رندة كعدي لـ«الشرق الأوسط»: بكيت في «نظرة حب» كما عندما فقدت والدتي

لا يمكن أن تمرّ الممثلة رندة كعدي في أي دور تتقمصه مرور الكرام، وحتى لو كان العمل يحمل بعض الثغرات، فباستطاعتها أن ترممه بحضورها الطاغي.

وفي موسم رمضان الحالي تطل كعدي في مسلسل «نظرة حب». وهو من كتابة السوري رافي وهبي، وإخراج المصري حسام علي. ويلعب بطولته كل من كارمن بصيبص وباسل خياط، وتشارك فيه مجموعة من الممثلين السوريين واللبنانيين. وهو من إنتاج الشركة السورية «إيبلا الدولية للإنتاج التلفزيوني والسينمائي».

حمل المسلسل آمالاً كبيرة للمشاهد في موسم رمضان. فبطلاه يشكلان ثنائياً، يطلّ لأول مرة. كما أن تأليفه يعود إلى وهبي، المشهور بقلمه الجذاب. ولكن العمل لم يشهد النجاح المتوقع له بسبب ثغرات عدة تشوبه.

ولكن مشاركة رندة كعدي، كانت بمثابة العنصر الفني اللافت. فهي لأول مرة تجسّد شخصية الراوية. فكانت بمثابة عرّافة إغريقية تدرك طبيعة الأحداث ونهاياتها قبل حصولها. الدور يقتصر على أداء كعدي، وينحصر بنبرة صوتها وبنظرات عينيها. وعلى الرغم من ذلك فإنها عرفت كيف تشدّ المشاهد بهذه الشخصية الغريبة. فعادة ما تقدم كعدي دور الأم التي يتفاعل معها مشاهدها لاشعورياً. وبأدوار الشر أو الخير حجزت كعدي مكانة لا يستهان بها في الدراما العربية.

تجسد في {نظرة حب} دور الراوية على طريقة العرافة الإغريقية (رندة كعدي)

أما في مسلسل «نظرة حب» فدورها كان سوريالياً، يرتكز على كثير من الخيال. فحضور الراوي في أحداث الدراما المعاصرة لم يعد بالأمر المعتاد. وأنْ تجسّد دوراً يتطلب منها التمثيل بلغة الصوت والعينين فقط، فهو أمر غير متوقع.

تقول كعدي في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن دور «أم بحر» كان من أصعب ما قدمته في مشوارها الدرامي. وهو ما اضطرها للعودة إلى مخزونها الأكاديمي كي تستطيع إحداث الفرق. وتقول: «الدور جديد بحد ذاته، سبق وقمت بما يشبهه في أثناء دراستي الجامعية. والشخصية تعود لمجرد راوية تقصّ علينا الحدوتة. ولكنني حاولت أخذه إلى مكان آخر كي يحمل أبعاداً أخرى، فزودته بنظرة مختلفة، لا سيما أن (أم بحر) لا تستطيع الحركة، وفي حالة جمود دائمة. فجميع أعضائها الجسدية معطلة إلا حاسة البصر. ولذلك توجّب عليّ الركون إلى تقنيات درستها في الجامعة».

بالنسبة لكعدي فإن أسهل خطوط التمثيل هي تلك التي ترتكز على الفعل ورد الفعل. ولكن هذا الأمر كان غائباً عند «أم بحر»، إذ لا تستطيع التعبير ولا التفاعل. فعملت على نبرة صوت عميقة تشبه أعماق البحر. وتوضح لـ«الشرق الأوسط»: «تحدّيت نفسي بهذا الدور ولكنه انقلب علي تعباً وجهداً كبيرَين. فكنت أبكي كما الأطفال من شدة الإرهاق. حتى إني لا أبالغ إذا قلت إنني ذرفت كمية الدموع نفسها، التي بكيتها عند رحيل والدتي. فالأمر كان صعباً جداً، إذ كنت أحفظ الحكايات التي عليّ تلاوتها من دون أن أفهم معناها الحقيقي. فلا حوارات أتفاعل معها، ولا حتى مونولوغ يحيي أحاسيسي. فكان عليّ بذل كثير كي أوصل ما أقوله للمشاهد».

برأيها دور {أم بحر} كان من أصعب ما قدمته في مشوارها الدرامي (رندة كعدي)

وبالفعل تمكّنت كعدي من ترك الأثر الكبير عند مُشاهدها. واستطاعت أن تجذب انتباهه ليفكك ألغازاً تحكيها. فلم يكن مجرد شاهد صامت على قصص تتلوها. وراح يصغي إليها باهتمام كي يستطيع توضيح الفكرة في رأسه. فمن قصصها يستطيع أن يخمّن أحداثاً أساسية ومستقبلية للعمل. وهو بالفعل ما اكتشفه مع مرور حلقاته. وتشير كعدي إلى أنها لو استرجعت ذكريات مشوارها، فهي لن تجد دوراً صعباً كالذي قدمته في «نظرة حب».

أما ما زوّدها بالقوة لإكمال الدور، فكان كما تذكر لـ«الشرق الأوسط» استحضارها الطاقة التي يجب أن تبديها للسيطرة على الآخر. فأم بحر امرأة متسلطة وقاسية، لا تفرج عن مشاعرها إلا تجاه ابنها بحر (باسل خياط). كما أن عمق نبرة الصوت ولّدت عندها هذا التماهي مع الشخصية التي تجسدها. واستعارت من هذه التفاصيل التي تؤلف الشخصية صلابتها. «لقد شعرتُ وكأني أقدم عملاً مسرحياً. وتحديتُ نفسي ولكن الأمر آلمني وأبكاني. وكان هدفي إقناع المشاهد وجذبه إليّ. وهو ما كان يتطلب أجواءً خاصة ووجوهاً معبرة غير فارغة حولي، كي أتمكّن من إخراج ما في داخلي».

اشتهرت بدور الأم فحصدت شهرة عربية واسعة (رندة كعدي)

اعتقد البعض ممّن يتابع «نظرة حب» بأنّ رندة كعدي تقرأ ما تتلوه على شاشة ثابتة. ولكنها تدافع: «هذا الأمر غير صحيح بتاتاً، وكان الاتفاق أن أسجّل صوتي في الاستوديو في ظرف ثلاثة أيام. ولكن الواقع جاء مغايراً لأنه تطلب مني حفظ نصوص كثيرة. وقد خضعت بعض مشاهدي إلى مونتاج. ولم يبقَ سوى قليل من التي رويتها. وآمل أن أكون قد أقنعت المشاهد فيها».

المعروف عن رندة كعدي رفضها الانسياق في أعمال درامية تجارية لا تطبعها رسائل معينة. وفي ظل غياب نصوص ترضيها قبلت التحدي ودخلت تجربة «نظرة حب».

نحتاج لكتّاب دراما يمدوننا بالإبداع والإحساس المرهف

وفي موسم رمضان تتابع كعدي مسلسل «ع أمل». وتصفه بـ«المتكامل، الذي يمكن أن يشدّ المُشاهد بحبكة جيدة». وقد يكون الوحيد، كما تقول، بين الأعمال المعروضة في موسم رمضان يدور تصويره بإضاءة متوازنة. «غالبية الأعمال الحالية تحمل العتمة والمشاهد القاتمة. وعندما سألت المخرج سيف سبيعي في إحدى المرات عن سبب هذه الظاهرة، أوضح لي أنها نابعة من مدرسة الواقع، فهي تنقله كما هو. ولكن برأيي أن اللعبة الدرامية ترتكز على جمالية المشهد والأسلوب. هناك ما يمكن أن نسميه واقعاً، وآخر يمكن أن يندرج على لائحة النقل عن الواقع. ولا يتطلب منا الواقع أن نطفئ الأضواء ونمثل في العتمة. فالأمر ينعكس سلباً على المُشاهد الهارب من عتمة أيامه».

وبالعودة إلى «ع أمل»، فهي تستمتع بمشاهدة ممثلين لبنانيين فيه من الطراز الرفيع. «يكفي أداء كارول عبود التي أتمنى أن أقدم معها يوماً ما عملاً درامياً خاصاً بنا. وكذلك يشارك فيه بديع أبو شقرا، والرائع عمار شلق. جميعهم ألفوا خلطة لبنانية جميلة لا يمكن تفويتها». ولا يمكن أن أنسى قلم كاتبته نادين جابر الشيق والمحبك بتأنٍ.

أستمتع في «ع أمل» بمشاهدة ممثلين من الطراز الرفيع

وفي موضوع كتّاب السيناريو، تفتقر رندة كعدي لنصوص كارين رزق الله وكلوديا مرشيليان وطارق سويد. «إنهم كتّاب دراما نحتاجهم ليمدونا بالإبداع والإحساس المرهف. فلا بأس أن نخرج قليلاً من واقع موجع ونجبله بجرعات من الخيال. هذا يسرقنا من ألمنا، وهو الدور البديهي للدراما، فنهرب معها إلى عالم آخر يريحنا بدل أن يزيد من أوجاعنا. الرحابنة كانوا يستوحون من واقعنا ويضعونه في قالب جميل وخيالي، فيزرعون الأمل في نفوسنا رغم بؤس نعيشه. الدراما هي المتنفس الوحيد عندنا اليوم».

وتختم كعدي متحدثة عن المطبخ الدرامي بوصفه أساساً يجب الالتزام بتنسيق مكوناته كي ينجح: «إذا كان هذا المطبخ لا يعمل فيه أشخاص متجانسون لا بد أن يفشل. فلماذا نستمتع بمشاهدة عمل مصري أو لبناني أو سوري بحت؟ فهذا التجانس يرخي بظلاله على العمل، وإلا يصبح مجرد خلطة درامية غير مقنعة، لا طعم لها ولا لون».

رندة كعدي لـ«الشرق الأوسط»: كسرت قفص الأم التقليدية على الشاشة

ما إن عرض أحد مشاهد الحلقة 23 من مسلسل من «للموت 2»، الذي تخلع خلاله الممثلة رندة كعدي رداء الأم التقليدية المعروفة به، حتى قامت الدنيا ولم تقعد. بلحظات قليلة شكل هذا المشهد حديث البلد، بعد أن تصدر الـ«ترندات» على وسائل التواصل الاجتماعي. ويعرض المسلسل الرمضاني عبر شاشة «إم تي في» المحلية، ومنصة «شاهد» الإلكترونية. ويأتي المشهد الذي نتحدث عنه في سياق قصة محبوكة بشكل جيد من كتابة نادين جابر وإخراج فيليب أسمر وإنتاج «إيغل فيلمز». وتظهر كعدي خلاله، التي تلعب دور «حنان» في العمل، وقد خرجت عن طورها بعد أخذها حبة هلوسة بالغلط، فتقدم استعراضاً فنياً غنياً بعناصره المكتملة رقصاً وأداءً وتعبيراً؛ ولأول مرة، يتابع المشاهد العربي، كعدي في مشهد مماثل، بعد أن عوّدتهم على تقمُّص شخصية الأم الطيبة والتقليدية. هنا خرجت عن المألوف، وأطلقت لنفسها العنان محلّقة في فضاء واسع، رسمت له خطوطه الأساسية ابنتها تمارا. فهذه الأخيرة هي مدربة التمثيل لوالدتها. ومنذ توليها هذه المهمة وهي تزوّدها بجرعات أداء إبداعية.
قدمت كعدي خلال المشهد، أداءً استثنائياً زاد من تألقها ممثلة محترفة، ففاجأت جمهورها كما فريق العمل وزملائها. وتعلق كعدي لـ«الشرق الأوسط»: «ما إن خرجت هذه الحلقة إلى النور، حتى انهالت عليّ الاتصالات الهاتفية من عدد كبير من زملائي، الذين أشكرهم لدعمهم لي ولتقديري. لهفتهم هذه شكّلت وساماً أعلّقه على صدري، لأنني سعدت وتشرفت برد فعلهم هذا».
وتروي كعدي الحيثيات التي رافقت هذا المشهد منذ قراءتها له على الورق إلى حين تنفيذه؛ «عندما قرأت النص، وعلمت أن حنان ستبتلع حبة هلوسة، رحت أقلب الصفحات بسرعة كي أقف على طبيعة أدائها. بعدها اتصلت بالكاتبة نادين وسألتها: شو عاملة بحنان؟ فردّت عليَّ مؤكدة أنه حان الوقت لكسر القيود، وتزويد المرأة بمساحة من الحرية، تُخرج فيها طاقتها المدفونة».
وتتابع كعدي: «في الحقيقة رأينا في هذا المشهد، حنان التي تحلم وهي مفتحة العينين، وتقدم أداءً مختلفاً بحيث حلقت في عالم لم تكن تملك القدرة من قبل على ولوجه. كسرت قيودها وغرفت في هذه اللحظات من أفكار كانت تراودها، فتربيتها والتقاليد التي تحيط بها كانت تمنعها عنها».
وتفتخر كعدي صاحبة الباع الطويل في عالم الدراما، بأنها قدمت، أكثر من مرة، شخصيات علقت في ذاكرة المشاهد، وأن ابنتها تمارا حاوي هي مدرّستها ومدربتها. «عندما قرأت تمارا النص، لمعت الفكرة مباشرة في رأسها. وقررت أن يطبع المشهد موسيقى غربية وليست عربية، كما هو مكتوب على الورق، ودربتني على هذا الأساس. فهي اختصاصية رقص، وصاحبة شهادات عالية في هذا المجال كما في الأداء التمثيلي».
تدعم تمارا والدتها بأجمل التطريزات لكل كاركتر تقوم به. وتضيف كعدي: «وضعت لكل شخصية هويتها الخاصة، وهو ما وسم شخصيات عدة، بينها تلك التي أديتها في (2020)، وفي (أدهم بيك)، وفي (مشيت) وغيرها، فأوصلتني إلى مكان أصل بالشخصيات إلى أماكن لم أبلغها من قبل».
عندما وصلت رندة كعدي إلى موقع التصوير قالت للمخرج فيليب أسمر: «أنا جاهزة للمشهد، فقد قمت بواجباتي تجاهه، لقد حفظته وتدربت عليه. وعلى أغنية (I am feeling good) المشهورة، قدمت له وصلة من المشهد».
تفاجأ فيليب من أداء رندة الخارج عن المألوف، ولشدة إعجابه بها، بلور بعض تفاصيله في عملية المونتاج، وتقول كعدي: «أبدع فيليب في المونتاج وأبرز رسائل كثيرة، فأكمل ما كان مكتوباً على الورق بأسلوبه الإبداعي. أعدت المشهد طبعاً أول مرة أمامه وأمام الممثل أحمد الزين. وهذا الأخير تفاجأ أيضاً، ووقف يراقبني بتأنٍّ، خصوصاً أنه تعاون معي كي نضيف على المشهد تقنية المسرح».
تؤكد كعدي أنه من الضروري أن يتجدد الممثل، بفضل دم شبابي يشرف على أدائه. «كما فيليب أسمر، كذلك ابنتي تمارا، فهما يتمتعان بقوة إبداع رائعة. صحيح نحن لدينا تجاربنا ومخزوننا المتراكم، ولكن يجب أن نبقى على تواصل مع كل جديد، تماماً كما في مهن الطب والهندسة والإعلام وغيرها».
المشهد الذي قدمته كعدي يصنف جريئاً فكيف تلقفته؟ «إنه يرتكز على كثير من الجرأة والتعبير بالعينين ولغة الجسد. وهذا هو التحرر الذي أتحدث عنه وتحتاج إليه كل امرأة، كأنها طائر الفينيق وتنتظر أن ينطلق من داخلها. كل امرأة تحتاج إلى هذه المساحة، فربة المنزل وكي تعد أطباقاً لذيذة تلزمها مساحة حرية لتبرز ثقتها بنفسها، الأمر يتطلب الشيء نفسه. حتى وهي تضحك أو تتحدث، فإن كل تعبير نابع عنها، هو بحاجة لأن تحلّق به عالياً. وهذه المساحة التمثيلية أعطاني إياها فيليب أسمر بشكل بارز، تماماً كما كاتبة العمل نادين جابر. فعند المرأة قضايا كثيرة، ومن خلال حنان كشفنا عن الكثير منها. فأنا لا أطمح إلى النجومية بل إلى أن أشكّل حبة الكرز التي تزيّن أشهى قالب حلوى».
وتؤكد كعدي أن شخصية حنان غنية جداً، وفيها إضافة إلى الحب والعاطفة، التربية والمبادئ السليمة والعمل الإنساني. «كل تلك الأمور اجتمعت في شخصية حنان منذ الجزء الأول في (للموت)، وبرزت أكثر في الثاني منه».
وترى كعدي أنه لولا شركات الإنتاج كـ«إيغل فيلمز» و«الصباح إخوان»، «لكنا لم نراوح مكاننا في الدراما اللبنانية، في هذا الوقت تحديداً. كل الاحترام والحب للشركتين وصاحبيها، فهما وضعا كل ثقتهما بنا نحن الممثلين اللبنانيين، خصوصاً في الأوضاع الصعبة التي يمر بها بلدنا. الدراما اليوم هي المتنفس الوحيد عندنا، وتسهم في تغيير المزاج الشعبي ككل».
تعرف كعدي قدراتها وإمكانياتها جيداً، ولكنها تقول دائماً إنه إذا لم يوجد من يسلط الضوء عليها، فمن يمكنه أن يراها؟ «لا أنكر تعبي وجهدي على نفسي، ولكني كنت اختنقت لو لم أوضع في المكان المناسب لإبرازهما».
وعن «للموت 2» تقول: «إنه عمل متقن آمنّا به جميعاً، وجاء الجزء الثاني منه ليزيده لمعاناً وإبهاراً ضمن نص رشيق وغير ممل، كما يحصل أحياناً في بعض المواسم الإضافية لدراما معينة. كما أشكر رب العالمين على هذه المساحة التي يُعرض فيها ضمن الشهر الكريم. فالناس كرماء لأنهم يتابعونه بشغف، والإنتاج كريم أيضاً لأنه يضع تحت تصرفنا كل ما يلزم لولادة عمل على المستوى المطلوب».
وتتابع: «(للموت 2) في رأيي، حمل الدراما الرمضانية على أكتافه هذه السنة، محلياً، في ظل عراقيل واجهها أصحاب شركات الإنتاج، بسبب الجائحة والأوضاع الاقتصادية المتردية في لبنان، زيدي عليها الطقس الرديء. أما بالنسبة لي فهذا المسلسل سمح لي بتحقيق واحد من أحلامي بعد أن كسرت قفص الـ(ماما) التقليدية من خلاله، ولوّنت مسيرتي كما أرغب. فالفن لم يكن يوماً عملاً فردياً بل نتيجة جهد جماعي وهو ما نلمسه في (للموت). وفي شخصية (حنان) استطعت تقديم الجديد مع الحفاظ على خطوط الشخصية الأصلية، التي بُنيت عليها منذ البداية، ولم أفقدها طيلة سياق القصة».
وترى كعدي أنها منذ زمن كبير كانت تطالب بإخراجها من هذا القفص الذي وُضعت فيه. «اليوم تأكدوا مما كنت أقوله وصدقوني بعد (للموت 2)، فهذا المسلسل هو الباب الواسع الذي سيكون فاتحة خير عليّ، فيطعّم مسيرتي بشخصيات جديدة. أفتخر بتجسيد دور الأم من دون شك بكل وجوهه، ولكنني أحتاج لهذا النوع من المساحات كي أُخرج ما في أعماقي من ممثلة».
وتنتقد كعدي إعطاء لقب «القدير» لممثل أو ممثلة لا يستأهلونه. «لا يمكن أن نطلق هذا اللقب على أي ممثل، أو عندما يخطر الأمر على بالنا. هناك ممثلون أساتذة يليق بهم هذا اللقب ككميل سلامة ونقولا دانييل. فهؤلاء هم (القديرون) الذين يجب أن يرافقهم هذا اللقب على الشاشات. إنهم أساتذة كبار وأكاديميون وأصحاب تجارب وخبرات عالية المستوى، ونحن تلامذتهم ليس أكثر».
وعن الدور الذي تتمنى أن تقدمه قريباً تقول كعدي: «أي دور لامرأة يمكنه أن يتحداني ويحمل رسائل معينة، أنا مستعدة لتجسيده».

رندة كعدي لـ«الشرق الأوسط»: أتشوق لأداء أدوار ذات خلطة جديدة

لا يخفت بريق الممثلة رندة كعدي في كل مرة أطلّت فيها على جمهورها، فمشوارها المرصَّع بمحطات لمّاعة تضعها دائماً في الطليعة. وأخيراً كان لا بد من تكريمها بصفتها امرأة مؤثرة وناجحة في «مهرجان بيروت الدولي لسينما المرأة». واعتبرت هذه اللفتة بمثابة الشكر لجهد بذلته، وُجِّه إليها من قِبل جهة فنية راقية. وتعلِّق، لـ«الشرق الأوسط» قائلة: «هذه اللفتة دفعتني إلى الالتفات لنفسي، خصوصاً أن شعار المهرجان كان (المرأة من أجل القيادة)، فأنا من النساء اللاتي ناضلن في مهنتهن، ولا مرة تخاذلت أو تنازلت، ولا حتى استخفيت بما أقوم به، فالجِدية كانت رفيقتي، ولأول مرة قلت لنفسي: يعطيكِ العافية».
لا تؤمن كعدي بالتقدم في العمر؛ فبرأيها «إنه ما دام قلبنا ينبض ونعمل بكد لا نتنبه لمرور السنوات. وحدها المرآة قد تذكِّرنا بذلك إذا ما تطلّعنا إليها بواسطة المجهر». تتحدث كعدي عن هذا التكريم بفرح كبير؛ لأنه ما من شيء يوازي السينما للإضاءة على مسيرة أي امرأة فعالة في مجتمعها.
وكل من يتابع رندة كعدي، اليوم، في مسلسل «الثمن» يغمره هذا الإحساس بالحب العميق الذي ينعكس على مشاهدها تلقائياً، فهو يخرج منها بصورة عفوية، فيلامس المشاهد من دون استئذان. وتبلغ هذه الحالة ذروتها عندما تؤدي دور الأم، فمن أين تأتي بكل هذه المشاعر العميقة؟! تردُّ: «لأنني مشبعة بمشاعر الحب في بيتي ومن خلال تربيتي. فأهالينا كانوا يعرفون كيف يزرعون المحبة في قلوبنا، كانوا يجهلون التربية الحديثة الرائجة في أيامنا اليوم. وبرأيي إن هذه الأخيرة أسهمت بتوليد العُقَد لمن تمارَس عليه. وكوني معلِّمة وأُعنى بشأن التربية المسرحية في المدارس أمارس على تلاميذي ما تربيت عليه».
وتؤكد كعدي أنها تردد دائماً على مسامع زميلاتها في التعليم، أنه من الأجدى بهن الاستعانة بالفطرة السليمة، بدل اللجوء إلى قواعد التربية الحديثة فقط، «علينا التقرب من تلامذتنا أكثر؛ فهو أفضل من مخاطبتهم عن بُعد بحيث لا يسمعون صوتنا».
هذا الأساس الصلب الذي تتمتع به رندة كعدي ينعكس إيجاباً على أدائها بصفتها ممثلة وأمّاً. تقول إنها حتى مع بناتها تتصرف بالفطرة. «لقد سعيت إلى أن أجسّد معهن دور الأم بالغريزة. فكل ما درسته أيام الجامعة إذ اطلعت على أفكار فلاسفة وكُتاب عالميين، لم أستعمله في تربيتي لهن. أخرجت فقط ما في أعماقي من مشاعر تجاههن، فرسمن حياتهن كما رغبن تماماً. فلا أحد له علاقة بمرآة الآخر، ولكل منا انعكاسات تؤلف شخصياتنا من الداخل والخارج».
تعترف كعدي بأنها امرأة ناجحة «لأني تعبت واهتممت بالزرع الذي أوكلت به فلم يُصبه اليبس. وأنا حريصة على حصاد كل موسم، بحيث أفكر دائماً بالحصاد الذي يليه، فلا أستطيع أن أزرع كل سنة القمح، إذ يجب أن أقدم المختلف. وأنا اليوم بانتظار أن يوكل إليَّ دور يُخرج ما في أعماقي من طاقات. أرفض أن أتقوقع في نمطية معينة، وأعتقد أنه آن الأوان للخروج من عباءة دور الأم، فأنا بحاجة إلى نوعية وخلطة جديدتين أطعم بهما مشواري. فالأرض كي تعطي ثمارها باستمرار يجب أن نبدل زراعاتها، وإلا فيجب أن نتركها تستريح كي تعود خصبة».
عندما تحدِّثك كعدي عن شوقها لملامسة نصوص تتجدد فيها، تسألها تلقائياً: هل تفكرين في كتابة دور خاص بك؟ تردّ في سياق حديثها: «ألوم والدي، رحمه الله؛ لأنه لم يورِّثني مَلَكة الكتابة كما التمثيل، فهو كان كاتباً مسرحياً وتلفزيونياً، إضافة إلى إجادته التمثيل. أستطيع أن أرى جيداً وأستخرج العِبر من مواقف معينة، ولكني لا أعرف ترجمتها على الورق. ويا ليتني كنت كارين رزق الله أو كلوديا مرشيليان أو نادين جابر وغيرهن، كي أستطيع أن أخرج مني كل هذه الصور كتابة».
تأسرك رندة كعدي في مسلسل «الثمن» بأدائها الانسيابي والأنيق، كما هي عادتها في أي دور تقدمه. وتخرج من أعماقها مشاعر الأمومة، حتى وهي تحاول أن تقلب الطاولة على غيرها. فكيف حضّرت لهذا الدور؟ «درستُ شخصية ناديا التي أجسّدها عن قرب، مستعينة بإسقاطات من الشخصيات المحيطة بها. وترجمت التعويض عن خسارة ابنها بتقديم كل أشكال الحب لتلك الشخصيات. فاعتبرت زوجات ولدي هنّ بناتي، وأخرجت كل ما هو في داخلي ليطلع مني بعفوية. فكي يصدّقنا المشاهد يجب أن نعمّر طبقات للدور الذي نؤديه، فتطفو على خطوط الشخصية بسلاسة وتُحدِث المختلف».
ما يكون مكتوباً بالنص والحوار يأخذ طابعاً مسطحاً، إذا لم تُبنَ له أساسات صلبة. هكذا تصف كعدي عملية تحضيرها أدوارها. «لو حفظت أدواري من دون تعمير طبقات لها، لكنتُ مررت مرور الكرام. ويلزم لذلك مهندس يرسم له هذه الطبقات، وأنا أحظى بهذه الفرصة من خلال ابنتي تمارا؛ فهي حبيبة قلبي، ومَن أصدق منها كي يوجهني؟! صحيح أتشاور مع المخرج والكاتب، ولكن إذا لم أكن محترفة ببناء الشخصية فسأخفق، كما أن وقوفي أمام ممثل قدير ومحترف كرفيق علي أحمد حفّزني أكثر على الاجتهاد؛ فهو صاحب خبرة كبيرة بالأعمال اللبنانية المأخوذة عن التركية، إذ قدَّم لمواسم متتالية (عروس بيروت)، وللعبة التمثيل أصولها، وعلينا كممثلين أن نتبادل العطاء على طريقة لعب الكرة (هات وخذ). وهذه الأصول المخفية تؤلف عاملاً أساسياً لجذب المشاهد».
وعما إذا استولت على رفيق علي أحمد من تقلا شمعون، فسرقته منها كثنائي عُرف في «عروس بيروت»، تقول: «لا، لم أسرقه منها قط، ولا أنافس هذا الثنائي، بل أنافس ذاتي بذاتي. لقد نجحت مع كل فنان شاركته في دراما معينة بشهادة كثيرين. وألّفنا معاً ثنائياً، كما مع أحمد الزين ونقولا دانييل وغبريال يمين فاحتار الناس أيّها هو الأفضل. أنا أبحث دائماً عن الجديد كي أستطيع التقاط الشخصية التي أجسّدها، فقد سبق وصفّقت لتقلا ورفيق، وهذه المرة صفقت لثنائيتنا».
برأي رندة كعدي، فإن الأعمال الطويلة كـ«الثمن» هي قائمة بفعل الحتمية التي تفرضها الساحة. «أشعر وكأنهم استنفدوا طاقاتنا في بلاد الشام ككل، ومن بعد كل المآسي التي عشناها هربنا إلى متنفس جديد. نحن مبدعون من دون شك، إذ استطعنا أن نبرز أحاسيس وأفكاراً وحبكات لا تخصُّنا كشعب عربي، عملنا منها نجاحات وتفوّقنا على الأجانب مع أننا شعوب مقموعة وتعِبة».
وتصف تجربتها بـ«الثمن» بعيداً عن عائلتها وموطنها لنحو 7 أشهر، بأنها زوَّدتها بالقوة ودفعتها للتفرج على داخلها بشكل كبير. «هذه الوحدة التي عشتها أسهمت في تقديري لكل فرد من عائلتي. واكتشفت مدى تأثيرهم الإيجابي عليّ؛ بدءاً من زوجي، ووصولاً إلى بناتي. وهي أمور كانت غائبة عني بسبب صخب الروتين الذي نعيشه. واعتمدت هذه الوحدة لأسباب كثيرة؛ بينها للحفاظ على شخصية ناديا كي لا أضيّع روحها التي تسكنني. وكذلك كي لا أرى جمال بلاد غير بلادي، إذ كنت أشعر بالقهر وأحزن على لبنان».
قريباً نتابع رندة كعدي في «للموت 3» خلال موسم دراما رمضان وعبر شاشة «إم تي في» اللبنانية. فهل ترددت قبل الإقدام على هذه الخطوة خوفاً من الوقوع بالنمطية؟ تردّ: «لو لم أشعر بالتجديد الذي يطبع النص، لربما كنت اعتذرت. قطعت شغلي في تركيا كي أشارك في هذا العمل. فلديّ ثقة عمياء بمُخرجه المبدع فيليب أسمر. وكذلك بكاتبته نادين جابر التي عملت بجهد للابتعاد عن التكرار. كما أن شركة الإنتاج إيغل فيلمز استعانت بأسماء ممثلين رائعين من سوريا ولبنان، لكسر أي رتابة قد تشوب العمل».
لكن ماذا عن طبيعة شخصيتها حنان في «للموت 3»؟ تختم: «بعد مرورها بمراحل مختلفة في الجزأين الأول والثاني، ستعود في الثالث إلى مكانها الطبيعي مديرة ميتم للأطفال. سنراها تزاول مهنتها الأحبّ إلى قلبها وتغمر الأولاد المتروكين بالحب. وبذلك تتبدل خطوط الشخصية لتأخذ منحى آخر».

رندة كعدي: ابنتي هي مدربتي وعيني الثاقبة

على غير عادتها تطل الممثلة اللبنانية رندة كعدي من خلال مسلسل «راحوا» الرمضاني بشخصية شريرة وقاسية. فهي تطل على المشاهد العربي عادة، بشخصية الأم الطيبة والحنون. تخلع رندة عباءتها المسالمة في هذا العمل الدرامي، وتلبس أخرى تلعب من خلالها دور «أم عماد»، المتسلطة صاحبة النظرات الغامضة والحاقدة.
فاجأت رندة كعدي متابعي «راحوا» الذي تعرضه شاشة «إم تي في» المحلية خلال الموسم الرمضاني. فهم يتسمرون في مقاعدهم، يتفرسون في ملامح وجهها، كي يتأكدوا بأنها من تقوم بهذا الدور. فالتغيير طال إطلالتها، ولم يقتصر على أدائها البارع، بل طال أيضاً شكلها الخارجي. فهي اضطرت أن تحلق حاجبيها وترسمها بخط قصير يقطع التناغم المعروفة به في نظراتها. ومع ملامح وجه «أم عماد» القاسية، وإتقانها لغة جسد مشبعة بالغطرسة، تضيف رندة كعدي إلى مشوارها الفني محطة تمثيلية، بدأت تصبح حديث الناس في الشهر الفضيل.
وتعلق رندة كعدي: «بالفعل دور جديد، لم يسبق أن قدمت ما يشبهه إن بالشكل أو بالأداء. فالممثل عليه أن يختبر أي دور يمكن أن يجدد مسيرته ويحفزه على تقديم الأفضل. وكلما عرف كيف يطبع دوره بصدق، نجح وأحبه المشاهد».
ولكن ألم تخافي من ترك انطباع سيء لدى المشاهد الذي أحبك في أدوار الأم بمختلف وجوهها؟ ترد: «في (راحوا) أيضاً ألعب دور الأم ولكن في إطار مختلف. لم أتردد في الموافقة، ولم أتساءل عن رد فعل المشاهد. فهو يمكن أن يراني بعين مختلفة ولكنه لن يكرهني. والدليل على ذلك هو أنه تماهى مع دوري (أم عماد)، واستمتع بمراقبتي بدقة، لأنه رغب في متابعة هذه النقلة في أدائي».
وتؤكد الممثلة اللبنانية التي تركت بصمتها في أعمال عدة ضمن دراما رمضانية سابقة وغيرها، أنه على الممثل أن يصدق النص المكتوب له ويرسم هويته. فيخرجه من الورق ويؤنسنه، ويزوده بالحياة، كي يبدو حقيقياً. هنا يخضع الممثل لامتحان صعب، فإما يترك بصمة يتذكرها الناس، أو يمر مرور الكرام. فالممثل هو بمثابة رادار عليه أن يلتقط أي إشارة تلوح له من بعيد، وأحياناً تسهم شخصية معينة في إخراج طاقة تسكن أعماقه، وعندما يقف أمام الكاميرا، في موقع التصوير، تصبح وكأنها تسكنه. فلو اكتفيت بأداء رندة كعدي الطيبة لكنت فشلت. فتخزين خطوط لشخصيات نلتقيها في حياتنا اليومية، أو نتعرف إليها في فيلم سينمائي أو عمل درامي تساعد في نضوج أداء الممثل. وبرأيي فإن العلم يشكل عنصراً أساسياً يبلور مهارات وتقنيات الممثل. «وأنا كغيري من خريجي المعاهد الفنية، نتمتع بهذه القدرات من صفوفنا ودراستنا حيث اكتسبنا منها قواعد اللعبة. ولن أنسى في هذا الإطار كلام أستاذتي في المعهد التي أعتز بها لطيفة ملتقى. فهي كانت توصينا دائماً بأن يكون أداؤنا شبيهاً بميزان الصائغ. فلا يجب أن يميل يساراً أو يميناً، بل أن يكون مضبوطاً. فلا نزيد ولا ننقص من كمية الانفعال المطلوبة لدور معين».
ومن هي الشخصية الواقعية التي استوحيت منها شخصية «أم عماد»؟ ترد: «لم ألتق في الواقع بشخصية تشبهها، ولكن يمكنني القول بأن غالبية حكامنا وسياسيينا يشبهون (أم عماد) بغطرستها. وأنا حولتهم إلى سيدة، سيما وأن التمثيل يرتكز على الخيال والعامل الافتراضي. فأخذت السيدة من الواقع وطورتها بحيث تناسب شخصية «أم عماد».
ويتناول مسلسل «راحوا» موضوع الإرهاب الممارس في مجتمعاتنا. ويحكي عن حادثة إرهابية تجري في ملهى ليلي. فيدخله إرهابي ويبدأ في رش الساهرين بالرصاص. لتبدأ القصة تأخذ منحى آخر يتراوح بين سندان المشاعر ومطرقة الإرهاب.
وعن كيفية قولبتها لدورها والتحضير له توضح: «إنني أتكل كثيراً على مدرب التمثيل لأن في استطاعته أن يرى أدائي من زاوية أخرى. وهنا لا بد أن أذيع سراً لأول مرة، هو أن ابنتي تمارا كريستينا حاوي هي مدربتي والمشرفة على أدائي وشكلي الخارجي. فأنا أستعين بها في كل دور أنوي تقديمه لأنها متخصصة في إدارة الممثل وتواكبني في جميع أعمالي. هي من اقترحت على مخرج (راحوا) نديم مهنا وكاتبته كلوديا مرشيليان تقديمي في الإطار الذي أطل فيه اليوم. ولولا توافقهما معهاً لما ولدت هذه الشخصية. وهي أيضاً من يتولى اختياري لمكياجي وأزيائي، وكل ما يتعلق بإطلالتي في كل دور. كما أنها تتدخل في أدق التفاصيل كي يأتي الدور متكاملاً. فترسم إطاراً للدور وأنا أترجمه في أدائي. حتى في المنزل هي تدرّبني وتحفظ النصوص معي، خصوصاً أني أتمسك بالنص كما هو». وهل يمكنها أن تتفوق على أستاذة في التمثيل؟ ترد: «أنا خريجة معهد فنون وأنتمي إلى مدرسة تمثيلية قديمة. أما الجيل الشاب فهو على اطلاع دائم على كل جديد، ويملك خلفية ثقافية واسعة. فتمارا خريجة أكاديمية أيضاً ونتفق على كثير من الأمور، بحيث لا أسمح لنفسي بارتكاب أي خطأ معها. ومع ذلك فهي لا تتوانى عن إسداء ملاحظات ونصائح لي. وأحاول دائماً أن أتذكرها على موقع التصوير، حيث يمكن للممثل أن يشرد أحياناً أو أن يميل عن الخط المرسوم لدوره».
وتؤكد رندة كعدي أنه على الممثل أن يكون متطلباً، وألا يرضى عن أدائه بسرعة. «فهو إذا بالغ في الرضا عن نفسه، لن يتمكن من التطور أو الاستمرار». وبحسب رندة كعدي فهي لم تجسد يوماً دور الأم التي تشبهها في حياتها العادية. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أقوم بالدور كما هو مطلوب مني وجميع الذين عملت معهم هم أبناء المهنة، وخريجو معاهد، ولذلك جاءت أدواري غير مكررة. فكنت الأم على اختلاف شخصياتها، وفي المقابل لم أقدم يوماً دور الأم التي تشبهني». وكيف يمكن أن تشبهك؟ «يجب أن تكون متطلبة جداً ومثالية في تفكيرها. فبرأيي الأم العاملة هي من ضمن هذه الفئة في الحياة الطبيعية، وهكذا تفكر بأولادها ومستقبلهم».
وتطل رندة كعدي في شخصيتين مختلفتين ضمن مسلسلي «2020» و«للموت». وتخبرنا عن الأولى: «أجسد دور الحاجة ضحى الملتزمة بمبادئها الدينية والاجتماعية إلى حد يعتبرها البعض ساذجة التفكير. هذا الدور جذبني، إذ كنت أتشوق لتقمص شخصية من هذا النوع، وأتعرف عليها عن كثب. أما في مسلسل (للموت) فأتاح لي نص نادين جابر أن أقدم شخصية حنان عاشقة من الجيل القديم لم تتزوج. وهي تتوق للارتباط بحبيبها وتكمل معه بقية حياتها.
وقد عملنا عليه بجهد، وسيلمس المشاهد الفرق بين هذه الشخصية وغيرها أن من ناحية اللوك أو الأداء. وللمخرج فيليب أسمر دور كبير في هذين العملين، وأنا أكن له كل تقدير. وأتمنى أن نكون عند حسن ظن المشاهد. فعندما تحملك شركتا إنتاج رائدتان كـ(إيغلز فيلم) و(الصباح إخوان) مسؤولية من هذا النوع يكون حرصنا على النجاح أكبر». تنافس رندة كعدي نفسها بنفسها من خلال ثلاثة أدوار مختلفة، فهل سيكون لديها الوقت لمتابعة أعمال أخرى؟ «بالطبع سأشاهد أعمالاً أخرى مصرية ولبنانية وسورية، وأترك أعمالي إلى ما بعد رمضان كي أتابعها بدقة».

رندة كعدي: اكتفيت من تأدية شخصية الأم وسأتوجه إلى أدوار تتناول قضايا المرأة

قالت الممثلة رندة كعدي إن موسم رمضان هذه السنة أكرمها بشكل لافت من خلال مشاركتها في 3 أعمال درامية. وقالت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لا أدري لماذا انقشعت الرؤية فجأة لدى المنتجين ورأوا في ممثلة بارعة تستأهل تلك الإطلالات. فأنا أعمل في هذا المجال منذ سنوات طويلة وعاصرت عمالقة التمثيل، إلا أنه شاءت الصدف أن أقطف ثمار نجاحاتي اليوم».
وكانت الممثلة اللبنانية قد برزت في رمضان هذه السنة في الأعمال المحلية بعد أن أطلّت على جمهورها في «أدهم بيك» و«لآخر نفس» و«وين كنتي» وهي أعمال لاقت نجاحا كبيرا في موسم رمضان التلفزيوني. «صحيح أنني جسّدت دور الأم في الأعمال الثلاث، ولكن الشخصيات مختلفة»؛ توضح رندة كعدي التي كان المسرحي يعقوب الشدراوي أحد الذين واكبوها في ورشات عمل مسرحية، وأضافت: «تراوحت طبيعة الأدوار بين اللايت كوميدي والتراجيديا والدراما العادية، وفيها جميعها تقمّصت الشخصية المطلوبة منّي بكلّ جوارحي، لأنني أنتمي إلى جيل قديم يتفانى في مهنته إلى حدّ أن ينسى نفسه». وماذا تعنين بذلك؟ تردّ: «آثرت الحفاظ على شكلي الخارجي كما هو، فرغم تعرّضي لحادث سير قوي في الماضي أدى إلى بعض التشوهات الخفيفة في وجهي؛ فإنني رفضت إجراء عملية تجميل كي لا تفقد ملامحي طبيعتها فلا تعود تنسجم مع أدواري التمثيلية مهما كانت طبيعتها. فأنا من ذلك الجيل الذي يؤمن بأن أدواتنا الحقيقية تكمن في لغة جسدنا وفي ملامح وجهنا، وأن مهمّة الماكياج تقتصر على تثبيت خطوط الشخصية وليس تشويه روحيتها».
وترى رندة كعدي التي شاركت في أعمال دراما ومسرحيات كثيرة أنه حتى الممثل الكومبارس يجب أن يشكّل عنصرا فعالا في العمل؛ «فلا يستخفّ بإطلالته، لأنها بالتأكيد تشكّل إضافة للعمل، وإلا لما تطلّب الأمر وجوده فيه... «برأيي أنه يجب عدم الاستخفاف بعقل المشاهد ولا بحبّه لنجومه، وفي المقابل علينا أن نطلّ عليه بأفضل مستوى مطلوب ولو كانت مدة إطلالتنا هذه لا تتعدى الدقائق القليلة».
وتشير رندة كعدي إلى أن دورها في «أدهم بيك» تطلّب منها أداء مسرحيا، وأنها في حلقته الأخيرة قدّمت مشهدا صعبا جدا، «ارتكز على الصمت ومخاطبة المشاهد بلغة العيون وملامح الوجه.... لقد سرى الدور في شراييني تماما كما كتبه طارق سويد الذي يعدّ كاتبا مميزا؛ إذ يضع على الورق المشاعر المطلوبة في الدور، فنفّذتها بأداء قوي انطبع في مخيّلة المشاهد. أما في مسلسل (لآخر نفس)، فلعبت دور الأم خفيفة الظل التي قدّمت حياتها من أجل إسعاد أولادها، فجاء تلقائيا يجسّد واقعاً نعيشه. وفي مسلسل (وين كنتي) كنت الأم المعنّفة التي حبست معاناتها في قلبها إلى حدّ الاختناق». وتؤكّد كعدي، التي نجحت في تأدية دور الأم في غالبية أعمالها، أن للأم وجوها كثيرة تختلف بين امرأة وأخرى، وأنها تبحث دائما عن التجدد في تلك الأدوار، فتبتعد عن التكرار كي لا تقع في الفشل... «في الحقيقة لقد اكتفيت من تأدية دور الأم، خصوصا المسالمة والحنون، فأنا في النهاية امرأة، وهناك أدوار أخرى يمكنني مقاربتها من هذا المنطلق، لا سيما أن هناك قضايا اجتماعية كثيرة تعاني منها المرأة في مجتمعاتنا، وأتطلّع إلى تناولها في أدواري المستقبلية». ولا تستبعد رندة كعدي رغم بلوغها العقد الخامس من العمر تأدية أدوار المرأة العاشقة: «الحبّ لا عمر محدّدا له، صحيح أنني لن أجسّد دور البطولة المطلقة لشابة عاشقة بالتأكيد، ولكن أستطيع أن ألوّن الشخصية بالرومانسية المطلوبة. لقد سبق أن شاركت منذ فترة قصيرة في مسرحية (صوته) للينا أبيض المقتبسة عن رائعة أدبية للفرنسي جان كوكتو (la voix humaine) فقمت بدور المرأة العاشقة الذي صفّق له روّاد مسرح المدينة بحماس كبير».
ورندة التي عاشت وتربّت في بيت فني (والدها كاتب مسرحي) يعود فضل شهرتها إلى زوجها، كما ذكرت لنا، الذي شجّعها لدخول كلّية الفنون في الجامعة اللبنانية بعد زواجهما... «لولاه لما كنت هنا، فهو الذي ساندني ودفع بي لأصل إلى ما أنا عليه اليوم».
وعن الممثلات اللاتي تأثرت بهنّ من الجيل الماضي فجسّدن هنّ أيضا دور الأم ببراعة، قالت: «الراحلة علياء نمري تأتي في الطليعة؛ إذ تميزت بأداء الأم الحنون والمتفانية، بطبيعية دون أي مبالغة، وكذلك الراحلات لمياء فقالي وناديا حمدي وسلوى حداد، فلعبت كلّ منهن دور الأم على طريقتها. وأنا عاتبة اليوم على شركات الإنتاج التي أهملت زميلات قديرات أمثال وفاء طربية وهند طاهر وألفيرا يونس، ولجأت إلى أخريات لا تتناسب أعمارهن ولا ملامح وجوهنّ مع الدور الذين يؤدّينه».
وتحدّثت رندة كعدي عن الحقبة الذهبية للتمثيل، وقالت: «هناك ناموس خاص بالتمثيل درسناه في الجامعة وحفره فينا أساتذة المسرح في لبنان، أمثال يعقوب الشدراوي وأنطوان ولطيفة ملتقى. فتقنية الممثل لا تأتي من العبث، بل هي تضاف للموهبة التي يتمتع بها. فعندما أضحك في دور ما أطبّق هذه التقنية التي أتحدّث عنها، فلا تأتي مشابهة لأي ضحكة أخرى؛ بل تكملة للشخصية التي أمثلها».
لا تقول الممثلة اللبنانية «رزق الله» على أيام زمان؛ بل تؤكّد أن كل ما يحيط بنا يعيش تطورات لافتة... «بالتأكيد لن أردد هذه العبارة، لأن أقلامنا تطوّرت وإنتاجاتنا توسّعت، فبتنا نعيش تجربة مغايرة تماما عن تلك التي خضناها في الماضي، والأهم أنها تصبّ في مصلحتنا، ولكن هذا الأمر يجب ألا ينسينا أصول اللعبة التمثيلية وقوانينها».