تساؤلات بشأن ازدياد اعتماد «مؤثري» مواقع التواصل مصدراً للأخبار

شعار "إنستغرام"
شعار "إنستغرام"
TT

تساؤلات بشأن ازدياد اعتماد «مؤثري» مواقع التواصل مصدراً للأخبار

شعار "إنستغرام"
شعار "إنستغرام"

مرة أخرى يعود الجدل بشأن دور المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الأخبار، لا سيما مع ازدياد اعتماد الجمهور عليهم مصدراً للمعلومات، الأمر الذي أثار تساؤلات عدة بشأن تأثير ذلك في وسائل الإعلام، وفي صدقية المعلومات. وأفاد خبراء التقتهم «الشرق الأوسط» بأن اعتماد المؤثرين مصادر للأخبار له آثار سلبية في وسائل الإعلام، وفي موثوقية الأخبار، إلا أنهم في الوقت ذاته أشاروا إلى إمكانية الاستفادة منهم في نشر المحتوى، والوصول إلى شرائح مجتمعية أصغر سناً.

يذكر أن «معهد رويترز لدراسات الصحافة» كشف، في تقريره الذي نشره أخيراً حول الإعلام الرقمي، عن نمو الاعتماد على مؤثّري مواقع التواصل الاجتماعي، مصدراً للأخبار. وقال إن «بعض الحسابات والأفراد بات لهم دور متزايد في السياسة، ومجموعة من الموضوعات الأخرى». ووفق التقرير فإن «وسائل الإعلام تواجه تحدّيات كبيرة من قبل مجموعة من المؤثرين والمبدعين على منصات التواصل (تيك توك)، و(إنستغرام)، و(يوتيوب)، الذين باتوا مصدراً للأخبار والمعلومات، بالنسبة لجمهور تلك المنصات». وفي المقابل، التقرير تطرق إلى أن «الوضع مختلف على منصتَي (فيسبوك)، و(إكس)، حيث لا يزال الصحافيون ووسائل الإعلام يحتفظون بالأفضلية فيما يتعلق بالأخبار».

الدكتور أشرف الراعي، الكاتب الصحافي الأردني والخبير القانوني المختص بالجرائم الإلكترونية وتشريعات الإعلام، قال في حوار مع «الشرق الأوسط» حول هذه المسالة إن «الثورة الرقمية أنتجت جيلاً من صنّاع المحتوى الذين أصبحوا يمارسون دور وسائل الإعلام التقليدية... وهذا الأمر أصبح ظاهرة عالمية تتوجب معالجتها تشريعياً؛ كي لا يحدث انفلات في المضمون والمحتوى».

ولفت الراعي إلى «التأثير السلبي لظاهرة الاعتماد على المؤثرين في وسائل الإعلام واستمراريتها بوصفها قطاعاً استراتيجياً... ما يحتم العمل على إنقاذ وسائل الإعلام من تغوّل صناع المحتوى، والمؤثرين»، على حد تعبيره.

كذلك لفت الكاتب والخبير الأردني إلى «ضرورة ضبط حالة الانفلات التي يشهدها الواقع الإعلامي مع انتشار المنصات الرقمية، ومواقع التواصل الاجتماعي، وكيانات الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، وغيرها الكثير، ولكن بشرط ألا يؤثر ذلك في حرية التعبير». وأردف: «عديدة هي المؤسسات الإعلامية التي فقدت دورها، وفقد الصحافيون والإعلاميون عملهم؛ لأن المتابعات أصبحت تذهب لحفنة من صُنّاع المحتوى الذين يبحثون عن التريند، من دون البحث في قانونية ما ينشرون أو حتى تماشيه مع المبادئ الأخلاقية».

وللعلم، رصد تقرير «معهد رويترز لدراسات الصحافة» تأثير المؤثرين في 5 دول هي: الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، والأرجنتين، والبرازيل، محلّلاً منصّات التواصل «الأكثر شعبية»، وهي «فيسبوك»، و«إكس»، و«إنستغرام»، و«سناب تشات»، و«تيك توك»، و«يوتيوب». وأظهرت النتائج «اعتماد الجمهور بشكل أكبر على المؤثرين وحسابات المشاهير على منصات التواصل الاجتماعي على أنها مصادر موثوقة للمعلومات، لا سيما فيما يتعلق بالفن والموسيقى، والرياضة، والطعام، واللياقة البدنية، والأزياء، والسفر».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، أكد لـ«الشرق الأوسط» خلال لقائنا معه أن «المؤثرين أصبحوا أمراً واقعاً وعنصراً أساسياً في إيصال المحتوى، من أخبار ومعلومات». وأرجع هذا لأسباب عدة منها: الأول أن الجمهور، يفضّل أن يتلقى الأخبار عن طريق أشخاص يستطيع أن يرى وجوههم وتعابيرهم، وليس فقط عبر نصوص أو صور أو حتى فيديوهات دون أشخاص تخاطب المشاهد مباشرة. والثاني هو محاربة منصات التواصل خلال السنوات الأخيرة للروابط الإخبارية. وثمة سبب ثالث مهم هو أن للمؤثرين جمهوراً مختلفاً عن الجمهور التقليدي للمؤسسة الإعلامية، ما يتيح للمؤسسة الوصول إلى شريحة أوسع من المتابعين.

وبالتالي، يرى كيالي أن زيادة الاعتماد على المؤثّرين وصُنّاع المحتوى «تؤثّر سلباً في وسائل الإعلام، لا سيما إذا ما لجأت إليهم لترويج محتواها. وغالبية المؤسسات الإعلامية تغدو محكومة بطريقة عرض المحتوى عن طريق المؤثر، الذي تعاقدت معه للترويج لما تنشره، ما يمكن أن يؤثر سلباً في علامتها التجارية». ويضيف أن «المؤسسات الإعلامية يمكن أن تقع في فخ أن مَن يتابعها الآن فهو يتابعها بسبب هذا المؤثر، وعندما ينتهي التعاقد بينهما تصبح في ورطة من ناحية النتائج والأرقام».

مع هذا، ورغم التأثير السلبي، فإن كيالي لا يرفض مبدأ التعاون بين الإعلام والمؤثرين، حيث يعدّهم «قيمة مضافة لوسائل الإعلام، لا سيما أن لهم متابعين يمكن للمؤسسات الإعلامية الاستفادة منهم في توسيع قاعدتها الجماهيرية، كما قد يسهمون في جذب الفئات العمرية الصغيرة، التي يصعب جذبها بشكل مباشر». إذ يوضح: «يحظى المؤثرون بتأثير خاص في متابعيهم، وهو ما يتيح استغلالهم في طرح قضايا اجتماعية أو سياسية مهمة، أو في تبسيط محتوى الأخبار، ونشرها... والمهم هنا كيفية الاستفادة من الإيجابيات، ومحاولة تجنب السلبيات».



كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
TT

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)

سواء في الحرب الروسية - الأوكرانية، أو الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط راهناً، لعب الإعلام دوراً مثيراً للجدل، وسط اتهامات بتأطير مخاتل للصراعات، وصناعة سرديات وهمية.

هذا الدور ليس بجديد على الإعلام، حيث وثَّقته ورصدته دراسات دولية عدة، «فلطالما كانت لوسائل الإعلام علاقة خاصة بالحروب والصراعات، ويرجع ذلك إلى ما تكتسبه تلك الحروب من قيمة إخبارية بسبب آثارها الأمنية على الجمهور»، حسب دراسة نشرتها جامعة كولومبيا الأميركية عام 2000.

الدراسة أوضحت أن «الصراع بمثابة الأدرينالين في وسائل الإعلام. ويتم تدريب الصحافيين على البحث عن الخلافات والعثور على الحرب التي لا تقاوم. وإذا صادفت وكانت الحرب مرتبطة بهم، يزداد الحماس لتغطيتها».

لكنَّ الأمر لا يتعلق فقط بدور وسائل الإعلام في نقل ما يدور من أحداث على الأرض، بل بترويج وسائل الإعلام لروايات بعضها مضلِّل، مما «قد يؤثر في مجريات الحروب والصراعات ويربك صانع القرار والمقاتلين والجمهور والمراقبين»، حسب خبراء وإعلاميين تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، وأشاروا إلى أن «الإعلام في زمن الحروب يتخندق لصالح جهات معينة، ويحاول صناعة رموز والترويج لانتصارات وهمية».

يوشنا إكو

حقاً «تلعب وسائل الإعلام دوراً في الصراعات والحروب»، وفق الباحث الإعلامي الأميركي، رئيس ومؤسس «مركز الإعلام ومبادرات السلام» في نيويورك، يوشنا إكو، الذي قال إن «القلم أقوى من السيف، مما يعني أن السرد حول الحروب يمكن أن يحدد النتيجة».

وأشار إلى أن قوة الإعلام هي الدافع وراء الاستثمار في حرب المعلومات والدعاية»، ضارباً المثل بـ«الغزو الأميركي للعراق الذي استطاعت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش تسويقه للرأي العام الأميركي باستخدام وسائل الإعلام».

وأضاف إكو أن «وسائل الإعلام عادةً ما تُستخدم للتلاعب بسرديات الحروب والصراعات للتأثير في الرأي العام ودفعه لتبني آراء وتوجهات معينة»، مشيراً في هذا الصدد إلى «استخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسائل الإعلام لتأطير الحرب ضد أوكرانيا، وتصويرها على أنها عملية عسكرية وليست حرباً».

لكنَّ «الصورة ليست قاتمة تماماً، ففي أحيان أخرى تلعب وسائل الإعلام دوراً مناقضاً»، حسب إكو، الذي يشير هنا إلى دور الإعلام «في تشويه سمعة الحرب الأميركية في فيتنام مما أجبر إدارة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون على الاعتراف بالخسارة ووقف الحرب».

وبداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عُقدت الحلقة الدراسية الإعلامية الدولية الثلاثية للأمم المتحدة حول السلام في الشرق الأوسط بجنيف، لبحث التحديات في متابعة «حرب غزة». وأشارت المناقشات إلى «تأطير الإعلام إسرائيل على أنها بطل للرواية، حيث تكون إسرائيل هي الأخيار وفلسطين وحماس الأشرار»، ولفتت المناقشات إلى أزمة مماثلة خلال تغطية الحرب الروسية - الأوكرانية. وقالت: «من شأن العناوين الرئيسية في التغطية الإعلامية أن تترك المرء مرتبكاً بشأن الوضع الحقيقي على الأرض، فلا سياق للأحداث».

ستيفن يونغبلود

وهنا، يشير مدير ومؤسس «مركز صحافة السلام العالمية» وأستاذ الإعلام ودراسات السلام في جامعة بارك، ستيفن يونغبلود، إلى أن «الصحافيين يُدفعون في أوقات الحروب إلى أقصى حدودهم المهنية والأخلاقية». وقال: «في هذه الأوقات، من المفيد أن يتراجع الصحافي قليلاً ويأخذ نفساً عميقاً ويتمعن في كيفية تغطية الأحداث، والعواقب المترتبة على ذلك»، لافتاً في هذا الصدد إلى «صحافة السلام بوصفها وسيلة قيمة للتأمل الذاتي». وأضاف أن «الإعلام يلعب دوراً في تأطير الحروب عبر اعتماد مصطلحات معينة لوصف الأحداث وإغفال أخرى، واستخدام صور وعناوين معينة تخدم في العادة أحد طرفي الصراع».

وتحدث يونغبلود عن «التباين الصارخ في التغطية بين وسائل الإعلام الغربية والروسية بشأن الحرب في أوكرانيا»، وقال إن «هذا التباين وحرص موسكو على نشر سرديتها على الأقل في الداخل هو ما يبرر تأييد نحو 58 في المائة من الروس للحرب».

أما على صعيد «حرب غزة»، فيشير يونغبلود إلى أن «أحد الأسئلة التي كانت مطروحة للنقاش الإعلامي في وقت من الأوقات كانت تتعلق بتسمية الصراع هل هو (حرب إسرائيل وغزة) أم (حرب إسرائيل وحماس)؟». وقال: «أعتقد أن الخيار الأخير أفضل وأكثر دقة».

ويعود جزء من السرديات التي تروجها وسائل الإعلام في زمن الحروب إلى ما تفرضه السلطات عليها من قيود. وهو ما رصدته مؤسسة «مراسلون بلا حدود»، في تقرير نشرته أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أشارت فيه إلى «ممارسة إسرائيل تعتيماً إعلامياً على قطاع غزة، عبر استهداف الصحافيين وتدمير غرف الأخبار، وقطع الإنترنت والكهرباء، وحظر الصحافة الأجنبية».

خالد القضاة

الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، خالد القضاة، يرى أن «الدول والمنظمات التي تسعى لفرض الإرادة بقوة السلاح، عادةً ما تبدأ حروبها بالإعلام». وأوضح أن «الإعلام يُستخدم لتبرير الخطوات المقبلة عبر تقديم سرديات إما مشوَّهة وإما مجتزَأة لمنح الشرعية للحرب».

وقال: «في كثير من الأحيان تُستخدم وسائل الإعلام للتلاعب بالحقائق والشخوص وشيطنة الطرف الآخر وإبعاده عن حاضنته الشعبية»، وأشار إلى أن ذلك «يكون من خلال تبني سرديات معينة والعبث بالمصطلحات باستخدام كلمة عنف بدلاً من مقاومة، وأرض متنازع عليها بدلاً من محتلة».

وأضاف القضاة أن «تأطير الأحداث يجري أيضاً من خلال إسباغ سمات من قبيل: إرهابي، وعدو الإنسانية، على أحد طرفَي الصراع، ووسم الآخر بـ: الإصلاحي، والمدافع عن الحرية، كل ذلك يترافق مع استخدام صور وعناوين معينة تُسهم في مزيد من التأطير»، موضحاً أن «هذا التلاعب والعبث بسرديات الحروب والصراعات من شأنه إرباك الجمهور والرأي العام وربما التأثير في قرارات المعارك ونتائجها».

ولفت إلى أنه «قياساً على الحرب في غزة، يبدو واضحاً أن هذا التأطير لتغليب السردية الإسرائيلية على نظيرتها في الإعلام الغربي». في الوقت نفسه أشار القضاة إلى «إقدام الإعلام على صناعة رموز والحديث عن انتصارات وهمية وزائفة في بعض الأحيان لخدمة سردية طرف معين، وبث روح الهزيمة في الطرف الآخر».

منازل ومبانٍ مدمَّرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة (إ.ب.أ)

كان «مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية» قد أشار في تقرير نشره في ديسمبر (كانون الأول) 2023، إلى أن «اللغة التحريضية لتغطية وسائل الإعلام الأميركية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تؤثر في تصور المجتمعات المختلفة بعضها لبعض ويمكن أن تكون سبباً لأعمال الكراهية». وأضاف: «هناك تحيز في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بهدف إثارة رد فعل عاطفي، بدلاً من تقديم رؤية حقيقية للأحداث».

حسن عماد مكاوي

عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة، الدكتور حسن عماد مكاوي، يرى أن «توظيف الدول وأجهزة الاستخبارات لوسائل الإعلام أمر طبيعي ومتعارف عليه، لا سيما في زمن الحروب والصراعات». وقال إن «أحد أدوار الإعلام هو نقل المعلومات التي تؤثر في اتجاهات الجماهير لخدمة أهداف الأمن القومي والسياسة العليا». وأضاف أن «وسائل الإعلام تلعب هذا الدور بأشكال مختلفة في كل دول العالم، بغضّ النظر عن ملكيتها، وانضمت إليها حديثاً وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يجري توظيف شخصيات تبدو مستقلة للعب نفس الدور ونقل رسائل الدولة أو الحكومة».

وأشار مكاوي إلى أن «هذه العملية لا تخلو من ترويج الشائعات ونشر أخبار مضللة، والتركيز على أمور وصرف النظر عن أخرى وفق أهداف محددة مخططة بالأساس». وضرب مثلاً بـ«حرب غزة» التي «تشهد تعتيماً إعلامياً من جانب إسرائيل لنقل رسائل رسمية فقط تستهدف تأطير الأحداث في سياق معين».