هل تعزز «الاشتراكات المدفوعة» العوائد المالية لوسائل الإعلام؟

رويترز أعلنت عام 2021 لأول مرة إطلاق خدمة الاشتراكات المدفوعة (رويترز)
رويترز أعلنت عام 2021 لأول مرة إطلاق خدمة الاشتراكات المدفوعة (رويترز)
TT

هل تعزز «الاشتراكات المدفوعة» العوائد المالية لوسائل الإعلام؟

رويترز أعلنت عام 2021 لأول مرة إطلاق خدمة الاشتراكات المدفوعة (رويترز)
رويترز أعلنت عام 2021 لأول مرة إطلاق خدمة الاشتراكات المدفوعة (رويترز)

أثار إعلان شبكة «السي إن إن» ووكالة «رويترز» إطلاق نظام «الاشتراكات المدفوعة»، تساؤلات حول فاعلية النموذج الربحي هذا، لا سيما، أن ثمة تجارب سابقة في هذا الصدد لم تنجح، بل حتى «السي إن إن» و«رويترز» كانتا لهما تجارب لم تأتِ بثمار.

الشبكة والوكالة أعلنتا مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الحالي إطلاق خدمة الاشتراكات المدفوعة على مواقعهما الإلكترونية، وفي حين حصرت «السي إن إن» الخدمة داخل الولايات المتحدة، اتجهت «رويترز» للكشف عن أن هذه الخدمة ستطلق في كندا بوصفها خطوة أولى، ثم إلى دول أوروبا والولايات المتحدة حتى تشمل جميع دول العالم خلال فترة لم تحدّدها.

وتتضمّن الخدمة المدفوعة قراءة عدد من المقالات بالمجّان لحين دفع اشتراك عدّه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» مناسباً (4 دولارات شهرياً لكل منهما)، وغازلت الشبكتان مستخدميهما بعروض مُسبقة شملت إمكانية متابعة محتوى حصري يضمّ خدمات وثائقية وتحليلات خاصة، كما ستوفر للمشتركين تنسيقاً يومياً للمحتوى، مع تقليل الإعلانات.

وفقاً لشبكة «السي إن إن» سيبقى بعض المحتوى متاحاً مجانياً، مثل الصفحة الرئيسية والأخبار العاجلة والقصص المباشرة وصفحات الفيديو المتداولة وبعض المقالات، في حين لم تحدّد «رويترز» ما إذا كانت الاشتراكات المدفوعة ستشمل جميع أنماط المحتوى أو لا.

الدكتور السرّ علي سعد، الأستاذ المشارك في تخصّص الإعلام الجديد بجامعة أم القيوين في دولة الإمارات العربية المتحدة، عدّ «الاشتراكات المدفوعة» «اتجاهاً أكثر استقراراً يمكن للمؤسسات الإعلامية التحوط به من تقلبات سوق الإعلام الرقمي». وذكر أن «نموذج الاشتراكات المدفوعة مقابل المحتوى، هي فكرة طُرحت منذ أزمة جائحة كوفيد - 19 التي تسببت في تقليص حجم الإنفاق الإعلاني، غير أن الأوضاع السياسية الراهنة عزّزت لدى المستخدم قيمة الخبر والمعلومة الدقيقة، ومن ثم التوقيت ملائم لاجتذاب المستخدمين الذين يتوقون لمحتوى مميز».

جدير بالذكر أن تجارب «الاشتراكات المدفوعة» التي يترقب نتائجها صُناع الإعلام الآن لم تكن الأولى، بينما في محاولة سابقة اتجهت «السي إن إن» لهذه الخدمة عام 2022 غير أنها لم تكتمل.

«رويترز» أيضاً لها سابقة في هذا الاتجاه، ففي عام 2021 أعلنت لأول مرة إطلاق خدمة الاشتراكات المدفوعة مقابل محتوى خاص؛ لكن تنفيذ الفكرة توقف بسبب نزاع مع شركة بيانات وتحليل السوق العالمية «ريفينيتيف» Refinitiv التي عدّت اتجاه «رويترز» مخالفاً لاتفاقية توزيع الأخبار بينهما. ثم عادت «رويترز» لطرح نموذج الاشتراك في 2023 بعد تسوية النزاع على نحو يسمح بإطلاق منتجات مدفوعة يتشاركها كلا الطرفين («رويترز» و«ريفينيتيف»).

ثم إن الاتفاقية السابقة أتت بثمارها، ومهّدت لتوسيع خدمات الاشتراكات المدفوعة، إذ أعلنت «رويترز» في أغسطس (آب) الماضي، توقعها نمو الإيرادات بنحو 7 في المائة خلال عام 2024.

في هذا الشأن قالت الدكتورة سارة نصر، الأستاذ بقسم الإذاعة والتلفزيون في المعهد العالي للإعلام وفنون الاتصال بمصر، إن توقيت إطلاق الخدمات المدفوعة «يعكس أهمية الأخبار والتحليلات الإخبارية وسط وضع عالمي ساخن يشهد حروباً وتغييرات سياسية».

ولفتت نصر إلى أن «وسائل الإعلام العربية تواجه متغيرات حثيثة ومتسارعة سواءً على مستوى الأحداث السياسية التي تعزز قيمة الخبر والمعلومة الدقيقة وأهمية سرعة الوصول للمستخدم، وأيضاً التحديات الخاصة بتغيير قواعد الربح التي تغيرها منصات التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر، ما يضيق الخناق على المؤسسات».

وفيما يخص المحتوى، قالت الأكاديمية المصرية إن «أي وسيلة إعلام تخطط لإدراج نظام الاشتراكات المدفوعة، عليها أولاً أن تبرهن قدرتها على تلبية احتياجات الجمهور لتبرير ما ينفقه مقابل الخدمة. فالطريق الأسهل لإقناع الجمهور هو إرضاؤه، وهذا يتطلب عملاً مستمراً ومحتوى متنوعاً يشمل الأخبار، ومواد العرض الجذابة، والتفاعلية، مع اعتماد قوالب تقديم مبتكرة».



واقع الإعلام الأردني وآفاقه... أين المشكلة؟

صحف اردنية
صحف اردنية
TT

واقع الإعلام الأردني وآفاقه... أين المشكلة؟

صحف اردنية
صحف اردنية

من الصعب تحليل واقع الإعلام الأردني أمام تطوّر الأدوات والأساليب، والتحرر من أنماط صحافية تقليدية لدى المنصّات الرقمية. وعلى الرغم من محاولات وسائل إعلامية محلية مجاراة التحوّل الرقمي واستخدام أدواته طمعاً بالاقتراب من الرأي العام، ما زالت منصات التواصل الاجتماعي تسيطر على متابعات المواطنين. فهولاء يعتبرونها مصدراً أساسياً لنقل الخبر، وسط التنافس في حلبة «السلطة الرابعة»، بينما تلعب هي دور سلطة رقابية غير منضبطة على السلطات جميعاً.

صحيحٌ هناك انفتاح عند السلطات المحلية على التعاون مع وسائل الإعلام، مقارنةً بِحقبٍ سابقة، وكذلك ثمة حرص على تنظيم لقاءات دورية مع قيادات إعلامية في البلاد. إلا أن هناك في المقابل «كسلاً» في التعامل مع بعض التسريبات الآتية من جلسات تجمع السياسيين الرسميين مع الإعلاميين، حيث تشهد تلك الجلسات عادةً تناول أخبارٍ وقضايا وتحليلات متعمد نقلها إلى الرأي العام... لكن على ألسنة «مصادر»!

لا إجابات عن أسئلة ملحة

في الواقع، لا يملك أحد الأجابة عن السؤال حول بطء استجابة الإعلام للمعلومات المسرّبة أو الدخول في تحليل ما بين سطور الأخبار الرسمية، وتحديداً المتعلقة بأحداث شهدتها البلاد خلال السنوات القليلة الماضية. فهناك من يعتبر أن سيطرة المهنيين التقليديين على قيادة مؤسسات الإعلام المحلية الرسمية وشبه الرسمية هي المشكلة، ثم أن دخول «الروتين» على خط العمل الصحافي جعل بعض الصحافيين يزهدون في نقل ما يسمعونه في جلسات «مصادر المعلومات»، وقد يعود السبب في ذلك إلى تأخر بثّ دماء جديدة في عروق المؤسسات الإعلامية.

حمزة العكايلة (الدستور)

محاولة لفهم المشهد

تُرحب السلطات بالانفتاح على الإعلام، وتُدرك ذات السلطات السياسية والأمنية في البلاد «الحاجة الماسة» لوجود جبهة إعلامية محلية للدفاع أو الهجوم عند الضرورة. لكن يصعب تفسير ذلك «الترحيب» أو «الإدراك» في ظل ممارسات عابرة للسنوات والعقود والأحداث لجهة «لجم» الإعلام التقليدي بشقيه الرسمي وشبه الرسمي، والسيطرة على ما يُبث من خلاله، لضمان السيطرة على «الخطوط الحمراء» غير المشاهدة أو المُعرفة. ولذا تختار السلطات التحكم باختيار القيادات الإعلامية بنفسها.

ونتيجة لهذا الوضع حدث التباس عند الراغبين في الفصل بين الثقة بوسائل الإعلام المحلية بمختلف أشكالها، والثقة في الأخبار الرسمية التي تبثها تلك الوسائل.

شعار هيئة الإعلام في الأردن (الهيئة)

مسألة الثقة

من جهة ثانية، عديدة هي المؤسسات الحكومية التي لها منصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن تبقى مسألة قياس مدى الثقة بما تنشره المؤسسات الرسمية، حيث تحتاج لاستطلاعات علمية محايدة ودقيقة. وهذه الاستطلاعات يجب أن تكون «الدالة» الرئيسية عند قياس مستويات الثقة بالإعلام نفسه أو الحكومة أو السلطة كذلك.

راهناً، يُشاع في الأوساط الصحافية الأردنية، أن استطلاعات رأي «مسكوت عنها» تقوم بها مؤسسات مرجعية في المملكة، وترصد تلك الاستطلاعات بشكل محايد حقيقة تأثير الإعلام المحلي بالرأي العام وعناصر القوة والضعف. لكن أثر ذلك وتأثيره لا يتعديان احتواء بعض القيادات الصحافية أو نخب سياسية لهم جمهورهم، مع ممارسة شكل من أشكال «الرقابة المُسبقة» على ما يُبثونه على منصات التواصل الاجتماعي، وأيضاً السيطرة على ساعات الذروة التلفزيونية أو الإذاعية حتى المنصات الرقمية. وهذا من دون أن تنعكس تلك الاستطلاعات على دعم سقوف الحريات الصحافية والاستفادة من مستويات متابعتها والثقة بها لدى الرأي العام.

هوية إعلامية مُلتبسة

الصحافي الأردني محمد ساهر الطراونة، يرى أن تجربة الأردن في الدمج بين الإعلام الرقمي والتقليدي، لم تنضج بعد، بسبب قلة وضوح الرؤية عند قيادات إعلامية، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى «أن هناك مؤسسات إعلامية حققت نجاحاً على مستوى التحول الرقمي، واستفادت في استقطاب جمهور رفع من نسبة متابعة تلك المنصات».

أما بالنسبة للإعلام الرسمي، فقال الطراونة: «توجد خطط تنفيذية في التحول الرقمي، كما أن هناك محاولات واضحة للتطوير والانخراط في العالم الرقمي، لكن الواقع يُظهر أن ضعف الإمكانات التقنية والمالية ما زال يشكّل تحدياً حقيقياً». واردف أن «الكوادر تمتلك الكفاءة... لكن النجاح الرقمي بحاجة إلى دعم استثماري حقيقي، وتطوير للبنية التكنولوجية والمنصات كي يواكب الإعلام الرسمي متطلبات العصر الرقمي بشكل فعّال».

ويعتبر الطراونة أن «تجربة الأردن في التحول الرقمي تجربة مُبشرة، إذ شهدنا خلال السنوات الأخيرة تطوراً واضحاً في الخدمات الحكومية الإلكترونية والبنى التحتية التقنية. لكن رغم هذا التقدم، ما زالت هناك حاجة ماسة إلى مزيد من التنسيق بين الجهات المعنية، والتخلّي عن بعض الإجراءات الروتينية».

تحديات متزايدة

أما حمزة العكايلة، مدير الشؤون السياسية في جريدة «الدستور» اليومية، فيرى أن «وسائل الإعلام في الأردن تواجه تحديات متزايدة في تغطية القضايا المحلية، سواء من حيث ضعف التغطية، أو السطحية في المعالجة، أو غياب الحلول ضمن الطرح الإعلامي، مقابل تزايد الاعتماد الشعبي على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر رئيس للمعلومة، رغم ما تشكله من بيئة خصبة للإشاعة والمعلومة غير الدقيقة». ويضيف: «كما هي الحال مع معظم دول المنطقة العربية، تميل وسائل الإعلام في الأردن إلى تغطية الأخبار السياسية أو الأحداث الكبرى، على حساب الاهتمام بالقضايا التي تمسّ المواطن مباشرة كالبطالة والنقل والبنية التحتية والتعليم والصحة. وكثرة من التقارير الإخبارية تكتفي بسرد الحدث من دون تحليل جذوره أو طرح بدائل أو حلول، ما يفقد الإعلام وظيفته التوعوية والرقابية».

العكايلة يعتقد أن «المشكلة اليوم تكمن في معاناة المؤسسات الإعلامية من ضعف التمويل، ما يؤدي إلى غياب فرق التحقيق الميداني أو الإنتاج الإعلامي المتخصص. وهناك أيضاً غياب للتدريب والتأهيل المستمر للكوادر الصحافية. وعلى الرغم من وجود حالات متقدمة ونماذج فردية من المهنية والمسؤولية في الإعلام المحلي، فإن وسائل التواصل الاجتماعي ما زالت المصدر الأول لـ(معظم الناس) من الأخبار، مع أنها مليئة بالإشاعات».

هجمات إعلامية من الخارج

ويذهب العكايلة أبعد ليقول: «رأينا في السنوات الأخيرة تزايد ظاهرة الأخبار المضللة والموجهة تجاه الأردن، سواء على منصات التواصل الاجتماعي أو عبر وسائل إعلام إقليمية ودولية. وهي حملات ممنهجة أحياناً في ظل تحولات سياسية واقتصادية، من أجل إرباك الرأي العام، وإضعاف الثقة بالمؤسسات وتشويه صورة الدولة. ما يتطلب الوقوف على أسباب انتشار هذه الأخبار وأطرافها، وكيفية مواجهتها بوسائل علمية وإعلامية فعالة».