مساعٍ أكاديمية خليجية لمواجهة «الإعلام المضلِّل»

التدريبات تجاوزت الجانب النظري إلى التطبيق العملي

 تسجيل في الجامعة الأميركية برأس الخيمة (الشرق الأوسط)
تسجيل في الجامعة الأميركية برأس الخيمة (الشرق الأوسط)
TT

مساعٍ أكاديمية خليجية لمواجهة «الإعلام المضلِّل»

 تسجيل في الجامعة الأميركية برأس الخيمة (الشرق الأوسط)
تسجيل في الجامعة الأميركية برأس الخيمة (الشرق الأوسط)

في ظل تصاعد التهديد الذي تفرضه المعلومات المضلّلة والروايات المصطنعة على المجتمعات، تبرز مساعٍ أكاديمية منهجية لمواجهة هذه الظاهرة المتنامية عبر برامج تعليمية متخصصة تهدف إلى تأهيل جيل جديد من المهنيين في الإعلام يتمتعون بالمسؤولية والمهنية والقدرة على التمييز بين الحقيقة والتضليل.

ولقد شدّد خبراء على أن هذه المساعي لا تقتصر على الجانب النظري فقط، بل إن الجانب التطبيقي يشكّل حجر الأساس في هذه العملية التعليمية، التي تُقدِّم صورة متكاملة حول كيفية تقييم الأخبار.

ورأى هؤلاء الخبراء أن التعليم في قطاع الإعلام تجاوز مفهوم كتابة الخبر، وبات يتوجب أن يتضمن منهجاً في تقييم صدقية الأخبار والمعلومات للوصول إلى الغاية الأهم، وهي الحقيقة.

الجامعة الأميركية في مدينة رأس الخيمة الإماراتية وضعت أخيراً خططاً لإعداد كوادر إعلامية قادرة على مواكبة التطورات السريعة في صناعة الإعلام، والتعامل مع التحديات الأخلاقية والمهنية في زمن تزايد المعلومات الكاذبة، خاصة على منصات التواصل الاجتماعي.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الجامعة أُدرجت ضمن قائمة أفضل 500 جامعة في تصنيف «كيو إس» العالمي للجامعات لعام 2025، وهي تحتل اليوم المركز السادس بين جامعات دولة الإمارات العربية المتحدة!

إعلاميون في مواجهة المعلومات المضللة

البروفيسور ستيفن كلارك ويلهايت، نائب الرئيس الأول للشؤون الأكاديمية والنجاح الطلابي في الجامعة، قال خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» موضحاً: «للجامعات دور حاسم في إعداد الإعلاميين المستقبليين لمواجهة المعلومات المضللة والتصدي لها. وفي مؤسستنا، نبدأ هذا الدور في وقت مبكّر من المناهج الدراسية، عبر مقرّرات تركّز على التثقيف الإعلامي وتساعد الطلاب على فهم كيفية بناء الروايات وتوزيعها والتلاعب بها عبر منصات التواصل الاجتماعي».

وأردف ويلهايت أن هذا التوجه لا يقتصر على الجانب النظري فقط، بل يمتد إلى الجانب التطبيقي الذي يشمل إنشاء المحتوى وتحليله، واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، مثل منصة «Perplexity AI»، والتفاعل العملي مع البيانات وتحليل الحملات الإعلامية.

ومن ثم تابع: «هذا التعرّض المتعدّد الطبقات، الذي يجمع بين إنشاء المحتوى والتحليل النقدي والتأصيل الأخلاقي، يضمن أن يتخرّج الطلاب بوعي عميق بكيفية انتشار المعلومات المضللة وكيفية التعامل معها».

هذا، ويشمل برنامج بكالوريوس الاتصال الجماهيري في الجامعة على تخصصين رئيسين: الإعلام الرقمي والعلاقات العامة، ويرتكز المنهج الدراسي على مقرّرات جوهرية، مثل: قانون وأخلاقيات الإعلام، وكتابة الأخبار، وإعداد التقارير، والإعلام الرقمي المتقدم، وصحافة البيانات، إلى جانب التدريب العملي والمشاريع البحثية التي تتيح للطلاب التفاعل المباشر مع تحديات العالم الواقعي.

التكيّف والمرونة

من جهة ثانية، يرى البروفسور ويلهايت أن أحد أعمدة البرنامج تعزيز المرونة والقدرة على التكيّف في بيئة إعلامية تتطور باستمرار. ويشرح: «تعمل التقنيات الجديدة، مثل الذكاء الاصطناعي، على تغيير المشهد الإعلامي جذرياً. وبدلاً من تجاهلها، نحن نشجع طلابنا على الانخراط المباشر معها، واستخدامها بفاعلية ضمن سياقات أخلاقية واضحة. ونحن من جانبنا نؤمن بأن الفشل أحياناً جزء من عملية التعلم... لذا نشجع الطلاب على التجربة واستخدام الأدوات الجديدة، حتى لو كانت النتائج غير مثالية. هذا الأمر يعزّز لديهم عقلية الابتكار والتعلم المستمر، وهي من المهارات المطلوبة بشدة في السوق».

وتدعم هذه الرؤية أيضاً البروفسورة هاريكليا زينغوس، عميدة كلية الآداب والعلوم، التي ترى أن تطوير البرامج الأكاديمية يجب أن يتماشى مع التغيرات المتسارعة في صناعة الإعلام. وتوضح: «يتطلب المشهد الإعلامي الحديث أن نواكب الاتجاهات الناشئة، ولا سيما إنتاج المحتوى الرقمي. ولذا يركّز برنامجنا على النزاهة في توليد المحتوى، والتحقّق من صحة المعلومات، والالتزام بالمعايير الصحافية المعترف بها عالمياً».

البروفسور ستيفن كلارك ويلهايت

برامج محدّثة تواكب السوق

للعلم، تعمل الجامعة على تحديث مناهجها بشكل دوري من خلال تقييمات سنوية، تشمل مراجعات أكاديمية وآراء خبراء في الصناعة الإعلامية، ما يضمن بقاء البرنامج متوافقاً مع احتياجات السوق والممارسات المهنية الحديثة. ولقد أدرجت أخيراً مقرّرات جديدة، مثل: ريادة الأعمال الإعلامية، وإدارة وسائل الإعلام، التي تمنح الطلاب أدوات لفهم الجانب التجاري من العمل الإعلامي.

ويعكس هذا التوجه أيضاً إدراك الجامعة لحجم النمو المتوقع في قطاعي الإعلام الرقمي والعلاقات العامة على مستوى العالم. فوفق التوقعات، سيصل حجم سوق الإعلام الرقمي إلى أكثر من 832 مليار دولار بحلول عام 2030، بينما يتوقع أن يبلغ حجم سوق العلاقات العامة نحو 215 مليار دولار في العام ذاته، وهو ما يزيد الحاجة إلى خريجين يتمتعون بالمهارات التقنية والتحليلية والاتصالية المطلوبة.

ورش عمل ميدانية

في ما يتعلق بالتجربة العملية، تقيم الجامعة الأميركية في رأس الخيمة شراكات مع جهات حكومية ومؤسسات إعلامية دولية لتوفير فرص تدريب وتطوير مهني لطلابها. وهنا يقول ويلهايت: «لدينا تعاونات مع دائرة المعرفة في رأس الخيمة ومؤسسة القاسمي لدعم الإنتاج الإعلامي للفعاليات والمبادرات العامة. كما نتعاون مع علامات تجارية عالمية، مثل (كانون) و(فوجي فيلم)، لتنظيم ورش عمل عملية وجولات تصوير تمنح الطلاب خبرة ميدانية حقيقية».

وتشمل المبادرات كذلك تنظيم محاضرات لضيوف من العاملين في مجال الإعلام، بالإضافة إلى زيارات ميدانية إلى مؤسسات إعلامية كبرى، ما يمنح الطلاب رؤى مباشرة حول طبيعة العمل ومتطلباته. وهو ما يعلّق عليه ويلهايت قائلاً: «نحن حريصون على أن يخرج طلابنا، ليس بمؤهلات أكاديمية فقط، بل بمهارات مهنية أيضاً وقدرة على بناء شبكة علاقات تساعدهم في المستقبل».

صحافة البيانات ودمج أدوات التحليل

وبحسب ويلهايت، أسهم استحداث مقرّرات، مثل صحافة البيانات، ودمج أدوات جمع وتحليل المعلومات، في بناء قدرات الطلاب على التعامل مع المعلومات بطرق أكثر تنظيماً ومسؤولية.

وأضاف المسؤول الأكاديمي: «لم نعُد نُعلّم الطلاب كيف يكتبون خبراً فقط، بل كيف يقيّمون مصادره، ويستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي لتدقيقه وتحليل تأثيره».

وتابع في هذا السياق: «يُدرّس الطلاب كيفية التحقق من المعلومات، وتصوّر البيانات بصرياً، وفهم كيفية انتشار المحتوى عبر الوسائط الرقمية. ويساعد هذا النهج على خلق جيل من الإعلاميين القادرين على التصدي للمعلومات المضللة، ليس بصفتهم ناقلين للمعلومة فقط، بل كصنّاع رأي قادرين على تشكيل الوعي العام».

ثم شرح: «نحن نعمل راهناً على تحديث مناهجنا الدراسية بانتظام، استناداً إلى تقييم سنوي للبرنامج يتضمن آراء خبراء الصناعة في هذا المجال، مع المراجعة الأكاديمية لمدى إنجاز الطلاب لنتائج التعلم المتوقعة. ويتيح لنا ذلك مواكبة أحدث المستجدات مع ضمان العمق الأكاديمي. وتشمل الإضافات الأخيرة صحافة البيانات، التي تُعرّف الطلاب على السرد القصصي المستند إلى الأدلة، وإدارة وسائل الإعلام، التي تركز على ريادة الأعمال والجانب التجاري للإعلام».

ويضيف: «حقاً، استجبنا للتحولات التي طرأت على الصحافة، ولا سيما تراجع الصحافة المطبوعة وصعود المحتوى الرقمي، وذلك من خلال دمج المهارات العملية الموجهة نحو المنصات في جميع مراحل البرنامج. وتعكس هذه التغييرات واقع صناعة الإعلام في الإمارات، كما تؤهل الطلاب لتلبية المعايير المهنية المتطورة».

حُماة المعرفة

واختتم البروفسور ويلهايت كلامه بالقول: «في عالم مُشبع بالمعلومات، يكمن التحدّي في تعليم طلابنا كيف يكونون صُنّاعاً واعين للحقيقة. نحن لا نُعدّهم لمهن المستقبل فقط، بل نُعدّهم ليكونوا حماةً للمعرفة والمعلومة الدقيقة في مجتمع تتزايد فيه الحاجة إلى الموثوقية والمساءلة».


مقالات ذات صلة

هل أبقت المنصات الرقمية حاجة إلى مؤسسات البث العامة؟

إعلام كاري ليك (بي بي سي نيوز)

هل أبقت المنصات الرقمية حاجة إلى مؤسسات البث العامة؟

لم يعد سراً أن علاقة الإدارة الأميركية، المقيمة في البيت الأبيض، بالصحافة السياسية ووسائل الإعلام، الخاصة أو الحكومية،

إيلي يوسف (واشنطن)
إعلام شعار غوغل (أ. ف. ب.)

ما تأثير استخدام «غوغل» محتوى الناشرين في تدريب الذكاء الاصطناعي؟

ذكرت وثائق محكمة أميركية منوطة بالنظر في قضية احتكار «غوغل» لسوق البحث بالولايات المتحدة، في مايو (أيار) الحالي،

إيمان مبروك (القاهرة)
إعلام هاني سيمو (الشرق الأوسط)

«تشات جي بي تي» يثير جدلاً بشأن تحديث أسماء المُستخدمين

أثار تحديث ظهر على تطبيق «تشات جي بي تي» سجالاً بين خبراء التكنولوجيا والمُستخدمين، بعد ملاحظة أن الروبوت الخاص بالتطبيق يسمّي المُستخدمين بأسمائهم، حتى من دون…

إيمان مبروك (القاهرة)
إعلام جدل متجدد بشأن قدرة تطبيقات الأخبار على استعادة اهتمام الجمهور

جدل متجدد بشأن قدرة تطبيقات الأخبار على استعادة اهتمام الجمهور

يتجدد الجدل بشأن قدرة التطبيقات التي تطلقها المواقع الإعلامية على استعادة اهتمام الجمهور بالأخبار، وزيادة العائدات،

فتحية الدخاخني (القاهرة)
يوميات الشرق الدكتور نبيل الخطيب مدير عام قناة «الشرق للأخبار» يتحدث بعد حصوله على الجائزة (الشرق الأوسط)

«مي شدياق للإعلام» تتوِّج الخطيب بـ«جائزة الإنجاز مدى الحياة»

​كرَّمت مؤسسة «مي شدياق للإعلام»، الدكتور نبيل الخطيب، مدير عام قناة «الشرق للأخبار»، بجائزة «الإنجاز مدى الحياة»، وذلك خلال حفل سنوي أقامته في دبي الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (دبي)

هل أبقت المنصات الرقمية حاجة إلى مؤسسات البث العامة؟

كاري ليك (بي بي سي نيوز)
كاري ليك (بي بي سي نيوز)
TT

هل أبقت المنصات الرقمية حاجة إلى مؤسسات البث العامة؟

كاري ليك (بي بي سي نيوز)
كاري ليك (بي بي سي نيوز)

لم يعد سراً أن علاقة الإدارة الأميركية، المقيمة في البيت الأبيض، بالصحافة السياسية ووسائل الإعلام، الخاصة أو الحكومية، تشهد تحولاً لم يعهده الأميركيون حتى في أحلك الأزمات والقضايا التي كانت تشغل الرأي العام. ولقد باتت تداعيات هذا التحول تشير إلى الهوة المتزايدة اتساعاً، وتأثيراتها ليست فقط على المؤسسات الإعلامية وصناعة الأخبار، بل أيضاً على الجمهور والبرامج السياسية، التي غالباً ما كانت محط اهتمام المشاهد والقارئ والمستمع الأميركي.

بيل أوينز مع شعار برنامج "60 دقيقة" ( سي بي إس)

في ظل حملات الرئيس دونالد ترمب المستمرة على الإعلام، بدت استمرارية الصحافة السياسية في واشنطن وتقاليدها أقل ضماناً مما كانت عليه سابقاً. فالبيت الأبيض هو من يُقرر الآن ما هي وسيلة الإعلام التي يمكنها أن تكون جزءاً من دورة تجمع الصحافيين أسبوعياً (بول روتايشن)، وليس جمعية مراسلي البيت الأبيض. فقد منع المكتب الصحافي للرئيس ترمب وكالة «أسوشييتد برس» من حضور إحاطاته في المكتب البيضاوي، لأنها أحجمت عن استخدام مصطلح «خليج أميركا» بدلاً من «خليج المكسيك» (رغم استخدامها للمصطلحين)، بناءً على الأمر التنفيذي الذي أصدره ترمب للحكومة الفيدرالية. كما أعلن البيت الأبيض أنه سيلغي المكان الدائم لوكالات الأنباء الدولية، «رويترز» و«أسوشييتد برس» و«وكالة الصحافة الفرنسية»، في تجمع الصحافيين. وبدلاً من ذلك، أصبح مراسلو وسائل الإعلام المحافظة وكذلك الوسائل غير التقليدية، مثل منصات التواصل الاجتماعي والبودكاست، أكثر بروزاً وحضوراً، ويستطيعون أحياناً كثيرة طرح أسئلة تتوافق بوضوح مع وجهة نظر الإدارة.

مارجوري تايلور غرين (آ ب)

«المقاومة» ضد ترمب تتراجع

في المقابل، بدا أن «مقاومة» وسائل الإعلام غير المحسوبة على المحافظين، باتت أقل حدة وأكثر قابلية للخضوع، في ظل استحواذ رأس المال الخاص عليها، وامتناعها عن الدخول في مواجهات قد تكلف مالكيها خسارة المليارات من العقود مع الحكومة الفيدرالية. وهو ما أدى غالباً إلى «خروج» كثير من الكُتَّاب والمنتجين ومقدمي البرامج من تلك المؤسسات، حفاظاً إما على استقلاليتهم، أو على استمرارية المؤسسة نفسها.

هذا ما جرى، على سبيل المثال، مع برنامج «60 دقيقة» الشهير الذي يُعرَض على شبكة «سي بي إس نيوز»، والذي واجه خلال حملة الانتخابات الرئاسية، ضغوطاً ازدادت بشكل كبير، سواء من الرئيس ترمب قبل انتخابه وبعده، أو من شركة «باراماونت»، المالكة للشبكة.

وفي نهاية أبريل (نيسان)، أعلن المنتج التنفيذي للبرنامج، بيل أوينز، استقالته، مُشيراً إلى انتهاكات لاستقلاليته الصحافية. وأبلغ موظفيه في مذكرة بأنه «خلال الأشهر الماضية، أصبح من الواضح أنه لن يُسمَح لي بإدارة البرنامج كما كنتُ أُديره دائماً، واتخاذ قرارات مستقلة بناءً على ما هو مناسب لبرنامج (60 دقيقة)، ومناسب للجمهور».

هذا، وكان ترمب قد رفع دعوى قضائية ضد شبكة «سي بي إس» والشركة الأم «باراماونت» بمبلغ 10 مليارات دولار، متهماً البرنامج بـ«السلوك غير القانوني وغير الشرعي». وعدّ ترمب مقابلة محرّرة أجراها البرنامج مع منافسته الرئاسية، كامالا هاريس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مخادعة بشكل كبير.

شعار إذاعة "صوت أميركا" (رويترز)

«لا يمكن إنقاذها!»

ومع استمرار الرئيس ترمب وإدارته في الهجوم على المؤسسات الإعلامية، أصدرت إذاعة «صوت أميركا» قراراً الأسبوع الماضي، بتسريح أكثر من ثلث الموظفين، بالتزامن مع عرض الحكومة المبنى الفيدرالي في العاصمة واشنطن، الذي يضمّ مكاتب المحطة، للبيع. كذلك فصلت الإدارة نحو 600 موظف في الإذاعة، من المتعاقدين، جلّهم من الصحافيين، بالإضافة إلى بعض الموظفين الإداريين. وعُدّت الخطوة إشارةً إلى أن إدارة ترمب تُخطط لمواصلة جهودها لتفكيك هذه المؤسسة، على الرغم من حكم قضائي صدر الشهر الماضي يأمر الحكومة الفيدرالية بالحفاظ على «برامج إخبارية قوية» في الشبكة، التي وصفها ترمب بأنها «صوت أميركا الراديكالية».

من جهة ثانية، قالت كاري ليك، كبيرة المستشارين في «الوكالة الأميركية للإعلام العالمي»، التي تشرف على «صوت أميركا»، إن «الإدارة تصرفت في حدود سلطتها القانونية».

وتابعت ليك، وهي سياسية جمهورية يمينية متشددة، أوكلت إليها قيادة خطط تقليص عمليات «صوت أميركا»، في بيان: «نحن بصدد تعديل حجم الوكالة، وتقليص البيروقراطية الفيدرالية لتلبية أولويات الإدارة... سنواصل تقليص حجم الإذاعة وتحويلها من مؤسسة قديمة إلى مؤسسة تستحق تمويلها من الأميركيين الكادحين».

وفي مارس (آذار)، قالت ليك، إن «الوكالة الأميركية للإعلام العالمي» نفسها التي تديرها «لا يمكن إنقاذها»، بعدما تفشَّى فيها وغرف الأخبار التابعة لها «الهدر والاحتيال والإساءة». وفي الأسبوع الماضي، أعلنت أن إذاعة «صوت أميركا» ستحصل على خدماتها الإخبارية من شبكة أخبار «ون أميركا»، وهي محطة تلفزيونية يمينية متشددة مؤيدة لترمب.

وقف التمويل الفيدرالي

الأمر، لم يقتصر على إذاعة «صوت أميركا»، إذ وقّع الرئيس ترمب هذا الشهر، أمراً تنفيذياً لإنهاء جميع التمويل الفيدرالي لشبكتَي التلفزيون العام (بي بي إس)، والإذاعة الوطنية (إن بي آر)، واصفاً ما تقدمانه بأنها «دعاية نشطة». ويذكر أنه في يناير (كانون الثاني) أمر رئيس «لجنة الاتصالات الفيدرالية» بإجراء تحقيق في برامج الشبكتين، كما خضع مسؤولوهما في مارس لاستجواب أمام لجنة فرعية بمجلس النواب بقيادة النائبة الجمهورية اليمينية المتشددة مارجوري تايلور غرين، التي وصفت جلسة الاستماع بأنها «موجات معادية لأميركا».

المؤسستان شهدتا عمليات تسريح لأعداد كبيرة من الموظفين الأسبوع الماضي، وفق بولا كيرغر، الرئيسة التنفيذية لـ«بي بي إس» بعدما أوقفت الحكومة نحو 15 في المائة من ميزانيتها، مع أن الباقي يأتي من مصادر تشمل التراخيص والرعاية والمستحقات من محطاتها الأعضاء، البالغ عددها 330 محطة تقريباً.

مؤسسات البث العام كانت قد أُسِّست عام 1967، وكانت تنفيذاً لرؤية الرئيس الديمقراطي الأسبق ليندون جونسون، الهادفة إلى «ربط أميركا، خصوصاً المناطق الريفية، بالبرامج التعليمية والثقافية». غير أنه وبسبب ازدياد ارتباط البلاد، أكثر من أي وقت مضى، رقمياً على وجه التحديد، بات نفر من الخبراء يتساءلون عمّا إذا كان لشبكتَي «بي بي إس» و«إن بي آر» أي دور تلعبانه في ظل تغيُّر مصادر المعلومات، وبروز منصات رقمية مثل «نتفليكس»، و«يوتيوب»، و«أمازون»، و«فيسبوك»، و«إكس»، وكثير من الخيارات الأخرى؟