شاشة الناقد

«الأوراق المساقطة» (سبوتنِك فيلمز)
«الأوراق المساقطة» (سبوتنِك فيلمز)
TT

شاشة الناقد

«الأوراق المساقطة» (سبوتنِك فيلمز)
«الأوراق المساقطة» (سبوتنِك فيلمز)

فيلمان من نوع الكوارث: واحد واقعي والآخر خيالي... بالإضافة إلى فيلم عن الحياة في قاع المجتمع

Fallen Leaves ★★★★

إخراج: آكي كيورسماكي | فنلندا | 2023

بعد جولة ناجحة، على شاشات مهرجانات كثيرة، يواصل فيلم آكي كيورسماكي «الأوراق المتساقطة» (Fallen Leaves) جولاته في الصالات. الاهتمام الذي حازه من النقاد الذين شاهدوه في افتتاحاته في «كان» و«ميونيخ» وسواهما من المهرجانات، تكرر عندما عُرض الفيلم على نقاد يشاهدونه للمرة الأولى في المدن الرئيسية. معظم ما كُتب عن الفيلم عالمياً كان مؤيداً لعمل يطرح مسائل اجتماعية تبدو سهلة الطرح على السطح لكنها -وبفضل أسلوب كيورسماكي- أعقد من ذلك حال يلج المُشاهد أبعادها.

بطلاه امرأة تعمل في سوبرماركت اسمها أنسا (ألما بوستي)، ورجل مدمن على الشرب اسمه هولابا (جوسي فاتانن). كلاهما مسحوق في مجتمعه. هي في آخر سلم الوظائف وهو سكير. يقول عن نفسه في أحد المشاهد: «أنا بائس لأني أشرب وأشرب لأني بائس». يلتقيان عَرَضاً ومن ثَمّ يتفقان على مشروع علاقة لا تتم حسب المتوقع لها. كلاهما يصبح عاطلاً عن العمل، فهي تُطرد من عملها لأنها سمحت لنفسها بالاحتفاظ بساندويش فاتت مدة صلاحيّته. وهو يُطرد لأنه كان يشرب خلال عمله في مصنع خردة.

اللقاء الأول لا يُنتج شيئاً. الثاني غير محسوب (كان في حالة سكر شديد). الثالث بدا مدخلاً مناسباً لعلاقة حين يدعوها للسينما. بعد خروجهما يتفقان على لقاء رابع. تعطيه رقم هاتفها، لكنه حين يبحث عنه لاحقاً يجد أنه فقده.

ما يحدث هو عكس الشائع، فاللقاء الأول يؤدي إلى لقاءات متتابعة إلى أن يقع ما يقطع العلاقة أو إلى نهايتها السعيدة. لا شيء سعيداً في فيلمٍ لكيورسماكي، وهنا الوجهة مختلفة. ما هو رازح تحت ثقل المجتمع يبقى رازحاً إلى الأبد. سيتيح القدر لقاءً رابعاً. هذه المرّة تدعوه إلى شقتها ويلبّي الدعوة. يأكلان عشاءً ثم تواجهه: «والدي مات من كثرة الشرب ولن أرتبط برجل يشرب كثيراً».

لا يريد المخرج توفير أمل في علاقات تفتقر في الأصل لشخصيات متفائلة بعالم أفضل. العالم الأفضل لا يأتي لمن هم في القاع («حيث الشمس لا تشارك» كما تقول كلمات أغنية لفرقة The Animals).

يسرد المخرج الحكاية بمفرداته الاقتصادية المحدّدة. لا توجد لديه رغبة الإيهام بأنه سيحقق فيلماً مبهراً بتصويره أو باستعراضاته أو حتى بتصاعد درامي حاسم. على العكس يبقى بسيطاً وكادراته محدّدة. حتى الدلالات الاجتماعية تبقى في متناول الإدراك. «الأوراق المتساقطة» هو فيلم بديع عن الوحدة في مجتمع غير آبهٍ، ومن هو آبهٌ لا يستطيع أن يفعل شيئاً. مجتمع بطلاه من المجتمعات التي يعيشها الفرد اضطراراً لا حباً.

تجد بعض أجواء الفيلم في أعمال الياباني يوسيجيرو أوزو حتى وإن لم يَسْعَ كيورسماكي للتماثل، فطبيعة الفيلم هي تلك السمة الواقعية الصادقة التي تتحدث عن العالم من تحت.

• عروض: صالات أوروبية وأميركية

‪ Society of the Snow ‬ ★★★

إخراج: ‪ج.أ. بايونا‬ | إسبانيا | 2023

فيلم «مجتمع الثلج»، في 13 أكتوبر (تشرين الأول) 1972، انطلقت طائرة مدنية من مدينة مونتفيديو في أوروغواي قاصدةً مدينة سانتياغو في الأرجنتين. على متنها 45 راكباً بينهم 19 من أعضاء فريق رغبي بعضهم مع عائلاتهم. ما حدث بعد نحو ساعة من الإقلاع أن الطيار بدأ الهبوط قبل الأوان معتقداً أنه أصبح على بُعدٍ يسير من المطار. في الواقع كان لا يزال فوق جبال الأنديز والمسافة لم تكن قريبة، مما أدى إلى اصطدام الطائرة بجبل جليدي وخسارتها جناحيها قبل أن تتهادى فوق منطقة منقطعة ومعزولة. جراء ذلك نجا 29 فرداً من الموت ليواجهوا البرد والمجاعة. من بين الناجين مات لاحقاً 13 شخصاً وبقي 16 فقط، دامت معاناتهم حتى 23 ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه. خلالها عاش الأحياء على لحم الموتى في ذلك المكان الجليدي المقفر وغير المتناهي. وهذا ما يعرضه الفيلم من دون أن ينتهز الفرصة لكي يحوّل الفيلم الجاد عن هدفه مبتعداً عن العنف والإثارة.

«مجتمع الثلج» (سيمارون سيني)

في تصريح للمخرج ج.أ. بايونا ذكر أنه حرص على اقتباس كتاب برنات فيلانلانا بأمانة لكي يُبقي الفيلم في حيّز التجربة الفعلية للأحداث وبعيداً عن الخيال. تضمنت محاولته هذه الابتعاد عن الإثارة الناتجة عن تحويل الأحداث إلى صراع عنيف مفتوح، ومعايشته الواقع بتفاصيل قابلة للتصديق وإثارة السؤال: إلى أي حد يستطيع الإنسان مقاومة نزعة البقاء على قيد الحياة إذا ما كان السبيل الوحيد المتاح هو أكل جثث الذين قضوا؟

لولا هذه النقاط الحسّاسة لبدا الفيلم قريب الشبه بأي فيلم آخر عن كوارث طائرات سقطت في أراضٍ مجهولة ومنقطعة، وحال مَن بقي على قيد الحياة. هذا لأن الأرضية التي تؤسس لهذا الفيلم لا تختلف في خطوطها العريضة عن تلك الواردة في أفلام من النوع نفسه بما فيها أفلام اقتُبست عن الحادثة سابقاً مثل «Survive» الذي أخرجه رنيه كاردونا فيلماً مكسيكياً سنة 1976.

في الوقت نفسه لا بد من الإشارة إلى أن فيلم بايونا الكوارثيّ السابق «The Impossible» بطولة ناوومي ووتس وإيوان مكغروغر (2012) بُني كذلك على كارثة حقيقية إنما بفاعلية أفضل، إذ دار حول التسونامي الذي ضرب تايلاند سنة 2004. هناك جمع بنجاح بديع ما بين أزمة عائلة كانت تُمضي عطلة سياحية وبين تلك المشاهد الكبيرة للتسونامي ودماره.

• عروض: نتفليكس

‪The Creator‬ ★★★

إخراج: غارث إدواردز | الولايات المتحدة | 2023

كلما توجّه مسؤولون صوب شخص محترف كان قد اعتزل المهام الصعبة واقتنع بنصيبه منها، نشهد مثل ما نشهده هنا: ممانعة شديدة للعودة إلى الخدمة ومن ثَمّ قبول. ما بين الممانعة والقبول تَرِدُ عبارات مثل «لماذا أنا؟ Why me‪?»، تليها عبارات تبريرية مثل «لأنك أنت أفضل من يستطيع القيام بهذه المهمّة».

في «ذا كريتور»، يقع هذا المشهد في البداية، كحال الكثير من الأفلام المشابهة. رئيسة شعبة عسكرية اسمها هاول (أليسون جَني) تقصد المنتمي السابق لفريقها جوشوا (جون ديفيد واشنطن) لتوظيفه ومهاراته القتالية. يرفض. يقبل، ومن ثَمّ تبدأ الأحداث.

«ذا كريتور» (توينتييث سنتشري فوكس)

الفارق هنا يستدعي، على الرغم من ذلك، التقدير. نحن في عام 2065 إثر دمار لوس أنجليس بكاملها (من حُسن حظ الفيلم أنه أُنتج قبل ذلك!) على يدي أجهزة الذكاء الاصطناعي التي نفّذت أوامر بسحق المدينة بقنبلة نووية. المهمّة المطلوبة من جوشوا هي الانتقال إلى معقل مبتكر الروبوتات المزوّدة بكل ما يلزم لمحو الإنسان والتخلص منه والقضاء على أجهزته التي تُصدر الأوامر لتلك الروبوتات، على أساس أن هذا هو الحل الوحيد أمام أهل الأرض للبقاء أحياء. على ذلك، قد يتطلّب الأمر طفلة غير آدمية تصاحب جوشوا في مهامه لكونها تتمتع بما يلزم للقضاء على مناوئيه.

إذا لم تكن أجهزة الذكاء الاصطناعي فهي أجهزة الكومبيوتر، وإذا لم تكن أجهزة الكومبيوتر فهي الغوريللات التي تريد وراثة الأرض وتحويل البشر إلى عبيد، كما ظهر في سلسلة «كوكب القردة». من هذا المنظور، لا يوجد ما يمكن عدّه مفاجأة. لكنّ الفيلم، رغم ذلك، يوفر حبكة قصصية جيّدة مدعومة بسرد فعّال يجعل منه فيلماً جيداً (في معظمه) من أفلام الكوارث والخيال العلمي.

معظم الأفلام من هذا النوع تمر مثل تسليات عابرة. حال تخرج من الصالة تجد أن العالم لم يتغير (الكرة تدور لكننا نبقى حيث نحن). تحمل من الفيلم ردّة فعلك وتمضي في وجهتك المقررة. لكن إحدى فضائل هذا الفيلم هو أنه يدفع بنا للتفكير في مستقبل العالم، والبشرية عموماً، حيال ما بات واقعاً، لأن نظم وأجهزة ووسائل الذكاء الاصطناعي باتت متوفرة، ما يجعل احتمال نشوب حرب عالمية رابعة بين الإنسان وأشباهه حتمية ولو بعد حين.

إلى أن يقع المحظور، يأتي «ذا كريتور» ليترك في البال تأثيراً أعمق. العالم خارج الصالة ما زال كما هو، إنما في الظاهر فقط.

الفيلم مشغول بدرايةٍ وبإتقان تنفيذ، تجعلاه أحد أفضل الأفلام التي أُنتجت من نوعه في السنوات القليلة الماضية.

• عروض: مهرجان عالمية

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


مقالات ذات صلة

الوسط الفني بمصر يودّع السيناريست عاطف بشاي

يوميات الشرق السيناريست المصري عاطف بشاي (صفحته على «فيسبوك»)

الوسط الفني بمصر يودّع السيناريست عاطف بشاي

ودّع الوسط الفني بمصر المؤلف والسيناريست المصري عاطف بشاي، الذي رحل عن عالمنا، الجمعة، إثر تعرضه لأزمة صحية ألمت به قبل أيام.  

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق أنجلينا جولي في مهرجان ڤنيسيا (إ.ب.أ)

«الشرق الأوسط» بمهرجان «ڤنيسيا-4»... ماريا كالاس تعود في فيلم جديد عن آخر أيام حياتها

إذا ما كانت هناك ملاحظة أولى بالنسبة للأيام الثلاثة الأولى التي مرّت على أيام مهرجان ڤنيسيا فهي أن القدر الأكبر من التقدير والاحتفاء ذهب لممثلتين أميركيّتين.

محمد رُضا (فينيسيا)
يوميات الشرق جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» خلال مشاركتها في افتتاح مهرجان البندقية (الشرق الأوسط)

«البحر الأحمر السينمائي» تشارك في مهرجان البندقية بـ4 أفلام

تواصل «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» حضورها بالمهرجانات الدولية من خلال مشاركتها في الدورة الـ81 من مهرجان البندقية السينمائي بين 28 أغسطس و7 سبتمبر.

«الشرق الأوسط» (البندقية)
سينما جيمس ستيوارت في «انعطاف نهر» (يونيڤرسال)

كلاسيكيات السينما على شاشة «ڤينيسيا»

داوم مهرجان «ڤينيسيا» منذ سنوات بعيدة على الاحتفاء بالأفلام التي حفرت لنفسها مكانات تاريخية وفنية راسخة. ومنذ بضعة أعوام نظّمها في إطار برنامج مستقل

محمد رُضا‬ (ڤينيسيا)
سينما «بالرغم من» ‫(مهرجان ڤينيسيا السينمائي)

شاشة الناقد: فيلم افتتاح «ڤينيسيا» 81 مبهر وموحش

يختلف جمهور اليوم عن جمهور 1988 عندما خرج ما بات الآن الجزء الأول من هذا «بيتلجوس بيتلجوس». آنذاك كان الفيلم جديداً في الفكرة والشخصيات

محمد رُضا‬ (ڤينيسيا)

كلاسيكيات السينما على شاشة «ڤينيسيا»

جيمس ستيوارت في «انعطاف نهر» (يونيڤرسال)
جيمس ستيوارت في «انعطاف نهر» (يونيڤرسال)
TT

كلاسيكيات السينما على شاشة «ڤينيسيا»

جيمس ستيوارت في «انعطاف نهر» (يونيڤرسال)
جيمس ستيوارت في «انعطاف نهر» (يونيڤرسال)

داوم مهرجان «ڤينيسيا» منذ سنوات بعيدة على الاحتفاء بالأفلام التي حفرت لنفسها مكانات تاريخية وفنية راسخة. ومنذ بضعة أعوام نظّمها في إطار برنامج مستقل يحمل عنوان «كلاسيكيات ڤينيسيا».

لا يُستهان بالإقبال الجماهيري، ولا بين النقاد أيضاً، على هذه الأفلام. الجمهور المحتشد لها هو من أهم أجزاء الصورة الشاملة لما يعرضه المهرجان من أفلام (أكثر من 300 فيلم في شتى برامجه وعروضه).

ما هو خاص بالنسبة للعروض الكلاسيكية أنها عاشت ليُعاد عرضها على الشاشات الكبيرة عوض استسهال البعض بالبحث عنها في المنصات المختلفة أو على الإنترنت لمشاهدتها بأحجام صغيرة وبنسخ قد لا تكون ناصعة ومرممة كتلك التي يوفرها المهرجان للحاضرين.

المخرج ناغيسا أوشيما (مهرجان ڤينيسيا السينمائي)

منتخبات مهمّة

سبعة أفلام تستوقفنا بين منتخبات ڤينيسيا العام الحالي (27 فيلماً) هي «الليل» (La Notte) لمايكل أنجلو أنطونيوني (إيطاليا) و«الرجل الذي ترك وصيّته في فيلم» (The Man Who Put His Will on Film) لناغيسا أوشيما (اليابان)، و«انعطاف نهر» (Bend of a River) لأنتوني مان (الولايات المتحدة)، و«الحرارة الكبيرة» (The Big Heat) لفريتز لانغ (الولايات المتحدة)، و«البشرة الناعمة» (The Soft Skin) لفرانسوا تروفو (فرنسا)، و«فتاته فرايدي» (His Girl Friday) لهوارد هوكس (الولايات المتحدة)، بمنأى عنها، بيد أنها في القسم نفسه، فيلم «مارون يعود إلى بيروت» لفيروز سرحال (إيطاليا)، و«الليل» (1961) هو أحد تلك الأفلام التي تمتعت بجمهور عريض عندما أنجزه أنطونيوني في ذلك الحين. أحد أسباب نجاحه أنه على عكس فيلمه السابق لهذا الفيلم، وهو «المغامرة» (L‪’‬Avventura) تحدث عن موضوعه بوضوح بدل إبقائه رهينة التساؤلات كما كانت عادته. ليديا (جين مورو) متزوّجة من جيوڤاني (مارشيللو ماستروياني) وعلاقتهما الحالية تمر بفتور. يؤمّان حفلة ساهرة. هو ينجذب لامرأة أخرى (مونيكا ڤيتي)، وهي تستمتع بالحديث مع رجل آخر (بيرنهارد فيكي)، حين عودتهما للبيت يدركان بأن عليهما استعادة وحدتهما.

بنبرة مختلفة أسس الياباني ناغيسا أوشيما حكاية فيلمه «الرجل الذي ترك وصيّته في فيلم» (1970). هو دراما لغزية عن طالب لديه يملك كاميرا فيلم يسرقها منه شاب آخر. هذا السارق ينتحر. العلاقة بين ما صوّره الطالب الأول وكيف ترك تأثيره في المنتحر يمرّ بقناة من الغموض في فيلم لم يعمد أوشيما لنوعه بعد ذلك. والغموض لا يتوقف عند انتحار السارق، بل يستمر مع انتحار صاحب الكاميرا، أو احتمال ذلك لأن المخرج لم يشأ التحديد في فيلم ممنهج ليكون أقرب إلى التجريب.

ملصق المهرجان

تروفو وهوكس

مثّل جيمس ستيوارت حفنة من أفلام الوسترن التي أخرجها أنتوني مان و«انعطاف نهر» (1952) واحد منها. كلها جيدة بمستوى واحد من الحرفة والمهارة. الحكاية هنا هي لرجل قبل مهمّة إيصال شحنة من البضائع مقابل مال. شريكه في الرحلة (آرثر كنيدي) يميل إلى بيع البضائع لمجموعة تعرض مبلغاً كبيراً من المال لشرائها ما يسبّب التباعد بين الرجلين اللذين كانا صديقين إلى ذلك الحين. الفيلم مشحون بالمواقف الحادة والتمثيل الجيد من الجميع (بمن فيهم روك هدسون وجولي أدامز وآخرون في أدوار مساندة).

ممثلو فيلم «الحرارة الكبيرة»، ومنهم غلين فورد، ولي مارڤن، وغلوريا غراهام، جيدون كذلك في هذا الفيلم البوليسي (1953) الذي يلمع فيه فورد تحرياً قُتلت زوجته خطأ، بتفجير سيارة كان سيقودها. المسؤولية تتعارض ورغبته بالانتقام فيتخلى عن الأولى. غراهام هي المرأة التي يضربها القاتل لي مارڤن ويلقي على وجهه أبريق ماء يغلي فيشوّهها. ممتاز بين أفلام الفترة البوليسية.

ما سبق يشي بتنوّع كبير ليس في حدود اختلاف أسلوب التعبير الفني لكل فيلم، بل للكيفية التي يتحكّم فيها المخرج بمفرداته وقواعده السينمائية للوصول إلى أعلى مستوى من حسن التنفيذ.

هذا التنوّع الشديد يتوالى مع اختيار فيلم فرنسوا تروفو «البشرة الناعمة» (1964) الذي ينتمي إلى أعماله الدرامية ذات المنوال الرومانسي، يحكي قصّة ناشر يعيش حياة هانئة مع زوجته، لكن ذلك لا يمنعه من خديعتها مع مضيفة طيران التقى بها. هذا ليس من أفضل أعمال تروفو.

الفيلم السابع المختار هنا، «فتاته فرايدي» (1940) هو كوميديا. واحد من تلك الأفلام التي تميّزت بمهارة المخرج هوارد هوكس في الكتابة وفي إخراج هذه الكوميديات العاطفية. في البطولة كاري غرانت في دور الصحافي الذي يسعى لإثناء زوجته (روزيلاند راسل) عن طلب الطلاق. غرانت لديه نموذج لا يتغير في التمثيل وهو هنا يمارسه بنجاح مثالي.

العالمون سينتبهون إلى أن الحبكة ليست بعيدة عن الفيلم الكلاسيكي الآخر «الصفحة الأولى» (The Front Page) الذي أُنجز مرّتان الأولى سنة 1931 على يد لويس مايلستون، والثانية الفيلم الأشهر الذي حقّقه بيلي وايلدر سنة 1974.

في غير مكانه

«مارون يعود إلى بيروت» (2024) ليس كلاسيكياً، ما يُثير التساؤل في اختياره بهذا القسم. بالتالي هو الوحيد بين ما يرد هنا الذي لم تُتح لنا بعد مشاهدته قبل وصوله إلى هذا المهرجان. تسجيلي عن حياة وأفلام المخرج مارون بغدادي التي بدأت سنة 1975 بفيلم «بيروت يا بيروت». لم يكن فيلماً جيداً، لكن بغدادي اشتغل على نفسه وحقّق ما هو أفضل في لبنان وفرنسا.

ما تبقى ليس سهلاً الحديث عنه في المجال المحدود هذا، لكنه يحتوي على أفلام مهمّة أخرى من الهندي غيريش كاسارايڤالي («الشعائر»، 1977)، ومن روبن ماموليان «دم ورمال» (الولايات المتحدة، 1941)، ورينيه كليمو («ألعاب ممنوعة»، 1952)، وآخرين لهم باع ونجاح في تحديد هويات سينما الأمس الزاخرة.