سباق الرئاسة الأميركية ينطلق وسط تراجع الاهتمام بالسياسة

كيف ستتعامل منصات التواصل الاجتماعي مع المعلومات المضللة والذكاء الاصطناعي؟

أميركيون يدلون بأصواتهم في الانتخابات التمهيدية بكارولاينا الجنوبية في 24 فبراير الماضي (أ.ف.ب)
أميركيون يدلون بأصواتهم في الانتخابات التمهيدية بكارولاينا الجنوبية في 24 فبراير الماضي (أ.ف.ب)
TT

سباق الرئاسة الأميركية ينطلق وسط تراجع الاهتمام بالسياسة

أميركيون يدلون بأصواتهم في الانتخابات التمهيدية بكارولاينا الجنوبية في 24 فبراير الماضي (أ.ف.ب)
أميركيون يدلون بأصواتهم في الانتخابات التمهيدية بكارولاينا الجنوبية في 24 فبراير الماضي (أ.ف.ب)

تدخل الانتخابات التمهيدية الأميركية غداً مرحلة جديدة، مع قيام ناخبي الحزبين الديمقراطي والجمهوري فيما يسمى «الثلاثاء الكبير»، باختيار عدد كبير من مندوبي الولايات الـ15، لمؤتمراتهم الحزبية التي ستعقد في الصيف المقبل. وبعدما بات من شبه المؤكد أن السباق الرئاسي، الذي يعد هذا العام أحد أكثر السباقات توتراً في تاريخ الولايات المتحدة، سيكون نسخة معادة لانتخابات 2020، بين الرئيس الحالي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترمب، تصاعدت التحذيرات من دور منصات التواصل الاجتماعي في التعامل مع المعلومات المضللة، ومن الذكاء الاصطناعي الذي تصاعد دوره في ابتكار وتوليد قصص ومقاطع فيديو، وحتى مكالمات هاتفية مزيفة.

وتأتي تلك التحذيرات، وسط استطلاعات رأي تشير إلى تراجع اهتمام الأميركيين بأخبار السياسة، في ظل تصاعد التشكيك بالانتخابات، وإقرار السلطات، سواء كانت حكومية أو خاصة، بعجزها عن مجاراة الابتكارات التكنولوجية التي تفوق قدرتها على التعامل معها. وبدا أن الأكاذيب التي تنشر على تلك المنصات، منذ الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير (كانون الثاني) 2021، في طريقها للتحول إلى سلاح، ليس فقط بأميركا، بل وفي دول عدة، مع ازدحام مواعيد الانتخابات التي ستجري في عدد كبير منها هذا العام.

عجز شركات التكنولوجيا

هناك من يرى أن شركات التكنولوجيا نفسها، ليست مستعدة لهجوم الشائعات والأكاذيب التي يمكن أن تؤثر، لا بل تعطل العملية الانتخابية، في عصر المعلومات المضللة، خصوصاً على المستقلين الذين يحسمون عادة نتيجة السباق.

ومما زاد من القلق، أنه على الرغم من قيام كثير من شركات التكنولوجيا بخفض عدد موظفيها المسؤولين عن مراقبة المحتوى، ما أفسح المجال أمام زيادة كمية نشر المعلومات الضارة، تتعرض تلك الشركات أيضاً لضغوط سياسية مغلفة بغطاء قانوني، إما لتقييد قدرتها على حذف المنشورات والحسابات التي تتعارض مع قوانين حقوق التعبير الخاصة بها، أو لحضها على إزالتها، إذا كانت تتعارض سياسياً مع السلطات المعنية. ويوم الاثنين الماضي، استمعت المحكمة العليا الأميركية إلى مرافعات شفوية لتحديد مدى دستورية قانونين أصدرتهما ولايتا تكساس وفلوريدا، التي يسيطر الجمهوريون على مجلسيهما التشريعيين، يقيدان بشكل عام قدرة منصات التواصل الاجتماعي على حذف المنشورات والحسابات. كما ستستمع المحكمة العليا الشهر المقبل، إلى استئناف من ولايتي لويزيانا وميزوري، التي يسيطر عليهما الجمهوريون أيضاً، يتهم مسؤولي الإدارة الأميركية الفيدرالية بالضغط على شركات التواصل الاجتماعي «لإسكات وجهات النظر المحافظة».

وكانت الولايتان قد أصدرتا عام 2021، بعد حظر «فيسبوك» و«تويتر» (قبل تغيير اسمها إلى «إكس») حسابات الرئيس السابق، دونالد ترمب، بسبب منشوراته المتعلقة بهجوم 6 يناير (كانون الثاني)، قانونين يمنعان منصات التواصل الاجتماعي من مراقبة الخطاب السياسي، وحظر الرقابة، أو حظر مرشح سياسي، أو مؤسسة صحافية، أو حظر وإغلاق حسابات المستخدمين بناء على وجهة نظر. ولم يدخل أي من القانونين حيز التنفيذ بسبب الطعون القضائية التي قدمتها جمعيات تجارية تمثل الشركات، حيث أسقطت واحدة منها قانون فلوريدا، بينما أيدت أخرى قانون تكساس. وهو ما أدى إلى رفع القضية أمام المحكمة العليا، التي بات عليها أن تقرر ما إذا كان التعديل الدستوري الأول الذي يحمي حرية التعبير، يحمي في الوقت نفسه، السلطة التقديرية التحريرية لمنصات التواصل الاجتماعي، ويمنع الحكومة الفيدرالية أو الولايات، من إجبار الشركات على نشر المحتوى الذي تعدّه ضاراً ضد إرادتها، أم لا.

تضاؤل الثقة بالانتخابات

وبينما تواجه شركات التكنولوجيا هذه عدداً من المشكلات الرئيسية في وقت تتضاءل فيه الثقة بالانتخابات، وفي المعلومات التي يجدها الناس على وسائل التواصل الاجتماعي، بدا احتمال قيام السياسيين ومؤيديهم باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي سلاحاً لنشر المعلومات المضللة مرتفعاً أيضاً.

وعلى سبيل المثال، ورغم قيام بعض الشركات، بما في ذلك «ميتا» (الشركة المالكة لتطبيقات «فيسبوك» و«إنستغرام» و«واتساب») و«يوتيوب»، بتغيير سياساتها للسماح بمعلومات مضللة عن انتخابات 2020، تتهم شركات أخرى جديدة، لا تزال حتى الآن تدرس سياساتها عن المحتوى السياسي، كمنصة «تروث سوشيال» المملوكة من الرئيس السابق دونالد ترمب، بتخفيف القيود على ما ينشر على منصاتها، مما يسمح للشائعات بالانتقال ليس فقط عبرها، بل وإلى المنصات الكبرى أيضاً.

وبعدما غيرت شركة «إكس» (تويتر سابقاً) سياساتها الرقابية بالكامل، بعد استحواذ إيلون ماسك عليها، الذي يتهم هو نفسه بنشر بعض الأكاذيب الانتخابية، وتسريح موظفي الرقابة والسلامة، تخلصت المنصة من الأدوات التي كانت تشير إلى المعلومات الخاطئة المحتملة، تاركة لـ«ملاحظات المجتمع» والقراء تحديدها والإشارة إليها بدلاً منها. وكان ماسك قد سمح بعودة كثير من الحسابات المحظورة سابقاً، التي تم استبعاد بعضها لنشر معلومات مضللة حول الانتخابات، على رأسها حساب الرئيس ترمب الذي استخدم المنصة؛ ليس فقط وسيلة اتصال رئيسية مع الجمهور، بل وحولها إلى المتحدث الرسمي باسمه. وغالباً ما أعلن عن مواقفه السياسية و«طرد» عدد من وزرائه ومسؤولي إدارته عبرها.

رقابة خاصة أم حكومية؟

ويحذر كثير من الخبراء من أن احتمال قيام وسائل التواصل الاجتماعي بتعطيل الانتخابات، يظهر الأدوار الكبيرة التي تلعبها المنصات في الحياة اليومية. ورغم كونها «شركات خاصة»، فإنه غالباً ما يتم التعامل معها على أنها مؤسسة عامة. وفيما يبدو الإشراف الذي تمارسه تلك الشركات على المحتوى، أشبه بالرقابة الحكومية من كونه من قبل شركة خاصة، بدا أنه من الصعب تحديد الأدوار التي يجب أن تلعبها عندما تكون البلاد مستقطبة إلى هذا الحد.

ويرى كثير من الباحثين أن انتقال المعلومات الخاطئة دون قيود هذا العام، ليس مرتفعاً فحسب، بل سيكون من الصعب على الباحثين تتبعها والإبلاغ عنها. وبينما لا تتحدث شركات التكنولوجيا كثيراً عن خططها لتخفيف المحتوى السياسي، بدا أن ضغوط المشرعين الجمهوريين، لإجبارها على عدم «إسكات وجهات نظر المحافظين»، تحقق نجاحاً في المحاكم والكونغرس، حتى من دون حكم المحكمة العليا النهائي، حيث يشهد الباحثون في مجال المعلومات المضللة «تأثيراً مخيفاً» وغيروا عملهم إلى حد ما بسبب ذلك.

الأميركيون يبتعدون عن أخبار السياسة

ورغم ذلك، تشير استطلاعات الرأي إلى أن التفاعل مع الأخبار والأخبار السياسية بشكل عام، قد انخفض بشكل كبير هذا العام، مقارنة بالدورات الانتخابية التمهيدية الرئاسية الأخيرة، لمصلحة الاهتمام بمواضيع أخف، مثل الرياضة والترفيه، رغم تحولها هي الأخرى جزئياً إلى ساحة منازلات سياسية، وسط اتهامات باستغلال السياسيين لشعبية نجوم الرياضة والغناء للترويج لحملاتهم السياسية.

وبعدما ساعد الاهتمام القياسي بالأخبار في انتخابات 2020، خلال جائحة وباء «كوفيد - 19»، بتحقيق أعلى نسبة مشاركة في التصويت، قال استطلاع لموقع «سيميلارويب»، إن عدداً أقل من الأشخاص يقرأون الأخبار والمقالات السياسية في هذه الدورة مقارنة بالدورة السابقة. وانخفضت أيضاً تصنيفات قنوات الكابل الإخبارية بشكل كبير بين نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 ويناير (كانون الثاني) 2024، مقارنة بنوفمبر 2019 ويناير 2020، على الرغم من أن أحد العوامل الإضافية هو أن عدداً أقل من الأسر يدفع مقابل اشتراكات الكابل الآن عما كانت عليه قبل 4 سنوات.

وتضاءلت تفاعلات وسائل التواصل الاجتماعي مع المناقشات واللقاءات السياسية المفتوحة (تاون هول) بشكل كبير، رغم أن بعض التفاعلات قد تحول من منصات أميركية مشهورة؛ كـ«إنستغرام» و«فيسبوك» و«إكس»، إلى منصات أخرى، أقل اهتماماً بالأخبار السياسية، مثل «تيك توك»، التي تخضع لتدقيق من الحكومة الأميركية، واختارت الابتعاد عن المحتوى السياسي.


مقالات ذات صلة

رئيس الحكومة الفرنسية نجا من السقوط في أول اختبار له بالبرلمان

أوروبا أوليفيه فور سكرتير عام الحزب «الاشتراكي» ملقياً كلمته في مجلس النواب ومبرراً الامتناع عن التصويت لإسقاط حكومة بايرو (أ.ف.ب)

رئيس الحكومة الفرنسية نجا من السقوط في أول اختبار له بالبرلمان

رئيس الحكومة الفرنسية يجتاز اختبار سحب الثقة منه في البرلمان، ويبقى في منصبه بفضل الحزب «الاشتراكي» الرافض إسقاطه.

ميشال أبونجم (باريس)
الاقتصاد ميدان في توبنغن بألمانيا (رويترز)

الاقتصاد الألماني ينكمش للعام الثاني على التوالي في 2024

انكمش الاقتصاد الألماني، أكبر اقتصاد في أوروبا، للعام الثاني على التوالي في عام 2024، وفقاً للأرقام الأولية الرسمية الصادرة يوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (برلين)
العالم الملياردير الأميركي إيلون ماسك (د.ب.أ)

ماسك يصف المفوض الأوروبي السابق بروتون بأنه «طاغية أوروبا»

وصف إيلون ماسك، السبت، المفوض الأوروبي السابق للشؤون الرقمية بأنه «طاغية أوروبا»، في رسائل متوترة جديدة بين الرجلين بشأن دعم ماسك لليمين المتطرف في ألمانيا.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أميركا اللاتينية الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يحيّي أنصاره لدى وصوله إلى الجمعية الوطنية لأداء اليمين الدستورية لولاية ثالثة في كاراكاس 10 يناير 2025 (رويترز)

أميركا تندد بتنصيب مادورو رئيساً... وتفرض عقوبات جديدة على فنزويلا

ندّدت الولايات المتحدة، اليوم الجمعة، بـ«مهزلة» تنصيب نيكولاس مادورو رئيساً لفنزويلا لولاية ثالثة، وفرضت عقوبات جديدة على كاراكاس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أميركا اللاتينية غلق جسر أتاناسيو غيرادوت الدولي بأوامر من رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو (أ.ف.ب)

فنزويلا تغلق حدودها مع كولومبيا قبل تنصيب مادورو

أغلقت فنزويلا حدودها مع كولومبيا متحدثة عن «مؤامرة دولية» قبل ساعات من تنصيب الرئيس نيكولاس مادورو لولاية ثالثة من 6 سنوات.

«الشرق الأوسط» (كراكاس)

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)
TT

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)

استقالت رسامة الكاريكاتير الأميركية -السويدية الأصل- آن تيلنيس، الحائزة على جائزة «بوليتزر»، من عملها في صحيفة «واشنطن بوست» خلال الأسبوع الماضي، بعد رفض قسم الآراء في الصحيفة رسماً كاريكاتيرياً يصوّر مالك الصحيفة، الملياردير جيف بيزوس مع مليارديرات آخرين من عمالقة التكنولوجيا، وهم ينحنون أمام تمثال للرئيس المنتخب دونالد ترمب. وفور إعلان الخبر رأى كثيرون أن الواقعة الجديدة تختصر صورة المرحلة المقبلة في الولايات المتحدة.

مارك زوكربيرغ (آ ب)

إعادة تموضع

خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، بعدما بدا أن ترمب يتجه إلى العودة مجدداً إلى البيت الأبيض، بدأ الكثير من مسؤولي الشركات الكبرى ووسائل الإعلام الأميركية، رحلة «إعادة تموضع» تماشياً مع العهد الثاني لترمب. وهو ما تُرجم بداية بامتناع وسائل إعلام كانت دائماً تُعد رمزاً لليبرالية، مثل: «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز»، عن تأييد أي من المرشحين الرئاسيين، فضلاً عن تغيير غرف التحرير في محطات تلفزيونية عدة، ومراجعة الكثير من سياسات الرقابة والإشراف والمعايير الناظمة لعملها، إلى إعادة النظر في تركيبة مجالس إدارات بعض شركات التكنولوجيا.

وبعيداً عن انحياز الملياردير إيلون ماسك، مالك تطبيق «إكس»، المبكر لترمب، واتجاهه للعب دور كبير في إدارته المقبلة، كانت الاستدارة التي طرأت على باقي المنصات الاجتماعية والإعلامية مفاجئة وأكثر إثارة للجدل.

ان تيلنيس (جائزة بوليتزر)

خضوع سياسي أم تغيير أعمق؟

البعض قال إنه «خضوع» سياسي للرئيس العائد، في حين عدّه آخرون تعبيراً عن تغيير أعمق تشهده سياسات واشنطن، لا يُختصر في ترمب، بل يشمل أيضاً كل الطبقة السياسية في الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي، وحتى المزاج الشعبي الذي أظهرته نتائج الانتخابات.

في بيانها الموجز، قالت تيلنيس التي تعمل في «واشنطن بوست» منذ عام 2008، إن قرار الصحيفة رفض رسمها الكاريكاتيري «مغيّر لقواعد اللعبة» و«خطير على الصحافة الحرة». وكتبت: «طوال ذلك الوقت لم يُمنع رسم كاريكاتيري قط بسبب مَن أو ما اخترت أن أوجّه قلمي إليه حتى الآن». وأدرجت تيلنيس مسوّدة من رسمها الكاريكاتيري في منشور على موقع «سبستاك»، يظهر بيزوس، مؤسس «أمازون» ومالك الصحيفة، مع مؤسس شركة «ميتا» مارك زوكربيرغ، وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، وباتريك سون شيونغ مالك صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، و«ميكي ماوس» التميمة المؤسسية لشركة «والت ديزني»، ينحنون أمام تمثال ترمب.

وطبعاً كان من الطبيعي أن «يختلف» ديفيد شيبلي، محرّر الآراء في الصحيفة، مع تقييم تيلنيس، وبالفعل قال في بيان إنه يحترم كل ما قدمته للصحيفة، «لكن يجب أن يختلف مع تفسيرها للأحداث»، معتبراً قرار منع نشر رسم الكاريكاتير «تفادياً للتكرار»، بعدما نشرت الصحيفة مقالات عن الموضوع.

... وزوكربيرغ يعود إلى أصوله

بيد أن تزامن منع الكاريكاتير مع الخطوة الكبيرة التي اتخذتها شركة «ميتا» يوم الثلاثاء، عندما أعلن مارك زوكربيرغ أن «فيسبوك» و«إنستغرام» و«ثريدز» ستُنهي عملية التدقيق في الحقائق من قِبل أطراف ثالثة، قرأها العالم السياسي بوصفها نوعاً من الاستسلام؛ إذ قال زوكربيرغ في مقطع فيديو نشره على «فيسبوك» إن «(ميتا) ستتخلّص من مدقّقي الحقائق، وستستعيض عنهم بملاحظات مجتمعية مشابهة لمنصة (إكس)»، وهو ما رآه البعض «تضحية بقيم الشركة على (مذبح) دونالد ترمب وسياسة (حرية التعبير)» للحزب الجمهوري الجديد. بالنسبة إلى المحافظين اليمينيين، الذين يعتقدون أن المشرفين ومدققي الحقائق ليبراليون بشكل شبه موحّد، واثقون بأن النهج الأكثر تساهلاً في تعديل المحتوى سيعكس الواقع بشكل أكثر دقة، من خلال السماح بمجموعة أوسع من وجهات النظر. وعدّ هؤلاء، ومنهم بريندان كار الذي اختاره ترمب لإدارة لجنة الاتصالات الفيدرالية، قرار «ميتا» انتصاراً.

في المقابل، أعرب الليبراليون عن «فزعهم»، وعدّوه «هدية لترمب والمتطرّفين في جميع أنحاء العالم». وقال معلقون ليبراليون إن من شأن خفض معايير التأكد من الحقائق من قِبل أكبر منصة في العالم يُنذر بمجال رقمي أكثر غرقاً بالمعلومات الكاذبة أو المضللة عمداً مما هو عليه اليوم.

ابتعاد عن الليبرالية

هذا، ومع أنه من غير المتوقع أن يؤدي قرار زوكربيرغ بالضرورة إلى تحويل الإنترنت إلى «مستنقع للأكاذيب أو الحقائق»؛ لأن الخوارزميات هي التي تتحكم بما يُنشر في نهاية المطاف. فإن قراره يعكس، في الواقع، ابتعاد شركات التكنولوجيا عن الرؤية الليبرالية لمحاربة «المعلومات المضلّلة». وهذه مسيرة بدأت منذ سنوات، حين تراجعت «ميتا» عام 2019 عن التحقق من صحة الإعلانات من السياسيين، وعام 2023 عن تعديل الادعاءات الكاذبة حول انتخابات 2020.

وحقاً، كان إعلان يوم الثلاثاء هو الأحدث في سلسلة من تراجعات الشركة، واتجاهها نحو اليمين منذ إعادة انتخاب ترمب. ففي الأسبوع الماضي، عيّنت الشركة الجمهوري جويل كابلان رئيساً عالمياً للسياسة، وعيّنت، يوم الاثنين، دانا وايت، حليفة ترمب التي لعبت دوراً رئيساً خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، في مجلس إدارة الشركة. وفي السياق نفسه تضمّن إعلان يوم الثلاثاء نقل فريق الثقة والسلامة في الشركة من ولاية كاليفورنيا «الليبرالية»، إلى ولاية تكساس «الجمهورية»؛ مما يعكس دعوات من قادة التكنولوجيا اليمينيين مثل إيلون ماسك إلى تركيز الصناعة في بيئات «أقل ليبرالية» من «وادي السيليكون».

ترمب ممثلاً للأكثرية

في مطلق الأحوال، مع أن كثيرين من النقاد والخبراء يرون أن هذا التغيير يعكس بالفعل حقيقة ابتعاد شركة «ميتا» وغيرها من شركات ومواقع التواصل الاجتماعي عن الرؤية الليبرالية للحوكمة الرقمية، لكنهم يشيرون إلى أنه ابتعاد مدفوع أيضاً بالقيم الأساسية للصناعة التي جرى تبنيها إلى حد كبير، تحت الإكراه، استجابة للحظات سياسية مشحونة.

ومع تحوّل ترمب تدريجياً من كونه متطفلاً دخيلاً على الحياة السياسية الأميركية، إلى الممثل الأبرز للأكثرية التي باتت تخترق كل الأعراق -وليس فقط البيض- فقد بدا أن هذا النهج الذي يشبه نظام المناعة بات أقل ملاءمة، وربما، بالنسبة إلى شركات مثل «ميتا»، أكثر ضرراً سياسياً وأقل ربحية.