايا تلك الفخامة بعدما بهتت الألوان.

أمّا أندرسون، فبلغ هذا التشكيل الخاص به في فيلم (The French Dispatch) «ذَا فرنش ديسباتش» الذي عرضه مهرجان «كان» سنة 2021. يختار لون المبنى التقليدي القديم من الخارج من دون تمييز يُذكر. لكن المشاهد الداخلية هي التي تتنوَّع. لا تنتقل من ألوان فاتحة إلى أخرى هادئة وخافتة، بل يتناوب عليها التصوير بالألوان والأبيض والأسود.

كل ما يفعله أندرسون من جهد في توظيف الألوان والتصاميم والتفاصيل هو أسلوب خاص به يقوم على توفير التشكيل الصالح لأن يلعب دور البطولة إلى جانب الشخصيات. ينتمي إلى فن الرسم وفن الهندسة وفن المسرح في آن معاً. هذا من دون أن ينفي أحدنا انتماء هذا المزيج إلى السينما أساساً. ما يقدّمه أندرسون هو أسلوب مغاير ومنفرد ينتمي إليه وحده. هو نفسه يقول: «قرَّرت أن هذا الأسلوب هو مثل خط يدي لا أستطيع تغييره».