هل تدفع منصات التواصل صُناع الأخبار إلى «القوالب التفاعلية»؟

هل تدفع منصات التواصل صُناع الأخبار إلى «القوالب التفاعلية»؟
TT

هل تدفع منصات التواصل صُناع الأخبار إلى «القوالب التفاعلية»؟

هل تدفع منصات التواصل صُناع الأخبار إلى «القوالب التفاعلية»؟

منذ إعلان شركة «ميتا» المالكة لـ«فيسبوك» و«إنستغرام» تراجعها عن دعم الأخبار، والحديث لا ينقطع في الأوساط الإعلامية عن مستقبل الإعلام الرقمي وشكل الأخبار التي يُمكن أن تستمر على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما أن هذه المنصات باتت الصلة الراسخة بين غُرف الأخبار والأجيال الشابة.

توصيات لمؤتمر «مستقبل تكنولوجيا الإعلام» الذي عقد في لندن أخيراً، أشارت إلى أن على صُناع الأخبار استلهام مسارات المستقبل من تجربة منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما «تيك توك»، الذي بات يستحوذ على المستخدم لمدة تصل إلى 95 دقيقة يومياً.

ودفعت نقاشات المؤتمر إلى تساؤلات حول كيفية تكيف غُرف الأخبار مع التحول من الخبر الكلاسيكي إلى التفاعلي. ويرى مات بايتون، مسؤول القراء في صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، أن «على الناشرين التخلي عن هدف استقطاب الجمهور لدخول الموقع الإلكتروني من خلال منصات التواصل». وقال خلال مشاركته في نقاشات المؤتمر: «علينا أن نستهدف تحقيق احتياجات القارئ وفقاً لسلوكه وبالنمط الذي يفضله، حتى إن كان يفضل البقاء على منصة التواصل الاجتماعي دون النقر على رابط الخبر».

أسامة عصام الدين، خبير تطوير منصات التواصل الاجتماعي بالمملكة العربية السعودية، يعد في لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن منصات التواصل الاجتماعي فرضت نمطاً جديداً لاستهلاك القارئ للأخبار؛ هو «المشاهدة والتفاعلية». وأردف أن «منصات الفيديو القصيرة تحديداً اعتمدت على فكرة الدخول مباشرة في صلب الموضوع من دون مقدمات طويلة... والأخبار يُمكنها استلهام ذلك أيضاً، سواء كنا نتحدث على صعيد سرد وعرض القصة نفسها، أو حتى استخدام تقنيات المونتاج السريعة والمؤثرات البصرية لجذب الانتباه، إلى جانب إضافة حس فكاهي أو طريقة عرض مميزة تقلل من الجدية المفرطة التي قد يشعر بها مستهلك الأخبار التقليدي».

غير أن عصام الدين لا يتوقع أن يلغي هذا الاتجاه «أهمية الخبر حتى إن كان بنمطه الكلاسيكي... فلكل محتوى جمهوره، بغض النظر عن مدى حجم الاهتمام الذي أتوقع أنه سيقل تدريجياً، خصوصاً عند الحديث عن الأجيال الجديدة؛ لكن الأخبار المكتوبة قد تصبح جزءاً من محتوى يشمل الفيديو والصوت والصورة». وللعلم، ظلت الصحف بعيدة عن تطبيق «تيك توك» في بداياته، غير أن العام الأخير ربما يكون قد غيّر الموازين.

ووفق بحث أجراه معهد «رويترز لدراسة الصحافة»، مطلع العام الحالي، «يحصل عدد أكبر من الشباب على الأخبار من وسائل التواصل الاجتماعي أكثر مما يحصلون عليه من منصات الصحف نفسها». وبحسب بيانات نشرتها «Ofcom» الهيئة التنظيمية المعتمدة من الحكومة البريطانية لقطاعات البث والاتصالات، «يستخدم واحد من كل 3 أشخاص ممن تتراوح أعمارهم بين 16 و24 سنة في بريطانيا تطبيق (تيك توك) للوصول إلى الأخبار»، وهو ما عدّه خبراء «فرصة للناشرين لترسيخ وجودهم على منصات التواصل». وهنا يستشهد عصام الدين بتجربة صحيفة «واشنطن بوست» على «تيك توك». ويؤكد البيان أن «الصحيفة استطاعت أن تعيد تقديم نفسها لجيل زي بطريقة مبتكرة موجهة بالأساس لهذا الجيل حسب اهتماماته وخبرته»، موضحاً: «اعتمدت الصحيفة على مقاطع تمثيلية ممتعة تضمن بقاء المستخدم لبعض الوقت، وفي النهاية تحقق الهدف من نقل المعلومة أو الخبر». وهنا قال عصام الدين إنه «لا يوجد نمط أو أداة تضمن تحقيق الهدف. وجميع منصات التواصل وأدواتها التي تتغير بين ليلة وضحاها، مسخرة لخدمة صانع المحتوى، سواء كان فرداً أو مؤسسة». وعدّ أن «تحقيق شرط التفاعلية مع الجمهور المستهدف من شأنه أن يحد من تبعات أزمة تراجع منصات التواصل عن دعم الأخبار». وأشار إلى أن «تقديم محتوى تفاعلي سيجذب جمهوراً جديداً، وهو الجمهور الذي تسعى له منصات التواصل قبل الناشرين أنفسهم، لكن الأمر يحتاج إلى متابعة وتحليل بيانات خاص لفهم احتياجات وتفضيلات الجمهور».

من جهة ثانية، وبحسب تيم بيرسون، مسؤول الإيرادات الخاص بموقع «Ladbible» البريطاني، فإن الموقع شهد نمواً في حركة المرور على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الشهور الماضية، بما في ذلك «فيسبوك». وقال بيرسون خلال فعاليات المؤتمر: «ما زلنا في العصر الذهبي لوسائل التواصل الاجتماعي، على الرغم من الطبيعة المتقلبة للمنصات وعلاقاتها مع الناشرين». وهنا يرى فادي رمزي، مستشار الإعلام الرقمي والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، في حوار مع «الشرق الأوسط»، أن «الاتجاه المقبل جميعه نحو الفيديو القصير الرأسي، بما في ذلك الأخبار... إن الأجيال الشابة تتعامل مع الهاتف أكثر من أجهزة الحاسوب أو الورق. ومن ثم على الناشرين أن يتكيفوا مع هذا الواقع، وكذلك الرهان على التكثيف والمتعة، من خلال نقل نص مدعم بصورة وفيديو من قلب الحدث».

ويعدّ رمزي منصة «تيك توك» تحديداً، «مصدر إلهام لصناع الأخبار، ليس فيما يخص الشكل فحسب»، بينما «اختلفت اهتمامات القراء، وباتت أكثر تشعباً، كما أننا أمام جمهور مُطلع أمامه مئات الاختيارات من مصادر المعلومات... وكل هذا على الناشرين أن يضعوه في اعتبارات التطوير». ويتابع: «المنتجات الرقمية باتت متعددة... وثمة مصادر عدة أمام الصحف لتحقيق الأرباح، بداية من النشرات البريدية، والنسخة الرقمية للصحيفة، بالإضافة إلى الحسابات المتعددة على منصات التواصل الاجتماعي، والأساس هو الموقع الإلكتروني أو التطبيق».

ثم يضيف أن «كل شكل يسمح بنمط من التفاعل حسب الأداة، ومن ثم يحقق تواصلاً من نوع خاص مع القارئ يتوقف على اهتماماته وخصائصه الديموغرافية». أيضاً، يشير رمزي إلى أهمية تحديد أنماط «الصحافة التفاعلية»، فيقول: «أصبحت الصحافة التفاعلية علماً قائماً بذاته بسبب أهميتها. ويُمكن القول إن أبسط أشكالها المقالة التفاعلية التي لا تقتصر على كلمات مكتوبة، بينما توفر للقارئ تجربة مدعمة بالوسائط المتعددة... كذلك تطبيقات الواقع المعزز باتت توفر تجربة صحافية ممتعة وأكثر تفاعلية، فحتى الألعاب بات يُستعان بها داخل الخدمات الصحافية».

ويتوقع رمزي أن يزدهر المحتوى الصحافي في المرحلة المقبلة ليشمل أنماطاً عدة، من حيث مجالات التغطية أو شكل العرض ونموذج التفاعل مع القارئ، قائلاً: «كل هذا يصب في صالح تلبية احتياجات القارئ من جانب، واستمرار صناعة الصحافة من جانب آخر».


مقالات ذات صلة

«بي بي سي» تعتزم تسريح 500 موظف

أوروبا صورة لشعار «بي بي سي» (فليكر)

«بي بي سي» تعتزم تسريح 500 موظف

تعتزم هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» تسريح 500 موظف بحلول نهاية مارس 2026 بعدما خفّضت عدد موظفيها بنسبة 10 % خلال السنوات الخمس الماضية

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن يتحدث في المؤتمر الوطني رقم 115 لـ NAACP في لاس فيغاس بنيفادا (رويترز)

بايدن: أميركا تعمل بلا كلل للإفراج عن غيرشكوفيتش

أكد الرئيس الأميركي جو بايدن أن الولايات المتحدة تعمل «بلا كلل» لضمان الإفراج عن الصحافي الأميركي إيفان غيرشكوفيتش.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ مراسل صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية إيفان غيرشكوفيتش في صورة غير مؤرخة (رويترز)

الحكم على الصحافي الأميركي غيرشكوفيتش بالسجن 16 عاماً في روسيا

أدانت محكمة يكاترينبورغ الروسية في الأورال الصحافي الأميركي إيفان غيرشكوفيتش، اليوم (الجمعة)، بتهمة «التجسس» وحكمت عليه بالسجن 16 عاماً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
إعلام التوجه الاستراتيجي يجسّد إرادة جماعية واضحة لحماية المصالح الرقمية العربية (واس)

اجتماع عربي في الرياض يبحث التعامل مع الإعلام العالمي

ناقش فريق التفاوض العربي الخطة التنفيذية للتفاوض مع شركات الإعلام الدولية وفق إطار زمني، وصياغة التوجه الاستراتيجي للتعامل معها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أوروبا عناصر من الشرطة البريطانية أمام بوابة في «دوانينغ ستريت» (إ.ب.أ)

السجن مدى الحياة لرجل خطط لخطف مذيعة بريطانية لاغتصابها

قضت محكمة بريطانية بالسجن مدى الحياة على رجل أدين بمحاولة اختطاف مذيعة تلفزيونية بريطانية شهيرة واغتصابها وقتلها.

«الشرق الأوسط» (لندن)

استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى الإعلامي يُثير جدلاً مهنياً

روبوت يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي (آ. ف. ب.)
روبوت يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي (آ. ف. ب.)
TT

استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى الإعلامي يُثير جدلاً مهنياً

روبوت يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي (آ. ف. ب.)
روبوت يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي (آ. ف. ب.)

أثار استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج محتوى إعلامي بالولايات المتحدة، جدلاً مهنياً بشأن تبِعات ذلك المستقبليةِ، ولا سيما بعد «الاستيلاء» على هويات كُتاب حقيقيين ونشر محتوى بأسمائهم. وعدَّ خبراء، تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، ما حدث اعتداء على حقوق الملكية الفكرية، وأشاروا إلى ضرورة سن تشريعات ووضع قواعد لحوكمة الذكاء الاصطناعي.

الجدل بدأ عقب الكشف عن إعادة نشر مقالات على مدوّنة قديمة متخصصة في التكنولوجيا، تابعة لشركة «أبل»، تحمل اسم «تواو (TUAW)»، مع أنها مغلقة منذ عام 2011، وفق ما نشره موقع «ذي فيرج» الأميركي. وأضاف الموقع أن «المقالات الجديدة المنشورة على المدوّنة أُنتجت بواسطة الذكاء الاصطناعي، ونُشرت بأسماء كُتاب وصحافيي المدوّنة السابقين، وذلك بعد استيلاء مالك جديد على المدوّنة المغلقة. ثم إن الصحافية الأميركية كريستينا وارين نشرت، عبر حسابها على (ثريدز)، صوراً من صفحتها على المدوّنة، تتضمن مقالات جديدة تحمل اسمها، نُشرت في يوليو (تموز) الحالي، على الرغم من أنها تركت المدوّنة عام 2009، كما أنها لم تعد تكتب في الصحافة التكنولوجية منذ انضمامها إلى (مايكروسوفت)».

وقد أعربت وارين عن «صدمتها»، قائلة: «كنت أعتقد أن أسوأ ما يمكن أن يحدث للصحافي هو فقدان أرشيفه؛ لكن اتضح أن هناك ما هو أسوأ؛ وهو ظهور هذه النسخة المشوّهة التي تبدو حقيقية لكنها ليست كذلك». من جهته، أفاد موقع «ذي فيرج» بأن «وارين ليست الصحافية الوحيدة التي انتُحلت شخصيتها على المدوّنة، بل كان هناك صحافيون آخرون نُسبت إليهم كتابة تقارير مولَّدة بالذكاء الاصطناعي».

الدكتورة مي عبد الغني، أستاذ الإعلام في جامعة بنغازي بليبيا، والباحثة المتخصصة في الإعلام الرقمي، عدَّت هذه الواقعة «دليلاً على زيادة وتيرة السرقات الأدبية، والاعتداء على حقوق الملكية الفكرية بواسطة الذكاء الاصطناعي، وهي شملت أيضاً شركات صناعية وتجارية وبنوكاً كبرى، إضافة إلى انتحال بعض الأصوات في الاستعمال السيئ لهذه التقنية». وأردفت عبد الغني، في حوار مع «الشرق الأوسط»، أن «التقنيات المتطورة لن تكون بديلاً، بأي حال من الأحوال، عن استخدام العقل البشري في الإبداع والابتكار؛ لأن قدراتها في هذا الاعتماد عليها بشكل كامل يوقِع المستخدم تحت طائلة القانون؛ لأنه قد يتضمن سرقة لمجهود الآخرين. ووضعت بضعة مقترحات للحد من مخاطر التقنية؛ أولها الاستثمار في تطبيقات وأدوات كشف أصالة المحتوى، وتحديد المحتوى المولَّد بتقنيات الذكاء الاصطناعي، لافتة إلى وجود عدد من هذه الأدوات والبرامج بالفعل.

أما الاقتراح الثاني، وفقاً لعبد الغني، «فيتمثل في سَن تشريعات وقوانين لمواجهة السرقات الأدبية، ومتابعة الجرائم الإلكترونية». وهنا نوّهت بتجربة الولايات المتحدة في هذا المجال، إذ «أسّست عام 2019 مختبراً كجزء من وحدة العلوم وتقييم التكنولوجيا يُصار فيه إلى إجراء تجارب علمية متطورة مدعومة بأدوات الذكاء الاصطناعي لكشف الانتحال والسرقات الإلكترونية وتتبُّع مرتكبيها».

كذلك، شدّدت الدكتورة عبد الغني على «أهمية تعزيز وتشجيع الابتكار وتنمية المهارات البشرية، ودعمها بالأدوات والتطبيقات التقنية بشكل مقنن، بما يكفل تحقيق الاستفادة المثلى منها من التكنولوجيا». ومع الإشارة إلى استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي باتت هناك مخاوف عدة بشأن انتشار «المعلومات المضللة»، و«انتهاك الخصوصية»، لذا تتجه دول عدة إلى حوكمته، ووضع ضوابط لاستخدامه. وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، توصّل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق بشأن تنظيم التكنولوجيا وُصف بأنه «خطوة غير مسبوقة».

من جهة أخرى، قالت سالي حمود، الباحثة الإعلامية اللبنانية في شؤون الإعلام المعاصر والذكاء الاصطناعي، وأستاذ الإعلام والتواصل، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، إن «الذكاء الاصطناعي أثار جدلاً كبيراً فيما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية... الأمر الذي ينطوي على خطورة نظراً لصعوبة ضبط أطر إنتاج المحتوى المنتَج بالتقنية».

وضربت حمود مثلاً على ذلك بمحاولات وسائل إعلام عدة وضْع أوصاف تشير إلى محتوى أو صورة ما «جرى توليدها بالذكاء الاصطناعي»، وذكرت أن «مواجهة التقنية لن تتحقق إلا بتقنية مثلها، ومن هنا تظهر بين الحين والآخر برامج وتطبيقات لكشف السرقات والانتحال». وفي حين لفتت الباحثة اللبنانية إلى «خطورة واقعة انتحال أسماء صحافيين مثل وارين»، فإنها عدَّت المسألة قابلة للاحتواء. أما التحدي الأكبر فيكمن في وضع قواعد وأطر لحوكمة الذكاء الاصطناعي، والعمل على التثقيف الإعلامي عبر التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص معاً.

وهنا نشير إلى أن الصحافية كريستينا وارين سعت بالفعل إلى منع انتحال اسمها، وأرسلت رسالة، عبر البريد الإلكتروني، إلى المدوّنة الجديدة، «مهدِّدة باتخاذ الإجراءات القانونية ضدها»، لكن المدوّنة اكتفت بحذف اسمها من المنشورات ووضعت اسماً آخر، وقد تكرّر الأمر نفسه مع صحافيين آخرين، وفق «ذي فيرج».