مهرجان «برلين» ينطلق وسط متاعب وتحديات

خلفيات مثيرة لمشاكل عديدة

 من «شاي أسود» (مهرجان برلين)
من «شاي أسود» (مهرجان برلين)
TT

مهرجان «برلين» ينطلق وسط متاعب وتحديات

 من «شاي أسود» (مهرجان برلين)
من «شاي أسود» (مهرجان برلين)

يبدو أن مهرجان «برلين» (الذي انطلق أمس الخميس) وقد بدأ يتعافى بعد سنتين من السعي للحفاظ على وضعه كأحد ثلاثة مهرجانات عالمية لا يجب تفويتها. إلى جانب «فينيسيا» (80 سنة)، و«كان» (77 سنة)، و«برلين» (74) هو المهرجان الذي وُلد ليشهد الكثير من المتغيّرات الفنية والسياسية على وجه التحديد.

كونه يقع في النصف الأوروبي الذي كان منشقّاً بين شرق وغرب جعله محطة لقاء فريدة في الستينات والسبعينات والثمانينات. الاتحاد بين شرق ألمانيا وغربها أضاف ثقلاً لهذا المهرجان الكبير، ولو أن هذا لم يمنع من انحسار تلك الأفلام النقدية التي طفحت الستينات والسبعينات بها شرقاً وغرباً.

هذا لا يعني أنه فقد بوصلته السياسية. هناك من المشاكل في هذا العالم ما يكفي دائماً لتطعيم الدورة الحالية بالمضامين السياسية، ولو بحدود، حتى لا تندرج كل أفلامه تحت بند واحد.

عريضة

حتى لو أراد برلين ترك السياسة، فإن السياسة لا تتركه.

رسالة من «العاملين في برلينالي» وُجّهت قبل يومين إلى إدارة المهرجان تطالبه بإعلان موقف حيال «ما يبدو إبادة جماعية للفلسطينيين»، وتطالب بموقف موحّدٍ مع القوى المناهضة للحرب الدائرة «متوافقاً مع قرار محكمة العدل الدولية». وقال العاملون في رسالتهم: «إن منصة عالمية كمهرجان برلين وكنحن، في مختلف أدوارنا من مبرمجين ومستشارين ومنفّذين (.....) وإلى جانب عاملين آخرين، نستطيع، وعلينا أن نستطيع، إيصال صوتنا ضد الهجوم على أرواح الفلسطينيين».

هذه رسالة قويّة في مضمونها وموقوتة ولا تهدّد بإضراب أو إحداث أي خلل في يوميات المهرجان المتوقعة. لكن ما تفعله هي أنها تلقي ظلالاً ثقيلة على الدورة، مناشدة إدارة المهرجان بأن «تدعو للسلام»، مشيرة إلى أن هذه المسؤولية تواكب «التزامات المهرجان السابقة التي منحت المهرجان مركزاً فريداً ومحترماً ضمن المشهد الثقافي».

مديرا المهرجان كارلو شاتريان وميرييت رايزنبيك (مهرجان برلين)

تأتي هذه المطالبة بعد أيام من سحب المهرجان دعوته لليمين المتطرّف لحضور حفل الافتتاح، لأسباب لا يزال بعض الإعلام الألماني يتساءل عن دوافعها الحقيقية، وفي مثل هذه الظروف.

لكن ما ذكر حتى الآن مقاطع مجتزأة مما حدث وبدأ بقيام المهرجان، قبل نحو أسبوعين من افتتاحه، بدعوة ممثلين عن منظمة AFD («البديل لألمانيا»، Alternative to Germany) لحضور افتتاح المهرجان، الأمر الذي استدعى اعتراضات عديدة. كون المنظمة المتطرّفة تمارس قناعات ونشاطات معادية للإسلام وللمهاجرين وللاتحاد الأوروبي على حد سواء.

إذ تراجعت إدارة المهرجان عن موقفها بعد أيام من تلك الدعوة، انقسم العاملون في بعض أركانها إلى معسكرين، واحد مع والآخر ضد.

ولم تدع رسالة العاملين في المهرجان (حملت 40 توقيعاً حتى ظهر يوم 14 من هذا الشهر) الفرصة من دون أن تحتج على إهمال الإدارة لهم وتجاهل استشارتهم في مثل هذا الموقف من البداية.

لكن هذه الرسالة تأتي بعد تراجع المهرجان عن دعوته لعناصر تلك المنظّمة وهذا التراجع تم بعد تسلمها رسالة مفتوحة وقّعها نحو 200 سينمائي ألماني يرفضون ما عدّوه تأييداً للمهرجان، عبر دعوته تلك، لسياسة تلك المنظّمة. تبع ذلك لقاء بين المديرين مارييت رايزنبيك وكارلو شاتريان مع العاملين في المهرجان حيث تمسكا بقرارهما وبرّراه؛ حسب اتصال أجراه هذا الناقد به، تبيّن أن التبريرات كانت ضعيفة وغير مقنعة.

على أن المهرجان، وإن ألغى الدعوة العامّة أبقى، بناء على طلب الحكومة الفيدرالية، على عدد محدود منها. أول من أمس (الأربعاء)، قامت رايزنبيك ووزيرة الثقافة كلوديا روث بتخصيص عدد محدد من الصحف الألمانية بمقابلات دافعتا فيها عن قرار المهرجان. لكن، وحسب بعض المقالات التي علّقت على تلك المقابلات، فإن ما أثار الاستغراب أن رايزنبيك ألقت المسؤولية على أكتاف الحكومة الفيدرالية التي أدت إلى هذه الفوضى السياسية.

«بذلك، أظهرت المديرة مدى غياب المبادئ من ممارسات المهرجان وسرعة تغييرها» كما ذكر أكثر من مصدر إعلامي.

كيليان مورفي في «أشياد صغيرة كهذه» (مهرجان برلين)

تاريخ دورات أنجح

كل هذا، والعديد من المناقشات الحادة بين مختلف موظّفي المهرجان والعاملين فيه من ناحية والمديرين راينزبيك وشاتريان من ناحية أخرى، سبق إرسال خطاب رسمي لـ«AFD» بسحب الدعوات المرسلة سابقاً.

هذا تم قبل يومين، وفي اليوم التالي خرجت وزيرة الثقافة بردٍ رسمي اعتبرت أن «المهرجان هو في النهاية يقرر من يدعوهم لحضور نشاطاته، ونحن نحترم هذا القرار».

المفاجأة هي أن إلغاء دعوة الحضور للافتتاح هذه الليلة لا يعني إلغاء كل الدعوات الأخرى لحفلات السّمر والاحتفاءات خارج النطاق الرسمي، رغم أن برنامج المنظّمة واضح من رغبته طرد كل المهاجرين حتى أولئك الذين وُلدوا في ألمانيا أو حصلوا على جنسيتها.

في كل الأحوال هذه الدورة هي الأخيرة لكل من مديريه شاتريان وراينزبيك وكل المحيط الثقافي والسينمائي في ألمانيا والعالم على قناعة من أن الدورات التي قاما بإدارتها كانت من أضعف دورات المهرجان في تاريخه.

بعض الكاريزما التي عرفها المهرجان عبر مديرين سابقين اختفت من عام 2019 وحتى الآن. في السبعينات تسلم وولف دونر إدارة سابقة دخلت في نزاعات. أسس لمهرجان رائع توزّعت أفلامه على شاشات في مختلف أرجاء المدينة. عرض دونر إقامة المهرجان في شهر فبراير (شباط) عوض عن إقامته في يناير (كانون الثاني)، وعندما لاقى موافقة أنجز دورتين متعاقبتين في غضون تسعة أشهر، وهما الدورة الأخيرة للمهرجان في الربيع (والأولى التي حضرتها بالنسبة لي) وأخرى في موعده الشتوي الذي ما زال يحافظ عليه.

خلفه في عام 1980 السويسري موريتز د هادلن، الذي بنى على النجاح السابق وأضاف إليه البريق الكبير جاعلاً منه منافساً قوياً لمهرجان «كان». عبر اتصالاته والإنفاق الكبير على نشاطاته وحفلاته أدخل د هادلن المهرجان في عصر جديد لم يعهده من قبل.

تلاه في المنصب دييتر كوزليك، وفي عهده استمر الاندفاع الكبير لمهرجان رفض أن يتراجع عن حضوره العالمي بوصفه إحدى أهم المناسبات الدولية الكبرى.

المشكلة بدأت عند تسلم شاتريان (الآتي من إدارته لمهرجان لوكارنو) الذي افتقد دفتر هواتف الأسماء الكبيرة في عالم السينما ورايزنبيك، التي أعلنت قبل أشهر عدّة من أنها لن تجدّد عقدها مع المهرجان.

في الواقع الحكومة هي التي طلبت منهما الاستقالة، الأمر الذي دفع شاتريان للطلب من سينمائيين يعرفهم تقديم عريضة تدعو الحكومة لإبقائه، لكن هذه العريضة (التي يُقال إنها جمعت 100 توقيع) لم تغيّر رأي الحكومة.

اشتراكات

تبدو الدورة الرابعة والسبعون (من 15 إلى 25 من الشهر الحالي) أفضل من سابقاتها، ربما لأن الثنائي الذي يريدها لم يشأ أن يترك الإدارة بصيت سلبي.

هناك 20 فيلماً في المسابقة من بينها فيلم الافتتاح «أشياء صغيرة كهذه» (Small Things Like These) الذي يجمع بين كيليان مورفي (بطل «أوبنهايمر») وإميلي واتسون (كلاهما سيحضران العرض). هذه دراما عن المعاملة القاسية التي مارستها إحدى كنائس آيرلندا على الراهبات «الخاطئات» التي دامت من عشرينات القرن الماضي و- للغرابة - حتى منتصف التسعينات.

من بين هذه المجموعة أيضاً، وللمرّة الأولى، ثلاثة أفلام أفريقية تشترك معاً في المسابقة وهي: «شاي أسود» للموريتاني عبد الرحمن سيساكو، و«لمن أنتمي» للتونسية مريم جوبور، والسنغالية ماتي دبوب بعنوان «داهومي»، وهو أحد فيلمين تسجيليين داخل المسابقة.

زوبعة في فنجان إيراني سببه قبول برلين بعرض فيلم يُقال إن الرقابة الإيرانية لم توافق عليه وهو «كعكتي المفضلة» للمخرجتين مريم مقدّم وبهتاش صناعية. بعد وصول الفيلم إلى لجنة الاختيار وقبوله، أصدرت المحكمة الإيرانية قراراً بمنع سفر المخرجتين لمواكبة فيلمهما.

بين المشتركين في المسابقة كذلك هونغ - سانغ سو الذي سبق له أن فاز ثلاث مرّات بجوائز من هذا المهرجان وهو حاضر هذه المرّة بفيلم «احتياجات مسافر» (A Traveler‪’‬s Needs) مع الفرنسية جولييت بينوش في البطولة.

هذه ستشهد احتفاءً تكريمياً بها كان تأجل من قبل عامين عندما لم تستطع الحضور.

والحديث عنها يقود للحديث عن الاشتراك الفرنسي والألماني والإيطالي الذي كثيراً ما يمتزج بعضه ببعض تبعاً للمشاركات الإنتاجية لهذه البلدان.

‫من بين هذه الأفلام «نهاية أخرى» (Another End) لبير مسينا (إيطاليا) و«كنز» (Treasure) لجوليا فون دونام (ألمانيا) و«زمن عالق» (Suspended Time) لأوليفييه أساياس (فرنسا) و«الإمبراطورية» لبرونو دومو (فرنسا).‬

الغياب الملحوظ هو من نصيب السينما الأميركية، وثمة رأيان في هذا المجال. الأول يقول إن الإدارة الحالية لا تملك مفاتيح هوليوود كما الحال مع «فينيسيا» و«كان». والثاني أن هوليوود لا تعير أهمية كبيرة على اشتراكها في المهرجان الألماني لأنه لا يخدم تسويقها كثيراً.

والأرجح أن السببين معاً صحيحان. هذا رغم أن شركة «نتفليكس» مشتركة عبر فيلم «رجل فضاء» (Spaceman)، من بطولة آدم ساندلر، ورغم وجود فيلم من إنتاج مستقل قام مهرجان «صندانس» الأميركي بعرضه في الشهر الماضي تحت عنوان «الحب يستلقي نازفاً» (Love Lies Bleeding).


مقالات ذات صلة

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

يوميات الشرق هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي بدورته الـ45 «تشريفاً تعتز به».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

 مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
TT

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

 مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات، خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» المقام في لوس أنجليس بمفاجأة رائعة ترفع من أهميّته غير المحسوبة في إعلامنا العربي ومنهج صنع الفيلم العربي عموماً.

يوم الخميس، أغلق المهرجان الآسيوي دورته الجديدة بإعلان فوز فيلم «مندوب الليل» بجائزته الكبرى. الفيلم هو أول أعمال المخرج السعودي علي الكلثمي، وعند الناقد كاتب هذه السطور، هو أفضل فيلم سعودي طويل خرج في الأشهر الاثني عشر الماضية.

حين رشّحته للمهرجان المذكور، اتصل بي رئيسه جورج شمشوم معبّراً عن دهشته: «أذهلتني جودة الفيلم حرفة وموضوعاً. كانت مفاجأة كبيرة لي بعدما سمعت عن كثيرٍ من الأفلام السعودية الجديدة، وكيف أنها باتت تُسهم في تغيير السائد والتقليدي. مع ذلك، فإن هذا الفيلم كان روعة».

لمن لم يسمع به من قبل أو سمِع به ولم يشاهده، «مندوب الليل» هو عن شاب (الجيد محمد الدوخي) يُطرد من عمله في شركة اتصالات هاتفية إثر مشادة بينه وبين مسؤوليه. والده مُعتل وشقيقته مطلّقة عادت لبيت أهلها مع طفلها. سيجد عملاً بصفته مندوب توصيل البيتزا. لكنه يكتشف طريقة أخرى للثراء وهي، سرقة مؤونة من الكحول المخبأة التي يبيعها أصحابها للأثرياء. بذلك يضع قدميه عند نقطة تحوّلٍ واعدة غير مدركٍ مغبّة ما قام به وكيف سيضع نفسه وأهله في خطر جسيم.

فوز ناصع

الفيلم ليس قصّة بوليسية، لكنه قصّة تشويقية، والتشويق فيه مُحكم. فيلم متقن كتابة وإخراجاً وتأليفاً وتصويراً وتمثيلاً ومصمم بدقة. مُعالج بدراية وفعّال في عرض التفاصيل بذكاء. وهو نتيجة رائعة لعملية لا بدّ استغرقت كثيراً من التّصميم المُسبق والتنفيذ.

لجانب هذا الفوز الناصع لا يجب أن ننسى أن العام الآيل إلى الرحيل خلال 40 يوماً من الآن، شهد اشتراك السينما السعودية في إحدى مسابقات مهرجان «كان» رسمياً لأول مرّة. الفيلم هو عملٌ جيّد آخر، لكن من وزن مختلف، عنوانه «نورة» ومخرجه هو الطموح توفيق الزايدي.

الاشتراك السعودي الرسمي في «مهرجان القاهرة» الذي يُنهي أعماله مساء الجمعة تَوزّع بين فيلمين هما، «ثقوب» لعبد المحسن الضبعان، و«فخر السويدي» لثلاثة مخرجين هم هشام فتحي وعبد الله بامجبور وأسامة صالح.

هذا الكم لا يوقف المد القادم: حديثٌ عن اشتراك سعودي مقبل في «مهرجان برلين» في فبراير (شباط) 2025، وتحضيرٌ مبكر لجعل الدورة المقبلة من «كان» مايو (أيار) تُنجز أكثر ممّا أنجزت الدورة الماضية من حضورٍ كمي ونوعي كبيرين.

محمود حميدة و«الفن السابع»

كُتب وتكريمات

بالنسبة لـ«مهرجان القاهرة»، هناك محاورٌ عدّة للحكم له أو عليه. هو واحد من المهرجانات العربية التي تقع في الربع الأخير من كل عام. هذا يصلح كمسافة زمنية تمنح المهرجان فرصة عمل لجمع وتجميع أفلام من كل حدبٍ وصوب، لكنه توقيت يحرمه من أن يكون منصّة انطلاق لأي غاية. لا يخرج فيلم من هنا ليجوب العالم. حتى الفيلم الذي يربح جائزة كبرى فإن حدود جائزته تنتهي مع إقلاع المخرج عائداً إلى بلده.

هذا ليس شأنه فقط، بل شأن كلّ المهرجانات العربية تقريباً باستثناء «مهرجان البحر الأحمر» ولو إلى حدٍ. هو أصبح محطة انطلاق، على الرغم من وجوده في هذا الرُّكن الزمني من السنة، وذلك لأنه حرص على عرض أفلام سعودية تستطيع الانطلاق منه والسفر كونها في الأساس جيدة وتستحق. عاملٌ آخر هو أن الغرب بات يعرف أن السعودية أصبحت لاعباً ثقافياً وفنياً واضحاً. ما عاد الرِّهان عليه، بل على ارتفاع شأنه مستقبلاً.

ما هو عبثي في كثير من المهرجانات العربية، أن تلك التي تُوزّع التكريمات والاحتفاءات باتت أمام مفترق طرق: لقد كُرّم معظم الحاضرين والذين كانوا حاضرين وقت تكريمهم. هناك آخرون يستحقون (كُتاب سيناريو، مديرو تصوير، مؤلفو موسيقى، ممثلون ونقاد ومؤرخون) لكن أحداً قلّما شعر بهم.

«فخر السويدي» (مهرجان القاهرة السينمائي)

على «مهرجان القاهرة» أن ينفض عنه الالتزام بالواجب لأنه واجب، وأن يبحث في طيّات السينمات العربية عمن يستحق «تكريمه» فعلاً.

ما هو لافت كذلك في «مهرجان القاهرة» أكثر من سواه، هو إصداره كتباً سينمائية. هذه عادة توقّفت عنها غالبية مهرجانات العالم الرئيسية منذ عقود، مدركة أن كتب الاحتفاء لم تعد تأتي بجديد يُضاف إلى ما صدر عن كلّ محتفى به.

يمكن للمهرجان المصري إصدار كتابٍ قيّم واحد عوض ثلاثة أو حتى اثنين.

خلال العام الحالي أصدر المهرجان كتاباً مميّزاً ومهمّاً من إعداد ناجي فوزي بعنوان «مختارات من الفن السابع». وكانت مجلة «الفن السابع» السينمائية الرائعة التي أسسها محمود حميدة في عام 1997 قد سدّت ثغرة كبيرة آنذاك في ثقافة الفيلم المطبوعة.

الكتابان الآخران هما «حلم عز» لرامي المتولّي و«سينما يسري نصر الله» لأحمد عزّت عامر. الأول لا يعدو عن بضع صفحات لممثل لم يختم بعد عقداً واحداً من شهرته، والثاني لمخرج يستحق كتاباً يحلّل أفلامه ما لها وما عليها. كتاب من المهرجان لأي مخرج أو سينمائي، يعني انحيازاً للإيجابيات فقط.

عدم إصدارها في الغرب لا يعني أنه قرار صائب، خصوصاً أن البديل لدينا يجب أن يكون مختلفاً وهناك كثير من الأفكار في هذا الشأن.