يتجدد الجدل بشأن إمكانية أن تسهم العقوبات المفروضة على شركة «أبل»، في دفع الشركة إلى تغيير سياساتها، مما قد يزيد من أرباح الناشرين من تطبيقاتهم على «متجر أبل». وبينما قلل خبراء من قيمة الغرامة الأوروبية المفروضة على «أبل»، أكدوا أن مثل هذه القرارات «قد تعيد تشكيل العلاقة بين الناشرين وشركات التكنولوجيا».
المفوّضية الأوروبية، كانت قد فرضت أخيراً غرامة مقدارها 500 مليون يورو على شركة «أبل»، على خلفية «بنود تعسّفية في متجر التطبيقات الخاص بها، على حساب مقدّمي التطبيقات وعملائهم». وهذه العقوبات هي الأولى التي تصدر بموجب النظام الأوروبي الجديد للأسواق الرقمية (دي إم إيه)، الذي دخل حيّز التنفيذ العام الماضي بهدف «التصدي لاستغلال عمالقة التكنولوجيا مواقعها المهيمنة في السوق». وأكدت المفوّضية أنها «تسعى إلى ضمان امتثال الشركات للقواعد المعمول بها من خلال الحوار لا العقوبات». وقالت إن «العقوبات ليست الهدف الأساسي من النظام الجديد بل وسيلة ردع». ووفقاً للمفوضية الأوروبية «تقوّض (أبل) قدرة مزوّدي التطبيقات الموزّعة في متجرها على التواصل مباشرة مع المستخدمين النهائيين لعرض أسعار أدنى عبر قنوات أخرى».
مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «الغرامة المفروضة على (أبل) ليست كبيرة بالنسبة لحجم الشركة وقيمتها السوقية التي تصل لما يقارب 2.6 تريليون دولار»، لكنه في الوقت نفسه يشير إلى أن «المهم في القرار الأوروبي بشأن (أبل) هو إجبارها على تغيير سياساتها».
ووفق كيالي فإن «أوروبا سباقة في مثل هذه القضايا ومن الممكن أن تمتد المطالبات بتغيير سياسيات (أبل) لخارج الاتحاد الأوروبي وتصل للولايات المتحدة وأستراليا على الأقل... وللعلم بسبب سياسات (أبل)، شهدت السنوات الأخيرة تراجعاً في إطلاق التطبيقات على (متجر أبل) من جانب المؤسسات الإعلامية».
وأوضح كيالي أنه «في ظل سياسات (أبل) بشأن التطبيقات على متجرها، لا تستطيع المؤسسات الإعلامية، أو من الصعب عليها تحقيق أرباح من تطبيقاتها، عبر بيع المحتوى والاشتراكات أو بيع الإعلانات على التطبيق، وحتى لو كان هذا ممكناً فإن الرسوم التي تفرضها (أبل) تصل نسبتها إلى 30 في المائة من المبيعات».
وأضاف أن «شركة (أبل) لا تسمح لأصحاب التطبيقات بالوصول إلى بيانات المشتركين، وهو موضوع بالغ الأهمية بالنسبة للناشرين، حيث إن هذه البيانات تساعدهم في تحليل سلوكيات المشتركين والقراء لفهم اهتماماتهم والمواضيع التي يقرؤونها، وبالتالي دفع المزيد من هذه المواضيع والمحتوى، لزيادة الزيارات وبطبيعة الحال زيادة الإعلانات على التطبيق». ثم أعرب عن اعتقاده بأن «الغرامة المفروضة على (أبل) ستشكل منعطفاً لشركات التكنولوجيا الكبرى بشأن توزيع المحتوى والإيرادات الرقمية... وإذا استغل الناشرون هذا الحكم بشكل ذكي عبر بناء استراتيجيات تسويقية وتحويلية مباشرة، قد تكون نقطة تحول في اقتصاديات الإعلام الرقمي».
بالفعل، تبدو قيمة الغرامة معتدلة، نسبة إلى الأرباح الصافية التي حقّقتها «أبل»، والبالغة 93.7 مليار دولار العام الماضي، وقد ترتفع الغرامة حال عدم التزام «أبل» بقرارات المفوضية خلال 60 يوماً، وقالت المفوضة الأوروبية المعنية بشؤون المنافس، تيريزا ريبيرا، في بيان نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية» إن القرار «يوجّه رسالة قويّة وواضحة»، واصفة العقوبات بـ«الحازمة والمتوازنة». بينما اعتبرت «أبل» القرار «مجحفاً»، معلنة عزمها الطعن فيه مع مواصلة الحوار مع الاتحاد الأوروبي.
من جانب آخر، رأى الصحافي المصري المتخصص في الإعلام الرقمي محمد فتحي في تعليقه لـ«الشرق الأوسط» أنه «بالرغم من التأثير المحدود للغرامة على شركة بحجم (أبل)، فإنها قد تكون بداية لتغيير جذري في علاقة الشركة الأميركية مع المطورين والناشرين، بما يعيد التوازن ويمنح المؤسسات الإعلامية فرصة لاستعادة سيطرتها على تطبيقاتها، وطرق تحقيق العائدات من جمهورها، سواء في أوروبا أو حتى خارجها، وتفتح الباب أمام فرض قواعد أكثر صرامة على متجر التطبيقات، وتدخلات أوسع بموجب قانون الأسواق الرقمية (DMA)». وأردف أن «القرار قد يكون له تأثير يتجاوز أوروبا، مع احتمال أن تضطر (أبل) إلى تعديل سياساتها عالمياً، والسماح بأنظمة دفع بديلة داخل التطبيقات، وتوفير خيارات لتوزيع التطبيقات خارج (متجر أبل)».
وعدَّ فتحي القرار «فرصة كبيرة للناشرين والمؤسسات الإعلامية»، متوقعاً «مساحة أكبر من حرية تشغيل التطبيقات الإعلامية بعيداً عن قيود (أبل)، مع إتاحة تحقيق عائدات أعلى بفضل تقليل العمولات المفروضة»، مشيراً إلى «احتمال فتح الباب أمام نماذج اشتراك وإعلانات أكثر مرونة وربحية». وأضاف أن «القرار الأوروبي رغم كونه ليس الأول ولن يكون الأخير، يأتي في ظل تزايد الضغوط العالمية على شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل (ميتا) و(غوغل)، بما قد يعيد تشكيل العلاقة بين المنصات الرقمية وناشري المحتوى خلال السنوات المقبلة».
وحقاً، تُلاحَق «أبل» و«ميتا»، و«غوغل» في قضايا عدة في أوروبا والولايات المتحدة على خلفية استغلالها هيمنتها. وتضمن قرار المفوضية الأوروبية الأخير فرض غرامة على «ميتا» بقيمة 200 مليون يورور. ووصف البيت الأبيض هذه الغرامات بأنها «ابتزاز اقتصادي». وقال الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض بريان هيوز، بحسب ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية» أن «الولايات المتحدة لن تتسامح مع هذا الشكل الجديد من الابتزاز الاقتصادي... وهذا الاستهداف الخبيث من جانب الاتحاد الأوروبي للشركات والمستهلكين الأميركيين يجب أن يتوقف».