لا تزال مسألة الخلل المعلوماتي ومحاولة مكافحة «التضليل» و«التزييف» على منصات «التواصل» هدفاً تحاول دول عدة تحقيقه عبر فرض تشريعات مختلفة. وفي هذا الإطار يبرز «قانون الخدمات الرقمية (DSA)»، الذي يحاول من خلاله الاتحاد الأوروبي وضع قواعد بشأن المحتوى تستهدف الحدَّ من المعلومات المضللة.
وفي الأسبوع الماضي، تعهَّدت شركات تكنولوجيا كبرى، من بينها «فيسبوك» و«تيك توك»، بتكثيف مكافحتها المعلومات المضللة في الاتحاد الأوروبي، وفق «المفوضية الأوروبية». ويُلزم قانون الخدمات الرقمية كل الشركات العاملة في المجال الرقمي بمراقبة المحتوى عبر الإنترنت، ومعالجة انتشار المعلومات الخاطئة والمضللة. ونقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن هينا فيركونين، المفوضة المعنية بشؤون التكنولوجيا في الاتحاد الأوروبي، قولها: «إن الأوروبيين يستحقون مساحة آمنة عبر الإنترنت؛ حيث يمكنهم التصفح من دون التلاعب بهم»، بحسب ما نقلته
وتعليقاً على هذا التطور، رأى رائف الغوري، اختصاصي تقنية المعلومات والمدرب الإعلامي السوري في الإمارات العربية المتحدة، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن «لكل قانون تأثيراً، طال أم قصر، والقوانين تتطور مع تطور الاحتياجات، لذلك يمكن لقانون الخدمات الرقمية في أوروبا أن يسهم في ذلك ضمن الحيز الجغرافي لتطبيقه»، لكنه أشار إلى أنه «دائماً توجد أبواب خلفية لمَن يريد تجاوز القانون».
وأردف الغوري أنه «كلّما كثر المحتوى المتشابه كان ذلك أدعى للنماذج اللغوية ومحرّكات البحث أن تجلب نتائجها من المعلومات الأعم والأكثر انتشاراً»، موضحاً أن «تعهد منصات التواصل الاجتماعي بالالتزام بتطبيق القانون، سيكون في صالح أدوات الذكاء الاصطناعي لتأتي بنتائج منسجمةً مع القانون، بغض النظر عن عدم التزام منصة واحدة وهي (إكس)».
الغوري قال إن «تأثير موقف (إكس) سيكون في ظل التزام باقي المنصات، لا سيما مع استمرار هجرة بعض الحسابات عن (إكس)، إلى منصات أخرى أكثر وضوحاً في السياسات والتوجهات والحريات». واستناداً إلى إحدى القواعد الأساسية في الإعلام، وهي التأكد من الخبر من مصدرَين مستقلَّين على الأقل، رأى الغوري أنه «يمكن تطبيق القاعدة نفسها على المنصات الرقمية لتدقيق المعلومات، مع التأكد من تجنب مقارنة منصتين تابعتين للشركة الأم نفسها». وتابع: «على المستخدم أن يختبر مصداقية المنصة ويعاود الاختبار من حين لآخر، لا سيما مع تغير السياسات والتوجهات من حين لآخر».
كذلك أضاف أن «مكافحة الأخبار المضللة، تتطلب تكاتف الجهود ما بين زيادة وعي المجتمع، وأن تكون المواقع الحكومية مصدراً متجدداً للمعلومات الصحيحة والدقيقة من جهة أخرى... والقوانين، غالباً ما تأتي متأخرة، حيث تأخذ وقتاً طويلاً في الصياغة والاجتهاد والنشر، والمرحلة الأخيرة والأصعب التنفيذ، ما يجعل تأثيرها متأخراً زمنياً».
للعلم، ضمَّت قائمة المنصات التي أبدت استعداداً للامتثال لقواعد الاتحاد الأوروبي نحو «42 منصة» مملوكة لشركات عدة منها «غوغل»، و«ميتا»، و«مايكروسوفت»، لكنها لم تشمل منصة «إكس» المملوكة لإيلون ماسك. وكانت «إكس» قد انسحبت من القواعد الرئيسة للاتحاد الأوروبي في مايو (أيار) 2023، وسبق أن انتقد ماسك مراراً قواعد الإشراف على المحتوى في الاتحاد الأوروبي، المعروفة باسم «قانون الخدمات الرقمية (DSA)».
من جهة ثانية، عدّ فادي رمزي، مستشار الإعلام الرقمي والمحاضر بالجامعة الأميركية في القاهرة، قانون الخدمات الرقمية الأوروبي «خطوة في الاتجاه الصحيح لمحاربة الخلل المعلوماتي الذي يزداد منذ جائحة (كوفيد - 19)». لكنه قال لـ«الشرق الأوسط» إن «المسؤولية الأكبر تقع على شركات التكنولوجيا». وأوضح أن «الاتحاد الأوروبي نشط في التعامل مع قضايا الإعلام الرقمي والضغط على عمالقة التكنولوجيا، لكن ما لم تقبل تلك الشركات بما يفرضه من قواعد ستظل المشكلة قائمة». وأشار رمزي في هذا الصدد إلى قرار «ميتا» أخيراً إنهاء عمل فريق التحقق من المعلومات في بعض المناطق. ولفت إلى أن «الفترة المقبلة ستُبيِّن إلى أي مدى ستنجح القوانين الأوروبية في وضع حدٍّ لانتشار الخلل المعلوماتي».
وبشأن منصة «إكس»، قال فادي رمزي إن «المنصة ومالكها إيلون ماسك أصبحا محاطَين بإطار سياسي يمنحهما نفوذاً كبيراً، ومن هنا تأتي قوتهما في رفض الامتثال للقواعد الأوروبية».
وإزاء ما يتعلق بإمكانية أن تشهد المنطقة العربية محاولات شبيهة لحوكمة الفضاء الرقمي. قال رمزي إن «المنطقة العربية لا تزال تلعب دور المستخدم ولم تصل بعد إلى مرحلة حوكمة وتقنين، والضغط على شركات التكنولوجيا».
وهنا نذكر أن مؤسِّس شركة «ميتا»، مارك زوكربيرغ، أعلن أخيراً تغييرات لتعديل المحتوى الرقمي، تتضمَّن إنهاء التعاون مع جهات التحقق من المعلومات في الولايات المتحدة، وإدخال نظام مماثل لـ«ملاحظات المجتمع» المستخدم عبر منصة «إكس».