دعم مطلق لإسرائيل في الإعلام الألماني

منسجماً مع سياسة الحكومة الاتحادية إزاء «حرب غزة»

تجاهل آلام غزة (ا ب)
تجاهل آلام غزة (ا ب)
TT

دعم مطلق لإسرائيل في الإعلام الألماني

تجاهل آلام غزة (ا ب)
تجاهل آلام غزة (ا ب)

تشبه تغطية الصحافة الألمانية للحرب في غزة موقف الحكومة الألمانية من تلك الحرب إلى حد بعيد. فالتوازن في التعامل مع القصة شبه غائب في الإعلام الألماني، كما هو غائب في التصريحات السياسية منذ هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. فمنذ اليوم الأول الذي تلا عملية «حماس» في إسرائيل، خرجت الصحف الألمانية بافتتاحيات تتحدث عن ضرورة أن تقدم ألمانيا الدعم غير المشروط لإسرائيل في الدفاع عن نفسها، مستندة إلى المسؤولية التاريخية للدولة التي تسببت بـ«المحرقة» النازية، وتتعهد منذ ذلك الحين بـ«ألا يتكرّر ذلك».

صحف ألمانيا... تأييد بلا تحفظ للسردية الإسرائيلية (د ب ا)

بعدها، في أعقاب اشتداد القصف الإسرائيلي على امتداد قطاع غزة وارتفاع أعداد الضحايا المدنيين، ورغم اتهام منظمات دولية لإسرائيل بخرق القانون الدولي واستهداف المدنيين بشكل عشوائي، ظلت الصحف والقنوات الألمانية تدافع عن استمرار الحرب، وتتجاهل أعداد الضحايا من المدنيين. بل مع أنها تذكر أعداد القتلى نقلاً عن وزارة الصحة في غزة، فهي دائماً تشير إلى أن الوزارة مرتبطة بـ«حماس»، وأنه، بالتالي، «لا يمكن التأكد من صحة الأرقام». ومن ثم، فإنها تغيّب القصص الإنسانية الواردة من غزة بشكل كامل تقريباً، في حين تركز القصص الإنسانية على الضحايا الإسرائيليين.

مقر دار شبرينغر(أ ف ب / غيتي)

من جهة ثانية، يهتم الصحافيون الألمان الذين يغطون الحرب كثيراً بتقارير وروايات الجيش الإسرائيلي ويعرضونها من دون تشكيك. وتبدو القنوات والصحف الألمانية وكأنها تبرّر استهداف إسرائيل للمستشفيات والمدارس في القطاع، ودائماً تقرن قصصها عن استهداف الإسرائيليين للمقرات المدنية بأن «حماس» تستخدمها مخازن أسلحة. وهنا تستعين بخبراء قانونيين يسندون هذه النظرية، علما بأن الأمم المتحدة تقول بأنه لا يجوز، بحسب المواثيق الدولية، استهداف المستشفيات حتى ولو كانت تستخدم من قبل مسلحين.

المستشار الألماني أولاف شولتز (رويترز)

وعلى سبيل المثال، نقلت صحيفة «تزايت»، التي تعد من أكثر الصحف يسارية، عن شتيفان تالمون، الخبير في القانون الدولي، قوله إنه «حتى المدارس يمكن أن تصبح هدفاً مشروعاً إذا استخدمها الطرف الآخر عسكرياً»، مضيفاً: «يتعين تبرير كل حالة بمفردها». وحيال القصف الإسرائيلي لمستشفى الشفاء في مدينة غزة قال تالمون: «إنه مبرّر، ويعدّ إجراءً متوازياً بسبب وجود مقاتلين من (حماس) بداخله».

كذلك تطرقت صحيفة «تسودويتشه تزايتونغ» إلى النقطة نفسها، ونقلت عن خبراء بأنه «يتوجب» على إسرائيل أن تثبت أن «حماس» تستخدم المستشفيات والمدارس التي تتعرض للقصف لأهداف عسكرية، قبل أن تستدرك فتضيف، نقلاً عن البروفسور شتيفان أوتر من جامعة هامبورغ، قوله: «في حالات القتال لا يمكن فرض المعايير نفسها للأدلة، بل يكفي جعل إسرائيل فرضية استخدام المكان مقراً عسكرياً، ممكناً».

في السياق نفسه، لم تنتقد وسائل الإعلام الألمانية قرار حكومة المستشار أولاف شولتز حظر التجمعات المؤيدة لفلسطين، بل دافعت عنه. بل إن مجلة «فوكس» كتبت على موقعها مقالاً تحت عنوان «اليهود أو العرب العنيفون: علينا أن نختار من نبقي منهم عندنا». وانتقد المقال مظاهرة من المظاهرات القليلة التي سمحت بها الشرطة، وخرجت تدعو لوقف الحرب. وضمن المقال، دعا الكاتب ليس فقط إلى نزع الجنسية الألمانية عن المشاركين في المظاهرات الذين وصفهم بأنهم من المعادين للسامية، ولكن أيضاً إلى وقف التعديلات على قانون الجنسية الذي يقلّص عدد السنوات للحصول على الجنسية، ويسمح بتعددها الجوازات. وللعلم، كانت الحكومة الألمانية قد أجلت تعديل القانون بسبب الحرب على غزة، وقالت بأنها ستسعى لإضافة بنود للتأكد من منع تجنيس «معادي السامية وإسرائيل».

أكثر من هذا، عندما امتنعت ألمانيا يوم 27 أكتوبر عن التصويت على مشروع قرار داخل الأمم المتحدة يدعو إسرائيل لوقف حربها على غزة، خرجت الصحف في اليوم التالي تنتقد وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك متهمة إياها بـ«خذلان» إسرائيل. واعتبرت صحيفة «بيلد» الشعبية، الأكثر انتشاراً في البلاد، في مقال تحت عنوان «تصويت العار»، الامتناع عن دعم إسرائيل. ويُذكر أنه يومذاك صوتت 120 دولة آنذاك لصالح القرار مقابل 14 دولة صوتت ضده. وفي تصويت آخر داخل الجمعية العامة في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) حين طرحت 9 مشاريع قرارات تنتقد إسرائيل، صوتت ألمانيا ضد 8 منها، وامتنعت في واحد منها عن التصويت، وخرجت «بيلد» مجدداً لتكتب أن «ألمانيا تركت إسرائيل وحيدة».

أما على صعيد الإعلام المرئي فقد ركزت القنوات الألمانية وتركز في حواراتها على الطرف الإسرائيلي؛ إذ استضافت القناة الألمانية الأولى في منتصف نوفمبر السفير الفلسطيني في برلين ليث عرفة في حوار كاد معظمه يدور حول سبب الإحجام عن إدانة «حماس» على هجوم 7 أكتوبر، ولم يعلق المقدّم على انتقادات السفير لألمانيا وللإعلام الألماني على التجاهل المستمر للضحايا الفلسطينيين، والكيل بمكيالين.

وحقاً، لا يجد الصحافيون الألمان المعتدلون، وهم قلائل، اليوم منبراً لهم في الصحافة الألمانية. وكمثال، فإن هانو هاونستين الذي كان محرراً في صحيفة «برلينر تزايتونغ» ينتقد الإعلام الألماني بشكل لاذع على صفحته على منصة «إكس» (تويتر سابقاً). وهو حالياً يكتب عن الحرب في صحف غير ألمانية مثل «الغارديان» البريطانية التي نشرت له مقالاً ينتقد سحب جائزة أدبية من كاتبة فلسطينية. وعلى «إكس» كتب مرة تعليقاً على تغريدة لصحافي ألماني قال فيها: «صحافي ألماني يصف بشكل واضح كل سكان غزة المدنيين بأنهم (جناة) وليس فقط (حماس). هذه ذريعة لتبرير التطهير العرقي. في ألمانيا، أصبح هذا أمراً طبيعياً».

وبالفعل، ينتقد كثيرون من الألمان المسلمين تغطية الصحافة الألمانية للحرب. ولقد كتبت سوسن شبلي، السياسية في الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) الحاكم، في الأسابيع الأولى بعد عملية «حماس»، أنها باتت تتابع الإعلام البريطاني «كي تحافظ على صحة عقلها». أضف إلى ذلك أن قنوات ألمانية تواجه الآن اتهامات بممارسة الرقابة على المحتوى. وبعد أسبوع تقريباً على بدء الحرب، نشر موقع «ذي إنترسبت» الاستقصائي قصة حول «إرشادات» تتعلق بتغطية الحرب وزعتها دار «شبرينغر»، أكبر دار نشر أوروبية - ضمن ممتلكاتها «بيلد» و«دي فيلت» - دعت الصحافيين فيها «لإعطاء أولوية لوجهة النظر الإسرائيلية وتقليص فترة البث حول الضحايا الفلسطينيين». وأفاد موقع «إنترسبت» بأنه حصل على المعلومات من عدد من العاملين داخل الدار الذين تلقوا هذه «الإرشادات». وحذّرت المذكرة التي تحمل توجيهات التغطية من كتابة عناوين «يمكن أن تعتبر وكأنها تميل لفلسطين».

يهتم الصحافيون الألمان الذين يغطون الحرب كثيراً بتقارير وروايات الجيش الإسرائيلي ويعرضونها من دون تشكيك

وضمن الإطار ذاته، واجهت القناة الألمانية الأولى كذلك اتهامات بممارسة الرقابة بعدما ألغت عرض فيلم فلسطيني كان مبرمجاً عرضه قبل أشهر. وعنوان الفيلم «واجب»، وهو من تمثيل محمد بكري، ويروي بسرد فكاهي درامي، قصة أب فلسطيني يعيش في الناصرة، ويعود ابنه من إيطاليا لحضور عرس شقيقته، ومن ثم يبدأ رحلة توزيع دعاوى الزفاف مع والده.

وجاء في تعليق المنتج المشارك الألماني تيتوس كريانبيرغ أن المبرر الذي أعطته القناة لإلغاء عرض الفيلم، أن «الوقت غير مناسب في الوقت الحالي لعرض فيلم فلسطيني». وأردف كريانبيرغ أن القناة أبلغته بوجود «قلق» من عرض فيلم من بطولة محمد بكري الذي أخرج الفيلم الوثائقي «جنين، جنين» قبل 20 سنة. ويروي هذا الفيلم الوثائقي أحداثاً تتصل بعملية توغل الجيش الإسرائيلي في مدينة جنين بالضفة الغربية خلال أبريل (نيسان) 2002، من وجهة نظر فلسطينية فقط، بحسب ما قالت القناة لكريانبيرغ. ووفق المنتج الألماني، فإنه كتب للقناة يقول إنه «بغض النظر عن الرأي في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، ففي مكان ما سيتوقف الصراع، وكلا الطرفان سيجلس على الطاولة للحوار، وهذا الفيلم يتناول حواراً بين والد وابنه. كما أن السينما يمكنها أن تساعد في الحوار». ووصف المنتج وقف عرض الفيلم الفلسطيني في حين لم يوقف عرض أي فيلم آخر بأنه «نوع من الحظر والرقابة».


مقالات ذات صلة

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)
يوميات الشرق «SRMG Labs» أكثر الوكالات تتويجاً في مهرجان «أثر» للإبداع بالرياض (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تتصدّر مهرجان «أثر» للإبداع بـ6 جوائز مرموقة

حصدت «SRMG Labs»، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، 6 جوائز مرموقة عن جميع الفئات التي رُشّحت لها في مهرجان «أثر» للإبداع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم سيارة عليها كلمة «صحافة» بالإنجليزية بعد تعرض فندق يقيم فيه صحافيون في حاصبيا بجنوب لبنان لغارة إسرائيلية في 25 أكتوبر (رويترز)

اليونيسكو: مقتل 162 صحافياً خلال تأديتهم عملهم في 2022 و2023

«في العامين 2022 و2023، قُتل صحافي كل أربعة أيام لمجرد تأديته عمله الأساسي في البحث عن الحقيقة».

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي صحافيون من مختلف وسائل إعلام يتشاركون موقعاً لتغطية الغارات الإسرائيلية على مدينة صور (أ.ب)

حرب لبنان تشعل معركة إعلامية داخلية واتهامات بـ«التخوين»

أشعلت التغطية الإعلامية للحرب بلبنان سجالات طالت وسائل الإعلام وتطورت إلى انتقادات للإعلام واتهامات لا تخلو من التخوين، نالت فيها قناة «إم تي في» الحصة الأكبر.

حنان مرهج (بيروت)

انطلاق المنتدى السعودي للإعلام 19 فبراير المقبل

المنتدى يُشكِّل فرصةً للشركات والأفراد للاطلاع على أحدث تطورات الإعلام (تصوير: بشير صالح)
المنتدى يُشكِّل فرصةً للشركات والأفراد للاطلاع على أحدث تطورات الإعلام (تصوير: بشير صالح)
TT

انطلاق المنتدى السعودي للإعلام 19 فبراير المقبل

المنتدى يُشكِّل فرصةً للشركات والأفراد للاطلاع على أحدث تطورات الإعلام (تصوير: بشير صالح)
المنتدى يُشكِّل فرصةً للشركات والأفراد للاطلاع على أحدث تطورات الإعلام (تصوير: بشير صالح)

تنطلق النسخة المقبلة من «المنتدى السعودي للإعلام» في الرياض بتاريخ 19 وتستمر حتى 21 فبراير (شباط) 2025، حسبما أعلن رئيسه محمد الحارثي خلال لقاء استضافه معرض «ميبكوم» العالمي بمدينة كان الفرنسية، بحضور مسؤولي كبرى شركات الإنتاج الدولية، والمتخصصين.

وعدّ الحارثي البُعد الدولي للمنتدى أحد أهم مسببات إعلانه في «مبيكوم»، بجانب المشاركة في معرض «IBC» للإنتاج الإعلامي والبث الرقمي، بمدينة أمستردام الهولندية، مشيراً إلى أن اللجنة المنظمة «تبذل جهوداً مضاعفة هذا العام لتقديم نسخة أفضل مما سبق، باعتبار كل نجاح تحدياً لنجاح أكبر».

وأكد أهمية تعزيز وصول المنتدى ومعرضه المصاحب «مستقبل الإعلام» (فومكس) لأكبر قدر من الجماهير مع جذب الشركات الدولية، لافتاً إلى أن المعرض الذي يعد الأكبر من نوعه في المنطقة، يجمع نحو 200 شركة من 30 دولة، ليكون منصة تفاعلية تستعرض أحدث التقنيات والابتكارات بالمجال.

وأضاف أن السعودية تشهد حراكاً مستمراً على الأصعدة كافة وبمختلف المجالات ضمن «رؤية 2030»، و«هو ما يعطي فرصاً أكبر للنمو الإعلامي، ونمو السوق الاستثماري في جوانب التقنية الإعلامية التي يركز عليها الحدث»، لافتاً إلى أن المنتدى يُشكِّل فرصة للشركات والأفراد لتطوير إمكاناتهم، والاطلاع على أحدث التطورات، والوجود بسوق نشط «يعدّ القلب النابض للمنطقة».

وأشار الحارثي إلى أن المنتدى سيشهد مبادرات يتم خلالها تفعيل الشراكات المحلية والدولية عبر مسارات عدة، منها «تمويلي» للمشاريع الناشئة، وأخرى وظيفية وتطويرية للمواهب الشابة والعاملين بالمجال الإعلامي؛ انطلاقاً من أدواره في دعم رأس المال البشري وتمكينه، منوّهاً بأهمية التعاون مع الشركاء الفاعلين لتحقيق الأهداف المشتركة.

وأبان أن «جائزة المنتدى» تهدف إلى تحفيز الكفاءات من الأفراد والشركات لتقديم أعمال متميزة تسهم في تعزيز صورة السعودية كمنصة إعلامية عالمية، مضيفاً أنها تتضمن 15 مساراً تخدم تعزيز روح المنافسة بين صناع المحتوى والمؤسسات للارتقاء بالقطاع، وتكريم المميزين.

وكشف أن الجائزة تتضمن هذا العام مساراً جديداً للتسامح بالتعاون مع مركز الحوار العالمي (كايسيد)؛ لدعم القيم الإنسانية، وتعزيز التفاهم والانفتاح على الثقافات المختلفة.

وأوضح الحارثي أن مراحل التطوير التي يشهدها المنتدى وفعالياته المصاحبة تأتي مع «عام التحول الإعلامي»، والحراك الذي يشهده القطاع، ليكون عبر مؤسساته ومخرجاته كافة مواكباً لمسار التنمية الوطنية، ورؤية المملكة الطموحة.