الإعلام الفرنسي: نزعة جديدة باتجاه تفلّت الخطاب العنصري

«هجمة» رجل الأعمال المحافظ فانسان بولوريه تعزّز هيمنة اليمين المتطرّف عليه

صورة لإضرار العاملين في "لوجورنال دو ديمانش" (جي دي دي)
صورة لإضرار العاملين في "لوجورنال دو ديمانش" (جي دي دي)
TT

الإعلام الفرنسي: نزعة جديدة باتجاه تفلّت الخطاب العنصري

صورة لإضرار العاملين في "لوجورنال دو ديمانش" (جي دي دي)
صورة لإضرار العاملين في "لوجورنال دو ديمانش" (جي دي دي)

منذ أيام قليلة، انتهى إضراب صحافيي أسبوعية «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية وعمالها بتأكيد مجموعة «لاغاردير» ثقتها في الإعلامي جوفروا لوجون على رأس إدارة الأسبوعية الشهيرة. ويأتي تنصيب صحافي معروف بمواقفه الموالية لليمين المتطرف على رأس صوت إعلامي بعد هجمة ملحوظة للملياردير فانسان بولوريه على معاقل الإعلام الفرنسي بغرض ضمّها إلى مجموعته الضخمة «فيفندي»، وكان رجل الأعمال الفرنسي المحافظ قد أثار في مناسبات كثيرة جدلاً واسعاً بسبب مواقفه الموالية لليمين المتطرف.

إيريك زمّور (إلى اليمين) على قناة "سي نيوز"

«لوجورنال دو ديمانش»

أكثر من شهر من الإضرابات، ودعم 650 شخصية من مختلف الأطياف السياسية والثقافية، وجدل على مستوى الصحافة والبرلمان حول حياد وسائل الإعلام لم تكن كافية للي ذراع إدارة مجموعة «لاغاردير» المالكة (مؤقتاً) لـ«لوجورنال دو ديمانش» (جي دي دي). وللعلم، كان الفريق العامل فيها قد عبّر بغالبية ساحقة (98 في المائة) عن رفضه تعيين جوفروا لوجون مديراً للتحرير بسبب مواقفه المتطرفة. وما يذكر أن مدير التحرير الجديد كان قد أُقيل قبلاً من مهامه على رأس صحيفة «فالور أكتووال» (التي يملكها رجل الأعمال الفرنسي - اللبناني إسكندر صفا) بعدما ساند علانية ترشّح زعيم اليمين المتطرف إيريك زمّور للرئاسة، ويعد زمّور من أصدقائه المقربين. كذلك فإن لوجون كان أيضاً وراء تأليف كتاب بعنوان «زمّور الرئيس» (دار نشر رينغ) الذي مدح فيه الطموح السياسي لزعيم كتلة «الاستعادة» (روكونكيت) وحظوظه المزعومة في الفوز بالرئاسيات ورسم للمرشح السابق ملامح شخصية مثالية.

أكثر من هذا، يُعدّ لوجون البالغ من العمر 35 سنة صديقاً مقرباً لماريون مارشال - لوبن، ابنة أخت زعيمة حزب «التجمع الوطني» المتطرف مارين لوبن وحفيدة جان ماري لوبن مؤسّس حزب «الجبهة الوطنية» المتطرف. وهو لم يكتفِ بالإجهار عن قناعاته السياسية فحسب، بل ذهب إلى غاية الإعلان عن نيته الدفاع عن نظريات اليمين المتطرف في وسائل الإعلام. وفي حوار نشر على موقع «أنسيب» لمدرسة العلوم السياسية التي أسهم في تأسيسها مع صديقته ماريون، صرّح لوجون قائلاً: «إنني أحاول تطوير أفكارنا في المناقشات العامة من أجل إقناع الناس، والدفاع عن مواقفنا. وأنا أفكّر خصوصاً بالقنوات الإخبارية التي تتيح لنا إمكانية القيام بذلك بصفة منتظمة».

جوفروا لوجون

من جهة ثانية، حين كان لوجون يدير مجلة «لي فالور أكتوروال» صدر بحقه حكم قضائي وغرامة مالية بتهمة «السبّ العلني بدوافع عنصرية» بعد تشبيه النائبة ذات الأصول الأفريقية دانيال أبونو بـ«العبدة السوداء». وحالياً تؤكد نسبة كبيرة من فريق تحرير الـ«جي دي دي» نيتها الاستقالة بعد وصول المدير الجديد. وفي مقال بعنوان «اليمين المتطرف يبتلع جي دي دي»، في جريدة «لامارسياز»، أعرب الناطقون باسم الصحافيين عن أسفهم لـ«الهزيمة التي أفضت إلى تولّي الصحافي المعروف بمواقفه المتطرفة إدارة الأسبوعية رغم احتجاجاتهم لكنه (أي المدير) - كما يقول البيان - سيدخل إلى مكاتب خالية من العمال... لأن الغالبية استقالت...».

وسائل الإعلام الفرنسية التي تناولت بإسهاب قضية الـ«جي دي دي» ربطت، في الواقع، بين صعود الخطاب المتطرف في بعض وسائل الإعلام واتساع نفوذ مجموعة «فيفندي» التابعة لفانسان بولوريه، وهذه ليست القضية الوحيدة، فكثرة من الانتقادات وُجهت في السابق، وما زالت تُوجه، إلى القناة الإخبارية «سي نيوز» بسبب نزعتها نحو نشر نظريات التيارات المحافظة.

«سي نيوز» الإخباريةمنبر لليمين المتطرف

في سياق موازٍ، وتحت عنوان «سي نيوز... قناة تعدّدية»، نشرت صحيفة «ليبيراسيون» اليسارية دراسة تختبر فيها مدى «تعدّدية» القناة - التابعة لـ«فيفندي» - وحجم انفتاحها على مختلف الأطياف السياسية. وجاء ذلك إثر الجدل الكبير الذي أعقب تصريح وزير التربية والتعليم السابق باب ندياي، الذي وصف القناة الإخبارية بأنها «بوق لليمين المتطرف بلا منازع». ولقد أكدت دراسة «ليبيراسيون»، كما يتوقع كثيرون، تصريحات وزير التربية السابق عندما كشفت أن القناة (التي تملكها «فيفندي» العملاقة عبر ذراعها «كانال بلوس») هي بمثابة «حاضنة للشخصيات اليمينية». وبالأرقام، مثلت الشخصيات السياسية المنتمية لليمين واليمين المتطرف التي شاركت بمقابلات القناة وتدخلاتها خلال الأسبوع الأول من شهر يوليو (تموز) الماضي لوحده نسبة 73 في المائة، أي الغالبية الساحقة. وأيضاً وصلت نسبة الشخصيات الإعلامية المشاركة التي تنتمي إلى التيار السياسي نفسه إلى 82 في المائة.

الدراسة أشارت كذلك إلى وجود شخصيات فرنسية مختلفة تظهر بانتظام في تغطيات هذه القناة الإخبارية، وكلها معروفة بمواقفها المعادية للهجرة والمهاجرين، وبالأخص المسلمين، وبين هؤلاء العضو في حزب «التجمع الوطني» سابقاً وحزب «الاستعادة» حالياً، جان مسيحة - واسمه الحقيقي باسم مسيحة ـ وهو مصري الأصل.

كذلك شملت الانتقادات أيضاً معالجة القناة للأحداث السياسية واختيار المواضيع، وإضافة إلى استضافتها برنامجاً أسبوعياً من تنشيط الصحافي السابق ورئيس حزب «الاستعادة» إيريك زمّور، فهي أيضاً القناة التي خصصت برنامجاً للكاتب رولان كامو، صاحب نظرية «الاستبدال العظيم»، نشر من خلالها، على مدار نصف ساعة، نظرياته المُتطرفة بكل حرية في برنامج أسهم فيه الإعلامي المخضرم إيفان روفيول، أحد أقطاب صحيفة «لوفيغارو». والأمر اللافت اليوم، أن هذه القناة في تقدم مستمر. وثمة تقارير عديدة كشفت عن أنها - بالرغم من كونها حديثة التأسيس - تحتل حالياً ريادة القنوات الإخبارية مناصفةً مع «بي إف إم تي في»، التي ظلت طويلاً الأولى من حيث نسب المشاهدة. والواضح، أن «سي نيوز» تُركز كثيراً في تغطياتها على إشكالات الهجرة والإسلام والأمن وأحداث الشغب بين الشرطة وشباب الضواحي، وتستفيد من ذلك. وعلى سبيل المثال، حققت القناة خلال الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة نسبة مشاهدة عالية جداً بالنسبة للقنوات الإخبارية.

بولوريه «برلوسكوني جديد»!

يُرجع المراقبون توجه بعض وسائل الإعلام، وبالأخص التابعة لمجموعة «فيفندي» نحو تبني خطاب اليمين المتطرف إلى تأثير مالكها ورئيسها اليميني الملياردير بولوريه الذي يوصف بأنه كاثوليكي ملتزم.

الرجل كوّن ثروة تُقدر بأكثر من 10 مليارات يورو معظمها من نشاطات استثمارية في أفريقيا، تشمل مجالي النقل البحري والمقاولات، مُعتمداً على علاقاته المتينة بقادة سياسيين في دول غرب أفريقيا مثل نيجيريا وكوت ديفوار وغانا والكاميرون. إلا أنه وجه في الفترة الأخيرة اهتمامه إلى الإعلام، بضمه قناة «سي نيوز»، و«قناة سي 8»، و«إذاعة أوروبا 1»، وباقة قنوات «كانال بلوس» إلى إمبراطوريته.

وتفيد أحدث بأن «فيفندي» هي الآن على وشك التحول إلى عملاق الإعلام في فرنسا، بعد موافقة بروكسل (الاتحاد الأوروبي) على العرض الذي تقدمت به لشراء مجموعة «لاغاردير» الإعلامية، مُستحوذة بذلك على صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» ومجلة «باري ماتش»، ومجلة «غالا»، ودار «هاشيت» العريقة للنشر، وشركة الدعاية والاتصال العالمية العريقة «هافاس». ولكن، بخلاف رئيس الوزراء الإيطالي السابق الراحل سيلفيو برلوسكوني، الذي استغل إمبراطوريته الإعلامية لخدمة طموحه السياسي، فإن بولوريه - وإن كان قريباً جداً من الأوساط اليمينية - بقي في ظل السياسيين تربطهم به علاقة قوية من دون أن يخوض المُعترك السياسي.

وهنا نشير إلى أنه قريب جداً من الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، وكان قد احتفل معه بفوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2007. والشيء المؤكد أن بولوريه يسعى بوضوح وإصرار إلى بناء استراتيجية مُحكمة لبسط آرائه اليمينية المحافظة على وسائل الإعلام التي يمتلكها عبر فتح منابرها لشخصيات يمينية محافظة. ولغايات رمزية أشارت وسائل الإعلام إلى إقدامه على تغيير اسم القناة بعد ضمّها عام 2016 من «أي تيلي» إلى «سي نيوز» على غرار نظيرتها الأميركية «فوكس نيوز»، مع الإشارة إلى مساندة القناة الصريحة لترشح إيريك زمور. وحقاً، كانت «سي نيوز» أشبه ما يكون بمنبر للمرشح المتطرف السابق، مخالفة بذلك قوانين المجلس الأعلى للسمعي البصري.

واليوم، فإن فانسان بولوريه هو من فرض جوفروا لوجون على رأس الـ«جي دي دي». ومع أنه لم يعترف بهذه الأجندة السياسية علانية. وهو كان قد قال أمام أعضاء مجلس الشيوخ خلال جلسة استماع بشأن تركيز ملكية وسائل الإعلام: «مصالحنا ليست سياسية وليست آيديولوجية... إنها اقتصادية فقط. أنا أجيبك عن أسئلتكم كفرد فقط وليس لدي أي قوة ضمن مجموعة فيفندي...».


مقالات ذات صلة

زينة يازجي: «سباق القمة» يقدّم الانتخابات الأميركية من منظور مختلف

إعلام زينة يازجي (الشرق الأوسط)

زينة يازجي: «سباق القمة» يقدّم الانتخابات الأميركية من منظور مختلف

مع احتدام سباق البيت الأبيض، يتجه الاهتمام العالمي نحو الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي يُنظر إليها على نطاق واسع بوصفها واحدة من أكثر المنافسات السياسية

مساعد الزياني (دبي)
إعلام اعتماد «ميتا» على منشورات المُستخدمين لتدريب الذكاء الاصطناعي... يجدد مخاوف «الخصوصية»

اعتماد «ميتا» على منشورات المُستخدمين لتدريب الذكاء الاصطناعي... يجدد مخاوف «الخصوصية»

أعلنت شركة «ميتا» عزمها البدء في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، معتمدة على بيانات مصدرها المنشورات العامة للمستخدمين على «فيسبوك» و«إنستغرام»،

إيمان مبروك (القاهرة)
المشرق العربي عربة عسكرية إسرائيلية خارج المبنى الذي يستضيف مكتب قناة الجزيرة في رام الله بالضفة الغربية المحتلة (رويترز)

«الجزيرة» تعدّ اقتحام القوات الإسرائيلية لمكتبها في رام الله «عملاً إجرامياً»

أعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، أنه أغلق مكتب قناة «الجزيرة» في رام الله بالضفة الغربية المحتلة، لأنه «يحرض على الإرهاب».

«الشرق الأوسط» (رام الله)
العالم شعار مجموعة «ميتا» (رويترز)

«ميتا» تحظر وسائل الإعلام الحكومية الروسية على منصاتها

أعلنت مجموعة «ميتا»، المالكة لـ«فيسبوك» و«إنستغرام» و«واتساب»، فرض حظر على استخدام وسائل الإعلام الحكومية الروسية لمنصاتها، وذلك تجنّبا لأي «نشاط تدخلي أجنبي».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
إعلام ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»

الإعلام ووسائل التواصل تحاصر السلطات الثلاث في العراق

للمرة الأولى في العراق، منذ تغيير النظام عام 2003 بواسطة الدبابة الأميركية، تتمكّن وسائل الإعلام العادية ووسائل التواصل الاجتماعي من محاصرة السلطات الثلاث.

حمزة مصطفى (بغداد)

مجلة تثير جدلاً حول الحريات في ألمانيا

يورغن إيلاسر، مؤسس "كومباكت" وناشرها ورئيس تحريرها (غيتي)
يورغن إيلاسر، مؤسس "كومباكت" وناشرها ورئيس تحريرها (غيتي)
TT

مجلة تثير جدلاً حول الحريات في ألمانيا

يورغن إيلاسر، مؤسس "كومباكت" وناشرها ورئيس تحريرها (غيتي)
يورغن إيلاسر، مؤسس "كومباكت" وناشرها ورئيس تحريرها (غيتي)

قمع حرية التعبير أم حماية الديمقراطية؟ من الأسئلة التي باتت تواجه المشرّعين والسياسيين الألمان بشكل مزداد. وفي حين كانت الانتقادات خلال الأشهر الماضية تصبّ على تعامل السلطات الألمانية القاسي مع المدافعين عن الفلسطينيين، فتحت وزارة الداخلية الألمانية جبهة جديدة في «الصراع حول الحريات».

بدأت الانتقادات لوزيرة الداخلية نانسي فيزر بعدما قرّرت حظر مجلة «كومباكت» اليمينية المتطرفة وإغلاقها بحجة «حماية الديمقراطية والدستور». ولكن بعد أيام قليلة عادت محكمة لتقلب قرار الداخلية وتسمح للمجلة بالعودة إلى النشر. ومع أن قرار المحكمة كان «مؤقتاً» يسري مفعوله لغاية درس ملف المجلّة بشكل معمّق والتوصّل إلى قرار نهائي حول قانونية الحظر، جاءت الانتقادات لوزيرة الداخلية لاذعة.

غلاف أحد أعداد مجلة "كومباكت" اليمينية المتطرفة (IPON-MAGO)

انتقادات... بالجملة

بل إن فيزر، التي تنتمي إلى الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) الحاكم، تتعرض فقط لانتقادات اليمين المتطرف واليمين التقليدي، بل كذلك من شركائها في الحكومة الذين حتى دعوها للاستقالة. ذلك أن نائب رئيس «البوندستاغ» (مجلس النواب)، فولفغانغ كوبيكي، المنتمي للحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي الوسطي)، الشريك في الائتلاف الحاكم، قال إن على فيزر «أن تفكّر بالاستقالة... وأن تنظر إلى نفسها وتسأل ما إذا كانت تريد أن تستمر بالقيام بحملات لصالح حزب البديل لألمانيا»، أم لا.

تصريحات مشابهة جاءت من حزب المعارضة الرئيسي، الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين تقليدي)، الذي تنتمي إليه المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، ومن «شقيقه» الاتحاد المسيحي الاجتماعي في ولاية بافاريا. وجاء على لسان النائب ألكسندر هوفمان، من الاتحاد الديمقراطي المسيحي، قوله إن «الانتصار المرحلي لمجلة يمينية متطرّفة يظهر أن فيزر تصرّفت عبر قرارها المتسرّع بصورة معاكسة لحماية الديمقراطية».

وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر (رويترز)

المتطرفون يهزأون

أما حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف فقد هزأ من قرار الحظر، ودعت زعيمته أليس فايدل إلى إقالة فيزر على الفور. وللعلم، «البديل لألمانيا» حزب مصنّف يمينياً متطرفاً، ويتقدم باستطلاعات الرأي في الانتخابات المحلية المقرر تنظيمها بولايات ألمانية شرقية خلال الأيام والأسابيع المقبلة.

مجلة «كومباكت» تؤيد بقوة الحزب المتطرف وتروّج لأفكاره، وغالباً ما تستضيف قادته وسياسييه. وفي هذه الأثناء، يثير تقدّم هذا الحزب في ولايات شرق البلاد الشرقية قلق الأحزاب الألمانية التي تعهدت كلها برفض التحالف معه حتى على الصعيد المحلي. وجاء كثير من انتقادات السياسيين لقرار فيزر، بسبب المخاوف من أن يترك حظر المجلة تأثيراً عكسياً على الناخبين، ويتسبّب بدفعة تعاطف إضافية للحزب المتطرف.

مع هذا، ظلت الوزيرة فيزر مصرّة على أنها اتخذت القرار الصائب، ووصفت قرار المحكمة التي تلقت طعناً قانونياً من المجلة، بأنه «ضروري في الديمقراطيات»، لكنها أكدت أن الداخلية «ستثبت للمحكمة بأن قرارها صائب».

ما يُذكر أن فيزر استندت في قرار الحظر إلى القوانين التي تُجيز منع الجمعيات ويمكن تطبيقه على شركات «في ظروف خاصة». وهي في قرار الحظر، لم تستهدف فقط المجلة، بل أيضاً الشركة التي تملك المجلة. ويسمح القانون بحظر الشركات التي «تعمل بصورة مخالفة للدستور».

ووصفت الوزيرة المجلة بأنها «قومية وتعتمد على مبدأ إثني اجتماعي، وتسعى لإبعاد الإثنيين الأجانب عن الدولة، الأمر الذي يتجاهل كرامة الناس الذين لا تنطبق عليهم أوصاف هذا المبدأ الإثني». أكثر من هذا، أورد قرار الحظر كذلك أن المجلة تستخدم بشكل متكرّر «خطاب المقاومة والثورة، وتروّج بشكل عدواني للانقلاب على النظام السياسي»، وهو ما يمكن «أن يشجع القراء على التصرف ضد الدستور».

يقدّر عدد قراء المجلة بنحو 40 ألفاً وهي تنشر على الإنترنت وتطبع بشكل شهري ولديها قناة على «يوتيوب» تبث عليها برامج أسبوعية

خلفيات عن «كومباكت»

جدير بالذكر، أنه سبق للاستخبارات الألمانية أن مجلة «كومباكت» من قبل بأنها «يمينية متطرفة» عام 2021، وهي تخضع للمراقبة منذ ذلك الحين. وراهناً، يقدّر عدد قراء المجلة بنحو 40 ألفاً، وهي تنشر على الإنترنت وتطبع أيضاً بشكل شهري، ولديها كذلك قناة على «يوتيوب» تبث عليها برامج أسبوعية. ومن «ضيوفها» وكتّابها الدائمين مارتن سيلنر، النمساوي اليميني المتطرف الذي كان شارك في اجتماع سرّي كشفه الإعلام الألماني نهاية العام الماضي بألمانيا، وناقش ترحيل ملايين المهاجرين من حملة الجنسية الألمانية. ولقد شارك سيلنر في ذلك الاجتماع، الذي ذكّر باجتماع النازيين لبحث «الحل النهائي» الذي سبق محرقة «الهولوكوست»، سياسيون من حزب «البديل لألمانيا».

أسّس «كومباكت» يورغن إيلاسر عام 2010 في برلين، وهو رئيس تحريرها منذ ذلك الحين، ولقد داهمت الشرطة منزله يوم إعلام حظر المجلة. وإبّان أزمة اللاجئين عام 2015، نشرت المجلة على غلافها صورة لأنجيلا ميركل وهي ترتدي الحجاب. ونشرت مقالاً تتهم فيه حكومة ميركل «بإغراق ألمانيا بشكل منهجي وخلط جيناتها بثقافات أجنبية بهدف تقليص الذكاء العام للشعب».

من جهة ثانية، منذ الحرب في أوكرانيا، اعتمدت المجلة خطاباً شبيهاً بخطاب اليمين المتطرف معادياً لأوكرانيا ومؤيداً لروسيا. وقبل فترة قصيرة، نشرت موضوعاً تحت عنوان «مجرمو حرب: كيف يخطّط جنرالات ألمان لاعتداء على روسيا». وبالتوازي، تصف المجلة سياسيين من حزب «البديل لألمانيا» مقرّبين من روسيا والصين، مثل ماكسيمليان كراه - الذي اعتقل مساعده بتهمة التجسس للصين - بأنهم «وطنيون تشوه سمعتهم بتهم التخوين». وقبل سنة تقريباً كتب إيلاسر نفسه مقالة قال فيها: «إننا، ببساطة، نريد الانقلاب على النظام». وهذه كلها مقاطع ستعتمدها وزارة الداخلية لتبرير قرار الحظر أمام المحكمة، وتأمل في أن تقبل بها وتعدّها كافية لتأكيد قرارها.

ولكن، في حال خسارة الوزارة القضية، ستكون وزيرة الداخلية أمام أزمة حقيقية قد تدفعها فعلاً إلى الاستقالة. وبالتالي، سيستخدم اليمين المتطرف، حتماً، قرار الحظر ثم سيلغيه لتحقيق مكاسب إضافية بعدما أصبح الحزب ثاني أقوى أحزاب البلاد بنسبة تأييد تتراوح بين 17 في المائة و19 في المائة، بعد الاتحاد الديمقراطي المسيحي، مع أنه قبل بضع سنوات لم تكن نسبة تأييده على الصعيد الوطني تتجاوز 11 في المائة.