سنوات السينما: الخروج للنهار

 الخروج للنهار (ماد فيلمز)
الخروج للنهار (ماد فيلمز)
TT

سنوات السينما: الخروج للنهار

 الخروج للنهار (ماد فيلمز)
الخروج للنهار (ماد فيلمز)

* أيام الأم الحزينة

على نحو طبيعي يتلاءم والعنوان يبدأ «الخروج للنهار» (إخراج هالة لطفي، 2012) في صباح يوم بلا تاريخ محدد. «سعاد، يا سعاد» تنادي الأم على ابنتها النائمة لكي توقظها. والابنة الشابّة تستيقظ ببطء على يوم آخر من أيام بلا تاريخ. تعيش الأم (سلمى النجار) وابنتها سعاد (دنيا ماهر) في منزل مريح لولا المطبخ الصغير والحمّام الأصغر. لكن الراحة نسبية ولا شيء مريحاً بالنسبة لأعمال النهار. سعاد ستصحو على العناية بوالدها (أحمد لطفي). رجل مقعد. لا بد أن نوبة قلبية أصابته بشلل دائم جعلته لا يقوى على الحركة، وبحاجة إلى عناية خاصّة في كل شيء.

لـ49 دقيقة تحتفظ المخرجة بحقّها التزام البيت مع هذه الأسرة الصغيرة. تتابع (بكاميرا مقتصدة الحركة وبإضاءة طبيعية جدّاً) نمو الحياة في الصباح، وهي لا تحتاج إلى نمو كبير، فأعمالها اليوم هي ذات أعمالها بالأمس. التنظيف والغسيل وتقاسم العناية بأب لا يستطيع تنظيف نفسه أو ارتداء بيجامته أو الذهاب إلى الحمّام وحيداً. الحياة تمضي وسعاد وأمها تتأمّلانها وهي تنضوي. بعد تلك الدقائق تخرج الكاميرا إلى الشارع لأول مرّة. سعاد قررت زيارة صديقتها بعدما فشلت في لقاء صديق لم تره منذ خمسة أشهر. كنا رأيناها تتصل به مراراً ولا يرد. تتصل به من هاتف أرضي لا يعرفه فيجيب. تدرك أنه لا يود استمرار العلاقة. صديقتها مشغولة بدورها. تتصل بسعاد أمّها وتخبرها أنها نقلت الأب إلى المستشفى الذي تعمل فيه ممرضة بعدما سقط فاقداً الوعي. تتوجّه سعاد إلى المستشفى ومنه - ليلاً - إلى ضريح الحسين تدعو شفاء أبيها. بعد ذلك تمر بتجربة تخشاها كل فتاة وحيدة: تستقل حافلة عامّة وتلحظ أن السائق يتحاشى قبول ركّاب آخرين. عندما تسأله يجبرها النزول في مكان بعيد. تمضي الليل جالسة بالقرب من «ترعة» على النيل، حيث يوجد رجل وحيد هارب من الحياة إلى صيد السمك.

ينبلج النهار. تعود إلى البيت. والدتها بدأت أعمال الصباح. والدها لا يزال في المستشفى.

تجلس سعاد بالقرب من أمّها وتسألها: «هوا ح ندفن بابا فين؟». لا تجد الأم جواباً، فتلحق سعاد بسؤال ثانٍ أفدح وقعاً: «وإحنا المدافن بتاعتنا فين؟»: من النظر إلى الصورة التي توفّرها هذه المخرجة المبدعة، الجواب مسجل وغير مسموع: الحياة هي المدفن الوحيد!.

«الخروج للنهار» توليفة اجتماعية بصرية رائعة بموضوع لا يمكن التعبير عنه بأكثر مما هو متاح من حوار. لا يتطلّب أي كلام آخر. الصورة تنطق بتاريخ غير مكتوب وبحاضر مؤلم ومستقبل لا وجه له. وتعبّر عن مخرجة لا تشغل نفسها باستعراضات فنية لتؤكد أي شيء. دع الفيلم يتحدّث عن نفسه والمشكلة التي يعرضها، وهو يفعل ذلك بكل جدارة.


مقالات ذات صلة

ثلاثة أفلام تسجيلية تمر على أحداث متباعدة

يوميات الشرق من «واحد لواحد: جون ويوكو» (مركوري ستديوز)

ثلاثة أفلام تسجيلية تمر على أحداث متباعدة

«رايفنشتال» للألماني أندريس فايَل فيلم مفعم بالتوثيق مستعيناً بصور نادرة ومشاهد من أفلام عدّة للمخرجة التي دار حولها كثير من النقاشات الفنية  والسياسية.

محمد رُضا (ڤينيسيا)
يوميات الشرق السيناريست المصري عاطف بشاي (صفحته على «فيسبوك»)

الوسط الفني بمصر يودّع السيناريست عاطف بشاي

ودّع الوسط الفني بمصر المؤلف والسيناريست المصري عاطف بشاي، الذي رحل عن عالمنا، الجمعة، إثر تعرضه لأزمة صحية ألمت به قبل أيام.  

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق أنجلينا جولي في مهرجان ڤنيسيا (إ.ب.أ)

«الشرق الأوسط» بمهرجان «ڤنيسيا-4»... ماريا كالاس تعود في فيلم جديد عن آخر أيام حياتها

إذا ما كانت هناك ملاحظة أولى بالنسبة للأيام الثلاثة الأولى التي مرّت على أيام مهرجان ڤنيسيا فهي أن القدر الأكبر من التقدير والاحتفاء ذهب لممثلتين أميركيّتين.

محمد رُضا (فينيسيا)
يوميات الشرق جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» خلال مشاركتها في افتتاح مهرجان البندقية (الشرق الأوسط)

«البحر الأحمر السينمائي» تشارك في مهرجان البندقية بـ4 أفلام

تواصل «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» حضورها بالمهرجانات الدولية من خلال مشاركتها في الدورة الـ81 من مهرجان البندقية السينمائي بين 28 أغسطس و7 سبتمبر.

«الشرق الأوسط» (البندقية)
سينما جيمس ستيوارت في «انعطاف نهر» (يونيڤرسال)

كلاسيكيات السينما على شاشة «ڤينيسيا»

داوم مهرجان «ڤينيسيا» منذ سنوات بعيدة على الاحتفاء بالأفلام التي حفرت لنفسها مكانات تاريخية وفنية راسخة. ومنذ بضعة أعوام نظّمها في إطار برنامج مستقل

محمد رُضا‬ (ڤينيسيا)

فيلم «إيليين» الجديد من إخراج فيدي ألفاريز يعود إلى جذور السلسلة الشهيرة

عودة فيلم الخيال العلمي «إيليين» (أ.ب)
عودة فيلم الخيال العلمي «إيليين» (أ.ب)
TT

فيلم «إيليين» الجديد من إخراج فيدي ألفاريز يعود إلى جذور السلسلة الشهيرة

عودة فيلم الخيال العلمي «إيليين» (أ.ب)
عودة فيلم الخيال العلمي «إيليين» (أ.ب)

تعود أفلام الخيال العلمي «إيليين» التي أطلقها ريدلي سكوت عام 1979 إلى جذورها من خلال أحدث أجزائها «إيليين: رومولوس» (Alien: Romulus) الذي يُطرح هذا الأسبوع في دور السينما، بعد سبع سنوات على ذلك الذي سبقه، وروى مخرجه فيدي ألفاريز في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، كيف تأثر خلال مراهقته في الأوروغواي ببدايات السلسلة الشهيرة.

فبعد تعاقب عدد من المخرجين على أجزاء السلسلة، بدءاً من ريدلي سكوت الذي تولى أولها عام 1979 بعنوان «إيليين» Alien، وجيمس كاميرون («إيليينز» Aliens عام 1986) وديفيد فينشر («إيليين 3» Alien 3 عام 1992) وجان بيار جونيه («إيليين ريزوركشن» Alien Resurrection عام 1997)، شاءت «ديزني» الذي استعادت حقوق السلسلة أن تختار للفيلم السابع مُخرجاً أقل شهرة بكثير.

ويتولى إدارة إنتاج العمل الجديد ريدلي سكوت الذي عاد إلى القيادة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لإطلاق السلسلة مجدداً من خلال «بروميثيوس» Prometheus عام 2012 و«إيليين: كوفيننت» Alien: Covenant عام 2017، ولو بعيداً من روحية البدايات.

ورأى فيدي ألفاريز الذي أخرج أفلاماً من بينها «إيفل ديد» Evil Dead و«دونت بريذ» Don't Breathe، أن الفيلمين الأولين من السلسلة «أساسيان» في عمله وللسينما عموماً، مؤكداً أنه استمدّ الإلهام من هذه البدايات.

فقصة الفيلم التي تدور في مكان مغلق تقريباً داخل سفينة فضائية مأزومة، تعود إلى الزمن الذي تجري فيه أحداث الفيلمين الأولين، عندما تكتشف فرق من المسافرين إلى الفضاء وجود كائنات فضائية غريبة الشكل ومخيفة.

أطبّق ما تعلمته

وإذ أشار المخرج الذي بات مقيماً في هوليوود إلى أن «فيلم عام 1986 يتضمن مشهداً لمجموعة من الأطفال والشباب يركضون في محطة فضائية»، قال: «فكرت بما سيكون عليه الوضع بالنسبة لهؤلاء الأطفال عندما يكبرون؟».

وشاء ألفاريز أن يعود فيلمه البالغة مدته ساعة و59 دقيقة إلى الروح الدموية والمخيفة للجزء الأول، وضمّن الجزء الجديد مشاهد شهيرة من باكورة السلسلة، أعاد إنتاجها بأمانة، ومن بينها مشهد خروج الكائن الفضائي الطفيلي من جسم مضيفه البشري.

كذلك يستوحي المخرج البالغ 46 عاماً بتصرّف الأسلوب البصري لفيلم ريدلي سكوت، واصفاً إياه بأنه «أحد أعظم أرباب هذا النوع».

وقال ألفاريز: «لم يكن ذلك من باب الرغبة في العودة إلى الوراء، بل ببساطة لِكوني مخرجاً، أريد أن أطبّق ما تعلّمتُه»، وخصوصاً فيما يتعلق بقراره التصوير من دون «عدد كبير جداً من الشاشات الخضراء»، وهي تقنية معروفة باسم «مفتاج الكروما»، تقضي بوضع خلفية خضراء للمشاهد خلال تصويرها، تُستخدَم خلال مرحلة ما بعد التصوير لإدراج مؤثرات بصرية لاحقاً.

ووصف ألفاريز فيلم «إيليين: رومولوس» بأنه «طَموح جداً من الناحية الفنية».

ورأى أن «توليد مشاعر حقيقية لدى الناس هو أصعب شيء على الإطلاق». وأضاف: «عندما تقرر مشاهدة هذا الفيلم، فإنك تعرف بشكل أو بآخر ما تريد أن تعرّض نفسك له»، مشبّهاً ذلك بـ«ركوب قطار الملاهي»، مشيراً إلى أنه يحبّ «إحداث هذا التأثير على الناس».

وتماشياً مع ما درجت السلسلة على اعتماده، أدت الممثلة الشابة كايلي سبايني الدور الرئيسي في «إيليين: رومولوس». وسبق لدور الشخصية الرئيسية للسلسلة إيلن ريبلي أن كان وراء اكتشاف الممثلة سيغورني ويفر.

أما كايلي سبايني البالغة 26 عاماً فبرزت في يناير (كانون الثاني) في دور زوجة إلفيس بريسلي في فيلم «بريسيلا» لصوفيا كوبولا، ثم في دور مراسلة شابة تتحدى الموت إلى جانب كيرستن دانست في «سيفيل وور» Civil War في أبريل (نيسان) الفائت.

أما في «إيليين: رومولوس» فتؤدي دور يتيمة حُوِّلَت شِبه عبدة في جزء لا يصله نور الشمس من أحد الكواكب، تسيطر عليه مجموعة خاصة تحمل اسم «وايلاند - يوتاني» تستخرج منه معادن سامة.

ولا تتردد البطلة طويلاً عندما تقترح عليها مجموعة من المتمردين الشباب محاولة الهرب إلى مكان أفضل من خلال خطة تقضي بالاستيلاء على سفينة فضائية كانوا يعتقدون أنها مهجورة، ولكن تَبيّنَ في الواقع أنها مأهولة بكائنات غريبة الشكل قتلت الطاقم بوحشية.