كيف تواجه «غوغل» تراجع الزيارات على المواقع الإخبارية؟

شعار غوغل
شعار غوغل
TT

كيف تواجه «غوغل» تراجع الزيارات على المواقع الإخبارية؟

شعار غوغل
شعار غوغل

أُثيرت تساؤلات عديدة حول كيف تواجه شركة «غوغل» تراجع الزيارات على المواقع الإخبارية، بعدما أجرت «غوغل» تحديثاً تبعته تغييرات لافتة في الخوارزميات الخاصة بالأخبار، وهو ما تسبب، بحسب بيانات، «في تراجع حركة الزيارات لعدد من المواقع الإخبارية البارزة مثل هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، وصحيفة (ذا صن)».

«غوغل» كانت بررت التحديثات بأنها «تهدف إلى تحسين جودة البحث على الأخبار». إلا أن التراجع دفع إلى تساؤلات حول مفهوم «التحسين» وكذلك جهود «غوغل» البحث في دعم صُناع الأخبار. وللعلم، يعد هذا التحديث الذي أُجري مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الثالث خلال العام بعد تحديثات سابقة في مارس (آذار) وأغسطس (آب) الماضيَين، غير أن تأثيره على الزيارات هو ما أثار عاصفة من الانتقادات والتحليلات.

وفق بيانات صادرة عن مؤسسة «سيكستريكس تولبوكس (SISTRIX Toolbox)» المتخصصة في أدوات تحليل تحسين محركات البحث، فإن «نصف المواقع الإخبارية المصنفة بين الأفضل عالمياً (وهي تقدر بـ50 موقعاً) تعرّضت للتراجع في الظهور على محرك البحث، ومن ثم سقطت الزيارات». كذلك، «شهد 13 موقعاً زيادة في الزيارات بنسبة 10 في المائة، بينما تسبب التحديث الأخير في ارتفاع الزيارات لدى 13 موقعاً أخرى بنسبة تُقدر بـ5 في المائة».

السر علي سعد، الأستاذ المشارك في تخصص الإعلام الجديد بجامعة أم القيوين في دولة الإمارات العربية المتحدة، قال خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» إن السنوات الأخيرة شهدت تقلبات في العلاقة بين «غوغل» وصناعة الأخبار. وأردف: «أصبحت غوغل مصدراً رئيسياً للحصول على معلومات لكثير من الأفراد، ولكن كانت هناك توترات بين غوغل وشركات الأخبار؛ بسبب حقوق النشر والعوائد المادية من الإعلانات والزيارات».

ومن ثم، عدّ أن تحديث سياسات «غوغل» بين حين وآخر يؤثر في مهنية الأخبار، بدءاً من وضع قواعد الـ«إس إي أو» (SEO)، التي فرضت طريقة لكتابة الخبر وتكرار بعض الكلمات، وكذلك خوارزميات البحث التي تتغير مراراً وتكراراً وتتسبب في تقليل الزيارات للمواقع الإخبارية، ما يؤثر في الإعلانات والعائدات.

ويتفق السر مع «غوغل» في أن الهدف هو «تحسين جودة البحث»، ويضيف: «قرار غوغل خفض الوصول إلى الأخبار المكتظّة بالإعلانات يعكس محاولتها التصدي للمحتوى المضلل». غير أنه انتقد الطريقة التي تُنفذ بها التحديثات، وتأثيرها على الصناعات الأخرى. وهنا يشار إلى أن تحديثات «غوغل» شملت التأكيد على أهمية المحتوى المفيد، وملاحقة الأخبار التي تستهدف الربح في المقدمة، أو تلك التي تكتظ بالإعلانات التجارية إلى حد مزعج للقارئ، خصوصاً المراهنات الرياضية، التي تشهد تأثيرات سلبية على مستوى الموقع. وكانت «غوغل» قد طرحت تحديثاً سابقاً يهدف إلى معاقبة المواقع ذات المحتوى المنسوخ أو التي وصفتها بـ«تجربة سيئة للمستخدم».

من ناحية أخرى، صرّح الباحث المصري المتخصص في الإعلام الرقمي، محمد صلاح، لـ«الشرق الأوسط» بأن العلاقة بين «غوغل» ومواقع الأخبار مبنية بالأساس على المصلحة «المشتركة». وأوضح: «من دون صُناع الأخبار لن تضمن غوغل خدمة إخبارية متدفقة. وعلى صعيد آخر فإن الناشرين بحاجة إلى وسيلة للعرض والوصول للجمهور، ومن هنا تتضح أهمية كل منهما للآخر، حتى إنه يُمكن القول إنها علاقة تكاملية».

أيضاً، أكد صلاح أهمية المرتكز الاقتصادي في هذه العلاقة، فقال: «الناشرون بحاجة إلى مصدر للدخل مقابل الأخبار، وغوغل تبحث عن حركة وتفاعل على محرك البحث لضمان استدامة المعلنين، وبالنظر إلى هذه الدائرة المتشابكة نصل إلى حقيقة الحاجة المتبادلة بين الطرفين».

صلاح، من جانبه، لا يرى في تحديثات «غوغل»، و«إن تسببت في تراجع الزيارات على المواقع الإخبارية، اتجاهاً معاكساً لصُناع الأخبار، بل هي خطوة نحو التطوير». ويشرح «وفقاً لدليل غوغل لكتابة الأخبار، فإن ثمة ضوابط خاصة بصناعة المحتوى باتت مفروضة على صناع الأخبار... بعضها يمكن وصفه بالدور التطويري للأخبار، مثل شروط التوثيق والمصداقية، واعتناء غوغل بأصالة المحتوى ومواجهة عمليات النسخ التي تضعف التجربة الصحافية. كل هذا ينعكس على مهنية الخبر وضمان الحد من نشر معلومات مضللة أو مجهولة المصدر».

غير أن صلاح يعدّ أيضاً أن خوارزميات «غوغل» لها جانب «مظلم»، ويشرح: «تحاول غوغل فرض هيمنة على صناعة الأخبار، وهو مسار خطر في عالم تشوبه خلافات دولية وحروب، وبدا سافراً في الحرب على غزة، ومن ثم مَن يملك المعلومة يتحكم في المشهد». ثم يقول: «لا أجزم بالعلم بأهداف الخوارزميات التي جرى تحديثها، غير أن السوابق تشهد على النوايا الحقيقية، التي لا يملك الإجابة عنها راهناً سوى مَن يضع استراتيجيات غوغل». وكان الموقع الإخباري الذي حصل على أكبر نسبة مشاهدة خلال أكتوبر الماضي، هو موقع «غوغل نيوز» المجمّع، بينما حافظت صحيفة «الغارديان» البريطانية على مكانة متقدمة في قائمة الأعلى زيارة بزيادة طفيفة عن الشهر السابق قُدّرت بـ6 في المائة، لكنها لم تصل إلى ما كانت عليه بعد تحديثات «غوغل» التي أُجريت في مارس الماضي، أما «بي بي سي» فقد تراجعت زياراتها بنسبة 3 في المائة.

وهنا يصف فادي رمزي، مستشار الإعلام الرقمي والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، الرابط بين «غوغل» والناشرين بـ«علاقة الحب والكراهية». ويوضح لـ«الشرق الأوسط» أنه في «السنوات الثلاث الأخيرة تحديداً ازداد الإقبال على الخدمات الإخبارية، وتحديداً، منذ ضرب فيروس (كوفيد-19) العالم، ثم وقعت حروب لم تكن في الحسبان». وتابع رمزي: «بات الجمهور يتوق إلى المعلومات الدقيقة أكثر من أي وقت مضى. وهو ما دفع شركة (ميتا) إلى الحد من نشر الأخبار، وخفض التوقعات الخاصة بها. بيد أن غوغل قلقة بشأن هيمنة الأخبار كذلك، ولذا فهي تحذو المسار عينه بوضع ضوابط للأخبار والحد من سيطرتها على محرك البحث الأبرز عالمياً». وفي هذا الإطار، أشار رمزي إلى أن صعود قطاعات في الخدمة الإخبارية «إشارة يجب أن تؤخذ في الاعتبار من قبل صُناع الأخبار». وأردف: «المستقبل يفرض على منصات الأخبار بعض التكيُف، لا سيما مع مزيد من الاعتماد على المنتجات الرقمية... وعلى المنصات أن تقدّم منتجات تحقق الخدمة الإخبارية وتعزز نشر المعلومات، ولكن بطرق أكثر تفاعلية وتطوراً عمّا سبق». وتابع: «هناك تخصص ضخم يُعرف باسم (تنمية الجمهور)، ويركز على فهم احتياجات الجمهور، ومن ثم طرح ما يبحث عنه والخروج من بوتقة الشكل النمطي للأخبار».

يطلق رمزي على هذا المسار مسمى «العلاقة المستدامة»، وعنه يقول: «المنصات الإخبارية بحاجة إلى توطيد أواصر الصلة بالجمهور من خلال خدمات أكثر مباشرة، وتعزيز العلاقة الشخصية مع القراء، من خلال توفير ما يحتاجونه ويفكرون فيه. وهنا تأتي ضمانات الاستمرارية، ومن ثم الاستقرار دون الاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث».



الإعلام الرياضي متهم بـ«الانحياز الجنسي» و«تسليع الأجساد»

إيمان خليف
إيمان خليف
TT

الإعلام الرياضي متهم بـ«الانحياز الجنسي» و«تسليع الأجساد»

إيمان خليف
إيمان خليف

كشف تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، حول العنف تجاه النساء والفتيات في مجال الرياضة، أن 87 في المائة من حالات التنّمر المسجّلة على هامش الألعاب الأولمبية الأخيرة في باريس على منصّة «إكس» («تويتر» سابقاً) كانت ضد الرياضيات الإناث. والنسبة هي بالتأكيد مرشحة للارتفاع في ظل استمرار الجدل حول التمييز الجندري (الجنسي) الذي تتعرض له النساء اللائي اخترن احتراف الرياضة.

ثم إنه على الرغم من التقدم الذي تحقق في التغطية الإعلامية المخصّصة للرياضات النسوية، يبدو أن الطريق ما زال طويلاً قبل الوصول إلى تحقيق التكافؤ بين الجنسين. وهذه خلاصة لدراسة أعدتها هيئة «الأركوم» الفرنسية لتنظيم الإعلام السمعي البصري والرقمي، نشرت في يناير (كانون الثاني) 2023، وجرت فيها دراسة تطور التغطية الإعلامية للرياضات النسوية على مدى 4 سنوات.

النتائج كشفت ما كان متوقعاً، أي أن الرياضيين الذكور يحظون بتغطية أوسع من زميلاتهم الإناث، إذ يستولون على نسبة 77 في المائة من اهتمام الإعلام. وفي المقابل، بيّنت الدراسة أن الأمور تتجه لتحسن طفيف، ذلك أن نسبة بثّ المباريات والمسابقات الرياضية النسوية ارتفعت من 3.6 في المائة عام 2018 إلى 4.8 في المائة عام 2021، مع العلم أن معظمها بُثت على قنوات القطاع العام، لأن القنوات الخاصة التي تخضع لمنطق الربحية لا تريد المغامرة وتفضل التركيز على الرجال لتكون قادرة على جلب المعلنين وتحقيق نسب مشاهدة عالية. في حديث مع إذاعة «راديو فرانس» قالت الصحافية الرياضية إيميلي روس إن «القضية ليست قضية أرباح فقط بل خيارات تحريرية، فنحن نضع على الواجهة ما يباع... ونرفض الاعتراف بأننا إذا سلّطنا الضوء على الرياضات النسوية، فسينتهي بنا الأمر إلى بيع الاهتمام بشكل أكبر». واستشهدت الصحافية بدراسة لجريدة «لوباريزيان» الفرنسية كانت قد أظهرت أنه خلال الفترة التي أعقبت ترشّح منتخب كرة القدم النسوي لنهائيات كأس الأمم، ورغم النجاحات التي أحرزتها اللاعبات، كانت نسبة تداول اسم نجم كرة القدم كيليان مبابي في وسائل الإعلام 3 أضعاف تداول اسم كل لاعبات فريق كرة القدم الوطني مجتمعات (11 لاعبة). الانتقادات لم تطل الجانب «الكمّي» من التغطية الإعلامية فحسب، بل الجانب النوعي أيضاً. فقد نقلت تقارير كثيرة جداً نماذج للتحّيز الجنسي الواضح في تغطيات الصحافيين عندما يتعلق الأمر بمباريات أو مسابقات رياضية تشارك فيها النساء، إذ يصار إلى التركيز على شكل الجسد والعمر والحياة الخاصة للرياضيات، بينما تشيد التقارير الموازية بالقدرات والمنجزات والأداء الرياضي عند زملائهن من الرجال.

آنا كورنيكوفا

وفي هذا السياق، كان الصحافي الأسترالي (اللبناني الأصل) ديفيد بشير قد تسبّب في جدل كبير في وسائل الإعلام الأسترالية عام 2023، بسبب تعليق له حول الأداء الرياضي للاعبة كرة قدم بعد فترة الأمومة. أما ساندي مونتانولا، الباحثة الفرنسية في علوم الإعلام والاتصال في جامعة رين الأولى (شمال غربي فرنسا) فقد نشرت في إطار دراسة علمية مقتطفات من المقالات التي كُتبت في وصف الملاكِمات، ليتضّح أن معظمها يحمل تعليقات حول بنية الجسد والملامح القاسية. وجاء في مقطع من تحقيق خُصّص لبطلة الملاكمة السابقة مريم لامار ما يلي: «في غرفة الملابس ترتدي مريم لامار السروال القصير، فتظهر عضلاتها المثيرة: ذراعان قويتان وظهر تتوقّعه من رجل...».

آميلي موريزمو

من جهة أخرى، إذا كان البعض يرى أن المشكلة في المظهر والأنوثة، فإن آخرين يرون أن المشكلة تكمن في الطابع الجنسي الذي تحاول وسائل الإعلام إضفاءه على أجساد الرياضيات. وهنا، كشفت دراسة كانت قد أجريت إبّان الألعاب الأولمبية في أثينا عام 2004 أن 20 في المائة من اللقطات التي بُثت من مباريات كرة اليد الشاطئية كانت مشاهد مقرّبة لصدور وأرداف اللاعبات، وكأن المباراة «فرجة» لمفاتن اللاعبات أكثر منها تقييماً للأداء الرياضي.

وما يستحق الإشارة هنا أن قرار الاتحاد الأوروبي بمعاقبة لاعبات كرة اليد الشاطئية النرويجيات، لاستعاضتهن عن لباس السباحة المكون من قطعتين صغيرتين (بيكيني) بسروال قصير أكثر حشمة، أحدث جدلاً كبيراً حول ظاهرة «تسليع» جسد الرياضيات. وهذه الفكرة شرحتها الباحثة الفرنسية مونتانولا حين كتبت: «بينما يستطيع الرياضيون ارتداء بدلة مريحة، لا تملك الرياضيات حرية اختيار اللباس، وكأن أجسادهن ملك للاتحاد وللشركات المعلنة ووسائل الإعلام». وبالفعل، هذه الظاهرة نجدها بقوة اليوم في شبكات التواصل التي تعرض أجساد الرياضيات طمعاً في الحصول على الإعجابات. وفي هذا الشأن تشرح مصارعة الجودو المغربية (ذات الأصول السنغالية) أسماء نيانغ لمجلة «وومان سبورت» قائلة: «كثيرات من الرياضيات ينشرن صوراً تكشف عن أجسادهن، وكلما أظهرن المزيد حصلن على المزيد من (الإعجابات)... وهذا ببساطة ما يدفع الرُّعاة والمعلنين إلى توقيع عقود الشراكة، ما يعني أننا أصبحنا (منتوجاً) على شبكات التواصل، وهذه للأسف خطوة لا بد منها إذا أردنا ضمان وجودنا على المشهد الرياضي والإعلامي». الأدهى من ذلك هو أن الحضور القوي لبعض الرياضيات على شبكات التواصل لا يرتبط بالضرورة بأداء رياضي متميّز. وهنا يستعين سيبستيان أيسا، الباحث في جامعة الفرانش كونتيه (شرق فرنسا) بمثال لاعبة كرة المضرب الروسية الحسناء آنا كورنيكوفا، التي لم تكن تصنّف ضمن أحسن اللاعبات لكنها تحظى بأضعاف التغطية الإعلامية التي تلقاها زميلتها المصنفة العالمية الأولى. وبالنسبة للرياضيات اللائي لا تنطبق عليهن معايير الأنوثة المتعارف عليها، فغالباً ما يتعرّضن للتنمّر والتمييز ضدهن، وبالأخص على شبكات التواصل. وكانت آخر حلقات هذه الظاهرة الحملة العنيفة التي تعرضت لها الملاكمة الجزائرية إيمان خليف على منصّة «إكس»، عندما وُصفت فيها بـ«الوحش» و«الرجل» و«المتحوّل الجنسي»، وقد شارك فيها مالك المنصّة نفسه إيلون ماسك، الذي يعد حسابه على المنصة 190 مليون متابع. ثم إن الجدل وصل إلى وسائل الإعلام الأميركية ودخل في المنافسة الانتخابية بين مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترمب ومنافسته كامالا هاريس.

وقبل إيمان تعرّضت مجموعة من نجمات الرياضة، بينهن بطلة كرة المضرب الأميركية سيرينا وليامز وزميلتها الفرنسية آميلي موريزمو والجنوب أفريقية كاستر سيمنيا والإيرانية زهرة قودائي وأخريات، إلى حملات تنمّر شنيعة، بتشجيع من شبكات التواصل، بالإضافة لتغطية إعلامية متحيّزة لا تمت بصلة لأدائهن الرياضي، بل لخروجهن عن إطار الصورة النمطية للجسد المثالي للمرأة.