هل تذهب جائزة السينما المرموقة للأفضل أم للأشهر؟

أيام على «الأوسكار»

ليلي غلادستون المرشَّحة للفوز (آبل فيلمز)
ليلي غلادستون المرشَّحة للفوز (آبل فيلمز)
TT

هل تذهب جائزة السينما المرموقة للأفضل أم للأشهر؟

ليلي غلادستون المرشَّحة للفوز (آبل فيلمز)
ليلي غلادستون المرشَّحة للفوز (آبل فيلمز)

ثمة ممثلة اسمها دافين جوي راندولف تخوض مجال التمثيل منذ 2013، وظهرت حتى الآن في 40 فيلماً. لم يكن أحد ليعرفها وإنْ شاهدها شخصياً أمامه، لشبهها بكثير من الوجوه، وعدم تفرّدها بملامح مميّزة؛ على العكس لو التقى الواحد منا مصادفة بمارغو روبي، أو جودي فوستر، أو إيما ستون.

لكن الحال ستتغيّر، ولو بمقدار كافٍ، في العاشر من فبراير (شباط) الماضي خلال حفل «الأوسكار» السادس والتسعين. هذا لأنّ دافين هي أقوى مرشّحات مسابقة «أفضل ممثلة مساندة» عن دورها في فيلم ألكسندر باين «المستمرّون» (The Holdovers).

دافين جوي راندولف ستخطف الأنظار (فوكاس فيلمز)

لن يكون فوزها سهلاً أمام جودي فوستر وإيميلي بلنت خصوصاً، لكنه، ووفق توقّعات الغالبية، هو الفوز الأكثر احتمالاً في هذا القسم.

لا بأس بالحديث عن السبب. دافين هي الممثلة الأنثى شبه الوحيدة في «المستمرّون». بطولته لبول جياماتي، وموضوعه يتمحور حوله وطلابه الذكور. هي الطبّاخة والمُشرفة على شؤون المدرسة: امرأة كبيرة الحجم، بدينة، لا يمكن قياس نسبة جمال ملامحها، لكن أحداً من بين جميع منافِساتها في هذا السباق لم يقدّم أداءً مؤثراً وتلقائياً ومندمجاً بعفوية مدروسة أكثر منها. لا يمكن لأي مُشاهد نوعي إلا أن يُعجب لا بدورها فحسب، ولا بطريقة أدائها وحدها، بل كذلك بشخصيّتها الطبيعية والمشبّعة بالمشاعر. ثمة مَشاهد لها وحيدةً، وأخرى أمام بول جياماتي والشاب دومينيك سيسا، لكنّ العين لن تتركها من أجل الآخرين. ستراقبها وهي تعكس حالة إنسانية عميقة. من خلالها، يكاد المُشاهد أن يرى تاريخ أفضل الممثلين والممثلات الأفرو- أميركيين في تاريخ السينما.

اثنان في الطليعة

ربما يتمنّى بطل الفيلم بول جياماتي لو أنّ احتمالات نجاحه في الفوز بـ«أوسكار» أفضل ممثل في دور رئيسي، مضمونة كما حالها.

هو الأستاذ الذي لا يحبّه أحد لمنهجه الجامع بين العداء والعناد. لا كلام لطيفاً لديه ليقوله لأحد. مديره يخبره بصراحة «لا أحد يحبك»، وهو في مقدّمة هؤلاء. طريقة جياماتي لتمثيل الدور مُشبَّعة أسلوبياً. يبتكر شخصيّته على أفضل وجه، ويمنحها الطاقة والفرادة. لكن ذلك لا يبدو أنه المطلوب تماماً لهذا الدور. هناك قدر من المنهج الاستعراضي الذي لا يتساوى مع أداء بعض منافسيه الذين مالوا إلى مبدأ «القليل أفضل من الكثير».

بين هؤلاء منافسه الأول كيليان مورفي عن دوره في «أوبنهايمر». هو في أفلامه السابقة (من بينها فيلمان للمخرج كريستوفر نولان، هما «دنكيرك» و«تمهيد») جيد على الدوام. الفارق بين أفلامه السابقة وفيلمه الجديد، هو أنه يحمل هنا الفيلم بأسره، عارياً من عناصر كثيرة، منها أنه أصغر سناً بسنوات من أوبنهايمر نفسه، وعليه أن يمثّل شخصية مثيرة للنقاش على نحو محايد حتى لا ترجح كفة على أخرى في مواقفه. نعم؛ اخترع القنبلة، لكنه كان يشعر بالذنب. نعم؛ كان يساري الميول، لكنه لم يكن خائناً.

إلى جياماتي ومورفي في سباق أفضل ممثل في دور أول، يتّجه الاهتمام إلى جيفري رايت عن «أميركان فيكشن». مثل جياماتي، كان رايت على مقربة دائمة من دخول مواسم الجوائز المختلفة. ومثله جرى تجاوزه لغير مرّة؛ ومثله أيضاً، هو ممثل يمكن الاعتماد على موهبته، واستحقّ في الواقع جميع الأدوار الجيّدة التي مثلها، بما فيها دوره هنا.

ما سبق سيؤدّي بالتأكيد إلى تجاوُز ممثل جيد آخر هو كولمان دومينغو عن دوره في «رستِن»، وهذا سيكون سهلاً لأن تشخيصه انفعالياً تشابَه أو لم يتشابه مع الشخصية الحقيقية التي يُمثّلها.

الأخير في الحسبان هو برادلي كوبر عن دوره في «مايسترو». فقد سبق وترشّح لغير مرّة ولم يفُز. ليس ثمة أسف إذا لم يفعل عن تمثيله شخصية الكاتب الموسيقار ليونارد برنستاين، فكثير من التصرّف الشخصي والمرور على التفاصيل كان على الفيلم القبول بهما تبعاً لسيناريو ضعيف.

ملاحظة أخيرة هنا، هي أنّ «أوبنهايمر»، و«رستِن»، و«مايسترو» عن 3 شخصيات حقيقية. من هذه الزاوية، يمكن التنبؤ أكثر بأن كيليان مورفي هو مَن سيصعد إلى المنصّة ويوجّه الشكر للمخرج على هذه الفرصة.

غلادستون: سؤال محرج

على الجانب النسائي في سباق أفضل ممثلة في دور أول، تشير التوقّعات إلى فوز ليلي غلادستون بـ«الأوسكار» ضمن هذه الخانة. لديها مُنافِسات عنيدات، هنَّ آنيت بنينغ التي تضع ذخيرة موهبتها المديدة في «نياد» (شخصية حقيقية أخرى)، وإيما ستون عن «أشياء مسكينة»، وكاري موليغان عن «مايسترو»، ثم ساندرا هولر عن «تشريح سقوط».

ما يجعل غلادستون في مقدّمة التوقّعات هي أنها أول ممثلة من المواطنين الأصليين لأميركا (الهنود الحمر) التي تُرشَّح للجائزة عن دورها في «قتلة ذا فلاور مون» لمارتن سكورسيزي. هذا يؤخذ جيداً في الحسبان بزمن تنتشر فيه توجّهات الإصلاح وجمعياته، والرغبة في رفع قبعة التقدير لمواطنيها جميعاً. إنه التوجّه عينه الذي دفع الأكاديمية لمنح سيدني بواتييه «أوسكار أفضل ممثل» عن دوره في «زنابق الحقل» عام 1969.

لكنّ السؤال المحرج هو؛ هل هي بالفعل أفضل المتواجدات؟ دورها في فيلم سكورسيزي لم يحرص على إظهار قدرات بسبب أنها في وقت واحد الممثلة الرئيسية والممثلة المهمّشة. فالمخرج وجَّه اهتمامه لتقديم روبرت دي نيرو وليوناردو ديكابريو. مَشاهدها متشابهة، تبدأ نضرة وعاطفية، ثم تسقط في رتابة المرض. هذه ليست مَشاهد تتطلّب أداءً متميّزاً، ما يرجّح كفّة ما سبق، وهو أنّ «الأوسكار»، إذا ما نالته فعلاً، سيكون نوعاً من التكريم لأصولها.

إيما ستون قد تسرق الأصوات القليلة التي ستفصلها عن غلادستون. لكنّ أداءها فوضوي؛ محسوب بالمَشاهد الصادمة أكثر من تلك التي تعكس قدرة درامية.

أفضل منها كاري موليغان، لكنها بالكاد تسحب نفسها من تحت هيمنة المساحة التي يمنحها كوبر لنفسه.

هذا يتركنا أمام الألمانية ساندرا هولر. جديرة بالاهتمام، لكنها ليست مَن سينال الجائزة مع وجود الأخريات المتمتّعات بتموّجات درامية أقرب منالاً وإثارة للإعجاب.

داوني تحت الضوء

إذا كانت ثمة تفاوتات بين مستويات التمثيل في السباقات الأخرى، ففي سباق «أفضل ممثل مساند» مستويات تختلف وتلتقي في الوقت عينه.

هناك 4 مشاهير وجديد واحد هو ستيرلينغ ك. براون، الأفرو - أميركي الذي يؤدّي دوره جيداً في «أميركان فيكشن»، لكن كيف يتوفر له حظ الفوز في مواجهة أداء جاهز للإدهاش والتأثير كذلك الذي يندفع فيه كل مِن مارك رافالو في «أشياء مسكينة»، وروبرت داوني جونيور في «أوبنهايمر».

روبرت داوني جونيور بارز في المنافسة (غيتي)

البعض يرى أنّ داوني جونيور كان جديراً بتأدية دور كيليان مورفي. ليس لأنّ داوني لا يصلح لهذه المسؤولية، فهو في السنّ المناسبة على الأقل، لكن بعض ما رفع من قيمة «أوبنهايمر» هو أنّ مورفي غير معروف بالحجم عينه، مقارنة مع داوني. بالتالي، صنو آخر من الأداء كان يمكن أن يقع على واجهة هذا الفيلم، ليس أفضل ولا أسوأ، لكنه مختلف بحيث يسرق داوني الفيلم بموهبته، وهو ما لا يحدث مع مورفي في الدور.

بالنسبة إلى مارك رافالو ودوره المفاجئ بالنسبة إلى مَن يتابعه، فإنه على وشك سرقة الضوء من كل هذه النخبة من الممثلين بتشخيصه الذي هو مِن أفضل عناصر «أشياء مسكينة». نعم؛ يعاني الفيلم مشكلات كتابة وبعض عثرات في التنفيذ، لكن حين يصل الأمر إلى كيفية اختار رافالو تجسيد شخصيّته، فلا يمكن إلا الإعجاب بهذا التنويع الذي أنجزه عنوة عن أفلامه السابقة.

هذا لا يحدث مع رايان غوسلينغ المرشّح عن دوره في «باربي». دور كان يمكن لأي ممثل آخر إنجازه، لأنه مكتوب مثل رسالة مفتوحة لا أسرار فيها. هو طيّع بلا ريب، لكن دوره هنا هشّ، ولن يستقطب ما يكفي من أصوات المقترعين لمنحه أي جائزة.

يبقى روبرت دي نيرو. هذا الممثل الذي لا يمكن قهره في الأدوار الجادّة التي يؤدّيها، خصوصاً تلك تحت إدارة سكورسيزي كما الحال في «قتلة ذا فلاور مون» مشكلتان ستحجبان عنه «الأوسكار»: الأولى اسمها كيليان مورفي، والثانية أننا شاهدناه في أدوار مكتوبة أفضل.

توقّعات وتمنّيات

‪*‬ «أوسكار» أفضل ممثل في دور أول:

- ذو الحظ الأوفر: كيليان مورفي عن «أوبنهايمر»

- يستحقها أيضاً: بول جياماتي عن «المستمرّون»، وجيفري رايت عن «أميركان فيكشن»

- الأضعف حظاً: كولمان دومينغو عن «رستِن»

‪*‬ «أوسكار» أفضل ممثلة في دور أول:

- ذات الحظ الأوفر: ليلي غلادستون عن «قتلة ذا فلاور مون»

- تستحقها أيضاً: آنيت بنينغ عن «نياد»، وكاري موليغان عن «مايسترو»

- الأضعف حظاً: ساندرا هولر عن «تشريح سقوط».

‪*‬ «أوسكار» أفضل ممثل في دور مساند:

- ذو الحظ الأوفر: روبرت داوني جونيور عن «أوبنهايمر».

- يستحقها أيضاً: مارك رافالو عن «أشياء مسكينة».

- الأضعف حظاً: ستيرلينغ ك. براون عن «أميركان فيكشن»

‪*‬ «أوسكار» أفضل ممثلة في دور مساند:

- ذات الحظ الأوفر: دافين جوي راندولف عن «المستمرّون»

- تستحقها أيضاً: لا أحد سواها.

- الأضعف حظاً: أميركا فيرارا عن «باربي».


مقالات ذات صلة

ثلاثة أفلام تسجيلية تمر على أحداث متباعدة

يوميات الشرق من «واحد لواحد: جون ويوكو» (مركوري ستديوز)

ثلاثة أفلام تسجيلية تمر على أحداث متباعدة

«رايفنشتال» للألماني أندريس فايَل فيلم مفعم بالتوثيق مستعيناً بصور نادرة ومشاهد من أفلام عدّة للمخرجة التي دار حولها كثير من النقاشات الفنية  والسياسية.

محمد رُضا (ڤينيسيا)
يوميات الشرق السيناريست المصري عاطف بشاي (صفحته على «فيسبوك»)

الوسط الفني بمصر يودّع السيناريست عاطف بشاي

ودّع الوسط الفني بمصر المؤلف والسيناريست المصري عاطف بشاي، الذي رحل عن عالمنا، الجمعة، إثر تعرضه لأزمة صحية ألمت به قبل أيام.  

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق أنجلينا جولي في مهرجان ڤنيسيا (إ.ب.أ)

«الشرق الأوسط» بمهرجان «ڤنيسيا-4»... ماريا كالاس تعود في فيلم جديد عن آخر أيام حياتها

إذا ما كانت هناك ملاحظة أولى بالنسبة للأيام الثلاثة الأولى التي مرّت على أيام مهرجان ڤنيسيا فهي أن القدر الأكبر من التقدير والاحتفاء ذهب لممثلتين أميركيّتين.

محمد رُضا (فينيسيا)
يوميات الشرق جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» خلال مشاركتها في افتتاح مهرجان البندقية (الشرق الأوسط)

«البحر الأحمر السينمائي» تشارك في مهرجان البندقية بـ4 أفلام

تواصل «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» حضورها بالمهرجانات الدولية من خلال مشاركتها في الدورة الـ81 من مهرجان البندقية السينمائي بين 28 أغسطس و7 سبتمبر.

«الشرق الأوسط» (البندقية)
سينما جيمس ستيوارت في «انعطاف نهر» (يونيڤرسال)

كلاسيكيات السينما على شاشة «ڤينيسيا»

داوم مهرجان «ڤينيسيا» منذ سنوات بعيدة على الاحتفاء بالأفلام التي حفرت لنفسها مكانات تاريخية وفنية راسخة. ومنذ بضعة أعوام نظّمها في إطار برنامج مستقل

محمد رُضا‬ (ڤينيسيا)

فيلم آخر يفترض وقوع حرب أهلية في الولايات غير المتحدة

من «حرب أهلية»: خراب المدن ( Films A24)
من «حرب أهلية»: خراب المدن ( Films A24)
TT

فيلم آخر يفترض وقوع حرب أهلية في الولايات غير المتحدة

من «حرب أهلية»: خراب المدن ( Films A24)
من «حرب أهلية»: خراب المدن ( Films A24)

قبل 4 أشهر انطلق للعروض التجارية عالمياً، وبنجاح، فيلم «حرب أهلية Civil War»، الذي افترض أن حرباً بين فريقين أميركيين اشتعلت بعنف وقسمت البلاد إلى معسكرين، كما حصل في عام 1861 عندما وقعت الحرب الأهلية الأميركية الفعلية واستمرت 4 سنوات، ذهب ضحيتها مئات الألوف.

حروب افتراضية

هذا الأسبوع ينطلق فيلم آخر بعنوان «لعبة حرب War Game» ليتناول الموضوع نفسه. ماذا لو شهدت الولايات المتحدة حرباً أهلية جديدة؟ ما الذي سيحدث؟ كيف سيتصرّف أهل الحكم في البيت الأبيض والحكومة؟

في الحقيقة لم يسعَ فيلم أليكس غارلاند «حرب أهلية»، 2024، للافتراض. عالج موضوعه بوصفه حقيقةً محتمَلة الوقوع. لم يتطرّق مثلاً إلى كيف ولماذا، ولم يُجب عن أسئلة وتوقعات، بل استبدل بكل ذلك الحديث عن بذل سيدتين ورجلين من الصحافة جهدهم لنقل الحقيقة كما يجب لها أن تُنقل، وهذا يعني دخول المعترك وتحمّل المخاطر، بل دفع الأرواح فديةً لعمل ينقل إلى الجالسين أمام أجهزتهم التلفزيونية (أو شاشات الكومبيوتر)، ما يبذله الآخرون من مشاق ومخاطرَ لنقله.

«لعبة حرب» يفترض، بذلك يعالج المسألة من زاوية مختلفة، الفارق أن الفيلم الأول ينحى جانباً بموضوعه ولو أن هذا يعني توقعاً محدوداً لقيام حرب بين الأميركيين لأسباب سياسية.

«كابتن أميركا: حرب أهلية» (مارڤل استوديوز)

سياسيون ممثلون

الفيلم الجديد، للمخرجَين توني غربر وجيسي موس، يضع تصوّراً افتراضياً لنشوب تلك الحرب إثر انتخابات الرئاسة. ما إن يجلس الرئيس المنتخب في البيت الأبيض، ومن قبل أن يسخن مقعده الوثير تحته، يفتح منافسه جبهة ضدّه. لكلّ فريق أعوان ولكلّ منهما ذخيرته من السلاح والقوى العسكرية.

كلا الفيلمين استنتج احتمالات هذا الوضع من بين حيثيات فعلية مطروحة. تحديداً، صعود نجومية دونالد ترمب واحتمالات خسارته مجدداً في الانتخابات المقبلة، والإشاعات التي سادت أن حرباً أهلية ستقع بين بعض الولايات ضد ولايات أخرى. نوع من المواجهة المسلحة بين الديمقراطيين والجمهوريين.

في «لعبة الحرب» يضعنا الفيلم في المعضلة السياسية مباشرةً ومن خلال شخصيات سياسية وأمنية فعلية من بينها، ويسلي كلارك، ودوغ جونز، وستيف بولوك (الذي يؤدي دور رئيس الجمهورية المنتخب جون هوثام)، ولويس كولديرا. هناك ممثلون غير مشهورين بينهم روبرت ستريكلاند، مُزجوا بين الشخصيات الفعلية. ستريكلاند يلعب دور الرئيس الذي خسر الانتخابات بفاصل دقيق، لكنه ليس من النوع الذي يقبل النتيجة. الحرب ولا الهزيمة.

بعض المراجع من بينها (IMDb) عدّت الفيلم تسجيلياً. هو في حقيقته طبخة تجمع المنهج التسجيلي مع التفعيل الدرامي. من ناحية، لا يمكن اعتبار فيلم يقع في أي لحظة مستقبلية عملاً تسجيلياً، ناهيك بأن يكون وثائقياً أيضاً. لكن استخدامه شخصيات حقيقية (بعضها ظهر في برامج ومقابلات تلفزيونية متحدّثاً عن الأمن والسياستين المحلية والدّولية، ولعب دوره محافظاً أو حاكم ولايات) يجعله نوعاً من الافتراض المبرمج ليبدو تسجيلاً.

مجلس حرب وهمية في «لعبة حرب» (أنونيموس كونتنت)

بلا حكاية... بلا نتيجة

يتداول المجتمعون في غرفة العمليات التابعة للبيت الأبيض الوضع فيما لو حاولت المعارضة المسلحة انتزاع الحكم بالقوّة. تستمر المداولات 6 ساعات حاسمة، كان المطلوب خلالها وضع خطّة للقضاء على التّمرد المحتمَل. وضع المخرجان الخطة الزمنية لأجل إحداث تشويق وتوتر وهما ينجحان في ذلك إلى حدٍّ كافٍ، لكن كل شيء يتبخر في النهاية نظراً لأن القرار النهائي هو أن على الحكم أن يبقى كما هو وأن الحل هو للقيادة بصرف النظر عن أي مشكلة أمنية أو سياسية تقع.

مسرح الأحداث محدود بمكان واحد غالباً. هذا يجعل الفيلم يبدو أقرب إلى لعبة مسرحية لا كلعبة حرب أهلية. هم «ذي غود غايز»، الرجال الصالحون. الآخرون يوصفون بـ«المتطرفين». لكننا إذ نتابع فيلماً يبحث في هذه الاحتمالات نتابع لعبة فعلية كتلك التي يلعبها الأطفال على طريقة «أبطال وحرامية». فالمسألة الواضحة للجميع أن لا شيء جاداً يقع وأن الجانبين يمنحان المشاهد افتراضاً مُمثّلاً لا حقيقة له ولا يأتي بجواب شافٍ.

هو فيلم خالٍ من القصّة الفعلية يقوم على مبدأ «ماذا لو؟»، وهو مبدأ جيد ما دام هناك جواب عليه أو، على الأقل، عمق في الطرح. هذا على صعيد المادة التي يسردها الفيلم، أمّا على صعيد الحرفة نفسها فالوضع أفضل. حتى التمثيل من غير المحترفين يشارك في جعل الفيلم ترفيهاً صغيراً.

يجب ألا يغيب عن البال أن فكرة العودة إلى حرب كبيرة تقع في الولايات المتحدة في الزمن الحاضر وردت في أكثر من فيلم (وبعض الأعمال التلفزيونية)، كما حال «كابتن أميركا: حرب أهلية»، الذي أخرجه الأخوان أنطوني وجو روسو في غمار سلسلة الكوميكس الشهيرة. في هذا الفيلم الذي عُرض في عام 2016 فإن تلك الحرب نشبت بسبب الأمم المتحدة (هناك منصّات أميركية حالياً تعدّ الأمم المتحدة وكالة ذات مكائد ومآرب ضد الولايات المتحدة)، وقسّمت أبطال الكوميكس إلى فريقين كلٌّ في اتجاه مضاد للآخر.