«بي بي سي» تحقق مع صحافيين بسبب مواقفهم من حرب غزة

مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين قرب مقر «بي بي سي» وسط لندن السبت (إ.ب.أ)
مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين قرب مقر «بي بي سي» وسط لندن السبت (إ.ب.أ)
TT

«بي بي سي» تحقق مع صحافيين بسبب مواقفهم من حرب غزة

مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين قرب مقر «بي بي سي» وسط لندن السبت (إ.ب.أ)
مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين قرب مقر «بي بي سي» وسط لندن السبت (إ.ب.أ)

تفجر جدل حول قرار هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» بإجراء تحقيق مع مجموعة من الصحافيين في خدمتها العربية، بداعي انخراطهم في الكتابة والتعليق و«الإعجاب» عبر وسائل التواصل الاجتماعي بمواقف من الحرب في غزة، اعتبرتها «لا تتماشى مع السياسة التحريرية».

وكانت «بي بي سي» أوقفت عن العمل مؤقتاً ستة من صحافييها، جميعهم يعملون في منطقة الشرق الأوسط، وأحالتهم على التحقيق في اتهامات لهم بـ«التحيز ضد إسرائيل»، و«الاحتفاء» بالهجوم الذي شنته حركة «حماس» على مستوطنات في محيط القطاع.

وارتكزت أسباب التحقيق على بعض الأوصاف التي استخدمها الصحافيون في التعليق على القتال في غزة عبر حساباتهم الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي. وقالت الهيئة إن بعض المراسلين وصفوا عناصر «حماس» بأنهم «مقاتلون من أجل الحرية»، فيما وصف أحدهم يوم الهجوم بأنه «صباح مفعم بالأمل».

تحقيق مع 6 صحافيين

والصحافيون الستة الذين أخضعوا للتحقيق هم محمود شليب، سالي نبيل، سلمى الخطاب، عمرو فكري وآية حسام (صحافية مستقلة) في القاهرة، سناء الخوري وندى عبد الصمد من لبنان.

وسعت «الشرق الأوسط» إلى التواصل مع الصحافيين الستة، غير أنهم تحفظوا عن الرد. لكن مصدراً على اطلاع بملابسات التحقيق الداخلي في «بي بي سي» أبلغ «الشرق الأوسط» بأن «عقود الصحافيين والعاملين في الهيئة يلزمهم بمعايير للتعبير عن الرأي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بما لا يخالف توجه المؤسسة».

وقال المصدر إن «هذا الموقف ليس جديداً على بي بي سي... تم فصل صحافيين من قبل على خلفية مواقف سياسية علنية تخالف التوجه العام للمؤسسة».

أعراف مؤسسية

وتتبع بعض المؤسسات الإعلامية البارزة «عرفًا» يشمل إصدار كُتيب يتضمن إرشادات للعاملين من بينها حدود التعبير عن الآراء الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي التي ربما تشمل بعض القيود.

وقال الدكتور السر علي سعد، الأستاذ المشارك في تخصص الإعلام الجديد بجامعة أم القيوين في الإمارات، إن «كل مؤسسة صحافية لديها سياسات داخلية تحدد كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ويمكن أن تتضمن هذه السياسات توجيهات بشأن نوع المحتوى الذي يجب نشره والأساليب الملائمة».

سيارة أحرقتها غارة إسرائيلية على رفح في جنوب غزة الأحد (أ.ف.ب)

وأضاف سعد لـ«الشرق الأوسط» أن حرية الصحافي «يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار... ومن الضروري أن يكون هناك توازن بين حرية الصحافيين في التعبير عن آرائهم وحرية المؤسسة في تحديد السياسات الداخلية».

واعتبر أنه «یجب على الصحافي ممارسة حریته في التعبیر عن رأیه بحذر واعتدال، مع مراعاة المسائل الأخلاقیة والقانونیة وضمان عدم تأثیر آرائه على موضوعیتھا في تغطیة الأخبار».

«رسالة تحذيرية»

كانت «بي بي سي» وجهت «رسالة تحذيرية» للعاملين بها فور اندلاع الحرب على غزة قبل عشرة أيام، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، بشأن سلوك بعض الصحافيين على مواقع التواصل الاجتماعي، ووصفته بأنه «لا يتماشى مع المبادئ التوجيهية التحريرية لها». وقالت: «نحن بحاجة إلى أن نكون محايدين في جميع الصراعات». وتوعدت بـ«استبعاد بعض الموظفين إن لم يتم الالتزام بموقف المؤسسة».

ويرى نقيب الصحافيين المصريين الأسبق يحيى قلاش أن المؤسسات الصحافية التي تلزم العاملين بتقييد آرائهم «عليها أن تراجع أدبيات المهنة التي هي مهنة رأي بالأساس». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «نحن في ظرف استثنائي، والإعلام الغربي لم يلتزم الحيادية كما يدعي، ومن ثم أي صحافي يخفي رأيه الداعم للقضية الفلسطينية قد سقط في جرم وليس العكس».

وذهب قلاش إلى أن حسابات مواقع التواصل الاجتماعي «أمر شخصي». وقال: «لا يحق لجهة عمل أن تفرض سلطتها على مساحات شخصية، وإلا يعد استعباداً غير مقبول مهنياً. رأي الصحافي ليس بالضرورة أن يعبر عن وجهة نظر المؤسسة التي يتبعها من دون تعقل».

وجاء التحقيق الذي أجرته «بي بي سي» في أعقاب مظاهرات حاشدة لتأييد الفلسطينيين شهدتها العاصمة البريطانية لندن، السبت، أمام مقر الهيئة. واتهم متظاهرون «بي بي سي» بـ«عدم الحيادية» في تناول القضية، كما سكبوا طلاء أحمر يرمز إلى الدم على مبناها.


مقالات ذات صلة

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

لم يشهد سكان غزة، الجمعة، ما يدعوهم للأمل في أن يؤدي أمرا الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت إلى إبطاء الهجوم على القطاع الفلسطيني، مع إعلان مقتل 21 شخصاً على الأقل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جنود إسرائيليون خلال العملية البرية داخل قطاع غزة (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد جنوده في معارك بشمال غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي، الخميس، مقتل أحد جنوده في معارك في شمال قطاع غزة. وأضاف أن الجندي القتيل يدعى رون إبشتاين (19 عاماً) وكان ينتمي إلى لواء غيفعاتي.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رحّبت حركة «حماس»، اليوم (الخميس)، بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية النائب الإسرائيلي غادي آيزنكوت (رويترز)

آيزنكوت يتهم إسرائيل بـ«فشلها في خطة الحرب على غزة بشكل خطير»

قال النائب عن حزب الوحدة الوطنية الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، إن خطة إسرائيل لحربها ضد «حماس» في غزة «فشلت بشكل خطير»، واتهم الحكومة الإسرائيلية بالضياع.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
TT

كيف يؤثر «غوغل ديسكوفر» في زيادة تصفح مواقع الأخبار؟

شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)
شعار شركة «غوغل» عند مدخل أحد مبانيها في كاليفورنيا (رويترز)

أوردت تقارير، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أن ناشري الأخبار كثّفوا ظهورهم على «غوغل ديسكوفر» بهدف زيادة حركات المرور على مواقعهم، وهذا بعدما تراجعت وسائل التواصل الاجتماعي عن دعم ظهور الأخبار منذ مطلع العام. إذ اتجهت «غوغل» إلى نموذج الملخّصات المعزّز بالذكاء الاصطناعي بديلاً عن ترشيح روابط الأخبار من مصادرها، ما أدى إلى تراجع الزيارات تدريجياً. غير أن خبراء ناقشوا الأمر مع «الشرق الأوسط» عدُّوا هذا الاتجاه «رهاناً محفوفاً بالمخاطر، وقد لا يحقق نموذج عمل مستداماً». أبحاث أجرتها «نيوز داش»، وهي أداة متخصصة في تحسين محركات البحث (SEO) موجهة للناشرين والمواقع الإخبارية، أظهرت أن «غوغل ديسكوفر» بات يمثل في المتوسط 55 في المائة من إجمالي حركة المرور الآتية من «غوغل» للناشرين، مقارنة بـ41 في المائة، في دراسة سابقة، ما يعني أن «ديسكوفر» أضحى القناة الكبرى التي تجلب الزيارات إلى مواقع الأخبار.

جدير بالذكر أن «غوغل ديسكوفر» هو موجز للمقالات يظهر على نظامي «أندرويد» و«آبل» عند فتح «غوغل» للتصفّح. ووفق محرّك البحث، فإن المقالات المُوصى بها تُحدَّد وفقاً لاهتمامات المستخدم وعمليات البحث السابقة، ومن ثم، فإن ما يظهر لدى المستخدم من ترشيحات هو موجز شخصي جداً، لذا يحقق مزيداً من الجذب.

محمد الكبيسي، الباحث ومدرب الإعلام الرقمي العراقي المقيم في فنلندا، أرجع تكثيف بعض المواقع الإخبارية وجودها على «غوغل ديسكوفر» إلى احتدام المنافسة الرقمية بين المنصّات للوصول إلى الجمهور. وأوضح: «منطقياً، تسعى مواقع الأخبار إلى الظهور على منصات متعدّدة، مما يعزز فرص الوصول والتفاعل مع الأخبار دون الحاجة للبحث المباشر».

وحدَّد الكبيسي معايير ظهور المقالات على «غوغل ديسكوفر» بـ«جودة المحتوى، والتحديث المستمر، وتوافق SEO، والملاءمة مع اهتمامات المستخدمين وسلوكهم السابق في استخدام وسائل الإنترنت، إضافة إلى الالتزام بمعايير الإعلام والصحافة المهنية».

ومن ثم، بعدما رأى الباحث العراقي تكثيف الاهتمام بأداة «غوغل ديسكوفر» حلاًّ مؤقتاً للمرحلة الحالية، شرح أنه «يمكن القول عموماً إن (غوغل ديسكوفر) قد يُسهم في زيادة معدلات الزيارات للعديد من المواقع الإخبارية، لكن ذلك يعتمد على أهمية المحتوى وملاءمته اهتمامات الجمهور». أما عن الحلول المستدامة فاقترح الكبيسي على صُناع الأخبار تحقيق المواءمة مع تطوّرات المنصات ومواكبة التحديثات؛ لتجنب التبِعات التي قد تؤدي إلى تقليل الظهور أو انخفاض معدلات الوصول».

من جهته، يقول الحسيني موسى، الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة الـ«سي إن إن» العربية، إن «غوغل ديسكوفر» لا يقبل أي مقالات؛ لأن لديه معايير صارمة تتعلق بجودة المحتوى ومصداقيته. وتابع أن «الظهور على (غوغل ديسكوفر) يشترط تقديم معلومات دقيقة تلبّي اهتمامات المستخدمين وتُثري معرفتهم، مع استخدام صور عالية الجودة لا تقل عن 1200 بيكسل عرضاً، وعناوين جذابة تعكس مضمون المقال بشكل شفاف بعيداً عن التضليل». ثم أضاف: «يجب أن تكون المواقع متوافقة مع أجهزة الهواتف الذكية؛ لضمان تجربة مستخدم سلسة وسريعة، مع الالتزام الكامل بسياسات (غوغل) للمحتوى».

وعلى الرغم من أن معايير «غوغل ديسكوفر» تبدو مهنية، عَدَّ موسى أن هذا «الاتجاه لن يحقق مستقبلاً الاستقرار للناشرين... وصحيح أن (غوغل ديسكوفر) يمكن أن يحقق زيارات ضخمة، لكن الاعتماد عليه فقط قد لا يكون واقعاً مستداماً».

ورأى، من ثم، أن الحل المستدام «لن يتحقق إلا بالتنوع والتكيف»، لافتاً إلى أنه «يُنصح بالتركيز على تقديم محتوى ذي قيمة عالية وتحويله إلى فيديوهات طولية (فيرتيكال) مدعومة على منصات التواصل الاجتماعي لجذب المزيد من المتابعين وبناء قاعدة جماهيرية وفية».