مطالبات في مصر باحترام خصوصية «قضايا الأطفال» إعلامياً

خبراء شددوا على أهمية التدريب ومواجهة صفحات «سوشيالية» مثيرة

رئيس المجلس الأعلى للإعلام مع وزير الثقافة المصري (الشرق الاوسط)
رئيس المجلس الأعلى للإعلام مع وزير الثقافة المصري (الشرق الاوسط)
TT

مطالبات في مصر باحترام خصوصية «قضايا الأطفال» إعلامياً

رئيس المجلس الأعلى للإعلام مع وزير الثقافة المصري (الشرق الاوسط)
رئيس المجلس الأعلى للإعلام مع وزير الثقافة المصري (الشرق الاوسط)

فجَّرت قضية «الطفل ياسين» جدلاً واسعاً في مصر بشأن أخلاقيات نشر قضايا الأطفال، وجددت مطالب حماية خصوصية الأطفال إعلامياً، وسط تفاعل وحراك لافت من الجهات المعنية بتنظيم الإعلام في مصر. وبينما شهدت الجلسة الأولى لمحاكمة المتهم (الذي) احتشاداً للكاميرات وتدفقاً متسارعاً لعناوين الأخبار لتغطية الواقعة التي هزَّت مصر، تدخل «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» في مصر ليعيد التذكير بحتمية التزام وسائل الإعلام بالقواعد الأخلاقية بدلاً من التركيز على الإثارة وحصد المشاهدات.

محكمة جنايات دمنهور كانت قد قضت قبل أيام بمعاقبة متهم شارف عمره على العقد التاسع بعد إدانته بـ«الاعتداء الجنسي» على طفل داخل مدرسة خاصة في محافظة البحيرة بالسجن المؤبد، وذلك في حكم أولي قابل للطعن والاستئناف. وحضر الطفل ياسين برفقة أسرته للمحكمة مرتدياً زي «سبايدرمان» لإخفاء هويته، وانتشرت صور مخلقة بالذكاء الاصطناعي بدت وكأنها له بعد صدور الحكم.

«المجلس الأعلى» برئاسة المهندس خالد عبد العزيز، ناشد جميع الوسائل الخاضعة لقانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018، بضرورة الالتزام بميثاق شرف ضوابط وأخلاقيات نشر أخبار الجريمة والتحقيقات، وتحديداً القضايا التي يكون أحد أطرافها طفلاً، سواء كان متهماً أو شاهداً أو ضحية. ونص البيان الصادر بالتزامن مع جلسة محاكمة المتهم في قضية الطفل ياسين، على وجوب «حماية هوية الطفل بشكل كامل، محذراً من أي محتوى قد يؤدي إلى كشف شخصيته أو المساس بكرامته، كما أقر بأن التعامل المباشر مع الطفل، إن اقتضته الضرورة المهنية، يجب أن يتم في أضيق الحدود وباحترام كامل لكرامته وكرامة ذويه».

مواثيق النشر الأخلاقي

الدكتورة منى الحديدي، رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون الأسبق بكلية الإعلام في جامعة القاهرة، وعضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ذكرت لـ«الشرق الأوسط» في لقاء أن «التوقيت الذي صدر فيه بيان المجلس لم يكن اعتباطياً، بل جاء استجابة مباشرة لقضية الطفل ياسين، لما تميزت به من حساسية بالغة وتداول واسع، مما استدعى تفعيل أكواد النشر الأخلاقي بصرامة». وأردفت: «الأكواد (مواثيق الشرف) وحدها لا تكفي ما لم يكن الصحافي مدركاً لوجودها، ومقتنعاً بأنها تخدم المهنة وتحمي رسالته». وشددت منى الحديدي على أن «الخلل يبدأ حينما يجهل العاملون في الإعلام، خصوصاً الجدد منهم، ماهية الكود الإعلامي أو معنى الميثاق الأخلاقي، لا سيما في عصر تسيطر فيه وسائل التواصل الاجتماعي على المهنية، ويُقاس النجاح في تغطية الحدث بعدد المشاهدات».

وفي حين عدت منى الحديدي «الأكواد» المنظمة لأخلاقيات مهنة الإعلام خطوة مهمة، استدركت فقالت إن «المجلس الأعلى للإعلام ليس الجهة الوحيدة المعنية بضمان الالتزام بالأكواد، بينما تقع مسؤولية المحاسبة على النقابات المهنية والهيئات المتخصصة... إن وجود الأكواد وحده لن يضمن عملية تنقيح رسالة الإعلام من المخالفات الأخلاقية، بينما يجب أن يسير بالتوازي مع التوعية والتدريب والضمير المهني». ثم تابعت: «كما أن القوانين وحدها لا تمنع الجرائم، فإن الأكواد لا تحمي الحقوق دون إدراك الصحافي لمسؤوليته، وتبنيه لهذه القواعد كجزء من وعيه المهني، لا كمجرد إلزام قانوني».

بعدها تطرقت منى الحديدي إلى مسألة السبق الصحافي، قائلة إن «الرغبة في التميز لا يجب أن تبرر انتهاك حقوق الأطفال، كذكر أسمائهم أو نشر صورهم أو تفاصيل حياتهم الخاصة، وإن ما يحدث من مخالفات في هذا السياق غالباً ما يصدر عن غير المهنيين أو من يفتقرون للتأهيل العلمي الكافي». وكشفت من ثم عن أن المجلس استحدث لجنة فرعية متخصصة تحت اسم «إعلام النشء»، تعكف حالياً على تطوير الأكواد بما يتناسب مع التغيرات التكنولوجية والاجتماعية، مشددة على أن «الطفولة لم تعد تُختزل في السنوات المبكرة فقط، بل تمتد حتى سن 18 عاماً، وهو ما يستوجب حماية إعلامية مضاعفة».

مبنى الاذاعة والتلفزيون في القاهرة (الشرق الاوسط)

صحافة مسؤولة

من جهة ثانية، رأت علا الشافعي، رئيس تحرير صحيفة «اليوم السابع» المصرية، في حوار مع «الشرق الأوسط» أن ثمة تقدماً فيما يخص الالتزام بـ«أخلاقيات النشر»، واتخذت من قضية الطفل ياسين نموذجاً، وأضافت: «هناك وعي مهني متزايد داخل المؤسسات الصحافية. وأول ما وجهت به الفريق كان لا تصوير للطفل ولا لعائلته، وهذا التوجه لاحظت التزاماً به من كثير من الزملاء، وكأن هناك وعياً مشتركاً تشكل تجاه خصوصية الطفل».

بعدها قالت علا الشافعي: «نجحنا في تغطية القضية، ليس اعتماداً على انتهاك حرية الطفل وكرامته، بينما ارتكزت المعالجة على جوانب القضية وتحليلها من قبل متخصصين، وحققنا نسب مشاهدة جيدة، من دون أن نقع في فخ انتهاك الحقوق. وهذا هو جوهر الصحافة المسؤولة». ورغم ما تؤكده علا الشافعي، فإنها أشارت إلى أن بعض الصفحات على مواقع التواصل، خصوصاً تلك التي يديرها منتحلو صفة الصحافة، سعت إلى كسر هذه الضوابط سعياً وراء المشاهدات، «وبالنسبة لهؤلاء، الطفل مجرد وسيلة لجلب التفاعل وتحقيق الدخل». ومن ثم طرحت معضلة يتعرض لها الصحافيون الشباب، وهي التوازن بين السبق المهني والحفاظ على الحقوق، مشددة على أن «السبق لا يعني تعرية الناس، ولا يبرر كشف هوية طفل، مهما كانت ملابسات القضية».

واستشهدت بالممارسة الدولية قائلة: «في دول كثيرة لا تُظهر صور المتهمين، بل ترسم لهم اسكتشات. وثمة التزام بإخفاء الأسماء والملامح، وهذا ما يجب أن يحتذى به... واستخدام رمزية (سبايدر مان) في وصف الطفل ياسين، رغم بساطتها، كان تعبيراً عن احترام، بعيداً عن التلصص أو التشهير». وأردفت: «في تغطية مثل هذه، لا بد أن تظل الكرامة الإنسانية فوق أي اعتبارات مهنية أو تنافسية».

الآثار النفسية

أما الدكتورة هالة منصور، أستاذة علم الاجتماع المصرية، فشددت لـ«الشرق الأوسط» على خطورة التعامل الإعلامي مع قضايا الأطفال من دون الالتزام بالمعايير الأخلاقية والمهنية. وأوضحت أن «الظهور الإعلامي للطفل، سواء في سياق إيجابي أو سلبي، قد يخلف آثاراً نفسية واجتماعية طويلة الأمد، أبرزها تضخم الذات أو الإصابة بالغرور، أو على العكس تماماً ليكون الشعور بالشفقة والتهميش، وربما الميل للعزلة أو الرغبة في الانسحاب من الحياة الاجتماعية نتيجة شعور بالوصم». وتابعت هالة منصور أن «الطفل في هذه الحالات قد لا يستوعب أبعاد ما ينشر عنه أو يعرض من تفاصيل تخصه، مما يؤدي إلى اضطراب في تشكيل هويته النفسية، خاصة إذا اقترن النشر بتهويل إعلامي أو فضح لتفاصيل شخصية». وأكدت على أن دور الإعلام لا ينبغي أن يكون في تقديم الطفل كـ«قضية مثيرة»، بل كحالة إنسانية يجب حمايتها واحترامها، من خلال تغطية الخبر دون إظهار وجه الطفل أو الكشف عن هويته، والامتناع عن استخدام لغة تحمل أحكاماً مسبقة أو تثير التعاطف السلبي. ومن ثم، أكدت أستاذة علم الاجتماع على «ضرورة تفعيل مواثيق الشرف الإعلامي المتعلقة بالنشر عن الأطفال، وتدريب الصحافيين على التعامل الحساس مع هذه الفئة العمرية، بما يحقق التوازن بين الحق في التغطية الإعلامية، والحق الأصيل للطفل في الخصوصية والحماية النفسية والاجتماعية».

وحول التحديات التي تواجه الصحافي في تغطية الجرائم التي يكون طرفها طفلاً، ذكرت الصحافية المتخصصة في الحوادث بـ«المصري اليوم» شيماء القرنشاوي، لـ«الشرق الأوسط» أن الضمير المهني هو الركيزة الأساسية والصمام الحقيقي لأداء مهني مسؤول، مشيرة إلى أن «المنافسة لم تعد فقط بين الصحف، بل امتدت إلى صفحات غير مهنية، حيث بات السباق على المشاهدات يتفوق أحياناً على الهدف الأسمى للإعلام، وهو نقل المعلومة والتوعية، وهو ما يستدعي التمسك بميثاق الشرف المهني».

واختتمت بالقول إن التدريب أصبح «محورياً إذا كنا نرغب في تعزيز الالتزام بأخلاقيات العمل الإعلامي... والرغبة في السبق الصحافي لا يضبطها إلا ثلاث ركائز: الضمير المهني، والتدريب الاحترافي، والالتزام بالأكواد والقوانين. ولا بد من التشديد على أهمية تفعيل العقوبات بحق المخالفين وعدم التهاون مع التجاوزات».


مقالات ذات صلة

هل أبقت المنصات الرقمية حاجة إلى مؤسسات البث العامة؟

إعلام كاري ليك (بي بي سي نيوز)

هل أبقت المنصات الرقمية حاجة إلى مؤسسات البث العامة؟

لم يعد سراً أن علاقة الإدارة الأميركية، المقيمة في البيت الأبيض، بالصحافة السياسية ووسائل الإعلام، الخاصة أو الحكومية،

إيلي يوسف (واشنطن)
إعلام شعار غوغل (أ. ف. ب.)

ما تأثير استخدام «غوغل» محتوى الناشرين في تدريب الذكاء الاصطناعي؟

ذكرت وثائق محكمة أميركية منوطة بالنظر في قضية احتكار «غوغل» لسوق البحث بالولايات المتحدة، في مايو (أيار) الحالي،

إيمان مبروك (القاهرة)
إعلام هاني سيمو (الشرق الأوسط)

«تشات جي بي تي» يثير جدلاً بشأن تحديث أسماء المُستخدمين

أثار تحديث ظهر على تطبيق «تشات جي بي تي» سجالاً بين خبراء التكنولوجيا والمُستخدمين، بعد ملاحظة أن الروبوت الخاص بالتطبيق يسمّي المُستخدمين بأسمائهم، حتى من دون…

إيمان مبروك (القاهرة)
إعلام جدل متجدد بشأن قدرة تطبيقات الأخبار على استعادة اهتمام الجمهور

جدل متجدد بشأن قدرة تطبيقات الأخبار على استعادة اهتمام الجمهور

يتجدد الجدل بشأن قدرة التطبيقات التي تطلقها المواقع الإعلامية على استعادة اهتمام الجمهور بالأخبار، وزيادة العائدات،

فتحية الدخاخني (القاهرة)
يوميات الشرق الدكتور نبيل الخطيب مدير عام قناة «الشرق للأخبار» يتحدث بعد حصوله على الجائزة (الشرق الأوسط)

«مي شدياق للإعلام» تتوِّج الخطيب بـ«جائزة الإنجاز مدى الحياة»

​كرَّمت مؤسسة «مي شدياق للإعلام»، الدكتور نبيل الخطيب، مدير عام قناة «الشرق للأخبار»، بجائزة «الإنجاز مدى الحياة»، وذلك خلال حفل سنوي أقامته في دبي الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (دبي)

هل أبقت المنصات الرقمية حاجة إلى مؤسسات البث العامة؟

كاري ليك (بي بي سي نيوز)
كاري ليك (بي بي سي نيوز)
TT

هل أبقت المنصات الرقمية حاجة إلى مؤسسات البث العامة؟

كاري ليك (بي بي سي نيوز)
كاري ليك (بي بي سي نيوز)

لم يعد سراً أن علاقة الإدارة الأميركية، المقيمة في البيت الأبيض، بالصحافة السياسية ووسائل الإعلام، الخاصة أو الحكومية، تشهد تحولاً لم يعهده الأميركيون حتى في أحلك الأزمات والقضايا التي كانت تشغل الرأي العام. ولقد باتت تداعيات هذا التحول تشير إلى الهوة المتزايدة اتساعاً، وتأثيراتها ليست فقط على المؤسسات الإعلامية وصناعة الأخبار، بل أيضاً على الجمهور والبرامج السياسية، التي غالباً ما كانت محط اهتمام المشاهد والقارئ والمستمع الأميركي.

بيل أوينز مع شعار برنامج "60 دقيقة" ( سي بي إس)

في ظل حملات الرئيس دونالد ترمب المستمرة على الإعلام، بدت استمرارية الصحافة السياسية في واشنطن وتقاليدها أقل ضماناً مما كانت عليه سابقاً. فالبيت الأبيض هو من يُقرر الآن ما هي وسيلة الإعلام التي يمكنها أن تكون جزءاً من دورة تجمع الصحافيين أسبوعياً (بول روتايشن)، وليس جمعية مراسلي البيت الأبيض. فقد منع المكتب الصحافي للرئيس ترمب وكالة «أسوشييتد برس» من حضور إحاطاته في المكتب البيضاوي، لأنها أحجمت عن استخدام مصطلح «خليج أميركا» بدلاً من «خليج المكسيك» (رغم استخدامها للمصطلحين)، بناءً على الأمر التنفيذي الذي أصدره ترمب للحكومة الفيدرالية. كما أعلن البيت الأبيض أنه سيلغي المكان الدائم لوكالات الأنباء الدولية، «رويترز» و«أسوشييتد برس» و«وكالة الصحافة الفرنسية»، في تجمع الصحافيين. وبدلاً من ذلك، أصبح مراسلو وسائل الإعلام المحافظة وكذلك الوسائل غير التقليدية، مثل منصات التواصل الاجتماعي والبودكاست، أكثر بروزاً وحضوراً، ويستطيعون أحياناً كثيرة طرح أسئلة تتوافق بوضوح مع وجهة نظر الإدارة.

مارجوري تايلور غرين (آ ب)

«المقاومة» ضد ترمب تتراجع

في المقابل، بدا أن «مقاومة» وسائل الإعلام غير المحسوبة على المحافظين، باتت أقل حدة وأكثر قابلية للخضوع، في ظل استحواذ رأس المال الخاص عليها، وامتناعها عن الدخول في مواجهات قد تكلف مالكيها خسارة المليارات من العقود مع الحكومة الفيدرالية. وهو ما أدى غالباً إلى «خروج» كثير من الكُتَّاب والمنتجين ومقدمي البرامج من تلك المؤسسات، حفاظاً إما على استقلاليتهم، أو على استمرارية المؤسسة نفسها.

هذا ما جرى، على سبيل المثال، مع برنامج «60 دقيقة» الشهير الذي يُعرَض على شبكة «سي بي إس نيوز»، والذي واجه خلال حملة الانتخابات الرئاسية، ضغوطاً ازدادت بشكل كبير، سواء من الرئيس ترمب قبل انتخابه وبعده، أو من شركة «باراماونت»، المالكة للشبكة.

وفي نهاية أبريل (نيسان)، أعلن المنتج التنفيذي للبرنامج، بيل أوينز، استقالته، مُشيراً إلى انتهاكات لاستقلاليته الصحافية. وأبلغ موظفيه في مذكرة بأنه «خلال الأشهر الماضية، أصبح من الواضح أنه لن يُسمَح لي بإدارة البرنامج كما كنتُ أُديره دائماً، واتخاذ قرارات مستقلة بناءً على ما هو مناسب لبرنامج (60 دقيقة)، ومناسب للجمهور».

هذا، وكان ترمب قد رفع دعوى قضائية ضد شبكة «سي بي إس» والشركة الأم «باراماونت» بمبلغ 10 مليارات دولار، متهماً البرنامج بـ«السلوك غير القانوني وغير الشرعي». وعدّ ترمب مقابلة محرّرة أجراها البرنامج مع منافسته الرئاسية، كامالا هاريس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مخادعة بشكل كبير.

شعار إذاعة "صوت أميركا" (رويترز)

«لا يمكن إنقاذها!»

ومع استمرار الرئيس ترمب وإدارته في الهجوم على المؤسسات الإعلامية، أصدرت إذاعة «صوت أميركا» قراراً الأسبوع الماضي، بتسريح أكثر من ثلث الموظفين، بالتزامن مع عرض الحكومة المبنى الفيدرالي في العاصمة واشنطن، الذي يضمّ مكاتب المحطة، للبيع. كذلك فصلت الإدارة نحو 600 موظف في الإذاعة، من المتعاقدين، جلّهم من الصحافيين، بالإضافة إلى بعض الموظفين الإداريين. وعُدّت الخطوة إشارةً إلى أن إدارة ترمب تُخطط لمواصلة جهودها لتفكيك هذه المؤسسة، على الرغم من حكم قضائي صدر الشهر الماضي يأمر الحكومة الفيدرالية بالحفاظ على «برامج إخبارية قوية» في الشبكة، التي وصفها ترمب بأنها «صوت أميركا الراديكالية».

من جهة ثانية، قالت كاري ليك، كبيرة المستشارين في «الوكالة الأميركية للإعلام العالمي»، التي تشرف على «صوت أميركا»، إن «الإدارة تصرفت في حدود سلطتها القانونية».

وتابعت ليك، وهي سياسية جمهورية يمينية متشددة، أوكلت إليها قيادة خطط تقليص عمليات «صوت أميركا»، في بيان: «نحن بصدد تعديل حجم الوكالة، وتقليص البيروقراطية الفيدرالية لتلبية أولويات الإدارة... سنواصل تقليص حجم الإذاعة وتحويلها من مؤسسة قديمة إلى مؤسسة تستحق تمويلها من الأميركيين الكادحين».

وفي مارس (آذار)، قالت ليك، إن «الوكالة الأميركية للإعلام العالمي» نفسها التي تديرها «لا يمكن إنقاذها»، بعدما تفشَّى فيها وغرف الأخبار التابعة لها «الهدر والاحتيال والإساءة». وفي الأسبوع الماضي، أعلنت أن إذاعة «صوت أميركا» ستحصل على خدماتها الإخبارية من شبكة أخبار «ون أميركا»، وهي محطة تلفزيونية يمينية متشددة مؤيدة لترمب.

وقف التمويل الفيدرالي

الأمر، لم يقتصر على إذاعة «صوت أميركا»، إذ وقّع الرئيس ترمب هذا الشهر، أمراً تنفيذياً لإنهاء جميع التمويل الفيدرالي لشبكتَي التلفزيون العام (بي بي إس)، والإذاعة الوطنية (إن بي آر)، واصفاً ما تقدمانه بأنها «دعاية نشطة». ويذكر أنه في يناير (كانون الثاني) أمر رئيس «لجنة الاتصالات الفيدرالية» بإجراء تحقيق في برامج الشبكتين، كما خضع مسؤولوهما في مارس لاستجواب أمام لجنة فرعية بمجلس النواب بقيادة النائبة الجمهورية اليمينية المتشددة مارجوري تايلور غرين، التي وصفت جلسة الاستماع بأنها «موجات معادية لأميركا».

المؤسستان شهدتا عمليات تسريح لأعداد كبيرة من الموظفين الأسبوع الماضي، وفق بولا كيرغر، الرئيسة التنفيذية لـ«بي بي إس» بعدما أوقفت الحكومة نحو 15 في المائة من ميزانيتها، مع أن الباقي يأتي من مصادر تشمل التراخيص والرعاية والمستحقات من محطاتها الأعضاء، البالغ عددها 330 محطة تقريباً.

مؤسسات البث العام كانت قد أُسِّست عام 1967، وكانت تنفيذاً لرؤية الرئيس الديمقراطي الأسبق ليندون جونسون، الهادفة إلى «ربط أميركا، خصوصاً المناطق الريفية، بالبرامج التعليمية والثقافية». غير أنه وبسبب ازدياد ارتباط البلاد، أكثر من أي وقت مضى، رقمياً على وجه التحديد، بات نفر من الخبراء يتساءلون عمّا إذا كان لشبكتَي «بي بي إس» و«إن بي آر» أي دور تلعبانه في ظل تغيُّر مصادر المعلومات، وبروز منصات رقمية مثل «نتفليكس»، و«يوتيوب»، و«أمازون»، و«فيسبوك»، و«إكس»، وكثير من الخيارات الأخرى؟