شاشة الناقد: مأساة مهاجرين أفغان إلى إيران

«حدود بلا نهاية» (يوروب ميديا نست)
«حدود بلا نهاية» (يوروب ميديا نست)
TT

شاشة الناقد: مأساة مهاجرين أفغان إلى إيران

«حدود بلا نهاية» (يوروب ميديا نست)
«حدود بلا نهاية» (يوروب ميديا نست)

أفلام الهجرة من ناحية، وأفلام المحاكمات من ناحية أخرى، في ازدياد واضح ولأسباب مختلفة. الفيلم الثالث استعادة من برنامج عروض في لوس أنجليس.

ENDLESS BORDERS ★★★

إخراج: عباس أميني | إيران/ ألمانيا | 2023‫ ‬‬

الفيلم الخامس للمخرج الإيراني عباس أميني قد يضعه في خانة المشكوك بأمرهم من الرقابة الإيرانية. ذلك الحديث عن اضطهاد رجال القانون لبطل الفيلم وتلك الخلفية التي دفعته لترك عمله في طهران واللجوء إلى قرية تقع على الحدود الأفغانية، ثم تلك الغزوات البوليسية على اللاجئين الأفغان الهاربين من سطوة «طالبان»، كلها تترك ما هو أقرب إلى اليقين بأن الفيلم غير مرحّب به حتى لو تسلّل إلى العرض داخل البلاد (وهو أمر ليس معروفاً لدينا).

بطل الفيلم اسمه أحمد (بوريا رحيمي سام) أستاذ مدرسة لجأ إلى تلك القرية الفقيرة الواقعة عند الحدود. في بداية الفيلم نفهم أنه ينتقل بين طرفَي الحدود لتعليم الناشئة. هذا إلى أن يوقفه بوليس الحدود ويأخذ تصريحه بالتجوّل بين المنطقتين. يحاول أحمد إفهام المحقق أنه مجرد أستاذ يؤدي وظيفته وأن تلامذته في أفغانستان يحتاجون إليه، لكنَّ المحقق يصرفه.

سبب انتقاله من طهران إلى تلك القرية غير معروف، لكنّ الموحى به أن السبب سياسي. زوجته سجينة للسبب نفسه، ويداهمه شعور بأنه مسؤول عن دخولها السجن، لكنَّ هذا أيضاً من الأمور التي أبقاها المخرج غائبة عن التفسير. في القرية يستقبل، وسواه، مهاجرين آتين من أفغانستان بحثاً عن الأمان بعيداً عن سطوة «طالبان». هناك ربّ عائلة مهاجرة مريض ونرى «الأستاذ أحمد» يفعل جهده لكي ينقذ حياته بما في ذلك شراء الأدوية من ماله الخاص. للعائلة فتاة تبلغ من العمر 16 عاماً، زُوّجت لكن هناك شاب إيراني واقع في حبها، والأستاذ يحاول ثنيه عن فعل ما لا تُحمد عقباه.

بدوره يشرح الحوار بعض المواقف، لكنَّ المشكلة هي أنه مع اختيار عدم إيضاح الوضع وإبقاء بعض الأسئلة التي يثيرها المُشاهد بلا أجوبة يُضعف حدّة الفيلم ويموّه بعض رسالته. ما نراه ماثلاً بوضوح هو ذلك الأستاذ الذي يشعر بأن واجبه يتجاوز الحكم الصادر عليه بالتوقف عن التعليم، وصعوبة الانتقال ما بين القرية والمدينة، والصعوبة المماثلة في الحفاظ على قدرٍ من العلاقات المتساوية في مجتمع قبائليّ راضخ تحت حصار التقاليد. العائلة نفسها تودّ المضيّ قُدُماً صوب الحدود التركية وصولاً إلى تلك الألمانية لطلب الهجرة، كيف سيتسنّى لها ذلك؟ وهل هي قادرة على خوض تلك الرحلة في ظروف صعبة؟

العنوان يبقى آسراً لأن الحدود التي يتحدث عنها الفيلم ليست فقط بين تلك الأفغانية والإيرانية، بل تلك الرمزية التي تواجه بطل الفيلم كذلك. تمثيل بوريا رحيمي سام يتنفس إيماناً بما يؤديه. طبيعي ومنصهر تحت رغبة المخرج في أن تبقى كل عناصر الفيلم (بما في ذلك تضاريس المكان والتصرّفات) طبيعية.

• عروض: مهرجان روتردام

‪THE GOLDMAN CASE‬ ★★★‬

إخراج: سدريك كوهن | دراما محاكم | فرنسا | 2023‫ ‬‬

مثل «تشريح سقطة»، (Anatomy of a Fall)، لجوستين ترييه، و«سان أومير» (Saint Omer)، لأليس ديوب، تدور أحداث هذا الفيلم في قاعة المحكمة. لكن باستثناء مقدّمة لشاب يركض للحاق بموعد مع المحامي في مكتبه، لا توجد أي مشاهد خارجية على الإطلاق.

من «قضية غولدمان» (مونشاكر)

القضية الماثلة هي تهمة موجّهة إلى رجل اسمه بيير غولدمان، متهم بسرقات عدّة وبقتل صيدلي وامرأة في إحدى سرقاته إلى جانب مجموعة أخرى من السرقات، كلّها معروضة علينا عبر مقدّمة مكتوبة ثم من خلال المرافعات. غولدمان، الذي يَمْثلُ هنا أمام محكمة استئناف بعدما كان قد صدر عليه حكم سابق يعترف بكل السرقات باستثناء التي قتل فيها الصيدليين. حول هذه النقطة وخلفيات المجرم ومع وجود شهود لديهم أقوال توفر مزيداً من المعلومات عن هذه القضية، يسرد الفيلم وقائع المحكمة على نحو لا يخلو من التشويق الناتج عن تعاون جيد وخطة عمل ناجحة تجمع بين الإخراج والتوليف.

تقع الأحداث، وهي فعلية، سنة 1975 وتمتلئ القاعة بمناصرين للمتهم (معظمهم من دينه)، الذين يقاطعون القاضي مردّدين «غولدمان بريء» عدّة مرات حتى من قبل صدور الحكم ببراءته من تهمة القتل وسجنه لـ12سنة، عقوبةً على سرقاته. يستعين القاضي (ستيفن غوران - تيليه) بكتاب سيرة وضعه المتهم خلال فترة سجنه السابقة عنوانه «ذكريات يهودي بولندي وُلد في فرنسا»، وبشهادة زوجته السابقة وطبيبة نفسية وبعض أصدقاء الأمس وبينهم مَن تعرّف غولدمان عليه عندما انضم إلى جماعات ثورية في كوبا وفنزويلا قبل عودته إلى باريس ليمتهن السرقة.

سيتَّهم غولدمان الشرطة الفرنسية بأنها قوّة عنصرية. حين يقف محامي الدفاع ليقول إن موكله يعني «بعض» رجال البوليس، يردّ غولدمان: «بل كل رجال البوليس». على ذلك المحاكمة ليست عن هؤلاء بل عن غولدمان المحاط بذلك الجمهور الذي لا نعرفه سوى من ملامحه يصرخ مطالباً ببراءته.

ما يستنتجه الناقد هنا هو قدر من الريبة من أن استخدام جمهور المؤيدين غير المحايدين هو تفعيلة لحشد عاطفي مؤيد بين مشاهدي الفيلم أيضاً. يتساءل المرء بالتالي، إذا كانت التوليفة كتابةً وإخراجاً هي بالصدق التي تتبدّى عليه خصوصاً مع وجود مناسبات تمرّ سريعة من دون التوقف عندها مثل حقيقة أن غولدمان يصر على براءته ديماغوغياً («أنا بريء لأني بريء») رافضاً وجود شهود قد يرجّحون روايته: هل لم تكن المحكمة قادرة على جلب هؤلاء الشهود لو أرادت؟ ألم يكن الدفاع أو المدّعي العام قادرين على فرض هؤلاء الشهود لاستجوابهم؟

جُلُّ القضية يتعاطى وخلفية غولدمان وحياته الصعبة وما إذا كان مريضاً نفسياً أم لا. الفيلم قائم على الحوار بطبيعة وضعه، بوصفه فيلم محاكمة، وفي أحيان يسبق المُشاهد المواقف التي سيعبّر عنها الحوار حين يصل.

• عروض: خاصّة.

‪KISS OF DEATH‬ ★★★★‬

إخراج: هنري هاذاواي | بوليسي | الولايات المتحدة | 1947‫ ‬‬

‫هذا هو الفيلم الذي يقف فيه ريتشارد ويدمارك عند أعلى السلم ويدفع بامرأة عجوز فوق كرسيها المتحرك من أعلى السلم. وإذ يهبط الكرسي ثم ينقلب بالعجوز عند آخر السلم، ينظر ويدمارك‬ إلى ما فعل وهو يضحك. إنه الفيلم الوحيد الذي جمعه وڤيكتور ماتيور الذي لعب هنا دور سارق المجوهرات الذي اعتُقل ثم أُطلق سراحه بعدما وافق على الإفشاء عن العصابة التي انتمى إليها.

ريتشارد ويدمارك في «قبلة الموت» (تونتييث سنتشري فوكس)

فيلم هنري هاذاواي هذا يشبه سهماً لا يلتوي بعد إطلاقه بل يُصيب هدفه بجدارة. المعالجة التي اختارها المخرج صارمة في انتمائها إلى الحكاية البوليسية وما تحتويه من أبعاد مثل البطالة وخسارة الزوجة والوضع الذي يواجهه بيانكو/ ماتيور بعدما وشى بهوية العصابة التي شاركته السرقة. بيانكو هو لصّ وليس بطلاً يُجيد القتال أو الدفاع عن نفسه حتى عندما يشكّل القاتل المعقّد نفسياً أودو/ ودمارك، خطراً عليه.

هذه السّمات مطبوعة، بعناية والمخرج يتيح للمشاهد احتواءها عبر مشاهد صامتة تترك غاياتها الدرامية في نفس المُشاهد جيداً. واستقامة السرد تعني كذلك أن الاختيار هو الالتصاق بجوهر الحكاية من دون شخصيات أو أحداث للتخفيف من وقع ما يدور على الشاشة مثل كثير من أفلام اليوم. إلى جانب ما ورد آنفاً من سمات، يمنح الفيلم شخصية بيانكو طابعاً اجتماعياً في الخلفية: لقد أصبح بعد انتحار زوجته إثر دخوله السجن، الراعي الوحيد لابنتيه الصغيرتين، وقبل ذلك هناك الدافع لتورّطه في السرقة وهو أن سجلّه لم يكن نظيفاً في الأصل، مما جعل حصوله على عمل ما أمراً مستحيلاً.

يُبرز الفيلم وضعه بوصفه رجلاً طيّباً إنما سيئ الحظ. هنا يبرز دور مساعد النائب العام دي أنغلو (برايان دونلڤي)، الرجل الذي يعلم ورطة بيانكو لكنه لا يستطيع إلا استخدامه مخلباً للوصول إلى باقي العصابة. علاقتهما ليست صداقة وليست عداوة بل قائمة على نحو من التفاهم على الواجب.

• عروض: أميركان فيلم إنستتيوت (2024)...

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


مقالات ذات صلة

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

يوميات الشرق هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي بدورته الـ45 «تشريفاً تعتز به».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )

غياب مُريب لأفلام التاريخ العربي والإسلامي

«أسد الصحراء» (فالكون إنترناشيونال)
«أسد الصحراء» (فالكون إنترناشيونال)
TT

غياب مُريب لأفلام التاريخ العربي والإسلامي

«أسد الصحراء» (فالكون إنترناشيونال)
«أسد الصحراء» (فالكون إنترناشيونال)

يُقيم «مهرجان القاهرة» الذي بدأ دورته الـ45 يوم أول من أمس، ندوة خاصة عن المخرج والمنتج مصطفى العقاد الذي كان رحل في مثل هذه الأيام ضحية عملية إرهابية في عمّان قبل 19 سنة.

مُخرج «الرسالة»، عن نشأة الإسلام، و«عمر المختار»، عن مناضل في سبيل استقلال بلاده، كانا، ولا يزالان، أكبر إنتاجين عربيين- عالميين عرفته السينما.

المناسبة تستحق الاهتمام أولاً لإعادة التّذكير بمخرج عربي اخترق الجدار الصّامت حول تاريخ العرب والإسلام في فيلميه «الرسالة» (1976)، و«أسد الصحراء» (1980). وثانياً، لأنه المخرج العربي الوحيد الذي نجح في تحويل أحداث تاريخية عربية إلى الشاشة بنظام 70 مللم بانافيجين كما أفلام البريطاني ديڤيد لين، وفي مقدّمتها «لورنس العرب» (1962) الذي جمع ممثلين عالميين (أنطوني كوين، وبيتر أو تول، وأليك غينس، وجاك هوكينز، وكلود رينز) إلى جانب عمر الشريف وجميل راتب من مصر.

بعد عرضه الخاص في «مهرجان القاهرة» سينطلق في عروض عربية عديدة في جدّة، والدوحة، ودبي، والقاهرة والسعي جارٍ لتوسيع الرقعة عربياً وعالمياً.

مصطفى العقاد يتوسط عبد الله غيث وأنطوني كوين خلال تصوير «الرسالة» (فالكون إنترناشيونال)

خبرات ومواهب

لم يكن سهلاً على الممثلين الذين ظهروا في فيلمي العقاد تسليمَ مقادير مهنتهم آنذاك لمخرج عربي غير معروف، كلّ ما كان لديه لتقديمه - لجانب طموحه - أنه اشتغل مساعد إنتاج وإخراج في بعض المحطات التلفزيونية الأميركية. لكن العقاد فاز بالثقة سريعاً مع احتمال أن يكون الموضوعان المثاران في هذين الفيلمين عنصرَي جذب إضافي. الأول دار حول رسالةٍ (عن الدين الإسلامي) لم يتعرّف عليها الغرب في فيلم سابق، بل بقيت مودوعة في دراسات أكاديمية وكتب. الثاني ثورة ليبية ضدّ الاستعمار الإيطالي صاغها العقاد بعناية وتوازن. وراعى فيه جودة التقديم أيضاً.

«الرسالة» تم بنسختين منفصلتين واحدة عربية أمّ تمثيلها بعض أفضل الخبرات المصرية والمغاربية والسورية واللبنانية، وواحدة بالإنجليزية وكلاهما كانا نجاح عمل مدروس رغم صعوبة تنفيذه.

الفيلم الثاني حكى أن هناك ثورات أخرى وقعت خلال احتلال أجزاءٍ من العالم العربي وأن الموت الجماعي حاذى سواه ممّا حول العالم.

ما إن وقّع أنطوني كوين وإيرين باباس على العقد المبرم لهما، حتى تداعى الآخرون أمثال مايكل أنسَارا وداميان تومس ومايكل فورست.

لاحقاً، عندما خرج «الرسالة» إلى عروض عالمية شملت بلداناً عربية وغربية عديدة، حتى صار من الأسهل جذب نجوم آخرين تقدَّمهم، مرّة ثانية، أنطوني كوين في دور عمر المختار. حينها قال كوين لهذا الناقد في مقابلة: «لم أكن أعرف شيئاً عن التاريخ العربي. العقاد فتح عينيّ على هذا التاريخ المجهول بفيلميه، وبرؤية ثاقبة، وكيفية إنتاج مناسب لفيلم تاريخي كبير. بصفتي ممثلاً أرى أن كلّ شيء كان في مكانه الصحيح».

«المسألة الكبرى» (المؤسسة العامة للسينما والمسرح)

محاولات غير مجزية

لا يمكن إغفال حقيقة أن الأفلام التاريخية - الدينية العربية كان لها حضور سابق لـ«الرسالة». نتحدّث عن «واإسلاماه» للأميركي أندرو مارتون الذي أُنتج في مصر سنة 1961 وخاض بطولته كلٌ من لبنى عبد العزيز (في دور شجرة الدر)، وأحمد مظهر ورشدي أباظة ويوسف وهبي ومحمود المليجي وكاريوكا وعماد حمدي وفريد شوقي.

قبله بعشر سنوات أقدم إبراهيم عز الدين على تحقيق «ظهور الإسلام» بإمكانات محدودة مع كوكا وعماد حمدي وأحمد مظهر وسراج منير بين آخرين. ثم بعد 10 سنوات على ظهور «واإسلاماه» أنجز صلاح أبو سيف «فجر الإسلام». الذي استفاد من خبرة أبو سيف ولو أنه في النهاية بقي إنتاجاً محلياً للسوق العربية.

هناك أيضاً «الناصر صلاح الدين» ليوسف شاهين (1963)، الذي وظّف فيه المخرج أفضل طاقاته وطواقمه ما ساهم، بجانب اسمه المعروف، في انضمام هذا الفيلم إلى باقي ما ذُكر في عالمٍ عربيٍّ كان يتطلّع إلى مثل هذه الأفلام الترويجية لموضوعاتها باهتمام كبير يناسب كل ذلك الجهد الذي شهدته هذه الأعمال.

أدركت السينما العراقية أن هناك طريقاً لإنتاجات تصبو للعالمية بموازين ونُظم إنتاج برهن العقاد أنها ممكنة. في هذا الصّدد حقّق المخرج صلاح أبو سيف «القادسية» في عام 1981 بطلب من الحكومة خلال الحرب العراقية الإيرانية. الفيلم جاء كبير الإنتاج كما أُريد له أن يكون، ركيكاً في نواحيه الفنية، ودعائياً فيما تبقى.

مؤسسة السينما العراقية التي أنتجته كانت التفتت سنة 1980 إلى المخرج المصري الآخر توفيق صالح، وأصرّت على أن يُنجِز «الأيام الطويلة»، الذي عاد إلى تاريخٍ أقرب ليسرد جزءاً من سيرة حياة الراحل صدّام حسين.

في عام 1983 حقّق العراقي محمد شكري جميل «المسألة الكبرى» (1983) عن ثورة العراقيين ضد الاحتلال البريطاني. جلب المخرج مدير التصوير جاك هيلديارد، الذي كان عمل مع العقاد على فيلميه، والممثل أوليڤر ريد الذي كان اشترك في بطولة «أسد الصحراء»، لكن هذه الأفلام بقيت محدودة الانتشار ولم تتجاوز حدود العرض في بعض الدول العربية.

ما حدّ من انتشار هذه الأفلام عالمياً هو معضلة إنتاجات عربية كثيرة حينها، هي سطو «القضية» على المعالجة الفنية، هذا إلى جانب أن العقاد فَهِم وهضم قواعد الإنتاجات العالمية أكثر من سواه.