هل يوسّع التنوّع السياسي قاعدة مشاهدي القنوات الأميركية؟

شبكات الكابل منقسمة وجمهورها يصغي كل ليلة إلى ما يؤكد وجهات نظره

رونا ماكدانيال (رويترز)
رونا ماكدانيال (رويترز)
TT

هل يوسّع التنوّع السياسي قاعدة مشاهدي القنوات الأميركية؟

رونا ماكدانيال (رويترز)
رونا ماكدانيال (رويترز)

حافز تحقيق «الربح» في إعلام يديره القطاع الخاص ما عاد يترك مجالاً كبيراً للمناورة بعدما دخل سباق الرئاسة الأميركية مرحلة متقدمة واضعاً الناخبين أمام تحدّي البدء في حسم خياراتهم السياسية، قفز إلى الواجهة مجدداً الحديث عن دور وسائل الإعلام الأميركية، التي كانت ولا تزال، تلعب دوراً رئيسياً في التأثير على آرائهم.

شعار "سي إن إن" (رويترز)

وعلى الرغم من كون سباق هذا العام، مباراة إعادة بين الرئيس جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترمب، فإنه يطرح تحديات، ليس فقط على المؤسستين السياسيتين، الديمقراطية والجمهورية، بل وعلى وسائل الإعلام نفسها. ذلك أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن لدى الناخبين آراء سلبية من كلا المرشحين، ويحملونهما المسؤولية عن تكثيف حالتي الانقسام والاستقطاب السياسي اللتين تعيشهما البلاد. وأمام التهديد الذي قد تمثله أحجام المستقلين الذين يحسمون عادة السباق عن المشاركة في التصويت، تتجه الانتخابات لتكون معركة سياسية قاسية بين الحزبين، لحض جمهورهما على الالتزام الصارم بالتصويت يوم الانتخابات، تفادياً لخسارة أي صوت، لا سيما في الولايات المتأرجحة.

عصيان ضد ماكدانيال

في المقابل، وفي ظل الحملات المستمرة التي نجحت في التشكيك بنزاهتها وصدقيتها، بدا أن وسائل الإعلام الرئيسية عازمة على إعطاء الأميركيين «العاديين» الأسباب الكافية للابتعاد عنها. وكان آخرها إقدام شبكة «إن بي سي نيوز»، المحطة الشقيقة لشبكة «إم إس إن بي سي»، على تعيين رونا ماكدانيال، الرئيسة السابقة للجنة الوطنية للحزب الجمهوري، معلقة سياسية، ثم إنهاء عقدها بعد 3 أيام فقط إثر ما عُد «عصياناً» من صحافيي برامج المحطة ومقدميها... ضد توظيفها.

كثير من المحللين والمراقبين يرون أن الضغط الذي تتعرّض له وسائل الإعلام الأميركية نتيجة الاستقطاب السياسي الحاد، فرض على كثير منها الترويج لمقولة «تقديم وجهة نظر أخرى» بهدف «التوازن»، وتوخياً لتوسيع قاعدة المشاهدين، وذلك بعدما أظهرت استطلاعات الرأي تناقص أعدادهم وانفضاضهم عن متابعة برامجها السياسية.

ورغم احتفاظ وسائل الإعلام الأميركية المحسوبة على الليبراليين باليد العليا في الهيمنة على الفضاء الإعلامي، يبدو أن حافز تحقيق «الربح» في إعلام يديره القطاع الخاص، لا يترك مجالاً كبيراً للمناورة... بينما تتقدم أرقام محطات وشبكات حديثة العهد في استقطاب «المشاهدين الغاضبين».

شعار"إن بي سي نيوز" (رزيترز)

وغنيٌّ عن القول هنا أن محطات «سي إن إن» و«فوكس نيوز» و«إيه بي سي» و«إم إس إن بي سي» وغيرها من المحطات العريقة، تهيمن على شبكات الكابل. ولكن بعد خسارة الرئيس السابق دونالد ترمب انتخابات 2020، وانحسار التغطية المحمومة له لصالح «هدوء» عصر جو بايدن، انخفض عدد مشاهدي تلك المحطات. وفي عام 2022، انخفض متوسط تصنيفات «سي إن إن»، بمقدار الثلث عن العام السابق على مدار اليوم، وشهدت «فوكس نيوز» انخفاضاً بنسبة 14 في المائة، وانخفضت مشاهدة «إم إس إن بي سي» بنسبة 22 في المائة... ما فرض على تلك المحطات البدء في الترويج لسياسة «الانفتاح» على الرأي الآخر.

خلافات ليست جديدة

إلا أن الاعتراض على تعيين ماكدانيال، ما كان الأول ولن يكون الأخير. إذ في عام 2019، تراجعت شبكة «سي إن إن» عن قرارها تعيين سارة إيسغور، المسؤولة السابقة في إدارة ترمب، محرّرة سياسية وسط سيل من الانتقادات، وبدلاً من ذلك أصبحت محللة سياسية. وفي عام 2018، عيّنت مجلة «ذي أتلانتيك» ثم طردت الأديب المحافظ كيفن ويليامسون، بعدما اعترض الموظفون على كتاباته السابقة، بما في ذلك تغريدة له عام 2014 مفادها أنه يجب شنق النساء اللاتي أجرين عمليات إجهاض.

وفي الواقع، لطالما شهدت غرف الأخبار معارك وخلافات بين المراسلين والصحافيين من جهة، والمحرّرين ورؤساء التحرير من الجهة المقابلة، حول «الخط التحريري» وما يمكن نشره. غير أن اليد العليا في اتخاذ القرار كانت دائماً معقودة لرؤساء التحرير، ولم يكن أمام الصحافيين والمراسلين سوى قليل من الوسائل للتعبير عن اعتراضهم أو غضبهم.

لقد كان من شبه المستحيل على غرف الأخبار أن تبث اعتراضاتها على الهواء مباشرة، فأضحى اللجوء إلى «التسريبات» عبر وسائل الإعلام التقليدية المكتوبة والصحف «الصفراء» هو الوسيلة الرئيسية. بيد أن الاعتراض على تعيين ماكدانيال، صدر مباشرة وعلى الهواء من مراسلي وصحافيي غرفة الأخبار ومقدمي البرامج في شبكة «إن بي سي»، في تحدٍ لهيئة التحرير وقيادة المحطة.

تحول آيديولوجي وتكنولوجي

تقرير لصحيفة «بوليتيكو»، يقول إن تحولاً آيديولوجياً كان آخذاً في الظهور، تصاعد مع وصول دونالد ترمب إلى السلطة وازدرائه للمعايير الصحافية التقليدية. وحقاً، جاء جيل جديد من المراسلين حاملين معهم ازدراء مماثلاً لتلك المعايير، مثل «الموضوعية» والرغبة في التصادم مع رؤسائهم. وترى الصحيفة أن الأمر نفسه حصل مع موظفي البيت الأبيض الذين وقّعوا عريضة مجهولة أخيراً تعترض على سياسات الرئيس بايدن من حرب غزة.

شعار "فوكس نيوز" (رويترز)

أيضاً، بدءاً من العقد الأول من القرن الحالي، ومع الابتكارات التكنولوجية التي نتجت عن الثورة التي أحدثتها الإنترنت، حصل تحوّل بالغ الأهمية، إذ غدت وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً حقيقياً من مصادر غرف الأخبار. وقدّم «فيسبوك» و«تويتر» و«تيك توك»، وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي للصحافيين، وسائل جديدة وفعالة للتعبير عن غضبهم من رؤساء التحرير. وبالفعل، أفقدت تلك الوسائل المفتوحة رؤساء التحرير وقيادات المحطات كثيراً من سلطة القيادة، فصار ضرباً من «الغباء» أو المكابرة تجاهل شكاوى الصحافيين والامتناع عن السماح لهم بالتعبير بشكل مباشر ومن على شاشاتهم، بدلاً من اللجوء للتسريبات المؤذية.

فشل ادعاء التوازن

اليوم تدّعي «إن بي سي نيوز»، وهي محطة ليبرالية بامتياز، أنها تبحث عن الأصوات الجمهورية المحافظة لتوفير التوازن في تغطيتها الانتخابية. إلا أن المعترضين على تعيين ماكدانيال - وهي سليلة أسرة رومني الشهيرة في وجهات الحزب الجمهوري - يقولون إن اعتراضهم لم يكن على جمهوري محافظ، بل على توظيف «منكر لنتيجة الانتخابات ومناهض للديمقراطية». فهم يأخذون على ماكدانيال موقفها من صحة نتائج انتخابات 2020، وزعمها وجود «سرقة»، ودورها في تنسيق مخطط للإبدال بالناخبين في المجمع الانتخابي بولاية ميشيغان بديلين مؤيدين لترمب.

غير أن كثيراً من النقاد يرون أنه لو كان الأمر كذلك، فلماذا أجرت المحطة مقابلات مع ستايسي أبرامز، بعد فترة طويلة من رفضها التنازل عن سباق حاكم ولاية جورجيا عام 2018، الذي خسرته بفارق 55 ألف صوت تقريباً؟ ولماذا قبلت استضافة كثير من النواب الديمقراطيين الذين حاولوا وقف التصديق على فوز جورج بوش «الابن» في ولاية أوهايو عام 2005؟ ولماذا امتنعت عن انتقاد هيلاري كلينتون التي أنكرت فوز ترمب عام 2016؟

تقول المحطة إنها تحاول تجنب أخطاء عام 2016 من خلال توظيف أصوات متوازنة في اليمين المتحالف مع ترمب. غير أن طرد ماكدانيال يوضح بعض أسباب تراجع ثقة الأميركيين بوسائل الإعلام الإخبارية، ويشير إلى أن الصحافة مستعدة لارتكاب الخطأ نفسه هذا العام أيضاً، من دون أن تعي أسباب تراجع الثقة بها إلى هذا الحد.

ولكن هل سيرحب مذيعو المحطة، فضلاً عن الجمهور الليبرالي، بانضمام أشخاص مختلفين مؤيدين لترمب؟ وهل سيوسّع هؤلاء التنوّع السياسي في الشبكة... بينما يستمع متابعو «إن بي سي» و«إم إس إن بي سي» و«سي إن إن»، كما متابعو «فوكس نيوز»، كل ليلة إلى ما يودّون سماعه تأكيداً لوجهات نظرهم؟



تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟
TT

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

أثار إعلان شركة «ميتا» تمديد فترة تقييد الإعلانات المتعلقة بالقضايا الاجتماعية أو السياسية لما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية، من دون أن تحدّد الشركة وقتاً لنهاية هذا التمديد، تساؤلات حول مدى فاعلية القرار في الحدّ من انتشار «المعلومات المضلّلة»، يأتي ذلك بالتزامن مع رصد تجاوزات مرّرَتها المنصة الأشهَر «فيسبوك» خلال الفترة السابقة برغم تقييد الإعلانات.

ما يُذكر أن «فيسبوك» أعانت بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي «حظر أي إعلان يحمل رسائل توجيه سياسي أو اجتماعي من شأنه التأثير في سير الانتخابات الرئاسية الأميركية»، غير أن مراقبين قاموا برصد تجاوزات على المنصة وصفوها بـ«التضليل»، وقالوا إن «فلاتر» المحتوى على «ميتا» – التي تملك «فيسبوك» – «غير متمرّسة» بما يكفي لتمييز المحتوى الذي ينتهك إرشادات المصداقية، ما يثير شكوكاً بشأن جدوى قرار الشركة تقييد الإعلانات.

الدكتور حسن مصطفى، أستاذ التسويق الرقمي والذكاء الاصطناعي في عدد من الجامعات الإماراتية، عدّ قرار «ميتا» الأخير «محاولةً لتجاوز المخاوف المتزايدة حول استغلال الإعلانات في التأثير على الرأي العام»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «ميتا تخشى اتهامها بنشر المعلومات غير الموثوقة بشكل واسع إبان الفترات الانتخابية وما بعدها، لا سيما وأنه سبق اتهام الشركة من قبل بوجود محتوى يؤثر على الرأي العام خلال فترات انتخابية سابقة».

وعن دور «ميتا» في الحدّ من «المعلومات المضللة»، أوضح مصطفى أنه «لا تزال المعلومات المضلّلة تحدياً قائماً برغم ما اتخذته (ميتا) من إجراءات لمكافحتها، والتقليل من انتشار الأخبار الكاذبة»، وقال عن دور الشركة في هذا الصدد: «لقد عزّزَت (ميتا) التعاون مع جهات خارجية للتحقّق من صحة الأخبار، فباتت تعتمد على منظمة (فاكت تشيك/ FactCheck)، وشبكات من المؤسسات المستقلة؛ للتحقّق من الأخبار المتداوَلة عبر المنصة».

واستشهد الدكتور مصطفى ببعض التقارير الصادرة عن منظمة «هيومن رايتس ووتش»، التي أظهرت إحراز «ميتا» تقدماً في مجال الحد من «خطاب الكراهية»؛ «إذ تمكّنت خوارزميات الشركة من التعرّف على بعض الأنماط المتكرّرة للمحتوى المسيء، وحذفه تلقائياً قبل أن ينتشر»، غير أنه مع ذلك عدّ إجراءات «ميتا» غير كافية، مشيراً إلى أن «خوارزميات الذكاء الاصطناعي ما زالت محدودة القدرة على معالجة المحتوى بلغات ولهجات متنوعة، أو فهم السياقات الثقافية المعقّدة، ما يجعل من الصعوبة بمكان وضع حدود واضحة أمام تحقيق نجاح كامل في تقليص خطاب الكراهية».

هذا، وكانت المنظمة الدولية «غلوبال ويتنس» قد أعدّت تقريراً حول ما إذا كانت منصات التواصل الاجتماعي قادرةً على اكتشاف وإزالة «المعلومات المضلّلة الضارّة»، لا سيما المتعلقة بانتخابات الرئاسة الأميركية، وأشارت في نتائجها عقب الانتخابات الأميركية إلى أن أداء «فيسبوك» كان أفضل مقارنةً بمنصة مثل «تيك توك»، لكن التقرير لم ينفِ التورّط في نشر «معلومات مضلّلة» برغم القيود، كذلك ذكر التقرير أن «فيسبوك» وافَق على واحد من بين 8 إعلانات اختبرت بها المنظمة قيود المنصة للحَدّ من «المعلومات المضلّلة»، ما رأته المنظمة «تحسّناً ملحوظاً مقارنةً بأداء المنصة السابق مع أنه لا يزال غير كافٍ».

من ناحية أخرى أشار تقرير صادر عن منظمات المجتمع المدني «إيكو» و«المراقبة المدنية الهندية الدولية»، إلى أن «ميتا» سمحت بظهور إعلانات تحتوي على عبارات تحريضية ضد الأقليات على منصّتها خلال فترة الانتخابات الأميركية، كما أشارت إلى رصد «محتوى زائف» مصنوع بأدوات الذكاء الاصطناعي.

وحول هذا الأمر، علّق خالد عبد الراضي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» بمصر والمملكة العربية السعودية، لـ«الشرق الأوسط»، على قرار «ميتا» بالقول إننا بصدد محاولات عدّها «غير جادة»، ودلّل على ذلك بأن «(ميتا) قيّدت الإعلانات قبل الانتخابات الأميركية بأسبوع واحد فقط، وهذه مدة غير كافية إذا كانت المنصة بالفعل جادّة في الحدّ من التضليل والتأثير على الرأي العام، مثلاً (إكس) كانت أكثر جدّية من خلال تقييد أي منشور موجّه قبل الانتخابات بشهر»، مشيراً إلى أنه «بالتبعية شاهدنا على منصة (فيسبوك) محتوى مضلّلاً وزائفاً طُوّر بالذكاء الاصطناعي».

وأوضح عبد الراضي أن «(ميتا) لم تفرض قيوداً على الإعلانات بشكل عام، بل على نوع واحد فقط هو الإعلانات السياسية المدفوعة، ومن ثم تركت المجال أمام التضليل والتأثير على الرأي العام»، ودلّل كذلك على قلة جدّية الشركة بقوله: «بعد الانتخابات الأميركية في 2020 واجهت (ميتا) عدة اتهامات بتوجيه الرأي العام، ما دفع الشركة لاتخاذ إجراءات جادّة، من بينها توظيف (فِرق سلامة) معنية بمراجعة النصوص؛ للتأكد من ملاءمتها مع معايير المنصة، غير أن عمل هذه الفِرق أُنهِي لاحقاً، ما يشير إلى أن ادّعاءات المنصة لم تكن جدّية».