«البريس ريليس»... فخ لغوي أم تهميش للعربية؟

مهمته تسهيل عمل الإعلامي وتزويده بالمعلومات


الدكتورة ماريا بو زيد (ماريا بوزيد)
الدكتورة ماريا بو زيد (ماريا بوزيد)
TT

«البريس ريليس»... فخ لغوي أم تهميش للعربية؟


الدكتورة ماريا بو زيد (ماريا بوزيد)
الدكتورة ماريا بو زيد (ماريا بوزيد)

يعدّ البيان الإعلامي - أو «البريس ريليس» - من ضمن البيانات الإعلامية الأكثر جدية خصوصاً إذا ما كان صادراً عن شركة أو مؤسسة أو وزارة أو سفارة، وغيرها من الجهات الرسمية.

وتتصف هذه البيانات بالدقة عادة، مختصرة حدثاً بأكمله سياسياً أو اجتماعياً أو فنياً. وفي هذا الأخير يُعتمد النص البسيط الذي يعلن عن أغنية جديدة أو مهرجان، ومرات يتخذ منحى مختلفاً عندما يصبح شرحاً رسمياً لموقف فني يتعلق بدعوى قضائية أو رد من فنان على آخر.

المعروف أن الـ«بريس ريليس» يسهل مهمة عمل الإعلامي، فيزوده بالخبر اليقين معززاً بالمصداقية أكثر من غيره من الأخبار. ولقد تنبّه الإعلاميون خلال الفترة الأخيرة إلى كثافة البيانات التي تصلهم بالأجنبية فقط وتتقدمها الإنجليزية. ومع أن لبنان بلد عربي يقع على المتوسط ولغته الرسمية هي العربية، فإن البعض يفوتهم هذا الواقع، فيكتبون بياناتهم الإعلامية بلغات أجنبية، عادةً ما تكون بالفرنسية أو الإنجليزية. وأحيانا يهملها الإعلامي سواءً في المرئي أو المسموع والمكتوب. فهي تتطلب منه وقتاً إضافياً وترجمة لكلمات تقنية قد لا تفي بالمعنى الصحيح وبدقة.

هنا، يُطرح سؤال بديهي: لماذا يجري التعامل مع محطاتنا التلفزيونية وصحفنا وإذاعاتنا التي تبثّ وتنشر بالعربية بلغات أجنبية؟ هل هو فخ اختباري لغوي للإعلامي نفسه؟ أم أنه تهميش للعربية يسهم في زوالها بطريقة أسرع؟ أو أنها تأتي نتيجة غياب الكادرات المؤهلة للكتابة بعربية صحيحة في المؤسسات؟

هنادي داغر («MHD»)

شهادات من إعلاميين

يقول الإعلامي زافين قيومجيان لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يجد في الأمر مشكلة عندما يُرسل إليه بيان صحافي بالإنجليزية. ويتابع: «الإنجليزية لغة الـ(بيزنس) العالمية، وحالياً تُتداول بكثافة في المؤسسات والشركات. في أي حال، اللغة لم تعد تشكل عائقاً للتواصل بشكل عام. هناك لغة الـ«تشات» (الدردشة) المستخدمة من قبل الجيل الشاب الرائجة حتى في الامتحانات الجامعية... وبرأيي أنها أسوأ من غيرها، واللافت أن بعض طلاب الجامعات يستخدمونها في الامتحانات».

ويرى قيومجيان أن هذه المشكلة لا تقتصر على لبنان فقط «فهي موجودة في مختلف بلدان العالم. حتى إن الفرنسيين أنفسهم يعانون من تدهور لغتهم الأم، ولكن الأهم هو ترجمة تلك البيانات. ذلك أن بعضهم، اختصاراً للوقت، يستعملون «غوغل ترانسلايت» لترجمتها، وعندها يصبح الأمر مربكاً ومحرجاً؛ إذ إن هذه الترجمات الإلكترونية تفقد النص، في أحيان كثيرة، المعنى الصحيح.

الصحافية إسراء حسين لديها رأي آخر في هذا الموضوع، وتقول: «بالفعل من المزعج تلقي الصحافي الـ(بريس ريليس) فقط بالأجنبية. أنا أعمل في مؤسسة تصدر بالعربية، ما يشكّل عندي عملية ضغط. فأضطر لأن أبذل جهداً ووقتاً خصوصاً إذا ما كان الأمر يتعلق بمصطلحات معينة». وتتابع حسين - وهي محررة منوعات وفن لـ«الشرق الأوسط» - شارحةً: «الموضوع لا يرتبط بقدرات الصحافي اللغوية؛ لأنه حتى ولو كان يتقن الأجنبية من إنجليزية أو فرنسية، فالأمر يتطلب منه الوقت. ثم إنه ليس كل الصحافيين يتمتعون بالقدرة على الترجمة المتميزة التي هي اختصاص في حد ذاته. إن الخلفية الثقافية موجودة، ولكن ليس عند الجميع. وهو ما يدفع بالإعلامي إلى إهمال البيان أو تحويله إلى قسم الترجمة في المؤسسة. ولكن في الحالة الأخيرة يشكل عبئاً؛ لأن العاملين في قسم الترجمة منصرفون إلى ترجمة أخبار ذات أهمية ومطلوبة منهم. وهذا ما يتطلب عملاً إضافياً لا يستسيغونه».

زافين قيومجيان («فيسبوك» زافين)

ومن ناحيته، يرى إسكندر خشاشو، الذي يعمل في التحرير السياسي، أن هذا النوع من البيانات يتعرض للرفض منه ومن قبل زملائه، «وهو إما يجري إهماله ويوضع على الرف... وإما نظراً لأهميته في العلاقات السياسية مع لبنان يجري تحويله إلى قسم الترجمة على مضض».

الـ«بريس ريليس» بالأجنبية فقط... صح أم خطأ؟

في الواقع ينقسم الإعلاميون، مع تفاوت أعمارهم، بين موافق ومعترض إزاء الـ«بريس ريليس» باللغات الأجنبية؛ فبعضهم، ولا سيما الشباب منهم، يفضلونه بالأجنبية لأننا حسب رأيهم «نعيش عصر العولمة»، وغالبية القراءات عبر الـ«أون لاين» يختارونها بالإنجليزية. والإنجليزية لغة عملية رائجة في الوسائل الرقمية وتهيمن عليها. فلماذا عليهم أن يسيروا عكس التيار؟

الدكتورة ماريا بو زيد، رئيسة قسم الإعلام بجامعة سيدة اللويزة في لبنان، تصف هذا الموضوع باللوجيستي والتقني. وتفيد بو زيد «الشرق الأوسط» خلال لقاء معها، بـ«أن هناك نقصاً كبيراً في كوادر مؤسساتية تجيد العربية والإنجليزية. المطلوب استحداث مكتب خاص بالإعلام فيه (بريس أوفيس)... ثم إن جيل الشباب بغالبيته لا يملك مؤهلات تخوله الكتابة بالعربية السليمة. وهنا تلعب المهارة عند الصحافي دورها، ليترجم على الأقل الخطوط العريضة والأساسية من البيان المرسل إليه. ولكن هل يملك هذا الصحافي الوقت الكافي للقيام بهذه المهمة؟ هذا سؤال بديهي نطرحه».

ونستوضح من بو زيد عما إذا كانت هذه الممارسة خطأ أم صحيحة في موضوع الإعلام؟ فترد: «لا أستطيع أن أؤيد أو أرفض هذا الأمر. المؤسسة المرسلة للخبر يجب أن تعرف أنها تقلل من نسبة نصيب نشر الخبر الخاص بها لدى وسائل الإعلام. فالمفروض أن يشكل مادة جاهزة للنشر وتفي بالهدف المطلوب. وبالتالي، فالمسؤولية تقع على عاتقها؛ لأن نشر الخبر أو إهماله سيكون له نتائج سلبية عليها في حال اعتمدت النص الأجنبي فقط».

لغة الـ«بيزنس»... هل أصبحت ضرورة؟

من جانب آخر، يطالب بعض أساتذة اللغة العربية، لا سيما مع تراجع استعمالها عند الجيل الشاب، بإجراء تعديلات عليها كي تواكب تطور العصر. وهذا أمر - كما يقول بعضهم - اتبع عند الفرنسيين وخرجت إلى العلن تعديلات رسمية طالت لغتهم وأحدثت تغييرات عليها.

هنادي داغر صاحبة شركة علاقات عامة (MHD) تهتم بإعداد البيانات الإعلامية. وهي تنظم نشاطات مختلفة وتتمسك بإرسال البيان الصحافي باللغات الثلاث. وعن هذا الموضوع تقول: «من الطبيعي أن أتبع هذه القاعدة في عملي كي يستطيع أي شخص يتلقى الخبر أن يتفاعل معه وينشره. وكوني أعمل في بلد عربي وأتعامل مع مؤسسات إعلامية غالبيتها تنشر وتبث بالعربية، لا بد أن أحرّر البيان الإعلامي باللغة الأم إلى جانب الفرنسية والإنجليزية».

أما كريستوفر، من غاليري «جانين ربيز»، فبرأيه أن لكل معرض فني ينظمه خصوصيته. ويقول لـ«الشرق الأوسط» موضحاً: «أحياناً، لأن المعرض يتعلق بفنان أجنبي، يفرض علينا إرسال بيان بالأجنبية، ولكنني عادة ما أرسل البيانات الصحافية بالإنجليزية؛ لأنها لغة البيزنس العالمية».

حصره في الأجنبية فقط...

استخفاف بالعربية

وفي هذا السياق، يعد البعض أن تحرير البيان الإعلامي بالأجنبية فقط أمر بديهي في عالم اقتصادي مفتوح على بعضه البعض. ولكن، في المقابل، يلاحَظ اعتماد شركات صناعية كبرى العربية إلى جانب لغات أخرى في كتيّباتها الإعلانية والتسويقية. وهي تأخذ بعين الاعتبار الزبون العربي، لا سيما أن الخليجي يتصدر لائحة المستهلكين عندها. ولذا هناك من يتساءل عن كيفية حصول هذا التناقض... بحيث إن شركات أجنبية تحرص على إدراج العربية في بياناتها بينما شركات عربية تغض النظر عنها.

البروفيسور كامل فرحان صالح، أستاذ بقسم اللغة العربية وآدابها في الجامعة اللبنانية، قال لـ«الشرق الأوسط» مجيباً عن هذا التساؤل: «برأيي هذا استخفاف بالعربية يجري تحت عنوان (كل شي فرنجي برنجي). لا بأس أن يأخذ الإعلام والإعلان بعين الاعتبار الأجنبية كي يروج لأخباره ومنتجاته ونشاطاته، ولكن في المقابل يجب التمسك بالعربية لغةً أساسية. فكيف يمكن أن يخصص لها الأجانب حصة، فيما نتناساها نحن العرب؟ ... على الإعلام كما الإعلان أن يلعب دوراً في تفعيل العربية بدل تهميشها». ويعطي صالح مثلاً على ذلك في عصر النهضة عندما لعبت هذه القطاعات دوراً رئيساً في تطوير العربية، فيقول: «الصحافة يومذاك لعبت هذا الدور التقدمي، وأسهمت في تجذيب العربية وتبسيطها بعدما أخرجتها من إطار المحسنات البلاغية وغيرها». ثم ينهي: «باختصار، اللغة ترتبط بالحضارات... وعندما نقوى حضارياً تقوى لغتنا. فالمشكلة هي في الإنسان نفسه. وأنا مع تطوير العربية، في عملية بناء الجُمل والقواعد اللغوية، كي تصبح أكثر سهولة ولا ترهق الطالب».


مقالات ذات صلة

وزير الإعلام السعودي في مدرجات «الملز»

رياضة سعودية سلمان الدوسري مع ابنه وابنته في مدرجات ملعب الملز (المركز الإعلامي لنادي القادسية)

وزير الإعلام السعودي في مدرجات «الملز»

أثارت النقلة التاريخية، التي يعيشها نادي القادسية، حنين وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري، الذي عاد لمتابعة ناديه من المدرجات.

«الشرق الأوسط» (الرياض )
إعلام «تام السعودية» يُقدّم بيانات دقيقة وموثوقة وفق أعلى المعايير العالمية للإعلام (الشرق الأوسط)

«تام» معيار سعودي لقياس مشاهدات المحتوى الإعلامي

اعتمد «مجلس صناعة الإعلان» خلال اجتماعه السنوي مشروع «تام السعودية» كمعيار وطني لقياس نسب مشاهدات المحتوى الإعلامي في البلاد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
إعلام زينة يازجي (الشرق الأوسط)

زينة يازجي: «سباق القمة» يقدّم الانتخابات الأميركية من منظور مختلف

مع احتدام سباق البيت الأبيض، يتجه الاهتمام العالمي نحو الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي يُنظر إليها على نطاق واسع بوصفها واحدة من أكثر المنافسات السياسية

مساعد الزياني (دبي)
إعلام اعتماد «ميتا» على منشورات المُستخدمين لتدريب الذكاء الاصطناعي... يجدد مخاوف «الخصوصية»

اعتماد «ميتا» على منشورات المُستخدمين لتدريب الذكاء الاصطناعي... يجدد مخاوف «الخصوصية»

أعلنت شركة «ميتا» عزمها البدء في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، معتمدة على بيانات مصدرها المنشورات العامة للمستخدمين على «فيسبوك» و«إنستغرام»،

إيمان مبروك (القاهرة)
المشرق العربي عربة عسكرية إسرائيلية خارج المبنى الذي يستضيف مكتب قناة الجزيرة في رام الله بالضفة الغربية المحتلة (رويترز)

«الجزيرة» تعدّ اقتحام القوات الإسرائيلية لمكتبها في رام الله «عملاً إجرامياً»

أعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، أنه أغلق مكتب قناة «الجزيرة» في رام الله بالضفة الغربية المحتلة، لأنه «يحرض على الإرهاب».

«الشرق الأوسط» (رام الله)

عائدات الإعلانات تفاقم النزاع بين «غوغل» والناشرين

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

عائدات الإعلانات تفاقم النزاع بين «غوغل» والناشرين

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

عمّقت عائدات الإعلانات النزاع الناشئ بين شركة «غوغل» والناشرين، ما جدّد التساؤلات بشأن تأثير ذلك في مستقبل الإعلام، الذي يعتمد في تمويل بقائه على الإعلانات. وبينما أشار خبراء تحدّثت إليهم «الشرق الأوسط» إلى إمكانية الوصول إلى حلول توافقية، فإنهم لفتوا إلى هيمنة «غوغل» على هذه السوق.

النزاع كان قد اندلع أخيراً مع دعوى قضائية رفعتها السلطات الأميركية، خلال الأسبوع الماضي، ضد «غوغل»، هي الثانية من نوعها في غضون أقل من سنة. وتتهم الدعوى التي رفعتها وزارة العدل الأميركية «غوغل» بـ«الهيمنة على الإعلانات عبر الإنترنت وخنق المنافسة». ووفقاً لتفاصيلها فإن «غوغل» متهمة بأنها «استخدمت وسائل غير قانونية مانعة للمنافسة؛ للقضاء على أي تهديد لهيمنتها على تقنيات الإعلان الرقمي، أو تقليص المنافسة بشكل كبير». وتطرّق الاتهام إلى أن «غوغل استخدمت قوتها المالية للاستحواذ على منافسين محتملين واحتكار السوق، ما لم يترك للمعلنين والناشرين أي خيار سوى استخدام تقنيتها». ويذكر أنه سبق لمحكمة أميركية أن قضت، الشهر الماضي، بأن الشركة العملاقة «تمارس احتكاراً غير قانوني في سوق الإنترنت».

في المقابل، ترفض «غوغل» هذه الاتهامات، وترى أنها «تتعارض مع مبادئ قانون المنافسة التي تساعد على دفع النمو الاقتصادي والابتكار». ولقد أوضحت في وثيقة سلمتها للمحكمة وتداولتها وسائل الإعلام الأميركية، أن «القضية أيضاً غير صحيحة من ناحية الوقائع». ومن المرجح أن يستمر نظر القضية ضد «غوغل» نحو أسابيع، وإذا ما صدر حكم بالإدانة، فستقرر محكمة أخرى العقوبات. وللعلم، تواجه «غوغل» تحقيقات مماثلة في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا.

الباحثة في الإعلام الرقمي، الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام بجامعة بنغازي في ليبيا، أفادت «الشرق الأوسط» بأن «النزاع اشتعل أخيراً بين (غوغل) والناشرين، مع إعلان رغبة (غوغل) إطلاق خدمة ملخصات الأخبار المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وهو ما يؤثر في الناشرين ويقلل من فرصة الحصول على الإعلانات». وأضافت أن «شركة غوغل تحقق أرباحاً تقدر بالملايين عبر الإعلانات التي تظهر عبر صفحات الإنترنت؛ ما دفع المسألة إلى باحات القضاء في أوروبا وأميركا عبر دعاوى احتكار لتقنيات الإعلام الرقمي رُفعت ضد الشركة».

وحدّدت عبد الغني 4 أسباب للنزاع، هي «أولاً، التطورات التكنولوجية المتسارعة في ميدان تقنيات الذكاء الاصطناعي، وما تفرضه من تحديات وتأثيرات سواء على الشركات الرقمية أو على مستهلكي ومستخدمي تقنياتها الإعلامية. وثانياً، الصراع الأزلي على الأرباح والسيطرة على السوق والاستحواذ عليها. وثالثاً، رغبة بعض الدول والهيئات الدولية في الحد من سيطرة بعض الشركات الكبرى التي أصبحت مهيمنةً على الاقتصادَين المحلي والعالمي. أما السبب الرابع، حسب عبد الغني، فيتعلق بالرغبة في حماية حقوق الأفراد الرقمية في ظل احتكار الشركات الكبرى للمشهدَين التقني والإعلامي».

مع هذا، ترجّح الدكتورة عبد الغني «إمكانية التوصّل إلى حلول توافقية بين الطرفين: غوغل، والناشرين والحكومات؛ لأن استمرار الدعاوى القضائية وجلسات المحاكمة لوقت طويل أمر من شأنه الإضرار بطرَفي الصراع. ثم إن هذه الشركات، بسبب ضخامتها وتأثيرها، باتت جزءاً لا يتجزأ من نسيج المجتمعات الرأسمالية وأحد أسباب ركائز قوته المحلية والإقليمية». وهنا نشير إلى أن شركة «إي ماركتر» قدّرت أخيراً حصة «غوغل» من السوق العالمية في مجال الإعلانات الرقمية بنحو 28 في المائة خلال عام 2024، متفوقة على «ميتا» التي حصلت على 23 في المائة من السوق، و«أمازون» التي تحصد 9 في المائة، بينما حصلت «تيك توك» على نحو 7 في المائة.

في سياق متصل، قال محمد فتحي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، لـ«الشرق الأوسط» إن «هيمنة (غوغل) على سوق الإعلانات ليست بالأمر الجديد، بل تعود إلى سنوات عدة مضت، صار فيها (غوغل)، محرك البحث الرئيسي، مستحوذاً على أكبر قدر من الإعلانات على الإنترنت، قبل أن يتكامل مع خدمات أخرى ظهرت لاحقاً مثل (يوتيوب)، والبريد الإلكتروني، والتعاون مع شركاء للأعمال، وأخيراً منتجي وصانعي المحتوى على منصاتها».

وأردف فتحي: «كل ما سبق، جعل (غوغل) خصماً صعباً ومنافساً قوياً في سوق الإعلانات الرقمية العالمية، الأمر الذي دفع نحو رفع دعاوى احتكار أمام المحاكم الأميركية والأوروبية، وبالأخص ما يتعلق بسوق البحث والإعلانات عبر الإنترنت». ثم تابع: «تتمتع (غوغل) بحصة سوقية ضخمة من الإعلانات تمنحها بصفتها شركةً، قوةً تفاوضيةً كبيرةً أمام المعلنين والمنافسين، وقدرةً على عقد صفقات حصرية مع شركات تصنيع الهواتف، وشركات الاتصالات؛ لجعل محرك بحثها هو المحرك الافتراضي على أجهزتهم، ما يحد من فرص المنافسين».

ولكن الصحافي المصري يرى أن «الدعاوى القضائية ضد (غوغل) قد تؤدي إلى تغييرات جوهرية في سوق البحث والإعلانات، ما قد يفتح الباب أمام المنافسين، وأبرزهم (فيسبوك) و(أمازون)»، مشيراً إلى «إمكانية فرض بعض القيود على «غوغل»، ما قد يقلص هيمنتها على السوق، وكذلك إمكانية تطوير قوانين مكافحة الاحتكار لتشمل الشركات التكنولوجية الكبرى... مع أن هذا أمر شديد التعقيد من النواحي التكنولوجية والاقتصادية والقانونية».

ووفق فتحي فإن «اهتمامات (غوغل) الخدمية لصالح المستخدمين، وكذلك نشاطها التجاري، كانت دائماً مثار جدل، فهي من ناحية تقدم خدمات قيِّمة للمستخدمين تسهم في تطوير الإنترنت، إلا أنه من ناحية أخرى تفرض هيمنتها على السوق بصورة تهدد التنافسية، وتخلق عملاقاً كبيراً لا يستطيع أحد التغلب عليه».