«كوكب القردة»... الجزء العاشر منه على الأبواب

يتحدث الفيلم عن صراع لا يتوقف ولا يختلف عن صراعات أهل الأرض

 «مملكة كوكب القردة» (ديزني).
«مملكة كوكب القردة» (ديزني).
TT

«كوكب القردة»... الجزء العاشر منه على الأبواب

 «مملكة كوكب القردة» (ديزني).
«مملكة كوكب القردة» (ديزني).

القردة الكبيرة ستعود في العاشر من مايو (أيار) المقبل لتقف أمام الكاميرا في أدوار درامية معقّدة. هناك زعيم شرس يريد اصطياد كل البشر على سطح الأرض وغوريلا شاب يشعر بأن الوقت حان لإنقاذنا، نحن مساكين هذا الكوكب، من طغيان وسطوة ذلك الزعيم.

هذه هي حبكة الجزء العاشر من سلسلة «كوكب القردة» وسيعرض عالمياً تحت عنوان Kingdom of the Planet of the Apes تحت إدارة المخرج وس بول، الذي كان حقق الجزء التاسع من هذه السلسلة سنة 2017. يمكن إضافة أن الغوريلا الشاب شهد ما لم يعجبه وهو قيام القردة باختطاف فتاة من البشر لأنها أذكى من القردة. هذا جعله يسأل ويدرك بأن البشر، في هذه القراءة المستقبلية التي تم بعثها من الفيلم الأول قبل 56 سنة بفيلم «كوكب القردة» الذي أخرجه حينها فرانكلين شافنر (حقق «باتون» سنة 1970)، يستحقون الشفقة ومؤازرتهم ضد الاستبداد.

البشر ضد القردة في «ثورة كوكب القردة» (فوكس).

استبداد

من حينه، زارت هوليوود هذا الكوكب كل بضع سنوات فأنجزت خمسة أفلام حول الصراع بين البشر والقردة ما بين 1968 و1973 ثم عادت إلى المنوال سنة 2001 (إعادة صنع للفيلم الأول) ثم تم تفريخ ثلاثة أفلام بعد ذلك. الفيلم الجديد هو الرابع من الفئة الجديدة.

ببعض التمحيص تنقسم هذه الأفلام غالباً إلى قسمين: مع البشر ضد الغوريلات الكبيرة ومع الغوريلات ضد البشر. الحكاية في الأساس تدور حول كيف استبد البشر بالقردة وسخّروها كعبيد في فيلم ثم كيف ثارت القردة وسخّرت البشر كعبيد في فيلم آخر... ثم منذ ذلك الحين والكرة تنتقل من فريق لآخر. الفيلم الجديد سيحاول تقديم قرد حكيم واحد ليساعد البشر... إذن يمكن القول، ولو بحذر، إنه فيلم مع الإنسان ضد الحيوان.

لمعت الفكرة أساساً في بال الكاتب الفرنسي بيير بول تحت عنوان La Planète des Singes. يُقال إنه زار ذات مرّة، في عام 1963، حديقة الحيوان وأخذ يتمعّن في تصرفات وسلوكيات الغوريلا. عندما عاد إلى داره شرع في كتابة الرواية الأولى التي اعتمدتها هوليوود من سنة 1969 أفلاماً ورسوماً متحركة وإنتاجات تلفزيونية، بل وألعاب فيديو.

الصراع بحد ذاته لا يختلف عن صراع أهل الأرض ضد مخلوقات عديدة بعضها يخرج من تحت سطح الماء وبعضها يهبط من الكواكب البعيدة وأخرى تنفض عن نفسها أطناناً من الصخور والرمال وتخرج من تحت الأرض.

حسب المناسبة المنشودة، يفوز أهل الأرض بالمعركة ضد هذه المخلوقات مرّة ويخفقون مرّات لكن الصراع لا يتوقف. لسبب لا يعلمه أحد، هناك نيّة شريرة لدى تلك المخلوقات (خصوصاً تلك الهابطة من السماء) استعمار الإنسان وتحويل مدنه إلى دمار. فعل يستطيع البشر القيام به من دون مساعدة خارجية.

هيلينا بونام كارتر ومارك وولبرغ في «كوب القردة» (فوكس).

على ذلك سلسلة «كوكب القردة» Planet of the Apes تختلف في أن القردة ليست من مخلوقات بعيدة، بل هي حيوانات تعيش، في الأساس، فوق كوكب شبيه بالأرض يسكنه بشر، مما يمنح الفرصة لتصوير الصراع بين الفريقين. كون الأعداء قردة ساعد في تقريب احتمالات الصراع بين البشر وبين حيوانات يمكن زيارتها في حدائق الحيوان أو في بلاد أفريقية وآسيوية ولاتينية كثيرة تعيش في غاباتها وتنأى بنفسها عن صحبة الإنسان أو التمثّل به. هذا أقرب إلى القبول من مخلوقات برؤوس أخطبوطية أو على شكل مركبات فضائية تطلق أشعة تدمّر الحياة والجماد على حد سواء.

على أن الكوكب الشبيه بالأرض تطلّب دوماً تصاميم إنتاج غالية، مما أدّى بالمسلسل، بعد فصلين أولين، إلى الهبوط إلى كوكب الأرض ذاتها بدء من الفيلم الثالث من السلسلة.

هناك بعض الفلسفة لا في الحكاية الأصلية فقط، بل في معظم تلك الأفلام اللاحقة من المسلسل. شيء عن عالم مهزوز وغير ثابت يؤمن بالاستغلال والعبودية ثم يدفع ثمناً باهظاً نتيجة عمله. شيء ليس بعيداً عما يقع في أرجاء كوكبنا هذا.

ميزانيات صغيرةالفيلم الأول في هذه السلسلة ينتمي إلى الخيال العلمي ونهاية العالم. بشر يهبطون كوكب يماثل الأرض فيكتشفون أن القردة هي التي تمسك بزمام الكوكب. القردة تهاجمهم والصراع من هنا وصاعداً يدور حول كيف سيتمكن البشر من الهروب منهم.

في الفيلم التالي Beneath the Planet of the Apes («تحت كوكب القردة»، 1970) حاول المخرج تد بوست فعل المستحيل بميزانية لم تزد عن 3 ملايين و400 ألف دولار (رغم نجاح الفيلم السابق الذي جمع 33 مليون دولار متجاوزاً أضعاف ميزانية لم تزد عن 5 ملايين و600 ألف دولار).

الحكاية المنتخبة هنا هي وصول ملاح فضاء (جيمس فرانسيسكوس) إلى الكوكب ذاته بحثاً عن الملاح السابق تايلور (شارلتون هستون). سيجده سجيناً مع مجموعة من البشر تقوم بعبادة القنبلة النووية. على سذاجة ذلك ورغم المعيقات المادية صنع بوست حبكة جيدة مكتوبة لصالح الإنسان ضد حاكميه.

بعد ذلك، حان وقت الهروب من الكوكب المذكور والملجأ الوحيد هو الأرض ذاتها في وقت تم ضغط التكلفة مجدداً إلى ما يقرب من 3 ملايين دولار. المشكلة هنا هي أن هوليوود كانت لا تزال تعامل السلسلة بمستوى الأفلام الصغيرة، رغم أنها كانت لا تزال تحقق أرباحاً مرتفعة (نسبياً على الأقل).

دار الفيلم الثالث، Escape from the Planet of the Apes («هروب من كوكب القردة»، 1971) حول قيام الولايات المتحدة باستقبال ثلاثة قرود بالغي الذكاء بعدما تم نقلهم من كوكبهم السابق. بذلك تم زرع البذرة الأولى في تحويل الصراع من كوكب مجهول إلى كوكب الأرض. الإخراج كان لدون تايلور وهو مخرج تلفزيوني أنجز بضعة أفلام جيدة والاستقبال العام كان إيجابياً.

للجزء الرابع Conquest of the Planet of the Apes («قهر كوكب القردة»، 1972) تمت الاستعانة بالمخرج البريطاني ج. لي تومسون الذي دفع باتجاه تحقيق فيلم يدور حول العنصرية التي يمارسها البيض على القردة والتي قصد بها أن تماثل العنصرية التي يمارسها البيض على السود في الولايات المتحدة. من هنا وصاعداً ستبدأ مرحلة من الأفلام التي تصبح فيه القردة ضحايا للبشر الموصومين بالعنصرية والرغبة في الاستعباد.

بالانتقال إلى الجزء الخامس Battle for the Planet of the Apes («المعركة لأجل كوكب القردة»، 1973) ازداد اعتماد الفيلم على التماثل الاجتماعي، لكن الجميع كان يعلم أن هذا الجزء هو آخر الأجزاء والميزانية بدورها (نحو مليون ونصف دولار) لم تسمح بكثير من المغامرة وانتهى هذا الفيلم بين يدي جمهور استجاب قليلاً ونقاد لم يكترثوا للفيلم مطلقاً.

إعادة واستعادة

حتى مطلع القرن الحادي والعشرين بقي هذا الكوكب من الأفلام مهجوراً مثل كوخ في برية ما. لكن شركة فوكس انبرت من دون سابق إنذار لتبني سلسلة جديدة بدأت بنية الانتقال من مفهوم الفيلم الصغير إلى شروط الفيلم الضخم.

أدركت شركة فوكس أنه لم يعد هناك مبرر كافٍ للبقاء في نطاق الإنتاجات الصغيرة لمشروع من هذا النوع إذا ما أريد له النجاح. ميزانية فيلم العودة (تحت عنوان Planet of the Apes) بلغت 100 مليون دولار وعوض مخرجين منفذين جلبت للمشروع مخرجاً من أصحاب الرؤى الفكرية والفنية هو تيم بيرتون.

ما صنعه المخرج هو إعادة القصّة الأولى التي اعتمدها الفيلم الأول من السلسلة لكن المنظور والمعالجة والثقل الفني وتوظيف التكنولوجيا مختلف تماماً ومضاعف. ومع نجوم جدد (من بينهم هلينا بونهام كارتر ومارك وولبرغ وتيم روث وبول جياماتي) أنجز الفيلم قرابة 363 مليون دولار.

بعد عشر سنوات تم ابتداع حكاية جديدة بعنوان Rise of the Planet of the Apes («ثورة كوكب القردة»، 2011) الذي جلب قرابة 500 مليون دولار تحت إدارة روبرت وايات وبذا فتح هذا الجزء الباب لعودة مستمرة وقوية.

فيلمان بعد ذلك هما Dawn of the Planet of the Apes («فجر كوكب القردة»، 2014) وWar for the Planet of the Apes («حرب كوكب القردة»، 2017) حوّلا الصراع إلى محض قوى عسكرية تواجه كل منها الآخر مع ميزان قوى متغيّر تبعاً لمن سيفوز في نهاية مطاف كل فيلم.

رغم هذه الخلفية المشبعة فإن الغوريلات الخطرة صاحبت السينما منذ أن كانت لا تزال تحلم بصمت. هناك أفلام طرزان الأولى، ثم كل أفلامه الناطقة القديمة منها والحديثة حيث تلعب القردة أدواراً إيجابية فواحدة منهن أرضعت الطفل الأبيض عندما وجدته في إحدى غابات أفريقيا فتبنته، وعندما اشتد عوده حافظ على صداقته مع كل أنواع القردة، بل ومع حيوانات غير مفترسة يعرف لغاتها ويأمرها فتلبيه.

لكن صورة الغوريلا كوحش كاسر تجسدت في «كينغ كونغ» سنة 1933 بفضل ماريان س. كوبر من وحي الكاتب إدغار والاس. هناك فوق جزيرة مجهولة تحط سفينة تحمل أفراداً في رحلة علمية. بين هؤلاء جميلة شقراء اسمها آن (فاي راي) التي ذات يوم تجد نفسها وجهاً لوجه أمام ذلك الغوريلا الكبير. المشكلة هي أنه وقع في غرامها من النظرة الأولى وعندما يتم نقله مقيّداً بسلاسل إلى نيويورك بغاية عرضه للعموم لجني الأرباح يكسر القيود ويختطف آن من جديد ويصعد بها سطح مبنى إمباير ستايت حيث يواجه الطائرات التي تهاجمه كما واجه الجنرال كَستر هنود السيوكس في موقعة «ليتل بيغ هورن» الشهيرة. كلاهما، كستر وكينغ كونغ، حاربا وخسرا ولو لأسباب مختلفة. الفارق أن كينغ كونغ عاد للحياة في سلسلة من الأفلام الأخرى سيعرض آخرها أيضاً في الشهر المقبل تحت عنوان Godzilla X Kong.

سيكون ذلك ثاني لقاء بين البطلين غودزيلا الآتي من أعماق البحار وكينغ كونغ الذي كان دفن نفسه تحت سطح الأرض بالقرب من أهرامات الجيزة كما ينص السيناريو.

عشرة أفلام من بطولة غوريلات معظمها خطر

إسماعيل ياسين في بيت الأشباح

فطين عبد الوهاب ★★

واحدة من كوميديات الممثل يواجه

فيه غوريلا (1951)

Africa Screams | تشارلز بارتون ★★

بد أبوت ولو كوستيللو

وبينهما غوريلا (1949)

Congo | فرانك مارشال ★★★

فريق من المكتشفين يواجهون

غوريلات الكونغو (1995)

Gorilla at Large | هارمون جونز ★★

جريمة قتل في سيرك والمتهم غوريلا (1954)

Gorillas in the Mist | مايكل أبتد ★★★

سيغورني ويڤر تعيش سعيدة بين القردة

في أفريقيا (1988)

Jungle Woman | رينولد لو بورغ ★

تتحوّل امرأة فاتنة إلى غوريلا قاتلة (1944)

King Kong | بيتر جاكسون ★★★★

نسخة جديدة من الحكاية الأصلية

مع جسيكا لانغ (2005)

Mighty Joe Young | أرنست شودساك ★★

استعادة لأسطورة كينغ كونغ باسم آخر (1949)

Mighty Joe Young | رون أندروود ★★★

غوريلا ضخمة يتم نقلها إلى أميركا

لحمايتها إذا أمكن (1998)

Rampage | براد بيتون ★★

غوريلا مصابة بفيروس

يهدد حياة شيكاغو (2018)

2023: Anatomy of a Fallإخراج: جوستن ترييه (فرنسا) ★★★


مقالات ذات صلة

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

يوميات الشرق هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي بدورته الـ45 «تشريفاً تعتز به».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
TT

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

أرزة ★★☆

دراجة ضائعة بين الطوائف

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة. هي تصنع الفطائر وابنها الشاب يوزّعها. تفكّر في زيادة الدخل لكن هذا يتطلّب درّاجة نارية لتلبية طلبات الزبائن. تطلب من أختها التي لا تزال تعتقد أن زوجها سيعود إليها بعد 30 سنة من الغياب، بيع سوار لها. عندما ترفض تسرق أرزة السوار وتدفع 400 دولار وتقسّط الباقي. تُسرق الدرّاجة لأن كينان كان قد تركها أمام بيت الفتاة التي يحب. لا حلّ لتلك المشكلة إلا في البحث عن الدراجة المسروقة. لكن من سرقها؟ وإلى أي طائفة ينتمي؟ سؤالان تحاول أحداث الفيلم الإجابة عليهما ليُكتشف في النهاية أن السارق يعيش في «جراجه» المليء بالمسروقات تمهيداً لبيعها خردة، في مخيّم صبرا!

قبل ذلك، تنتقل أرزة وابنها والخلافات بينهما بين المشتبه بهم: سُنة وشيعة ومارونيين وكاثوليك ودروز. كلّ فئة تقترح أن واحدة أخرى هي التي سرقت وتشتمها. حتى تتجاوز أرزة المعضلة تدخل محلاً للقلائد وتشتري العُقد الذي ستدّعي أنها من الطائفة التي يرمز إليها: هي أم عمر هنا وأم علي هناك وأم جان- بول هنالك.

إنها فكرة طريفة منفّذة بسذاجة للأسف. لا تقوى على تفعيل الرّمز الذي تحاول تجسيده وهو أن البلد منقسم على نفسه وطوائفه منغلقة كل على هويّتها. شيء كهذا كان يمكن أن يكون أجدى لو وقع في زمن الحرب الأهلية ليس لأنه غير موجود اليوم، لكن لأن الحرب كانت ستسجل خلفية مبهرة أكثر تأثيراً. بما أن ذلك لم يحدث، كان من الأجدى للسيناريو أن يميل للدراما أكثر من ميله للكوميديا، خصوصاً أن عناصر الدراما موجودة كاملة.

كذلك هناك لعبٌ أكثر من ضروري على الخلاف بين الأم وابنها، وحقيقة أنه لم يعترف بذنبه باكراً مزعجة لأن الفيلم لا يقدّم تبريراً كافياً لذلك، بل ارتاح لسجالٍ حواري متكرر. لكن لا يهم كثيراً أن الفكرة شبيهة بفيلم «سارق الدّراجة» لأن الحبكة نفسها مختلفة.

إخراج ميرا شعيب أفضل من الكتابة والممثلون جيدون خاصة ديامان بوعبّود. هي «ماسة» فعلاً.

• عروض مهرجان القاهرة و«آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

سيلَما ★★★☆

تاريخ السينما في صالاتها

لابن بيروت (منطقة الزيدانية) لم تكن كلمة «سيلَما» غريبة عن كبار السن في هذه المدينة. فيلم هادي زكاك الوثائقي يُعيدها إلى أهل طرابلس، لكن سواء كانت الكلمة بيروتية أو طرابلسية الأصل، فإن معناها واحد وهو «سينما».

ليست السينما بوصفها فناً أو صناعة أو أيّ من تلك التي تؤلف الفن السابع، بل السينما بوصفها صالة. نريد أن نذهب إلى السينما، أي إلى مكان العرض. عقداً بعد عقد صار لصالات السينما، حول العالم، تاريخها الخاص. وفي لبنان، عرفت هذه الصالات من الأربعينات، ولعبت دوراً رئيسياً في جمع فئات الشعب وطوائف. لا عجب أن الحرب الأهلية بدأت بها فدمّرتها كنقطة على سطر التلاحم.

هادي زكّاك خلال التصوير (مهرجان الجونا)

فيلم هادي زكّاك مهم بحد ذاته، ومتخصّص بسينمات مدينة طرابلس، ولديه الكثير مما يريد تصويره وتقديمه. يُمعن في التاريخ وفي المجتمع ويجلب للواجهة أفلاماً ولقطات وبعض المقابلات والحكايات. استقاه من كتابٍ من نحو 600 صفحة من النّص والصور. الكتاب وحده يعدُّ مرجعاً شاملاً، وحسب الزميل جيمي الزاخم في صحيفة «نداء الوطن» الذي وضع عن الكتاب مقالاً جيداً، تسكن التفاصيل «روحية المدينة» وتلمّ بتاريخها ومجتمعها بدقة.

ما شُوهد على الشاشة هو، وهذا الناقد لم يقرأ الكتاب بعد، يبدو ترجمة أمينة لكلّ تلك التفاصيل والذكريات. يلمّ بها تباعاً كما لو كان، بدُورها، صفحات تتوالى. فيلمٌ أرشيفي دؤوب على الإحاطة بكل ما هو طرابلسي وسينمائي في فترات ترحل من زمن لآخر مع متاعها من المشكلات السياسية والأمنية وتمرّ عبر كلّ هذه الحِقب الصّعبة من تاريخ المدينة ولبنان ككل.

يستخدم زكّاك شريط الصوت من دون وجوه المتكلّمين ويستخدمه بوصفه مؤثرات (أصوات الخيول، صوت النارجيلة... إلخ). وبينما تتدافع النوستالجيا من الباب العريض الذي يفتحه هذا الفيلم، يُصاحب الشغف الشعور بالحزن المتأتي من غياب عالمٍ كان جميلاً. حين تتراءى للمشاهد كراسي السينما (بعضها ممزق وأخرى يعلوها الغبار) يتبلور شعورٌ خفي بأن هذا الماضي ما زال يتنفّس. السينما أوجدته والفيلم الحالي يُعيده للحياة.

* عروض مهرجان الجونة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز