توظيف المنصات في جذب ملياري سائح إلى المنطقة العربية

كتابات ابن بطوطة وابن خلدون ومارك بولو و«الرحالة» روّجت بنجاح للسياحة

توقعات بمساهمة المنصات برفع عدد السياح في المنطقة العربية من نحو 900 مليون إلى أكثر من مليارين
توقعات بمساهمة المنصات برفع عدد السياح في المنطقة العربية من نحو 900 مليون إلى أكثر من مليارين
TT

توظيف المنصات في جذب ملياري سائح إلى المنطقة العربية

توقعات بمساهمة المنصات برفع عدد السياح في المنطقة العربية من نحو 900 مليون إلى أكثر من مليارين
توقعات بمساهمة المنصات برفع عدد السياح في المنطقة العربية من نحو 900 مليون إلى أكثر من مليارين

أطلق إعلاميون وخبراء اتصال واقتصاد ومسؤولون حكوميون عن قطاعات الإعلام والاتصال والسياحة في اتحاد إذاعات الدول العربية وجامعة الدول العربية والمنظمات الدولية للسياحة، صيحات فزع بعدما كشفت دراسات أن الدول العربية خسرت 300 مليار دولار من مداخيلها السياحية.

جاء ذلك خلال مؤتمر دولي كبير استضافته تونس، وذُكر خلاله أن هذه الخسائر تراكمت بسبب جائحة «كوفيد - 19» وانتشار التلوث في منطقتي البحر الأبيض المتوسط والمشرق العربي وارتفاع حدة المنافسة الإقليمية والدولية للسياحة العربية. وخلص الخبراء والمسؤولون إلى ضرورة بدء «خريطة طريق الإنقاذ والنمو» باعتماد استراتيجيات إعلامية واتصالية توظف في آن معاً وسائل الإعلام التقليدية والجديدة والإعلام الإلكتروني والمنصات الاجتماعية وشبكات ملايين المدوّنين ورواد «الإعلام البديل». ودعم عبد الرحيم سليمان المدير العام لاتحاد إذاعات الدول العربية، وفهد الفهيد رئيس المنظمة العربية للسياحة، هذا التمشي الجديد، وتوقعا أن يكون مستقبل مئات ملايين المواطنين العرب أفضل من واقعهم بفضل انخراط وسائل الإعلام التقليدية والجديدة في الترويج لصناعة السياحة العربية في العالم أجمع. وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، توقع أحمد رشيد الخطابي الأمين العام المساعد للجامعة العربية ورئيس قطاع الإعلام والاتصال، أن «يسهم الإعلام في ترفيع عدد السياح الذين يزورون العالم العربي سنوياً من نحو 900 مليون العام الماضي، إلى أكثر من ملياري سائح في ظرف سنوات».

ابن بطوطة وابن خلدون وماركو بولو

على صعيد متصل، وخلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، عدّ التيجاني الحداد، رئيس المنظمة العالمية للصحافيين وكتاب السياحة ووزير السياحة التونسية السابق، أن «الكتابة السياحية الحديثة بدأت منذ كتب الرحالة والمؤرخين، خصوصاً كتب محمد بن عبد الله الطنجي المغربي المعروف بـ(ابن بطوطة 1307 - 1377م)، والعلاّمة التونسي المغاربي العربي عبد الرحمن بن خلدون (1332 - 1406)، ورحلات الإيطالي ماركو باولو في القرن الثالث عشر، كما نقلت عنه في كتب (عجائب العالم) وكشفت جوانب طريفة من رحلته إلى شرق آسيا و(طريق الحرير) نحو الصين». ونوّه التيجاني الحداد، الذي كان أول من أسّس مجلة سياحية عربية قبل نحو 3 عقود، بـ«ضرورة توظيف الإعلام التقليدي والجديد» من أجل الترويج لقطاعات الصناعات التقليدية والتراث والسياحة والخدمات في العالم العربي. ومن ثم، حمّل مسؤولية إنجاز هذه المهمة إلى 4 أطراف؛ هي: المنظمة العالمية للسياحة التي يوجد مقرها في إسبانيا وتموّل من قبل الأمم المتحدة، والمنظمة العالمية لوكالات الأسفار، والمنظمة العربية للسياحة التي يوجد مقرها في جدة، ومنظمة منطقة البحر الأبيض المتوسط للسياحة.

ودعا الحداد القائمين على قطاعي الإعلام والسياحة عربياً ودولياً إلى تفعيل الشراكة والتعاون مع المنظمة العالمية للصحافيين وكتاب السياحة «لإنجاز مخططات التنمية السياحية والاقتصادية عربياً بالشراكة مع وسائل الإعلام التقليدية والجديدة»، وضمان «مواكبة رغبات السائح التي تتغير بسرعة وتتطور بمفعول الزمن واختلاف المعطيات، مثلما تكشفه ملايين الصفحات الاجتماعية والإلكترونية».

منصات إلكترونية عربية

في السياق ذاته، دعا الخبير المصري مساعد المنظمة العربية للسياحة وليد علي الحناوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى استحداث منصات عربية إلكترونية تروّج، بالشراكة مع اتحاد إذاعات الدول العربية والمنظمة العربية للسياحة، للقطاع السياحي العربي عبر شبكات وتطبيقات الإنترنت عالمياً التي تتفاعل مع تغريدات وتدوينات وشهادات مئات ملايين السياح في العالم أجمع تشمل تطبيقات «يوتيوب» و«تويتر» و«تيك توك» وكل المواقع الاجتماعية الجديدة. وذكر الحناوي أن هذه التطبيقات تستقطب حالياً مليارات البشر من مراحل الاستكشاف والبحث عن الوجهات السياحية والحجز إلى طور السفر وإنجاز المهمات السياحية، «لذلك يجب تأسيس مجلس عربي للإعلام السياحي والإعلام الجديد» لتفعيل مثل هذه الخطة التي تربط بين التنمية السياحية ومواكبة الثورات الإعلامية والاتصالية العالمية.

أيضاً، رأى عدد من الخبراء والسياسيين ورجال الأعمال في تونس والمنطقة، أن قطاع السياحة والصناعات التقليدية يمكن أن «يلعب دور المنقذ من الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي تراكمت منذ سنوات واستفحلت بسبب مضاعفات (كوفيد - 19) وحرب أوكرانيا والحروب بالوكالة التي تشهدها المنطقة». ودعا محمد قنطارة، أستاذ الإعلام في الجامعة ومسؤول الاتصال سابقاً في وزارة الخارجية التونسية في تصريح خاص بـ«الشرق الأوسط»، إلى «توظيف الإعلام الجديد وصحافة المواطن والمنصات الاجتماعية والمدوّنين المختصين بالسياحة في الترويج للوجهات السياحية». وشدّد على ضرورة إشراك السيّاح في الحملات الإعلامية السياحية والترويجية الوطنية عبر مواقعهم الخاصة على «فيسبوك» وباقي المواقع الاجتماعية والإلكترونية التي أصبحت تبث يومياً مليارات من الفيديوهات القصيرة والصور والكتابات التوثيقية والشهادات التي توجه سلوكيات مليارات من السياح والمستهلكين في العالم. ودعم هذه التوصيات محمد ماني المدير في وزارة السياحة التونسية، وبهجت محمد أبو النصر مدير إدارة السياحة بجامعة الدول العربية، من خلال تصريحين لنا، أكدا فيهما أن مضاعفة مداخيل قطاع السياحة عربياً من نحو 7 في المائة إلى أكثر من 15 في المائة من الناتج المحلي لكل دولة عربية يستوجب التعجيل بتطوير خطة الاتصال والتأقلم مع انفتاح الشباب والأطفال وغالبية المستهلكين على المواقع الاجتماعية والإلكترونية وفضاءات الحوار التفاعلي فيها.

وفي الحين الذي تؤكد فيه غالبية التقارير والدراسات الوطنية والعالمية، تراكم المؤشرات السلبية اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وسياسياً، عالمياً وفي عدة دول عربية، بينها الدول التي تعاني منذ عقد كامل من اضطرابات سياسية وأمنية وحروب، رأى السفير حسام زكي، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الصعوبات يمكن أن تكون ظرفية إذا جرى تفعيل مقررات القمم العربية وبينها مقررات قمتي جدة والجزائر». ولقد صرّح أحمد أبو الغيط، أمين عام الجامعة، على هامش زيارة إلى تونس دشن خلالها «مركز أعمال كبيراً» تابعاً لاتحاد إذاعات العربية، بأنه «متفائل بمستقبل الدول العربية إعلامياً وثقافياً واقتصادياً». وبرر أسباب تفاؤله بـ«النجاحات في عدة قطاعات، وبينها السياحة والإعلام»، وأيضاً بتطور الدول العربية حديثاً من حيث مواردها البشرية وثرواتها العلمية والاقتصادية والطاقات الشابة التي برزت في قطاعات الثقافة والفنون والكتابة والإعلام وتكنولوجيا الاتصالات والاقتصاد الرقمي.

السياحة... والإعلام

من جانبه، نوه محمد بن فهد الحارثي، رئيس اتحاد إذاعات الدول العربية، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، بالشراكة التي توصل إليها الاتحاد مع المنظمة العربية للسياحة وتنظيمهما معاً، بمناسبة المهرجان السنوي للإذاعات والتلفزيون، مؤتمراً حول «الإعلام السياحي» وسبل توظيفه. وشرح عن أهمية ترفيع عدد السياح الذين يزورون المنطقة من العالم أجمع وتسهيل فرص تنمية السياحة البينية، بعدما أكدت كل التقارير انتعاش السياحة العالمية منذ العام الماضي، بعد الاضطراب الكبير في حركة الطيران والأنشطة السياحية بعد سنتين من جائحة «كوفيد - 19».

عودة إلى أحمد رشيد الخطابي، فإنه نوّه بمبادرة التنسيق بين مؤسسات الأمانة العامة لجامعة الدول العربية والمنظمة العربية للسياحة واتحاد إذاعات الدول العربية دعماً للإعلام السياحي والإعلام الاقتصادي، وتوظيف قدرات وسائل الإعلام العربية وتكنولوجيا الاتصال الدولية لرفع عدد السياح في المنطقة والسياحة البينية العربية خاصة. ولاحظ الخطابي أن نسبة السياحة البينية في أوروبا مثلاً تتجاوز 80 بالمائة من مجموع السياح، بينما تحوم هذه النسبة عربياً حول 40 في المائة فقط. ولذا عدّ أن الدول العربية مطالبة بتوظيف الإعلام وتكنولوجيا الاتصال وبرامج الإصلاح الإداري وتبسيط الإجراءات بهدف رفع عدد السياح العرب الذين يختارون إجازاتهم في بلدان عربية.


مقالات ذات صلة

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

سفر وسياحة قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات وفاقت شهرتها حدود البلاد

محمد عجم (القاهرة)
يوميات الشرق كلب ضال أمام هرم خوفو في منطقة أهرامات الجيزة (أ.ف.ب)

بفضل «أبولو»... «كلاب الأهرامات» تجذب السياح وتنشِّط المبيعات

مقطع مصور غير اعتيادي لكلب يتسلق الهرم يجذب الزوار والسائحين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق قرية غرب سهيل تجتذب الكثير من المصريين والأجانب (وزارة السياحة والآثار المصرية)

قريتان مصريتان ضمن قائمة الأفضل سياحياً

انضمت قريتان مصريتان لقائمة أفضل القرى الريفية السياحية لعام 2024.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».