شاشة الناقد - «ثورة فوق القماش»: فنان يبحث عن ماضيه

لقطة من «ما فوق الضريح» (ماد سوليوشن)
لقطة من «ما فوق الضريح» (ماد سوليوشن)
TT

شاشة الناقد - «ثورة فوق القماش»: فنان يبحث عن ماضيه

لقطة من «ما فوق الضريح» (ماد سوليوشن)
لقطة من «ما فوق الضريح» (ماد سوليوشن)

في أحد أفلام هذا الأسبوع حديث عن شاب يريد البقاء في بلد المهجر وفيلم آخر عن مهاجر يريد العودة إلى بلاده.

ما فوق الضريح ★★★

إخراج: كريم بن صالح | دراما | فرنسا | 2023‫ ‬

يوفر المخرج الجزائري كريم بن صالح في «ما فوق الضريح» فيلماً مغايراً عن المعتاد بالنسبة لتلك الأعمال التي تتناول موضوع المهاجرين العرب في باريس. بطله سفيان (حمزة مزياني) شاب يغرف، في مطلع الفيلم، مما هو متاح من لهو الشباب. حفلات ورقص ومخدرات. ثم تنسحب الكاميرا من مشهد البداية إلى الأجواء العائلية التي تحيط بذلك الشاب.

والد سفيان دبلوماسي جزائري سيتقاعد قريباً والسفارة ستقيم حفلاً لذلك. لكن سفيان نفسه غير سعيد لأنه مهدّد بالطرد من فرنسا كونه توقف عن متابعة الدراسة (فلم يعد يحمل إقامة طالب) وليس لديه عمل يربطه. حين يجد العمل مساعداً لحانوتي يرفض هذا توفير عقد عمل له ما يجعل التهديد بطرده من فرنسا أمراً محتملاً في أي لحظة.

يتابع الفيلم بطله بين تموّجات حالته. يتعرّف على فتاة فرنسية شابة تبدو مهتمّة به، لكنه لا يُجيد الحفاظ على هذه العلاقة بسهولة، وعندما يترك عمله عند الحانوتي الأول ويلتحق بحانوتي آخر يرشده هذا إلى ضرورة فهم الإسلام والتصرّف بأحكامه وشرائعه. في وسط هذه المتغيّرات لا يبدو أن سفيان آيل إلى تحديد مسيرته والفيلم ينتهي به وهو يغني لوالده (أو يحاول ذلك بكلمات غير متوازنة) في حفل السفارة المرتقب.

نال الفيلم جائزة أفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. لكن كأي سيناريو لأي فيلم هناك مستويان، الأول مضمون السيناريو والثاني فعل كتابته، ويبدو أن المستوى الأول هو الذي دفع لجنة التحكيم لمنحه الجائزة، هذا لأن هناك بضع مشاكل في فعل الكتابة ووضع النقاط فوق حروفها. أهم تلك المشاكل أن الأب سيترك ابنه يعاني من احتمال طرده من فرنسا من دون السعي لاستخدام علاقاته الدبلوماسية لمنحه إقامة دائمة. لا يعرف هذا الناقد الكثير عن شروط الإقامة، لكنه كثيراً ما عدّ أن كل فرد من عائلة أي دبلوماسي سيمنح إقامة صالحة لفترة وجود الدبلوماسي فوق الأراضي الفرنسية. كذلك نجد التبرير الذي ساقه الأب عندما طلب منه ابنه المساعدة في هذا الشأن واهياً، إذ قال له إنه عندما كان في سنّه كان عليه أن يشق طريقه بالاعتماد على نفسه. تتوقع من أب يطلب من وحيده الاعتماد على نفسه في مواقف مختلفة ليس من بينها احتمال إعادته إلى الجزائر منقطعاً عن بيت العائلة.

الممثل مزياني يعكس الشخصية التي يؤديها على نحو مقبول، لكنه لا ينقل الشعور الذي يعايشه في مراحل شتّى جيداً إلى الجمهور. كذلك فإن موقف الحانوتي منه (متجهم، غير آبه وعدائي) غير مفهوم إلا من حيث أنه عايش الموتى كثيراً لدرجة أنه بات يفضلهم على الأحياء.

في الجزء الأخير من الفيلم يحصل سفيان على العقد الذي سيحميه من الطرد، وها هو يقف ليغني (لم يُعرف عنه ذلك) تمهيداً لإعادة المياه لمجاريها بينه وبين والده. «ما فوق الضريح» ما زال يقفز فوق المشاكل التي يتطرّق إليها من دون توفير مبرراتها.

في خانة الإخراج تتبدّى مهارة المخرج كريم بن صالح على نحو أفضل. يعمد إلى فيلم فرنسي المعالجة ضمن الأسلوب السردي السائد حيث تمر الأحداث بإيقاع متوال. لا تفوت المخرج تفاصيل يركز الكاميرا عليها (مثل مشاهد غسل الميّت). لا يرتفع الفيلم صوب مستوى فني يتمناه الناقد له لكن ما يوفره صياغة فنية سليمة كدراية وتنفيذ.

* عروض: مهرجان البحر الأحمر

‪A REVOLUTION ON CANVAS‬ ★★★

إخراج: سارا نجيمي، تل شودر | تسجيلي | الولايات المتحدة | 2023‫ ‬

في الثمانينات غادر رسام إيراني اسمه نكزاد نُجيمي بلاده بعدما أدرك أن حياته باتت في خطر مع الانقلاب على نظام شاه إيران وقيام نظام جديد.

كان ترك البلاد إلى نيويورك في الستينات متزوّجاً سيدة يهودية إيرانية ثم عاد إلى إيران في السبعينات متوسماً البقاء. هذا إلى حين غادرها حال قيام الجمهورية الإسلامية تاركاً وراءه رسوماته.

«ثورة فوق القماش» (HBO)

نرى نُجيمي في بعض الوثائقيات المستخدمة في حضرة الشاه خلال استقبال الأخير لمجموعة كبيرة من الناس. لا تحديد للمناسبة لكن النظام الجديد، يقول الفيلم، كان سيعد وجود الفنان بين هؤلاء دليلاً على تقرّبه من الشاه. يقول أيضاً إن نُجيمي لم يكن مؤيداً لنظام الشاه بل كان منتقداً له من خلال رسوماته.

الثابت أن نُجيمي لم يلتق مع الثورة الإسلامية في أفكارها ونظمها أو يشعر حيالها بأي تجاوب أو تقدير. رسوماته تُشير إلى نقد للآيديولوجيا التي حكمتها وهو يتحدّث في الفيلم عن أنه ينتقد كل شيء من منطلق ثابت يعادي الآيديولوجيات كافة. هو لم يكن موالياً للشاه لكنه لم يرغب في انتظار أن يسمع الحكم الجديد شهادته في هذا المجال فهرب من إيران إلى الولايات المتحدة تاركاً 100 لوحة مرسومة وراءه. الفيلم ينشد طرح السؤال عن مصير تلك اللوحات وعما إذا كان نُجيمي (الذي هو والد المخرجة) يستطيع العودة الآن لاستعادة رسوماته إذا ما كانت موجودة حيث تركها أو حيث تم نقلها.

الجواب يأتيه من صديق إيراني نصحه بألا يحاول: «لا شيء يستحق أكثر من الحياة نفسها»، كما يقول له. وأحد معارفه في إيران يخبره بأنه لا يعرف ما الذي حدث لرسوماته... يبدو كاذباً، وبالتأكيد هو خائف من أن يساعد الفنان في التقاط ماضيه حتى لا يخسر منصبه. رغم ذلك يؤكد الرسّام (الذي يعده الفيلم بنفحة ترويجية واضحة «أحد أهم فناني هذا العصر») أنه يريد استعادة رسوماته. المبادرة في هذا الشأن تأتي غريبة بعض الشيء من حيث توقيتها. هل تم ابتداع هذه الرغبة لأن هناك فيلماً عليه أن يتحقق، أم من بعد مداولات فعلية بين الفنان وعائلته تجسّد حب المرء لبعض ماضيه المسجون بعيداً عنه؟

يمزج الفيلم ما بين الخاص والعام. هناك جزء من قصّة حبّه لزوجته يحكي بعضها لكاميرا ابنته (المتزوّجة شريكها في الإخراج تل شودر) وتحكي الزوجة بعضها الآخر. لكن الانتقال من موضوع لآخر ليس دائماً سلساً ولو أن عدم سلاسته لا تؤثر كثيراً على متابعته.

الإيقاع الذي تختار المخرجة تفعيله هنا يجمع بين تسجيل الواقع اليوم والرجوع إلى وثائقياته معاً. هناك مادّة حافلة من المشاهد المستقاة من مصادر شتّى. من مشاهد وثائقية مصوّرة للفنان كما للمحطات التاريخية الإيرانية (خلال النظامين) جنباً إلى جنب الاستعانة بأفلام ريبورتاجية عرضتها محطة «سي إن إن» CNN وسواها حول أحداث تلك الفترة.

من كل هذا يتوسم الفيلم تقديم وضع إنساني لفنان ينشد إحياء ماضيه وحياة عائلية حافلة بالضغوط النفسية والعاطفية تبعاً لتلك الرغبة. الكاميرا كانت هناك في مشاهد قليلة، لكن معظم ما نراه من المشاهد الحيّة هو إعادة إحياء يدخل فيها التمثيل عنصراً واضحاً.

* عروض: منصّة «إتش بي أو» HBO

‪Damsel‬ ★★

إخراج: جوان كارلوس فرسناديلو | فانتازيا | الولايات المتحدة | 2024‫ ‬

مشاهدة هذا الفيلم القائم على حكاية فانتازية مكتوبة بروح المغامرات الخارقة للواقع توحي بأن الكاتب دان مازيو لا بد قضى معظم وقت الكتابة محاولاً تأليف ما هو مختلف عن كتابة سابقة له في ذات المضمار عنوانها «غضب التايتنز» (Wrath of the Titans) الذي تحوّل إلى فيلم فشل تجارياً شارك في بطولته اسمان كانا ظهرا في فيلم ستيفن سبيلبرغ «لائحة شندلر»، هما راف فاينس وليان نيسن.

لقطة من «آنسة» (نتفليكس)

الحكايتان، تلك التي وردت في الفيلم السابق وهذه الحالية، تبقيان في إطار المعارك التي يشنها «البطل» ضد الوحوش. لكن التفاصيل تختلف هنا، في «آنسة»، ليس فقط من حيث أن البطولة نسائية (تقوم بها ميلي بوبي براون) بل من حيث عناصر الخيال التي تؤلّفها.

إيلودي (براون) فتاة جميلة تعيش في قرية. هي من أسرة فقيرة والفقر كذلك سمة القرية بأسرها. تحاول إيلودي المساعدة حسب ما تستطيع. ذات يوم تتسلم خطاباً يعلمها أنه تم اختيارها لتكون زوجة ابن ملكة تحكم بلدة أخرى اسمها أروا. ترى إيلودي العرض فرصة لإنقاذ قريتها من الجوع وتقبل. الاحتفاء بوصولها مبهر لكنها سريعاً ما تدرك أن الملكة تريدها زوجة لابنها درءا لغضب التنين الساكن في كهف مخيف، وذلك تبعاً لتقاليد تعود إلى مئات السنين. إذا لم تضح الملكة بزوجة ابنها فإن التنين سيثور وقد يهاجم القصر ويدمر حياة الجميع.

إلى جانب الميثالوجيا التي يحملها الفيلم، هناك قدر غالب من المواقف التشويقية. ذلك الوحش ينفث النار ليحرق كل شيء. يذيب ثلوج البحيرات ويحرق ساقي إيلودي (ولو لبعض حين) ثم يستشيط غضباً عندما تفلت بطلة الفيلم من أنيابه. كل ذلك ضمن ما هو مطلوب من بصريات ومؤثرات مصنوعة على نحو لا بأس به تقنياً. ما كان يحتاجه الفيلم لكي يتميّز هو حكاية تعمد إلى تفاصيل مختلفة عن تلك الواردة فيه حول المرأة الضعيفة التي تتحوّل إلى مقاتلة تود الانتقام ممن كانت السبب في مصيرها والانتصار على تنين جامح في الوقت ذاته. لا ينفع التطرّق إلى الموضوع من باب محاولة إقناعنا أن البطلة قُضي عليها من قبل ولن تقوم لها قائمة. صرنا أذكى من أن نصدّق مثل هذه التوليفة.

* عروض: «نتفليكس».

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


مقالات ذات صلة

الوسط الفني بمصر يودّع السيناريست عاطف بشاي

يوميات الشرق السيناريست المصري عاطف بشاي (صفحته على «فيسبوك»)

الوسط الفني بمصر يودّع السيناريست عاطف بشاي

ودّع الوسط الفني بمصر المؤلف والسيناريست المصري عاطف بشاي، الذي رحل عن عالمنا، الجمعة، إثر تعرضه لأزمة صحية ألمت به قبل أيام.  

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق أنجلينا جولي في مهرجان ڤنيسيا (إ.ب.أ)

«الشرق الأوسط» بمهرجان «ڤنيسيا-4»... ماريا كالاس تعود في فيلم جديد عن آخر أيام حياتها

إذا ما كانت هناك ملاحظة أولى بالنسبة للأيام الثلاثة الأولى التي مرّت على أيام مهرجان ڤنيسيا فهي أن القدر الأكبر من التقدير والاحتفاء ذهب لممثلتين أميركيّتين.

محمد رُضا (فينيسيا)
يوميات الشرق جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» خلال مشاركتها في افتتاح مهرجان البندقية (الشرق الأوسط)

«البحر الأحمر السينمائي» تشارك في مهرجان البندقية بـ4 أفلام

تواصل «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» حضورها بالمهرجانات الدولية من خلال مشاركتها في الدورة الـ81 من مهرجان البندقية السينمائي بين 28 أغسطس و7 سبتمبر.

«الشرق الأوسط» (البندقية)
سينما جيمس ستيوارت في «انعطاف نهر» (يونيڤرسال)

كلاسيكيات السينما على شاشة «ڤينيسيا»

داوم مهرجان «ڤينيسيا» منذ سنوات بعيدة على الاحتفاء بالأفلام التي حفرت لنفسها مكانات تاريخية وفنية راسخة. ومنذ بضعة أعوام نظّمها في إطار برنامج مستقل

محمد رُضا‬ (ڤينيسيا)
سينما «بالرغم من» ‫(مهرجان ڤينيسيا السينمائي)

شاشة الناقد: فيلم افتتاح «ڤينيسيا» 81 مبهر وموحش

يختلف جمهور اليوم عن جمهور 1988 عندما خرج ما بات الآن الجزء الأول من هذا «بيتلجوس بيتلجوس». آنذاك كان الفيلم جديداً في الفكرة والشخصيات

محمد رُضا‬ (ڤينيسيا)

سينما «السوبر هيروز» وأزماتها غير المحسوبة

من اليمين: كريس إيفانز وروبرت داوني جونيور وكريس همسوورث: نجومية عابرة (مارڤل ستديوز)
من اليمين: كريس إيفانز وروبرت داوني جونيور وكريس همسوورث: نجومية عابرة (مارڤل ستديوز)
TT

سينما «السوبر هيروز» وأزماتها غير المحسوبة

من اليمين: كريس إيفانز وروبرت داوني جونيور وكريس همسوورث: نجومية عابرة (مارڤل ستديوز)
من اليمين: كريس إيفانز وروبرت داوني جونيور وكريس همسوورث: نجومية عابرة (مارڤل ستديوز)

فيلم فرنسيس فورد كوبولا الجديد «ميغالوبوليس»، الذي سيعرض خلال مهرجان تورنتو الحالي من 5 سبتمبر (أيلول) إلى 15 منه، ليس فيلماً سياسياً، بيد أنه يتضمن فكرة سياسية الجوهر، وهي أن أمام الولايات المتحدة مأزق مجتمعي خطر. الحبكة ذات العناصر الفانتازية من وجود حالم يريد إعادة بناء نيويورك فيواجه في ذلك مصاعب ومشكلات جمّة ليشهد انهيار حلمه، تنطلي على أميركا كحالة عامّة. ليس أن المخرج ابتكر معطيات فكرته، بل صاغ لها الجانب الخيالي الذي يمكن ترجمته بسهولة إلى واقع.

الجمهور لا يشتكي

فنياً هو فيلم العام حتى الآن بصرف النظر عن كيف استقبله نصف النقاد، وكيف سيستقبله المشاهدون حين يُباشر بعرضه تجارياً في الشهر المقبل. يقترح الواقع ولا يتبنّاه، بذلك لا يجب أن نحاكم الفيلم حتى على واقعية (أو عدم واقعية) نظرته. لكن «ميغالوبوليس»، في الوقت نفسه، ليس الفيلم الخيالي الجانح الوحيد. السينما الأميركية منذ أكثر من 20 سنة غيّرت اتجاهها المتنوّع وحصرت نفسها في مجموعات من المسلسلات الخيالية. حتى تلك التي تُنتج لجمهور أصغر حجماً، باتت في الكثير من الحالات، منفصمة عمّا يمكن أن نُسميه واقعاً. تحوم حول مواضيع صغيرة تترجمها إلى صور سهلة عوض التعمق في دلالاتها المختلفة. في الوقت نفسه، سقطت أفلام الرسوم بدورها في منهج المسلسلات وباتت جزءاً من الآلة غير الساعية للابتكار أو الاختلاف.

في 20 يوماً من العرض عالمياً، تخطّى فيلم الكوميكس «دَدبول ووولفرين» (Deadpool ‪&‬ Wolfverine) مليار دولار حول العالم. بحسبة تقريبية على أساس متوسط سعر التذكرة هذه الأيام، فإن عدد مشاهدي هذا الفيلم الخالي من أي قيمة تُذكر، لجانب تلبية هواة الترفيه بما يلزم من مشاهد تجنح للكوميديا، يتراوح ما بين 50 مليون و65 مليون شخص.

من «دَدبول وولڤرين» (مارڤل ستديوز)

ما يعنيه ذلك أن هناك هذا العدد من الأشخاص الذين اندفعوا لمشاهدة شخصيّتين من شخصيات «السوبر هيروز» ماثلتين أمامهم ليتعرّفوا على كيف سيتواجهان وكيف سيعملان معاً ضد أعدائهما. في سبيل ذلك عاش هؤلاء ساعتين من اللامعقول المحبّب. على عكس، «ميغالوبوليس»، الذي لن يجمع أكثر من 33 مليون مشاهد حول العالم إلا بأعجوبة، لا يحتوي «دَدبول ووولڤرين» على مفادات اجتماعية أو رموز تعكس رغبته في إثارة ما هو مهم حتى ولو من بعيد.

ليس أن الجمهور السائد يشتكي. في حوار مع عدد من المعجبين مؤخراً على صفحات الميديا الاجتماعية دافع غالبية المتحاورين عن هذا الفيلم وأمثاله بأنه يلبّي الرغبة في الترفيه وأن «الكوميكس» هو أدب من الخيال والخيال- العلمي الذي من قصر البصيرة انتقاده.

هذا صحيح. هو شكل أدبي من الخيال والخيال - العلمي، لكن بالمقارنة مع ما طُرح حتى في إطار سينما «الكوميكس» و«السوبر هيرو»، سابقاً، في أفلام مثل «سوبرمان» و«آيرون مان» و«باتمان»، يفتقر هذا الفيلم إلى الحد الأدنى من القيمة والذكاء.

فن وترفيه

السينما الأميركية، وفي كل بلد مكتظ بسكانه (مثل مصر والهند وفرنسا)، شهدت تقليداً متواصلاً من الأفلام التي لم تدّعِ أنها ذات مضامين فكرية أو تتناول الواقع على نحو أو آخر. لكن الفارق الأكبر بين سينما اليوم (في مجملها) وسينما الأمس، أن تلك كانت تتّسع لكل أنواع الأفلام بينها تلك الفانتازية عن «كابتن أميركا»، و«الشبح»، و«الظل»، و«كابتن مارڤل». روّاد الأمس، حتى مطلع الثمانينات من القرن الماضي كانوا يستطيعون مشاهدة إنتاجات رئيسية لعدة أنواع من الدراما إلى الكوميديا ومن البوليسي إلى الوسترن مروراً بأفلام الخيال-العلمي (الفعلية، أي تلك الخيالية المبنية على بعض العلم) والرعب والرومانسي والموسيقي والتاريخي والأعمال المقتبسة من الروايات الأدبية.

من «المحادثة» بعد 50 سنة (باراماونت بيكتشرز)

ليكون النموذج واضحاً، يمكن لنا أن نعود إلى عام 1974 (قبل 50 سنة من الآن) لنتعرّف على بعض ما أُنتج أميركياً آنذاك: «العراب 2» لفرنسيس فورد كوبولا، «غانغسترز» و«المحادثة» (لكوبولا أيضاً الذي يُطرح مجدداً حالياً بمناسبة مرور 50 سنة على إنتاجه)، و«تشايناتاون» لرومان بولانسكي (بوليسي)، و«مذبحة منشار تكساس» لتوب هوربي (رعب)، و«بارالاكس ڤيو» لألان ج. باكولا (تشويق سياسي)، و«احضر لي رأس ألفريدو غارسيا» لسام بكنباه (وسترن)، «ليني» (Lenny) لبوب فوسي (موسيقي). كل واحد من هذه النماذج استحق المكانة الفنية ولم يبخل على الجمهور السائد بالترفيه المعتاد.

القائمة تطول (تحتوي عشرات العناوين)، لكنها جميعها تشي بالرغبة في توفير التّنوع الذي كان ينجز نجاحات متعددة الرؤوس. كثير منها لم يهمل الترفيه، بيد أنه ربط ذلك بالمفادات المجتمعية.

قائمة أنجح 10 أفلام في تلك السنة ضمّت فيلم الكوارث «الجحيم البرجي» (The Towering Inferno) و«زلزال» (Earthquake)، وكلاهما من نوع سينما الكوارث المفقودة هذه الأيام والدراما الرياضية «الملعب الأطول» (The Longest Yard)، والدراما المضادة للعنصرية «محاكمة بيلي جاك»، والفيلم الساخر «فرانكنستين الشاب»، هذا بجانب «العرّاب 2» طبعاً.

نجوم ليوم وليلة

‫يشمل الوضع حقيقة أن الممثلين كانوا يجدون كثيراً من الأدوار المختلفة عوض اضطرارهم للالتصاق بنوع واحد تأميناً لنجاحهم كما حال كريس هيمسوورث (The Avengers)، وبول رود (Ant Man)، وسكارليت جوهانسون (The Avengers وBlack Widow)، وبيندكت كامبرباتش (Doctor Strange)، وتوم هولاند (Spider-Man)، وكريس إيڤانز (Captain America)، وروبرت داوني جونيور («آيرون مان» و«ذَ أفنجرز») حتى لا ننسى رايان رينولدز لاعباً شخصية دَدبول، لجانب عدد كبير من الممثلين الآخرين.‬

المؤسف هو أن هؤلاء غير قادرين على تغيير النوع صوب فيلم واقعي أو دراما فعلية لأن المحتم، غالباً، سقوط الممثل بسقوط فيلمه، وهذا يؤكد أن نجوم اليوم محكوم عليهم بسينما المؤثرات في حين أن الجمهور نفسه لا يكترث لهم إن حاولوا التغيير.