استضافت العاصمة العراقية بغداد أخيراً «مؤتمر الإعلام العربي» في دورته الرابعة، بمشاركة أكثر من 150 من الخبراء في الاتصال ومسؤولي قطاعي الإعلام والبيئة عربياً ودولياً. ونظّم المؤتمر هذه المرة في بغداد «اتحاد إذاعات الدول العربية» بالاشتراك مع «شبكة الإعلام العراقي» ورئاسة الحكومة العراقية.
هذا الحدث الإعلامي خرج بجملة توصيات للحكومات ووسائل الإعلام والجامعات والأمم المتحدة، الغاية منها تفعيل «خريطة طريق» جديدة. وتتضمن هذه «الخريطة» توظيف وسائل الإعلام و«الذكاء الاصطناعي في الوقاية من مخاطر الكوارث الطبيعية، والمتغيّرات المناخية، والتدخل لاحتواء آثارها السلبية التي تتسبّب سنوياً بأضرار بشرية ومادية هائلة بالنسبة لعشرات الملايين من البشر».
وصدرت التوصيات بعد تقديم خبراء من مختلف أنحاء العالم عشرات الدراسات حول «دور الإعلام في مواجهة التغيّر المناخي» في المؤتمر الإعلامي السنوي.
تصريح سليمان
المهندس عبد الرحيم سليمان، المدير العام لـ«اتحاد إذاعات الدول العربية»، صرّح لـ«الشرق الأوسط» على هامش المؤتمر بأن «الاتحاد نظّم مع شركائه العرب والدوليين عشرات المؤتمرات الإعلامية والمهرجانات الإذاعية والتلفزيونية حول محاور عديدة، من بينها الأزمات التي يمرّ بها قطاع الإعلام والاتصال وتوظيف الإعلام في مكافحة التطرف والإرهاب. إلا أنه اختار هذه المرة محوراً استراتيجياً آخر هو توظيف الإعلام في معالجة المعضلات المرتبطة بالمتغيرات المناخية والكوارث الطبيعية مثل الجفاف والفيضانات والزلازل ومضاعفاتها السلبية. وقال سليمان، في جلسة مع نخبة من الإعلاميين، ترأسها رئيس الحكومة العراقية محمد شيّاع السوداني مباشرة بعد الجلسة الختامية للمؤتمر، إن التوصيات تهدف إلى تفعيل «خريطة طريق تهم في الوقت عينه الإعلاميين والسلطات والأمم المتحدة والمجتمع المدني».
المدير العام شرح أن من بين التوصيات «تضمين قضايا التغير المناخي في الاستراتيجيات الإعلامية الوطنية، وتسهيل النفاذ إلى المعلومات البيئية الدقيقة، وتوفير الموارد اللازمة لدعم الإعلام البيئي، ومتابعة مبادرة الأمانة العامة للأمم المتحدة حول الإنذار المبكر للجميع في 2027، للوقاية من الكوارث الطبيعية والمتغيرات الطبيعية، وتوصية الحكومات بدعم آليات التواصل بين الجهات الحكومية ووسائل الاعلام لنشر الإنذارات المبكرة والمعلومات التي تهم الرأي العام، ووضع قوانين تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي في إعلام المناخ لضمان الاستخدام الأمثل والسليم لهذه التقنية».
كلام الوزير حمادي
أما الوزير عبد الكريم حمادي، رئيس هيئة الإعلام العراقية، فأوضح لــ«الشرق الأوسط» ما قدّمته أوراق الخبراء الأمميين والعراقيين ضمن فعاليات المؤتمر عن مسألة المناخ، وذلك «لأن العراق من بين الدول الخمس الأكثر تضرّراً من المتغيرات المناخية والكوارث الطبيعية في العالم».
وأردف أن «الخبراء سجّلوا تفاقم ظاهرة التغيرات المناخية بالنسبة لدول عربية وإسلامية عديدة، من بينها السودان ودول أفريقية وآسيوية يزحف فيها التصحّر من جهة، وتشهد فيضانات خطيرة وحرائق وزلازل وموجات (تسونامي) زلزالية من جهة ثانية. الأمر الذي يبرّر الحاجة إلى توظيف الإعلام في جهود الوقاية، ونشر الوعي ومتابعة المتضررين لإنقاذ حياتهم وممتلكاتهم».
لذلك، وفق الوزير، أكّد البيان الختامي للمؤتمر على «ضرورة الانتقال من التناول الإعلامي التقليدي إلى إعلام بيئي فاعل ومؤثر، يرتكز على المعرفة العلمية، ويعزّز التوعية المجتمعية، ويعمل بشراكة بين وسائل الإعلام والحكومات والمجتمع المدني لتكوين جبهة عربية موحّدة في مواجهة تحديات التغيّر المناخي».
«الذكاء الاصطناعي»
في سياق متّصل، نوّه عماد قطاطة، المستشار الإعلامي لاتحاد إذاعات الدول العربية، خلال حوار مع «الشرق الأوسط»، بكون المؤتمر «أوصى، بعد 3 أيام من الجلسات العلمية والورَش المتخصصة عن الإعلام ومجالات التغيّر المناخي وتأثيراته على حياة البشر، بتوظيف الذكاء الاصطناعي في دعم قدرات الإعلاميين على مخاطبة الجمهور بسهولة عند نشر الأخبار وتحليل البيانات المتعلقة بالتغيرات المناخية والكوارث الطبيعية».
وبالتوازي، أوصى كل من سمية بن رجب أستاذة الإعلام في الجامعة التونسية، واعتدال المجبري الخبيرة في منظمة المرأة العربية، والإعلامية التونسية حنان زبيس عبر مداخلاتهن في المؤتمر، بالاستثمار في تدريب الصحافيين من أجل تحسين جودة المادة الإعلامية المتعلقة بالتغير المناخي.
وأكّدت على الموضوع ذاته الدكتورة شادن دياب، الخبيرة اللبنانية الفرنسية في البيئة والإعلام، التي شدّدت في لقاء مع «الشرق الأوسط» على «ضرورة احترام أخلاقيات المهنية وميثاق الشرف الصحافي عند استخدام الذكاء الاصطناعي وتوظيفه في وسائل الإعلام المختلفة، بما في ذلك تحت مبرر نشر الوعي والمساهمة في الإنذار المبكر من المتغيرات المناخية والكوارث البيئية».
الإعلام وبرامج الأمم المتحدة
على صعيد آخر، أعلن مصطفى مهدي، ممثل الاتحاد الدولي للاتصالات، في المؤتمر، أن الاتحاد «يتحرك على عدة جبهات لتحقيق الخطة الأممية، بالتعاون مع كل الأطراف الإعلامية والسياسية والإدارية المعنية بالإنذار المبكر والتوعية للشعوب من المخاطر المناخية والكوارث الطبيعية». وكشف عن أن هياكل الأمم المتحدة قطعت خطوات عملية في اتجاه خدمة خطته الإعلامية الوقائية والبيئية، بما في ذلك عبر اعتماد تجارب جهوية وإقليمية مع عدد من الدول. واختارت المنظمة الأممية 4 دول عربية للاستفادة من المبادرة التي أطلقتها في العراق، بالتنسيق مع المؤسسات المختصة في مجالات الكوارث والإنذار، هي: السودان وجيبوتي والصومال وجزر القمر.
ومن ثم، أورد أن «الإعلام من بين الشركاء الرئيسيين في إنجاز هذه المهمة، لأن القنوات الاتصالية هي أداة إيصال المعلومات والومضات التوعوية للشعوب، خاصة بعدما تبيّن أن نحو 83 في المائة يمتلكون الهاتف الجوّال، وارتفعت نسبة مستخدمي الإنترنت إلى نحو 70 في المائة». لكن في المقابل «ثمة 4 دول عربية فقط تمتلك أنظمة إنذار مبكر، هي المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان وقطر».
منظومة G5
من جانبه، المهندس باسل الزعبي، مدير إدارة التكنولوجيا والتطوير في اتحاد إذاعات الدول العربية، ذكر في دراسة أنه رغم أهمية الإنذار المبكر ومساهمته في تخفيض الأضرار البشرية والمادية بنسبة لا تقل عن 30 في المائة، فإن أكثر من نصف الدول العربية تفتقر إلى أنظمته. وسجّل الزعبي أن الاتحادات العالمية للاتصالات والإذاعات تساهم في التواصل مع الرأي العام الشعبي، لأن الإذاعة تغطي في معظم دول العالم أكثر من 90 في المائة من الجمهور، ونوّه بكون «الإذاعة غير مرتبطة بتوافر الكهرباء والإنترنت»، ما يسمح للراديو بأن ينقل في كل الظروف تقريباً. مع هذا، دراسة الزعبي متفائلة بسيناريو التغيير وتدارك الثغرات، مؤكدة «على الحاجة إلى منظومة إذاعية وتلفزيونية واحدة، والاستفادة من منظومة G5 مع استخدام عقلاني وإيجابي للذكاء الاصطناعي».