لماذا يتجنب بايدن إجراء المقابلات الإعلامية المطوّلة؟

اتهم «النيويورك تايمز» بـ«انعدام التوازن»

من لقاء بايدن مع "الأسوشييتد برس" (آ ب)
من لقاء بايدن مع "الأسوشييتد برس" (آ ب)
TT

لماذا يتجنب بايدن إجراء المقابلات الإعلامية المطوّلة؟

من لقاء بايدن مع "الأسوشييتد برس" (آ ب)
من لقاء بايدن مع "الأسوشييتد برس" (آ ب)

ستة أشهر من الآن، هي المدة التي تفصل الولايات المتحدة عن موعد انتخابات رئاسة الجمهورية، التي يعدّها معسكرا السباق الأهم في تاريخ البلاد.

الديمقراطيون يقولون إنها «أهم انتخابات للديمقراطية الأميركية منذ 150 سنة»، بينما يعدّها الجمهوريون «الفرصة الأخيرة لاستعادة عظمة أميركا». وفي قلب هذا الجدال، تقف الصحافة الأميركية ووسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، على ضفتي الانقسام السياسي، الذي يراه البعض «ميزة» ليست متاحة سوى في أميركا.

سن بايدن... ومعاقبة «النيويورك تايمز»!

التعامل مع وسائل الإعلام وتصنيفها واستخدامها في إيصال الرسائل إلى الجمهور، طرأ عليها كثير من التغييرات، سواءً من قبل الرئيس الأميركي جو بايدن وحملته الانتخابية، أو من منافسه الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب وحملته.

وبعدما كانت صحيفة «النيويورك تايمز»، الأكثر شهرة والأوسع انتشاراً في البلاد، تعد من أبرز الصحف الليبرالية «الصديقة» عموماً للديمقراطيين، ها هي الآن في مرمى النيران «الصديقة» نفسها. والسبب، بحسب فريق بايدن، هو تغطيتها «غير المتوازنة» للرئيس منذ 5 سنوات وحتى الآن.

والتهم هنا تبدأ من تركيزها على أخبار ابنه هانتر بايدن، وتغطيتها «التفاضلية» لمرشحي «التيار التقدمي» خلال دورة الانتخابات التمهيدية عام 2019. ولا تنتهي مع رفضها تعديل تغطيتها حول سنّه، والتركيز على أعداده المنخفضة في استطلاعات الرأي، وطمسها اللاتماثل بينه وبين ترمب عند تناول عيوبهما والتزاماتهما المختلفة بالمبادئ الديمقراطية، وكل هذه أمور تسببت في إحباط الرئيس وكبار مساعديه.

ومن ثم، عقاباً للصحيفة، أزال البيت الأبيض العام الماضي جميع مراسليها من قائمة «المستوى الأول» في بريده الإلكتروني، الذين عادة ما يحصلون على معلومات أساسية، بما فيها تسريبات خاصة حول الإحاطات المختلفة، لمدة 11 شهراً، بحسب تقرير لموقع «بوليتيكو» الإخباري.

وعلى الرغم من إعادة مراسلي «النيويورك تايمز» إلى القائمة قبل أشهر قليلة، فإن واقعة نشر الصحيفة أخيراً تعليقاً عن مصدر، سمّته بالاسم، حول سحب إدارة بايدن مرشحها لقيادة إدارة الطيران الفيدرالية، يلقي فيه المصدر باللوم على «الهجمات الجمهورية التي لا أساس لها»، جدّدت التراشق بين البيت الأبيض والصحيفة. كذلك بعد نشر «بوليتيكو» تقريرها، الذي قالت إنها استقته من مصادر من الطرفين حول أسباب الخلافات العميقة بينهما، قامت الدنيا ولم تقعد.

ترمب (رويترز)

رد لاذع على البيت الأبيض

«النيويورك تايمز» أيضاً أصدرت يوم 25 أبريل (نيسان) الماضي، بياناً لاذعاً انتقدت فيه الرئيس بايدن لتجنّبه إجراء مقابلات إعلامية خاصة، وعدّت ذلك «سابقة خطيرة» لأنه في رأيها «قد يستخدمها الرؤساء المستقبليون لتجنب التدقيق والمساءلة». ومن جانبهم، انتقد الليبراليون الصحيفة تسليطها الضوء على قضايا يقولون إنها لا تتناسب مع ما يعدّونه تهديداً حقيقياً للديمقراطية الأميركية، بعد نشر تقرير «بوليتيكو».

جدير بالذكر أن بايدن ما زال يحجِم عن إجراء مقابلات خاصة ومباشرة مع وسائل الإعلام الرئيسية، وذلك منذ أكثر من ثلاث سنوات، باستثناء مقابلتين فقط أجراهما مع وكالة «الأسوشييتد برس» ومجلة «النيويوركر». ونقلت «بوليتيكو» عن مصدرين مطلعين على وجهة نظر ناشر «النيويورك تايمز»، آرثر سولزبرغر، قوله، إن مقابلة مع صحيفة مثل صحيفته، هي وحدها القادرة على التحقّق من أن بايدن البالغ من العمر 81 سنة لا يزال مؤهلاً لتولي الرئاسة. كذلك أعرب سولزبرغر عن مخاوفه من أن إجراء بايدن عدداً قليلاً من المقابلات مع مراسلين ذوي خبرة قد يشكل سابقة خطيرة للإدارات المقبلة، علماً بأنه شخصياً شارك في عدة مقابلات صحافية مع ترمب، على الرغم من انتقاداته الحادة للصحيفة. ورأى سولزبرغر أنه «إذا كان ترمب قادراً على فعل ذلك، فيمكن لبايدن أن يفعل ذلك أيضاً».

وهكذا، في حين كشف الخلاف عن هوّة ومخاوف «مشروعة» بين الجانبين، فإنه أوضح أيضاً الدور الحيوي الذي لا تزال تلعبه الصحافة المكتوبة في المعارك الدائرة بين الحزبين المهيمنين على السياسة الأميركية، وخاصة، أن المرشحَين الأساسيين، بايدن وترمب، ما زالا يعتمدان عليها لمعرفة ما الذي يجري في العالم.

هانيتي (رويترز)

ترمب يغير عاداته الإعلامية

على صعيد آخر، وعلى الرغم من أن تجربة الرئيس بايدن السياسية تفوق الـ50 سنة، لا يُعرف عنه أنه يمتلك «عادات» إعلامية، في حين أن ترمب يعد خبيراً في هذا المجال. ووفق «بوليتيكو»، كان لدى الرئيس الجمهوري السابق دائماً علاقة تكافلية بوسائل الإعلام، حتى من قبل أن يصبح رئيساً. لا بل عزز منصبه من مهاراته الإعلامية ومن قدرته على تغذية الصحف الشعبية بأخباره، مستخدماً معرفته في التأثير على الروايات الإخبارية لتحويل الانتباه وتشتيته. وحتى عندما كان ترمب يهاجم ما يصفها بـ«الأخبار المزيفة»، فإنه كان مهووساً بالطريقة التي تصوّره بها الصحافة، وكان يتتبّع تقييمات التلفزيون وتغطية القنوات التلفزيونية من كثب.

لكن الآن، ومع ترشح ترمب الثالث في سباق الرئاسة، بدا أن تعامله مع الإعلام اختلف عما كان عليه في السابق. وبعدما كان يركّز على استخدام منصة «تويتر» (إكس)، الآن، نراه يركز راهناً على منصّته الخاصة «تروث سوشال» التي يتابعها جمهور «ماغا» (لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى) مع نحو 7 ملايين متابع.

ثم إنه على الرغم من احتفاظ ترمب بعلاقة ما بمحطة «فوكس نيوز» التي صار يطلق عليها لقب «أعدقاء»، بسبب صداقته مع المذيع المحافظ شون هانيتي، والاستعاضة عن تاكر كارلسون بالمُضيف جيسي واترز، وأيضاً متابعته لبعض برامجها الأكثر شعبية، احتلت قناة «وان أميركا نيوز» (أون) اليمينية المتشددة وستيف بانون موقع الصدارة في تتبعه للأخبار، إلى جانب عشرات المواقع الإخبارية اليمينية والبودكاست التي تستهدف الشباب خصوصاً.

ترمب يفضل الصحافة المكتوبة

مع هذا، تقول «بوليتيكو» إن ترمب لم يغيّر أهم عاداته... أي قراءة الصحف المطبوعة، لا بل لا يزال يفضل الإمساك بتلخيصات الأخبار الورقية، مضافة إليها تسجيلات عن برامجه الإخبارية المفضلة. وهو حالياً يتابع ما يكتبه كبار المراسلين عنه، ويحب مراسلي «النيويورك تايمز» - كما يقول - عندما «يكونون جيدين» و«يكرههم عندما يكونون سيئين»، وينتبه إلى العناوين والصور المرفقة. وفي منزله بولاية فلوريدا، ما زال ترمب يحصل على النسخة الورقية من صحيفتي «النيويورك تايمز» و«النيويورك بوست».

بجانب ذلك، مع استخدام ترمب منصّته «تروث سوشال»، صارت روابط افتتاحيات العديد من الصحف متاحة عليها، ولا سيما اليمينية منها، كـ«الوول ستريت جورنال» و«الديلي ميل» و«فوكس نيوز ديجيتال» و«النيويورك بوست» و«بريتبارت» و«الواشنطن إكزامينر» و«الديلي كولر» و«نيوز ماكس». وعندما يتناسب المقال مع سرديته، فإنه لا يتوانى عن نشره حتى ولو جاء من «صحيفة معادية». وكان قد نشر في الآونة الأخيرة افتتاحية «الواشنطن بوست» حول محاكمته الجارية في نيويورك بقضية «أموال الصمت»، للكاتبة الليبرالية جداً والمعارضة بشدة له، روث ماركوس، أعربت فيها عن مخاوفها بشأن السابقة التي يمكن أن تشكلها هذه القضية.

وأخيراً، على الرغم من أن الرئيس السابق يلصق ببعض وسائل الإعلام لقب «الأخبار المزيفة»، فإنه يحتفظ بعلاقات مديدة بالمراسلين والمذيعين الذين يملكون رقم هاتفه، وهو دائماً ما يحتفظ لنفسه بحقه في الكشف عما يريد تسريبه للإعلام، ومتى، وكيف. وهذا ما حصل عندما كان رئيس مجلس النواب السابق كيفين مكارثي يجهد للحصول على تأييده في أوائل عام 2023. وبعد ساعات عصيبة سببتها إجابته المُبهمة عن مصير مكارثي - حين قال لأحد المذيعين «سنرى ماذا سيحدث» - قام بنفسه بنشر دعمه له على منصته «تروث سوشال».



كيف تؤثر زيادة الإنفاق على إعلانات الفيديو في اتجاهات الناشرين؟

شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
TT

كيف تؤثر زيادة الإنفاق على إعلانات الفيديو في اتجاهات الناشرين؟

شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)

أثارت بيانات عن ارتفاع الإنفاق الإعلاني على محتوى الفيديو عبر الإنترنت خلال الربع الأول من العام الحالي، تساؤلات حول اتجاهات الناشرين في المرحلة المقبلة، لا سيما فيما يتعلق بتوجيه الطاقات نحو المحتوى المرئي بغرض تحقيق الاستقرار المالي للمؤسسات، عقب تراجع العوائد المادية التي كانت تحققها منصات الأخبار من مواقع التواصل الاجتماعي.

مؤسسة «لاب» LAB، وهي هيئة بريطانية معنية بالإعلانات عبر الإنترنت، كانت قد نشرت بيانات تشير إلى ارتفاع الإنفاق الإعلاني على الفيديو في بريطانيا خلال الربع الأول من عام 2024، وقدّر هذا النمو بنحو 26 في المائة مقارنة بالتوقيت عينه خلال العام الماضي، حين حققت الإعلانات عبر الفيديو عوائد مالية وصلت إلى 4.12 مليار جنيه إسترليني داخل المملكة المتحدة وحدها. وتتوقّع بيانات الهيئة استمرار النمو في عوائد الإعلانات في الفيديو حتى نهاية 2024، وقد يمتد إلى النصف الأول من 2025.

مراقبون التقتهم «الشرق الأوسط» يرون أن هذا الاتجاه قد ينعكس على خطط الناشرين المستقبلية، من خلال الدفع نحو استثمارات أوسع في المحتوى المرئي سواءً للنشر على المواقع الإخبارية أو على «يوتيوب» وغيره من منصّات «التواصل».

إذ أرجع الدكتور أنس النجداوي، مدير جامعة أبوظبي ومستشار التكنولوجيا لقناتي «العربية» و«الحدث»، أهمية الفيديو إلى أنه بات مرتكزاً أصيلاً لنجاح التسويق الرقمي. وحدّد من جانبه طرق الاستفادة من الفيديو لتحقيق عوائد مالية مثل «برامج شركاء (اليوتيوب) التي يمكن للناشرين من خلالها تحقيق أرباح من الإعلانات المعروضة في فيديوهاتهم».

وعدّد النجداوي مسالك الربح بقوله: «أيضاً التسويق بالعمولة عن طريق ترويج منتجات أو خدمات من خلال الفيديوهات والحصول على عمولة مقابل كل عملية بيع عبر الروابط التي تُدرج في هذه الفيديوهات... أما الطريقة الأخرى - وهي الأبرز بالنسبة للناشرين - فهي أن يكون المحتوى نفسه حصرياً، ويٌقدم من قبل مختصين، وكذلك قد تقدم المنصة اشتراكات شهرية أو رسوم مشاهدة، ما يوفر دخلاً مباشراً».

ومن ثم حدد النجداوي شروطاً يجب توافرها في الفيديو لتحقيق أرباح، شارحاً: «هناك معايير وضعتها منصات التواصل الاجتماعي لعملية (المونتايزيشن)؛ منها أن يكون المحتوى عالي الجودة من حيث التصوير والصوت، بحيث يكون جاذباً للمشاهدين، أيضاً مدى توفير خدمات تفاعلية على الفيديو تشجع على المشاركة والتفاعل المستمر. بالإضافة إلى ذلك، الالتزام بسياسات المنصة».

ورهن نجاح اتجاه الناشرين إلى الفيديو بعدة معايير يجب توفرها، وأردف: «أتوقع أن الجمهور يتوق إلى معلومات وقصص إخبارية وأفلام وثائقية وتحليلات مرئية تلتزم بالمصداقية والدقة والسرد العميق المفصل للأحداث، ومن هنا يمكن للناشرين تحقيق أرباح مستدامة سواء من خلال الإعلانات أو الاشتراكات».

في هذا السياق، أشارت شركة الاستشارات الإعلامية العالمية «ميديا سينس» إلى أن العام الماضي شهد ارتفاعاً في استثمارات الناشرين البارزين في إنتاج محتوى الفيديو، سواء عبر مواقعهم الخاصة أو منصّات التواصل الاجتماعي، بينما وجد تقرير الأخبار الرقمية من «معهد رويترز لدراسة الصحافة» - الذي نشر مطلع العام - أن الفيديو سيصبح منتجاً رئيسياً لغرف الأخبار عبر الإنترنت، وحدد التقرير الشباب بأنهم الفئة الأكثر استهلاكاً للمحتوى المرئي.

من جهة ثانية، عن استراتيجيات الاستقرار المالي للناشرين، أوضح أحمد سعيد العلوي، رئيس تحرير «العين الإخبارية» وشبكة «سي إن إن» الاقتصادية، أن العوائد المالية المستدامة لن تتحقق بمسلك واحد، بل إن ثمة استراتيجيات يجب أن تتضافر في هذا الشأن، وأوضح أن «قطاع الإعلام يواجه تغيّرات سريعة مع تزايد المنافسة بين المنصّات الرقمية وشركات التكنولوجيا الكبرى مثل (ميتا) و(غوغل) وغيرهما، كما تواجه هذه السوق تحدّيات كبيرة تتعلق بالاستقرار المالي واستقطاب المستخدمين، فلم يعد الاعتماد على نماذج الدخل التقليدية (سائداً)... وهو ما يفرض على وسائل الإعلام البحث عن طرق جديدة لتوفير الإيرادات وتقديم محتوى متميز يجذب الجمهور».

كذلك، أشار العلوي إلى أهمية الاعتماد على عدة استراتيجيات لضمان الاستقرار المالي لمنصات الأخبار. وعدّ المحتوى المرئي والمسموع إحدى استراتيجيات تحقيق الاستقرار المالي للناشرين، قائلاً: «لا بد من الاستثمار في المحتوى المرئي والمسموع، سواءً من خلال الإعلانات المُدمجة داخل المحتوى، أو الاشتراكات المخصصة للبودكاست والبرامج الحصرية، لكن التكيّف مع التغيرات السريعة في سوق الإعلام يدفع وسائل الإعلام لتطوير وتنويع مصادر دخلها، لتشمل عدة مسارات من بينها الفيديو».