مجلات الأطفال العربية... تحت اختبار الرقمنة

مجلات الأطفال العربية... تحت اختبار الرقمنة
TT

مجلات الأطفال العربية... تحت اختبار الرقمنة

مجلات الأطفال العربية... تحت اختبار الرقمنة

أجيال عربية متلاحقة تحتفظ بذكريات من الانغماس في عوالم بديلة تكوّنت بين الصفحات الملوّنة لمجلات الأطفال المليئة بالقصص المشوّقة والصور المبهجة، غير أن رفيق الطفل العربي هذا يشهد اليوم تحوّلات جذرية تتجاوز حدود الورق الملون لتصل إلى عالم التكنولوجيا الرقمية.

وفي حين يعتمد خبراء ومتابعون على تقرير سابق لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، أشار إلى أن معدل قراءة الطفل العربي للكتاب غير المدرسي 6 دقائق فقط، وهذا معدل منخفض للغاية مقارنة بدول العالم، فإن ثمة بيانات أخرى تبدو أكثر إيجابية، إذ تضمنت قائمة «مؤشر إن أو بي الثقافي العالمي» (NOP World Culture Score Index) الصادر مطلع العام الحالي دولتين عربيتين بين الأكثر قراءة عالمياً.

مصر احتلت المرتبة الخامسة في «المؤشر»، وجاءت المملكة العربية السعودية في المرتبة العاشرة، وهو ما عدّه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بمنزلة «فرصة جيدة لمجلات الأطفال لمنافسة الآيباد والهواتف الذكية».

جدير بالذكر، أن المنطقة العربية تصدر عدداً من مجلات الأطفال، تأتي في مقدمتها «ماجد»، وهي مجلة إماراتية صدرت للمرة الأولى عام 1979، وترأس تحريرها منذ البداية الكاتب الصحافي أحمد عمر، الذي توفي في أغسطس (آب) الحالي عن عمر ناهز 85 سنة، أمضى معظمه في إثراء صحافة الطفل، ومع وفاته تصاعدت تساؤلات حول مستقبل مجلات الأطفال في الوطن العربي.

تجارب راسخة

أيضاً، بين التجارب الراسخة في مجال صحافة الطفل مجلة «ميكي»، التي صدرت في مصر لأول مرة عام 1959. وهي مستوحاة من شخصية «ميكي ماوس» الشهيرة لشركة «والت ديزني»، وعلى مدار عقود حققت المجلة نجاحاً كبيراً، واستمرت في الصدور حتى اليوم. وثمة تجارب أخرى في مصر والوطن العربي مثل مجلات «علاء الدين» و«العربي الصغير» و«قطر الندى» و«سمسم» -المستوحاة من البرنامج الشهير «عالم سمسم»- و«كوكو»... وأيضاً «سمير» و«سندباد» وغيرها من التجارب البارزة في صحافة الطفل.

الفنانة التشكيلية الإماراتية، آمنة الحمادي، رسامة كاريكاتير وخبيرة كرتون أطفال وتحكيم دولي، ترى أن تجارب صحافة الطفل «راسخة حتى الآن، لأنها تسعى جاهدة للاستمرار في تقديم المفيد للطفل في جميع المجالات الفنية والثقافية والترفيهية». وتخص آمنة الحمادي مجلة «ماجد» بالحديث قائلة: «لا أزال أؤمن بأن مجلة (ماجد) هي أفضل التجارب في صحافة الطفل، بدليل أنها الأعلى توزيعاً».

ومن ثم، تعزو آمنة الحمادي أسباب هذه الاستمرارية إلى أن «مجلة (ماجد) تسعى صادقة لترسيخ ثقافة عربية تنبع هويتها من تراث أصيل يحمل المبادئ الراقية والأخلاق النبيلة، وينادي بحب الإنسانية. ومن هنا كانت لغة الخطاب الموجهة إيجابية، وجاء ذلك بمشاركة خبراء في عالم الطفل من كُتاب ورسّامين مُبدعين في الوطن العربي، قادرين على إلهام أجيال المستقبل وإثراء تجاربهم وتطوير ذائقتهم»، على حد تعبيرها.

وتضيف أن «المجلة نجحت في خلق مساحات خاصة لمشاركات الأطفال من خلال نشر إسهاماتهم، ما يُعزّز نموذجاً تفاعلياً، ما ساهم في تطوير مواهبهم في إطار ترفيهي يحترم عقلية ونفسية الطفل بصفته فرداً من أسرة تحرير المجلة».

التطوّر الرقمي... و«مانجا»

وفي ظل التطور التكنولوجي الكبير الذي يشهده العالم راهناً، تعتقد الفنانة الإماراتية آمنة الحمادي أن «أثر التكنولوجيا بات واضحاً وإيجابياً على شكل مجلات الطفل، من حيث سعة المعلومات وسرعة الإنتاج وسهولة الوصول للجميع وسهولة المشاركة بين المجلة والأطفال، وأيضاً حماية البيئة في تقليل الاعتماد على الأوراق وجماليات الألوان، وهو ما يعدّ أحد جوانب الجمال البصري». وتشدّد على أن «الطفل العربي أكثر انفتاحاً على التكنولوجيا، ما يعني وجود فرصة لصنّاع صحافة الطفل للتطوير».

من ناحية أخرى، عدّ خبراء التجارب الإلكترونية لمجلات الأطفال الورقية الراسخة بأنها «محدودة»، إذ تمثّل أغلبها في تعزيز الأرشيف بنسخة «بي دي إف»، أما التحول الفعلي نحو الرقمنة والتفاعل فلا يزال محل سجال. وفي السياق نفسه، جاءت المبادرة الأولى لإطلاق مجلات إلكترونية تفاعلية للأطفال على يد المملكة العربية السعودية من خلال طرح تجربة «مانجا العربية» عام 2021، وهي مجلة إلكترونية مخصّصة للأطفال والشباب متوفرة عبر الإنترنت وتطبيقات متجر «غوغل بلاي» و«آبل»، فضلاً عن حضورها عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وتضم «مانجا العربية» مجموعات قصصية عربية ويابانية مصوّرة ومزوّدة بالفيديو بصفتها طريقة لجذب الفئات العُمرية الصغيرة، كما تقدّم حملات رقمية توعوية تستهدف الأطفال والشباب، وتطرح المسابقات التحفيزية لتحقيق مزيد من التفاعل. ولقد اتجهت المجلة في مايو (أيار) الماضي، نحو تعاون مع شركة «بلايستيشن» لتعزيز دورها في صناعة الألعاب التفاعلية، كما أعلنت الشهر نفسه عن خطة توسعية بإطلاق «مانجا إنترناشونال».

في هذا السياق، قال الدكتور السر علي سعد، الأستاذ المشارك في تخصّص الإعلام الجديد بجامعة «أم القيوين» في دولة الإمارات، يرى أن مجلات الطفل بشكلها التقليدي «بحاجة إلى أذرع التكنولوجيا»، مضيفاً: «تقف مجلات الأطفال الكلاسيكية في مفترق طرق غير مستقر، إذ يبدو أن مستقبلها متأثر بعدة عوامل أشارت إليها الأبحاث الحديثة».

وحقاً، تشير الأبحاث إلى أن اهتمام الجمهور الأصغر سناً بوسائل الإعلام المطبوعة آخذ في التناقص. ومن ثم، فإن الأشكال الكلاسيكية على وشك الاختفاء، لكنها لن تختفي تماماً أمام نظيراتها الرقمية، وبدلاً من ذلك، ستكون نموذجاً هجيناً، جزء منه ورقي، وجزء رقمي، وهذا من شأنه أن يلبي الأذواق المتباينة، ويساعد مجلات الأطفال على البقاء في مشهد إعلامي يزداد تحدياً».

وشدد سعد، من ثم، على عنصر التفاعل، بقوله: «دراسات عدة أثبتت أن منصّات التعلّم بالألعاب فعّالة، لأنها توفر المتعة مع تعليم الشخص التفكير النقدي ومهارات حل المشاكل... ومن شأن تزويد مجلات الأطفال العربية بأدوات تفاعلية تعليم الطفل قيماً كثيرة، من بينها التعاون ومشاركة الأفكار مع آخرين لتحقيق أهداف تنعكس على مجتمعاتهم».

يرى خبراء أن التجارب الإلكترونية لمجلات الأطفال الورقية الراسخة بأنها «محدودة» إذ تمثّل أغلبها في تعزيز الأرشيف بنسخة «بي دي إف» أما التحول الفعلي نحو الرقمنة والتفاعل فلا يزال محل سجال

مخاطر الهواتف

في المقابل، ترى الكاتبة المصرية أمل فرح، المتخصّصة في الكتابة للطفل، التي تقلّدت عدة مناصب في مجلات عربية منها مجلة «ميكي»، أن «التكنولوجيا ورقمنة محتوى الطفل سيفُقد المجلات الورقية هويتها». وتشرح أمل فرح: «صحيح، لدينا أزمة ضخمة في مجلات الأطفال، غير أن السبب ليس في شكل المجلة أو الوسيلة المستخدمة، سواء كانت نسخة ورقية أم رقمية، بل في جاذبية المحتوى، ومدى تطوره ليرضي حاجة أطفال اليوم». ثم تضيف: «على مدار العقد الماضي، بالغنا في الترويج للثقافة الإلكترونية بحجة عزوف الطفل عن القراءة، غير أنها فرضية تحتاج إلى إعادة نظر وتحليل أكثر دقة».

وهنا تدلّل أمل فرح على فرضية أن الطفل العربي لا يزال معنياً بالقراءة، مضيفة: «شهدت سلسلة كتب هاري بوتر مبيعات ضخمة، رغم تقديمها من دون رسوم أو عناصر جذب رقمية». وكذلك تدحض ربط تطوير مجلات الأطفال بضرورة الاعتماد على التكنولوجيا، بقولها: «ثمة مخاطر صحية عدة لاستخدام الهاتف الذكي والآيباد، فقد حذرت دراسات كثيرة من آثار ذلك على صحة العين والدماغ والإدراك، حتى إن بعض الدراسات أشارت إلى أن المدة المسموح بها لاستخدام الطفل الهاتف الذكي لا تتخطّى ساعة يومياً؛ ولذلك فنحن بحاجة إلى النسخة الورقية الكلاسيكية، بشرط أن تحمل بين صفحاتها أفكاراً عصرية تحترم رغبات وعقلية الطفل».

عودة إلى الدكتور سعد، فإنه لا يُعوّل على التطور التكنولوجي فقط، بل يرى أن الصحافيين وكتاب الأطفال ركيزة في التطوير، «ولتقديم محتوى جذاب للأطفال، يجب على الصحافيين والكتاب تطوير اللغة وفقاً للعمر والتجربة، والاستعانة بالرسوم التوضيحية وغيرها من العناصر المرئية المطوّرة وفقاً للتكنولوجيا، إلى جانب التفاعل، إذ يمكن لتقنيات سرد القصص -مثل تطوير الشخصيات والحبكات المثيرة- أن تعزز الاستثمار العاطفي والانتباه».


مقالات ذات صلة

«البلاتفورمز» قلبت مقاييس اللعبة الإعلامية في لبنان

إعلام جانب من الحرم الرئيس للجامعة اللبنانية (الجامعة اللبنانية)

«البلاتفورمز» قلبت مقاييس اللعبة الإعلامية في لبنان

لا تزال «مهنة المتاعب» الشغل الشاغل والوجهة الفضلى لنسبة لا يستهان بها من خريجي لبنان.

فيفيان حداد (بيروت)
إعلام رسم بياني يوضّح تراجع الإصدارات الجديدة للمواقع الإخبارية (الدراسة)

تساؤلات بشأن تراجع إطلاق مواقع إخبارية جديدة في أوروبا وأميركا

أثارت نتائج دراسة حديثة بشأن تراجع إطلاق مواقع إخبارية جديدة في أوروبا وأميركا الجنوبية والشمالية خلال العامين الماضيين، تساؤلات بشأن السبب وراء هذا التراجع

فتحية الدخاخني (القاهرة)
الولايات المتحدة​ كامالا هاريس المرشحة للانتخابات الرئاسية الأميركية عن الحزب الديمقراطي خلال حدث لجمع التبرعات للحملة الانتخابية في بيتسفيلد بولاية ماساتشوستس الأميركية 27 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

هاريس تطلق حملة إعلانية بقيمة 50 مليون دولار مخصصة للسباق الرئاسي الأميركي

أطلقت كامالا هاريس مرشحة انتخابات الرئاسة الأميركية المنتمية للحزب الديمقراطي حملة إعلانية بقيمة 50 مليون دولار، اليوم الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا صورة لشعار «بي بي سي» (فليكر)

«بي بي سي» تعتزم تسريح 500 موظف

تعتزم هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» تسريح 500 موظف بحلول نهاية مارس 2026 بعدما خفّضت عدد موظفيها بنسبة 10 % خلال السنوات الخمس الماضية

«الشرق الأوسط» (لندن)
إعلام صحف إردنية (غيتي)

«صدمات الإنعاش» لا تنعش الصحافة الورقية الأردنية

فقدت الصحافة الورقية الأردنية خلال السنوات العشر الأخيرة، صدارتها في صناعة الرأي العام المحلّي بعدما توسعت رقعة الإعلام الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي.

«الشرق الأوسط» (عمان)

«البلاتفورمز» قلبت مقاييس اللعبة الإعلامية في لبنان

جانب من الحرم الرئيس للجامعة اللبنانية (الجامعة اللبنانية)
جانب من الحرم الرئيس للجامعة اللبنانية (الجامعة اللبنانية)
TT

«البلاتفورمز» قلبت مقاييس اللعبة الإعلامية في لبنان

جانب من الحرم الرئيس للجامعة اللبنانية (الجامعة اللبنانية)
جانب من الحرم الرئيس للجامعة اللبنانية (الجامعة اللبنانية)

لا تزال «مهنة المتاعب» الشغل الشاغل والوجهة الفضلى لنسبة لا يستهان بها من خريجي لبنان. إلا أنها في المقابل، حسب تقارير رسمية، ما عادت تشهد اليوم الإقبال الكثيف الذي لها في السابق. وفي جولة سريعة، قامت بها «الشرق الأوسط» على بعض كليات الإعلام اللبنانية، تبين لنا أن نسبة الإقبال على كلية الإعلام في «الجامعة اللبنانية»، وهي الجامعة الحكومية الأساس في البلاد، تشهد تراجعاً. وبعدما كانت أعداد المتقدمين لامتحان الدخول تتراوح بين 2000 و1000 طالب في سنوات سابقة، فإن هذه النسبة لا تتعدى اليوم 600 تلميذ. وبعد خضوع الطلبة للامتحان المتبع في منهج الجامعة، يتراجع العدد إلى ما لا يتجاوز 300 طالب بفرعي الجامعة الأول والثاني.

الأمر مختلف مع جامعة سيدة اللويزة (إن دي يو)، وهي جامعة خاصة، مقرّها في محيط شمال شرقي العاصمة بيروت. ووفق إحدى الأساتذة فيها، وهي الدكتورة ماريا أبو زيد، فإن أعداد الطلاب تحافظ على نسبتها المعتادة. وتوضح أبو زيد لـ«الشرق الأوسط» قائلة: «لدينا أقسام في هذا الاختصاص، تتراوح بين الإذاعة والتلفزيون والصحافة والإعلان. أما القطاع الأكثر جذباً فهو (السوشيال ميديا). والغالبية تسعى لأن تصبح من (المؤثرين) بشكل عام».

الشهرة هدف ومسعى

أوغستينا طالبة متخرجة حديثاً من كلية الإعلام في «الجامعة اللبنانية»، تعترف خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» بأنها دخلت هذا الاختصاص سعياً وراء الشهرة. وتتابع: «كان لديّ فضول لأتعرف أكثر على هذا المجال (وزواريبه)، ولا سيما تلك الخاصة بالفن. نعم، حبّ الظهور والشهرة كانا أساسيين عندي. أنا لا أحب العمل وراء مكتب في الخفاء، كما في الصحافة المكتوبة. ولكن بعد تخرّجي تغيّرت نظرتي إلى الأمور نظراً لصعوبة إيجاد فرص عمل مواتية. وبالتالي، خفّ شغفي تجاه المهنة، وما زلت أبحث عن فرصة أستثمر فيها دراستي وأفكاري».

بعكس أوغستينا، يقول الطالب محمد العلي: «لم أفكر يوماً بالشهرة، ولا تشكل هدفاً عندي. لقد دخلت مجال الصحافة المكتوبة لأنني أحب البحث والموضوعية وإيجاد الأجوبة لكل سؤال يراودني».

تغيرت مقاييس المهنة

يتفق الأكاديميون على أن المشهد البصري يعزّز اليوم المجال الصحافي في لبنان وغيره، فيتقدم على أي اختصاص يرتبط بالإعلام. حتى الصحافة المكتوبة صارت تستعين بمقابلات وحوارات مصوّرة. وعلى الصفحات الإلكترونية من «فيسبوك» و«إنستغرام» و«تيك توك» ومواقع إلكترونية، تزداد المساحة باتجاه المشهد البصري.

وهنا يقول الدكتور علي رمال، العميد السابق لكلية الإعلام في الجامعة اللبنانية، وأحد أساتذتها اليوم، لـ«الشرق الأوسط»، إن المشهد الإعلامي كله تبدّل. ثم يشرح: «في الإعلام الحديث تغيّرت مقاييس المهنة. ثم إن حب الظهور حسّ إنساني لا يقتصر على طلاب الإعلام فقط. وفي الإعلام الحديث، تحضر فرص أكبر للظهور. وثمة نظرية اجتماعية تقول إن مَن هو غير موجود على السوشيال ميديا هو بحكم الميت. كما أن ثمة إعلاميين كُثراً عملوا في الإعلام التقليدي، لكنهم ما لبثوا أن انتقلوا إلى الحديث، فاستحدثوا صفحات ومواقع خاصة بهم... كونها توفّر لهم ما لم يكن بإمكانهم تحقيقه على الشاشة أو عبر المذياع».

الدكتور علي رمال (الشرق الأوسط)

الدكتور رمّال يرى أن حب الظهور «مسألة تتجاوز الترند... لوجود انخراط في المشهدية البصرية، وأحياناً تكون مبنية على الزيف. حتى المحتوى الذي يروّج له البعض يرتكز على التسويق. ولا شك أن ثمة دائماً أفكاراً بنّاءة عند كثيرين، لكن المشهد الطاغي هو البصري بامتياز وحب الشهرة، والمجال صار مشاعاً أمام الجميع».

الاستسهال هو السائد

من جهة ثانية، يرى إعلاميون ينتمون إلى الرعيل القديم في المهنة أن التعامل مع الجيل الجديد ينطوي على صعوبة. ويشددون على أن المشهد برمتّه اختلف، بعدما بات الهدف من ولوج هذا المجال هو مجرّد انتشار الاسم... وسط تراجع الأبعاد الثقافية والمحتوى الثري والبحث الجدي والموضوعية الضرورية. وبالفعل، يؤكد أساتذة وأكاديميون أن هذا النوع من الطلاب حاضر بنسبة كبيرة. وبالنسبة للدكتور جوزف عساف، أحد الأساتذة في كلية الإعلام في «الجامعة اللبنانية»، يمكن إيجاز المشهد العام بـ«الاستسهال». إذ يقول عساف، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، إن «هناك إغراءات يستسلمون لها، خصوصاً في موضوع تحقيق الشهرة. الإعلام تحول من مهنة متاعب إلى نوع من حب الظهور. الإعلامي في الماضي... الذي كان محصّناً بثقافة عالية ومعرفة وحب التحليل صار شبه غائب».

إعلاميون كُثر عملوا في الإعلام التقليدي لكنهم ما لبثوا أن انتقلوا إلى الحديث... فاستحدثوا صفحات ومواقع خاصة بهم

وسألناه عن دور الأساتذة، فأجاب: «نحن نحرص أن نعلّمهم حقيقة الإعلام والهدف الموضوعي منه. لأن المسألة لا يمكن اختصارها بحب الظهور. هناك عوامل أهم، كاستشفاف الأحداث والتحليل والبحث. وفي الوقت نفسه فإننا نواكب الإعلام الحديث، إذ يستحيل تجاهله أو غض النظر عنه، خاصةً أن له أيضاً إيجابياته من تقنيات وسرعة انتشار... لكن العنصرين الأخيرين لا يصنعان وحدهما المحتوى الجيد».

عساف أشار إلى أن هناك نسبة تتراوح ما بين 20 في المائة و30 في المائة من الطلبة تتجاوب مع تعاليم الأساتذة والقواعد الأساسية للإعلام، في حين يتلهى الباقون في القشور وفي استسهال المهنة وأهدافها. واختتم كلامه بالقول: «لا نستطيع أن نغلب العصر ونتجاوزه... وأيضاً لا نمشي عكس التيار، لكننا نواكبه بأسس الإعلام الحقيقي».

من جانب آخر، يرى محمد شريتح، مدير مكتب تلفزيون «دي واي» الألماني في بيروت، أن المنصات الإلكترونية (البلاتفورمز) نسفت القواعد الأساسية للإعلام التقليدي. وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، عندما التقيناه: «من خلال تجربتي المهنية وتعاوني مع طلاب إعلام تخرجوا حديثاً، لفتت انتباهي أمور كثيرة».

محمد شريتح (الشرق الأاوسط)

وأضاف: «من أهم هذه الأمور كسرهم قواعد أساسية تعلمناها في دراستنا الجامعية. هذا التراخي الذي يعتمدونه في ممارستهم عملهم تحوّل إلى أسلوب إعلامي جديد. وهنا مثلاً كان ممنوعاً علينا أن نقدّم تقريراً مصوراً يتخلله (الجامب كت)، وهو ما يعني القطع المفاجئ لكلام الضيف والانتقال إلى صورة أخرى تكراراً. إذ ما تعلّمناه في صناعة المحتوى المصوّر ضرورة تحاشي إبراز عملية (المونتاج)... وحسب رأيي، فإن المنّصات والمواقع الإلكترونية ولّدت أسلوب عمل صحافياً مختلفاً. صحيح أنني لا أستطيع أن أسميه أسلوباً خاطئاً، لكونه منتشراً بشكل كبير، لكنّ هناك لغة إعلامية مختلفة استحدثت على الساحة اليوم... وهي لا تشبه بتاتاً ما درسناه في مدرسة الإعلام التقليدي».