نشرات «لينكد إن» الإخبارية... بين الترويج وتخطي الخوارزميات

شعار "لينكد إن"
شعار "لينكد إن"
TT

نشرات «لينكد إن» الإخبارية... بين الترويج وتخطي الخوارزميات

شعار "لينكد إن"
شعار "لينكد إن"

بينما تتخذ منصات تواصل اجتماعي مثل «فيسبوك» و«إكس» خطوات تبعدها عن الأخبار، معتمدة خوارزميات تحدّ من ظهور المحتوى الإعلامي للمستخدمين، تبرز «لينكد إن» بوصفها منصة تمنح فرصة لمشاركة المحتوى، وهو ما دفع مؤسسات إعلامية لاعتمادها في الترويج للنشرات الإخبارية «نيوز ليتر».

بعض الخبراء يثمّنون «أهمية» النشرات الإخبارية على «لينكد إن» ودورها في «تجاوز ألاعيب الخوارزميات»، إلا أن بعضهم يرى أنها «لن تحل محل النشرات الإخبارية عبر البريد الإلكتروني فلكل منصة جمهورها».

ويُذكر في الفترة الأخيرة، اختبرت «لينكد إن» النشرات الإخبارية بوصفها وسيلة للتواصل بين مستخدميها، وبات هناك أكثر من 143 ألف نشرة إخبارية على المنصة، يستفيد منها أكثر من 500 مليون مشترك. وفي سياق متصل، نقل موقع معهد «نيمان لاب» المتخصّص في دراسات الإعلام عن مديرة منتجات «لينكد إن»، كارين باروخ، قولها إن «هناك 150 ناشراً على الأقل يستخدمون المنصة في إرسال نشرات إخبارية»، في حين تقول جولييت بوشامب، مسؤولة التواصل التكنولوجي بمجلة «إم آي تي»، إن «منصات وسائل التواصل الاجتماعي تبدو غير ثابتة حالياً، خصوصاً بالنسبة لناشري الأخبار. ومع أن (لينكد إن) نادرة الاستخدام في هذا المجال، فإنها تعطي أولوية فعلية للأخبار».

في الواقع، عندما ينشر مستخدم نشرته الإخبارية على «لينكد إن»، فإن المنصة ترسل تنبيهات إلى جميع متابعيه، كما تظهر تلك النشرات مشاركات في صفحات المستخدمين، ما يمنحهم فرصة للتفاعل معها والتعليق عليها. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، يشرح رائف الغوري، اختصاصي تقنية المعلومات والمدرب الإعلامي السوري في دولة الإمارات العربية المتحدة، طبيعة نشرات «لينكد إن»، فيقول إنها «خفيفة وسهلة الفهم وتمتاز بأنها متخصّصة في مجال الاهتمام المهني للشخص أو المؤسسة. وهي دورية عند الأغلب وغير دورية عند البعض لعدم توفر تحديث للمعلومات... لكنها تمتاز بوفرة التنوع، فمنها الاقتصادي والتقني والاجتماعي والطبي واللوجستي وغيرها».

وبشأن استخدام الناشرين لها في الترويج للأخبار، أفاد الغوري بأن «تلك النشرات تُشكل رديفاً لطيفاً، لا سيما في الأوقات التي تُحجب فيها بعض الأخبار بسبب التلاعب بالخوارزميات على منصات التواصل الأخرى، في تأكيد للانحياز البشري والاصطناعي رغم كل ما يروَّج له من محاولة لتقنين الذكاء الاصطناعي والبشري وربط عمله بمواثيق أخلاقية». وأضاف أن «منصة (لينكد إن) كانت أفضل، وبدرجات، في حرية النشر من منصات أخرى في هذا الشأن». إلا أنه استدرك فأوضح: «لكن هذا وإن كان يجعلها رديفاً جيداً فإنها ليست بديلاً للنشرات الإخبارية البريدية أو لوسائل التواصل الأخرى لأنها أصلاً لم تصمم لغرض النشرات الإخبارية الاحترافية». الغوري استعرض أسباباً عدة لذلك، من بينها أن «نشرات (لينكد إن) تفتقر إلى الأدوات الأساسية في هذا المجال، بدءاً من تنسيق الخطوط إلى أدوات البحث والتوزيع والإحصاءات التي تساعد الناشرين على تعديل خططهم الاستراتيجية والتسويقية بالاعتماد على البيانات والمؤشرات السابق ذكرها». إلا أنه من جهة أخرى، أبدى استغرابه لامتناع «لينكد إن» عن استخدام الأدوات السابقة مع أن الشركة الأم لـ«لينكد إن»، وهي شركة «مايكروسوفت»، من «أوائل مَن قدم التعريب لأنظمة التشغيل منذ نظام (دوس) قبل (ويندوز) بسنوات».

أيضاً، يرى الغوري أن النشرات الإخبارية على «لينكد إن» يُمكن أن تكون «مساعداً أو ظلاً جيداً للمنصة الأساسية لمن يريد الهدوء في تناول الأخبار واستيعابها، بطريقة سهلة وسلسة، بعيداً عن صخب الإعلانات وضوضائها في المنصات الإخبارية الإلكترونية». ويوضح أن خوارزمية «لينكد إن» تتطور بشكل ملحوظ، ويعرب عن اعتقاده بإمكانية تطورها لصالح المحتوى الجيد والمشجع للقادمين الجدد، لتشجيعهم على تقديم ما لديهم، و«تحاشي إشهار وتوزيع ما هو مكرر».

في المقابل، لا يعتقد الناشرون أن نشرات «لينكد إن» ستكون بديلاً عن النشرات الجاري إرسالها عبر البريد الإلكتروني، على الأقل في الوقت الحالي، لا سيما أن النشرات على «لينكد إن» محدودة الأدوات، ولا تعطي المستخدمين كثيراً من البيانات لقياس مدى التفاعل عليها، كما لا يمتلك المستخدمون قائمة ببيانات المشتركين فيها على غرار نشرات البريد الإلكتروني.

من جانبه، يرى خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، خلال حوار مع «الشرق الأوسط»، أن «(لينكد إن) هي المنصة الوحيدة التي خطت خطوة للأمام في تضمين خدمات (النيوز ليتر) داخلها، وربطتها بخدماتها الأساسية». وأوضح أن «خدمة (النيوز ليتر) على (لينكد إن) تظهر بسهولة في إشعارات المنصة، ما يسهل على المستخدم الوصول إليها، إضافة إلى سهولة وصولها للجمهور أيضاً».

وأضاف البرماوي أن «جمهور منصة (لينكد إن) مثالي لمثل هذا النوع من الخدمات، فهو جمهور قارئ يبحث عن المعلومات. وبالتالي، فخدمات (النيوز ليتر)، أو النشرات الإخبارية على المنصة، ستكون فعالة جداً». وبشكل عام، يعتقد البرماوي أن «(النيوز ليتر) من أهم أدوات نشر المحتوى، وهي تستخدم لأغراض عدة... إما لتوزيع المحتوى بوصفها منتجاً مستقلاً بذاته يتعرف من خلاله الجمهور على أبرز الأخبار والمعلومات، وإما للتنبيه إلى حدث معين، فضلاً عن أنها أداة ترويجية فعالة». وهو بالتالي، يقترح أن تعمد المؤسسات الإعلامية إلى استخدام خدمات النشرات الإخبارية على «لينكد إن» جنباً إلى جنب مع خدمات النشرات الإخبارية التي ترسل عبر البريد الإلكتروني. ويشير إلى أن خدمات «النيوز ليتر» التقليدية عبر البريد الإلكتروني «فعالة في تحديد الجمهور ودراسة طبيعته وعدده وتفصيلاته، وهو ما لا تتيحه الخدمة نفسها على (لينكد إن) حتى الآن، لكن هذا لا يقلل من أهميتها في الوصول إلى الجمهور المستهدف». ويعتبر البرماوي أن «خدمات (النيوز ليتر) على (لينكد إن) تتجاوز خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي الأخرى، حيث تتيح منصة (لينكد إن) فرصاً أكبر وأسهل في الوصول للجمهور بعيداً عن ألاعيب الخوارزميات».

في هذا الإطار، أشار تقرير معهد «نيمان لاب» بشأن استخدام منصة «لينكد إن» في نشر «النيوز ليتر»، إلى حرص مؤسسات إخبارية عدة على استخدامها، بينها على سبيل المثال «وول ستريت جورنال» و«فايننشال تايمز» و«بي بي سي». وخلص التقرير إلى الإشارة لتحديات عدة تواجه النشرات الإخبارية على «لينكد إن» من بينها أن «تلك النشرات تجلب عدداً محدوداً من الزيارات للمواقع الإلكترونية مقارنة بعدد المشتركين فيها، وبحجم الزيارات الذي يأتي من النشرات البريدية». لكنّ مستخدمي الخدمة يرون أنها «وسيلة مهمة للتنبيه إلى المحتوى أياً كان نوعه».



الإعلام ووسائل التواصل تحاصر السلطات الثلاث في العراق

ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
TT

الإعلام ووسائل التواصل تحاصر السلطات الثلاث في العراق

ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»

للمرة الأولى في العراق، منذ تغيير النظام عام 2003 بواسطة الدبابة الأميركية، تتمكّن وسائل الإعلام العادية ووسائل التواصل الاجتماعي من محاصرة السلطات الثلاث في البلاد، أي التشريعية والتنفيذية والقضائية.

إذ لا يكاد يمر يوم واحد من دون أن تتناول وسائل الإعلام إحدى السلطات الثلاث أو كلها مجتمعة، إلى الحد الذي دفع أحد أبرز قيادات النظام السياسي وأحد آبائه المؤسسين، وهو نوري المالكي - ثالث رئيس وزراء عراقي بعد التغيير - إلى التحذير في كلمة متلفزة من نقل كل ما يدور في أروقة هذه السلطات إلى الإعلام.

جاءت كلمة المالكي المتلفزة في خضم تفجر تبعات تضارب المصالح والسياسات وتراكم حالات الفساد التي وصلت إلى ما بات يُوصف في وسائل الإعلام بـ«سرقة القرن».

وسعى المالكي في كلمته، إلى دغدغة مشاعر الجماهير، وبالذات، جماهير الأحزاب السياسية التي هي في الوقت نفسها مادتها في الانتخابات. لكن، في حين يعترف المالكي بأنه ليس هناك شيء يهدد الدولة مثل «اضطراب العلاقة بين السلطات الثلاث»، حذّر من حصول سوء تفاهم، وقال بضرورة أن «تسير الأمور وفق الاتصالات والتفاهمات بينها حتى تستقر العملية السياسية». كذلك نبّه في الوقت نفسه إلى ضرورة منع نقل اختلال العلاقة واضطرابها والمشاكل المترتبة عليها إلى «وسائل الإعلام».

تخمة إعلامية

غير أن العراق اليوم حافل بوسائل الإعلام المختلفة والمتعددة، كون غالبية الأحزاب والقوى السياسية باتت تملك وسائل إعلامها الخاصة بها (من صحف وفضائيات وإذاعات بل حتى وكالات). وبالتالي، فإن «الحرب» التي تشنّها وسائل الإعلام ضد هذا الطرف أو ذاك من داخل الطبقة السياسية، وإن كانت تبقى محصورة في نطاق التنافس والابتزاز أحياناً عبر التهديد بالكشف عن ملفّات معينة، تكمن خطورتها أحياناً في أنها تخرج عن السيطرة وتتحول إلى أزمة تهدّد النظام السياسي بكامله.

أيضاً، يرى العراقيون أن المكسب الوحيد الذي حصلوا عليه بعد عام 2003 هو الديمقراطية، وهذا على الرغم من أن حرية التعبير المنصوص عليها في الدستور لم تُنظّم بقانون حتى الآن. فواقع الحال أن وسائل الإعلام، سواءً كانت «ميديا» أو «سوشيال ميديا»، لعبت خلال الفترة الأخيرة دوراً مهماً على صعيد الكشف والمحاسبة ومحاصرة السلطات في عديد من الملفات والقضايا، التي باتت ساحتها وسائل الإعلام، لتتحوّل من ثمّ إلى قضايا رأي عام.

من ناحية ثانية، على الرغم من امتلاك معظم القوى السياسية وسائل إعلامها الخاصة، فإن صراع الأقطاب السياسيين بشأن الملفات المطروحة وتصادمها وتناقضها، يجعل من الحرب الناجمة عن ذلك عرضة للتشظي السريع. وبالتالي، تتحوّل إلى مادة؛ إما يسخر منها الجمهور وإما يتفاعل معها بطرق في الغالب سلبية. ومعلومٌ أن القوى السياسية بدأت منذ الآن «اللعب على وتر» الشعبوية لاستثارة الجمهور العاطفي تمهيداً للانتخابات المبكرة. إذ إن قضايا، مثل قانون العفو العام، سرعان ما تتحول إلى مادة للسخرية والتهجّم على عديد من القيادات السنّية. والأمر نفسه ينطبق على محاولات تعديل قانون الأحوال الشخصية، الذي تتبنّاه قوى شيعية فاعلة، في محاولة منها لاستمالة أعلى نسبة من الجمهور الشيعي... الذي يعيش انقساماً بيّناً داخل المكون الشيعي.

ذكاء اصطناعي بالمقلوب

على صعيد آخر، تنشط وسائل الإعلام ووسائطه المختلفة، بما في ذلك ما يُسمى «الجيوش الإلكترونية». وهذه في الغالب اختصاص الأحزاب والقوى السياسية في متابعة الأحداث، وبخاصة قضايا الفساد، كونها المادة الأكثر إثارة عاطفية للجمهور العراقي.

إلا أن التحوّل الأخطر اليوم هو دخول الذكاء الاصطناعي على الخط. ففي حين يسعى كثير من الدول إلى الاستفادة من الذكاء الاصطناعي بكل ما هو إيجابي، فطبقاً لما جرى تداوله أخيراً في العراق على نطاق واسع، تسريبات صوتية تخصّ رئيس «هيئة النزاهة» حيدر حنون، وتتهمه بتلقي رشى لقاء تسهيلات معينة في «الهيئة».

الجديد في الأمر أن وسائل الإعلام حاولت اللعب على وتيرة ما قيل إن هذه التسريبات ليست حقيقية بل هي عملية مفبركة من خلال الذكاء الاصطناعي. ولكن بصرف النظر، عما إذا كانت التسريبات حقيقية أم لا - خصوصاً أن القضاء الذي يحقّق بالأمر لم يقل كلمته بعد - فإن الأحكام في الغالب بدأت تصدر من خلال التناول المكثّف لمثل هذه القضايا عبر وسائل الإعلام. وطبعاً، بقدر ما يؤثّر مثل هذا الضغط الإعلامي الواسع في تغيير وجهات نظر الناس، والتأثير فيهم، فإنه في النهاية يؤدي إلى مزيد من الإرباك وزيادة الغموض بين ما هو صحيح وما هو مفبرك.

تضارب الآراء هذا لا يعني أن قضية التسريب هي الأولى من نوعها في العراق، لكن الناس، في مطلق الأحوال، صاروا يشكّكون في التوقيت والسبب وراء نشر أمور كهذه أمام الجميع وتحت متناول وسائل الإعلام... كي تنتج منها ظاهرة خطيرة قد تُشعل الأجواء أو تغيّر النظام. وعلى الرغم من أن أزمات من هذا العيار قد تكون مدوّية وفاضحة للنظام السياسي، فإنها حتماً ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ذلك أنه سبق أن انتشرت تسريبات صوتية لنوري المالكي، نفسه، قبل سنتين، وأحدثت ضجة كبيرة في الأوساط العراقية، لكن الأزمة سرعان ما انتهت من دون ترك أثر سياسي خطير يُذكر.

طبيعة النظام وأزمات الإعلام

في النهاية، يقول مراقبون إن طبيعة النظام السياسي في العراق أصبحت جزءاً من عملية «صنع الأزمة الإعلامية» والتلاعب عليها... سواءً كانت عبر التنافس بين القوى السياسية أو عبر التسقيط والابتزاز وفضح الآخرين. كذلك بات المواطن العراقي يفهم جيداً طريقة التلاعب والابتزاز في صفحات التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية. والحال، أن الخبر في العراق قد يمتد صداه إلى ثلاثة أيام فقط وبعدها ينتهي، والسبب أن المواطن اعتاد على أزمات سياسية بين القوى والأحزاب... على هذا المستوى أو حتى أعلى. وأيضاً، فإن وسائل «السوشيال ميديا» ساعدت في تسطيح الأزمات السياسية الخطيرة في العراق، إما عبر التهكّم بجعلها مادة للسخرية والتنمّر الاجتماعي، وإما عبر التذمّر والامتعاض الذي يؤدي إلى رفض كامل للواقع السياسي.