هل ستؤثر سياسات «أبل» الجديدة على الإعلام؟

تيم سويني (غيتي)
تيم سويني (غيتي)
TT

هل ستؤثر سياسات «أبل» الجديدة على الإعلام؟

تيم سويني (غيتي)
تيم سويني (غيتي)

أثار إعلان شركة «أبل» عن سياسات جديدة بشأن متجرها الإلكتروني لتطبيقات هواتف «آيفون»، تساؤلات حول تأثير تلك القواعد على الإعلام وتطبيقات الأخبار. وفي حين شكك خبراء في نوايا «أبل»، عدّ هؤلاء أنها تأتي في سياق «صراع قديم» للسيطرة على الجمهور بين منتجي المحتوى الإعلامي ومنصات النشر في العالم الرقمي.

«أبل» كانت قد أعلنت الأسبوع الماضي، عبر موقعها الرسمي، عن قواعد جديدة لمتجرها الإلكتروني داخل الولايات المتحدة، سمحت بموجبها للمطوّرين بوضع رابط لموقع خارجي داخل تطبيقاتهم. ويتيح الرابط للمستخدم الانتقال إلى منصات أخرى لإتمام عملية الدفع عند شراء أو الاشتراك بتلك التطبيقات، وذلك مقابل حصول «أبل» على نسبة 27 في المائة من مبيعات التطبيقات، وهي نسبة تبدو في ظاهرها أقل من نسبة 30 في المائة التي كانت تحصل عليها الشركة سابقاً.

وبالمثل خفضت النسبة لصغار المطورين من 15 إلى 12 في المائة. ولكن مقابل اعتماد المطور على نظام دفع خارجي، فإنه سيفقد بعض المزايا التي تقدمها «أبل» للمستخدمين مثل خدمات المشاركة العائلية، بحسب موقع «أبل». وللاستفادة من القواعد الجديدة يحتاج المطور إلى تقديم طلب إلى «آبل»، لتضمين روابط دفع خارجية، إضافة إلى تقديم تقارير بالاشتراكات خلال 15 يوماً من نهاية كل شهر. هذه القرارات جاءت عقب رفض المحكمة العليا الأميركية نظر استئناف من شركة «أبل» في نزاعها القضائي المستمر منذ 3 سنوات مع شركة «إيبيك غايمز»، المالكة للعبة «فورتنايت»، بسبب ممارسة «أبل» سياسات «احتكارية» على متجر التطبيقات «آب ستورز»، نفتها «أبل» بداعي أن ما تفعله يستهدف «الأمان الرقمي للمستخدمين».

الواقع أن «أبل» تحتفظ «بسيطرة مشددة» على متجر التطبيقات الخاص بها. ولها الموافقة على كل تطبيق وكل تحديث. وإذا كنت ترغب في بيع أي نوع من السلع الرقمية داخل التطبيق، فيجب عليك استخدام نظام مدفوعات «أبل» الذي يحصل على نسبة 30 في المائة من المدفوعات.

الدعوى القضائية التي رفعتها «إيبيك غايمز» عكست شكاوى عدد من الناشرين بشأن النسبة التي تستقطعها «أبل» منهم، إضافة إلى أن «استخدام نظام الدفع داخل (أبل) يعني أن العلاقة المالية للمستخدم كانت مع (أبل)، وليس مع الناشر، وبالتالي لا يمكن لوسيلة الإعلام معرفة عملائها».

وخلال 3 سنوات منذ النزاع القضائي، حكمت المحاكم الابتدائية لصالح «أبل»، قبل أن تعلن المحكمة العليا الأميركية في الأسبوع الماضي، رفض الاستماع إلى أي من الاستئنافات المقدمة من شركتي «أبل» و«إيبيك غايمز»، ما يعني استمرار حكم المحاكم الابتدائية. مع ذلك، حققت «إيبيك غايمز» نصراً مبدئياً، إذ لم يعد بإمكان «أبل» منع المطورين من ربط التطبيقات بمواقع الإلكترونية، لكن ما بدا انتصاراً خفت بعد إعلان «أبل» عن قواعدها الجديدة في هذا الصدد.

خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الصحافي المغربي المتخصص في الإعلام الرقمي، أنس بنضريف، إن «الشركة الأميركية تعتمد في أرباحها على جهود الآخرين... والقرارات الأخيرة ليست غريبة ولا جديدة، فشركة (أبل) تقتطع نسبة من الرسوم المحصّلة عبر التطبيقات المختلفة تتراوح بين 15 و30 في المائة، ما يجعلها شركة رابحة». وأضاف: «هذه السياسة تؤثر على المطورين الصغار، وتقلل من إمكانية تطوير برامجهم وزيادة أرباحهم. ولقد حاولت شركة (إيبيك غايمز) الالتفاف على سياسات (أبل)، ودخلت في صراع قانوني ممتد معها، فتح المجال لإيضاح سيطرة واحتكار (أبل) للتطبيقات على متجرها».

إلا أن بنضريف لا يبدو متفائلاً بشأن تأثير السياسات الجديدة لـ«أبل» على الناشرين وتطبيقات الأخبار، إذ يقول إن «(أبل) قوية وتمارس الاحتكار رغم قوانين حماية المنافسة في الولايات المتحدة، لكن كونها شركة أميركية يمنحها هذا أفضلية داخل بلادها تمكنها من الفوز في أي نزاع اعتماداً على ترسانتها القانونية القوية».

وتعرّضت سياسات «أبل» الجديدة لانتقادات عدة، وعدّ البعض نسبة التخفيض التي أعلنت عنها «غير حقيقية»، لا سيما أن المطوّر سيدفع نسبة تتراوح بين 3 و6 في المائة إلى الشركة التي ستشغل خدمات الدفع على موقعه. إذ قال تيم سويني، مدير شركة «إيبيك غايمز» ومؤسسها، إن «سياسات (أبل) الجديدة، خطة سيئة النية... فـ(أبل) تعمدت تحديد مكان وضع رابط موقع الدفع الخارجي في موقع غير تقليدي، وعندما يضغط المستخدم على رابط الدفع داخل صفحة المطوّر على متجر (أبل) يصار إلى نقله لموقع المطوّر، ومطالبته بتسجيل الدخول مرة أخرى، من دون أن ينقله إلى صفحة الدفع مباشرة، ما يجعل رحلة الشراء صعبة».

سويني أكد أن شركته ستطعن بهذه الإجراءات أمام المحكمة الجزئية. وكذلك اعترضت خدمة الموسيقى «سبوتيفاي» على إجراءات «أبل»، وانتقدت في بيان رسمي ما وصفته بـ«السياسات المجحفة». ولقد انتقد المطورون خصوصاً ما يظهر على شاشة «أبل» عندما يضغط المستخدم على رابط الدفع على موقع خارجي، حيث تظهر رسالة تقول: «أنت على وشك المغادرة إلى موقع ويب خارجي، و(أبل) غير مسؤولة عن أمان وخصوصية المدفوعات التي تجرى عبر ذلك الرابط»، الأمر الذي يثير شكوكاً لدى المستخدمين.

وهنا، وصف خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في الإعلام الرقمي، سياسات «أبل» الجديدة، بأنها «خطوة سيئة وإن لم تكن مستغربة»، خلال حوار مع «الشرق الأوسط». وتابع البرماوي أن ما «أعلنته (أبل) يتماشى مع سياساتها وسياسات باقي المنصات الرامية للسيطرة على الجمهور الرقمي... وللأسف كل الناشرين مجبرون اليوم على التعامل مع تلك المنصات وسياساتها الاحتكارية. وما يحدث يأتي في إطار معركة مستمرة بين منتجي المحتوى ومنصات نشره وترويجه حول من يملك القدرة على الوصول إلى الجمهور؛ صاحب المحتوى أم صاحب المكان الذي ينشر فيه؟».

وأضاف البرماوي: «في حقيقة الأمر، فإن صاحب منصة النشر هو من يتحكم في الأمر مرة بالخوارزميات، وأخرى بقواعد وسياسات الإعلان والمنع». وقال، بالنسبة للانعكاسات المرتقبة عربياً: «تلك السياسات لن يكون لها تأثير كبير على المنطقة العربية نظراً لضآلة المحتوى المنشور عبر التطبيقات، لكن مع زيادته مستقبلاً ستكون هذه السياسات عقبة كبيرة أمام منتجي المحتوى».

وحقاً، أنشأت «أبل» في عام 2022، نموذجاً للتعامل مع منتجي المحتوى الإعلامي سمّته «تطبيقات القارئ»، وأتاحت للمشتركين فيه التقديم على طلب وضع رابط خارجي لمواقعهم في التطبيقات، وهذه سياسة شبيهة بتلك التي أقرتها حديثاً لكل المطورين. وضمن هذا الإطار، يشير جوشوا بينيتون، المدير السابق لمعهد «نيمان لاب» لدراسات الإعلام، في تقرير نشره على موقع المعهد الأسبوع الماضي، إلى أن «تطبيقات القارئ لم تنص على حصول (أبل) على حصة من المبيعات الجارية عبر ذلك الرابط الخارجي، لكنها أيضاً لم تنص على أن تطبيقات القارئ مستثناة من نسبة 27 في المائة في السياسة الجديدة». وبينما يعتقد بينيتون أن «هذه السياسات لن يكون لها تأثير في الأمد القريب على الناشرين... فإنها غير منطقية، ذلك أن هذه السياسات تعني أن من يعلن عن بيع سيارته في إعلان مبوّب في صحيفة عليه أن يدفع نسبة من عائد البيع للصحيفة».


مقالات ذات صلة

«تهيمنان على برامج التصفح على الهواتف»... بريطانيا تحقق بشأن «أبل» و«غوغل»

أوروبا شعار «غوغل» على هاتف محمول (أ.ف.ب)

«تهيمنان على برامج التصفح على الهواتف»... بريطانيا تحقق بشأن «أبل» و«غوغل»

قالت هيئة المنافسة والأسواق في المملكة المتحدة، اليوم الجمعة، في تقرير إن «أبل» و«غوغل» لا توفران للمستهلكين خياراً حقيقياً لبرامج التصفح على الإنترنت للهواتف.

«الشرق الأوسط» (لندن)
تكنولوجيا تجربتي مع  «أبل إنتليجنس»

تجربتي مع «أبل إنتليجنس»

أصدرت «أبل» أخيراً تحديثاً لأنظمة التشغيل الخاصة بها قدم بدايات مجموعة جديدة من أدوات الذكاء الاصطناعي تسمى «أبل إنتليجنس» «أبل» Intelligence. «ذكاء أبل»…

جيم روسمان (واشنطن)
الاقتصاد عملاء يسيرون أمام شعار «أبل» داخل متجر الشركة بمحطة «غراند سنترال» في نيويورك (رويترز)

السيولة النقدية ترتفع لـ325 مليار دولار... وارن بافيت يخفض حيازته لأسهم «أبل» لمستوى قياسي

واصل رجل الأعمال الأميركي وارن بافيت وشركة بيركشاير هاثاواي، تخارجهما من سوق الأسهم في الربع الثالث، إذ خفضا حيازاتهما في «أبل» لمستوى قياسي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
تكنولوجيا صورة نشرتها «أبل» تكشف عن حجم «ميني ماك» الجديد (الشرق الأوسط)

«أبل» تكشف عن آخر إصدارات جهاز «ميني ماك» بمعالج جديد

أزاحت «أبل» الستار، الثلاثاء، عن جهاز جديد، يتمثّل في «ماك ميني»، المعزّز بمعالج M4، وشريحة M4 Pro الجديدة، مشيرةً إلى أن تصميمه الجديد.

«الشرق الأوسط» (دبي)
تكنولوجيا جهاز «آيفون 15» معروض في أحد متاجر بالي بإندونيسيا (إ.ب.أ)

«أبل» تبشّر بعصر جديد لأجهزتها بعد تشغيل الذكاء الاصطناعي التوليدي

شغّلت «أبل»، الاثنين، أول نظام ذكاء اصطناعي توليدي لها، «أبل إنتلجنس»، على الهواتف الذكية وأجهزة الكومبيوتر والأجهزة اللوحية.

«الشرق الأوسط» (سان فرنسيسكو)

كيف تؤثر زيادة الإنفاق على إعلانات الفيديو في اتجاهات الناشرين؟

شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
TT

كيف تؤثر زيادة الإنفاق على إعلانات الفيديو في اتجاهات الناشرين؟

شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)
شعار «يوتيوب» (د. ب. آ.)

أثارت بيانات عن ارتفاع الإنفاق الإعلاني على محتوى الفيديو عبر الإنترنت خلال الربع الأول من العام الحالي، تساؤلات حول اتجاهات الناشرين في المرحلة المقبلة، لا سيما فيما يتعلق بتوجيه الطاقات نحو المحتوى المرئي بغرض تحقيق الاستقرار المالي للمؤسسات، عقب تراجع العوائد المادية التي كانت تحققها منصات الأخبار من مواقع التواصل الاجتماعي.

مؤسسة «لاب» LAB، وهي هيئة بريطانية معنية بالإعلانات عبر الإنترنت، كانت قد نشرت بيانات تشير إلى ارتفاع الإنفاق الإعلاني على الفيديو في بريطانيا خلال الربع الأول من عام 2024، وقدّر هذا النمو بنحو 26 في المائة مقارنة بالتوقيت عينه خلال العام الماضي، حين حققت الإعلانات عبر الفيديو عوائد مالية وصلت إلى 4.12 مليار جنيه إسترليني داخل المملكة المتحدة وحدها. وتتوقّع بيانات الهيئة استمرار النمو في عوائد الإعلانات في الفيديو حتى نهاية 2024، وقد يمتد إلى النصف الأول من 2025.

مراقبون التقتهم «الشرق الأوسط» يرون أن هذا الاتجاه قد ينعكس على خطط الناشرين المستقبلية، من خلال الدفع نحو استثمارات أوسع في المحتوى المرئي سواءً للنشر على المواقع الإخبارية أو على «يوتيوب» وغيره من منصّات «التواصل».

إذ أرجع الدكتور أنس النجداوي، مدير جامعة أبوظبي ومستشار التكنولوجيا لقناتي «العربية» و«الحدث»، أهمية الفيديو إلى أنه بات مرتكزاً أصيلاً لنجاح التسويق الرقمي. وحدّد من جانبه طرق الاستفادة من الفيديو لتحقيق عوائد مالية مثل «برامج شركاء (اليوتيوب) التي يمكن للناشرين من خلالها تحقيق أرباح من الإعلانات المعروضة في فيديوهاتهم».

وعدّد النجداوي مسالك الربح بقوله: «أيضاً التسويق بالعمولة عن طريق ترويج منتجات أو خدمات من خلال الفيديوهات والحصول على عمولة مقابل كل عملية بيع عبر الروابط التي تُدرج في هذه الفيديوهات... أما الطريقة الأخرى - وهي الأبرز بالنسبة للناشرين - فهي أن يكون المحتوى نفسه حصرياً، ويٌقدم من قبل مختصين، وكذلك قد تقدم المنصة اشتراكات شهرية أو رسوم مشاهدة، ما يوفر دخلاً مباشراً».

ومن ثم حدد النجداوي شروطاً يجب توافرها في الفيديو لتحقيق أرباح، شارحاً: «هناك معايير وضعتها منصات التواصل الاجتماعي لعملية (المونتايزيشن)؛ منها أن يكون المحتوى عالي الجودة من حيث التصوير والصوت، بحيث يكون جاذباً للمشاهدين، أيضاً مدى توفير خدمات تفاعلية على الفيديو تشجع على المشاركة والتفاعل المستمر. بالإضافة إلى ذلك، الالتزام بسياسات المنصة».

ورهن نجاح اتجاه الناشرين إلى الفيديو بعدة معايير يجب توفرها، وأردف: «أتوقع أن الجمهور يتوق إلى معلومات وقصص إخبارية وأفلام وثائقية وتحليلات مرئية تلتزم بالمصداقية والدقة والسرد العميق المفصل للأحداث، ومن هنا يمكن للناشرين تحقيق أرباح مستدامة سواء من خلال الإعلانات أو الاشتراكات».

في هذا السياق، أشارت شركة الاستشارات الإعلامية العالمية «ميديا سينس» إلى أن العام الماضي شهد ارتفاعاً في استثمارات الناشرين البارزين في إنتاج محتوى الفيديو، سواء عبر مواقعهم الخاصة أو منصّات التواصل الاجتماعي، بينما وجد تقرير الأخبار الرقمية من «معهد رويترز لدراسة الصحافة» - الذي نشر مطلع العام - أن الفيديو سيصبح منتجاً رئيسياً لغرف الأخبار عبر الإنترنت، وحدد التقرير الشباب بأنهم الفئة الأكثر استهلاكاً للمحتوى المرئي.

من جهة ثانية، عن استراتيجيات الاستقرار المالي للناشرين، أوضح أحمد سعيد العلوي، رئيس تحرير «العين الإخبارية» وشبكة «سي إن إن» الاقتصادية، أن العوائد المالية المستدامة لن تتحقق بمسلك واحد، بل إن ثمة استراتيجيات يجب أن تتضافر في هذا الشأن، وأوضح أن «قطاع الإعلام يواجه تغيّرات سريعة مع تزايد المنافسة بين المنصّات الرقمية وشركات التكنولوجيا الكبرى مثل (ميتا) و(غوغل) وغيرهما، كما تواجه هذه السوق تحدّيات كبيرة تتعلق بالاستقرار المالي واستقطاب المستخدمين، فلم يعد الاعتماد على نماذج الدخل التقليدية (سائداً)... وهو ما يفرض على وسائل الإعلام البحث عن طرق جديدة لتوفير الإيرادات وتقديم محتوى متميز يجذب الجمهور».

كذلك، أشار العلوي إلى أهمية الاعتماد على عدة استراتيجيات لضمان الاستقرار المالي لمنصات الأخبار. وعدّ المحتوى المرئي والمسموع إحدى استراتيجيات تحقيق الاستقرار المالي للناشرين، قائلاً: «لا بد من الاستثمار في المحتوى المرئي والمسموع، سواءً من خلال الإعلانات المُدمجة داخل المحتوى، أو الاشتراكات المخصصة للبودكاست والبرامج الحصرية، لكن التكيّف مع التغيرات السريعة في سوق الإعلام يدفع وسائل الإعلام لتطوير وتنويع مصادر دخلها، لتشمل عدة مسارات من بينها الفيديو».