«إعياء الأخبار» يُضعِف تفاعل رواد «التواصل الاجتماعي»

نسب التفاعل مع الأخبار (معهد "رويترز" لدراسات الصحافة)
نسب التفاعل مع الأخبار (معهد "رويترز" لدراسات الصحافة)
TT

«إعياء الأخبار» يُضعِف تفاعل رواد «التواصل الاجتماعي»

نسب التفاعل مع الأخبار (معهد "رويترز" لدراسات الصحافة)
نسب التفاعل مع الأخبار (معهد "رويترز" لدراسات الصحافة)

أثيرت تساؤلات أخيراً بشأن تراجع التفاعل مع الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي، وتأثير هذا التراجع على صناعة الإعلام، في ظل زيادة نسبة تجنب الجمهور للأخبار، أو ما بات يعرف إعلامياً بـ«إعياء الأخبار».

وفي حين أرجع بعض الخبراء والمتخصصين هذا التراجع إلى أسباب؛ منها «التدفق المفرط للمعلومات، وازدياد حدة النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي»، رأى هؤلاء أن تدريب الصحافيين، وتوعية الجمهور بأهمية التعامل مع المصادر الصحافية والإعلامية، هما السبيل الأمثل لاستعادة اهتمام الجمهور.

ما يُذكر أن التقرير السنوي لمعهد «رويترز» حول الإعلام الرقمي، الصادر في يونيو (حزيران) الماضي، أشار إلى أن «ثمة انخفاضاً مستمراً في معدلات التفاعل النشط مع الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي. وهو يترافق مع ما يعرف بالاستهلاك السلبي للأخبار، الذي يعني متابعة الأخبار من دون التشارك فيها أو التفاعل معها بأي شكل من الأشكال».

وذكر التقرير أنه «عبر 46 سوقاً جرى رصدها، تبين أن نحو 22 في المائة من المبحوثين فقط كانوا يتفاعلون مع الأخبار بنشاط - أي أنهم ينشرونها ويعلقون عليها - ما يعني تراجعاً بنسبة 11 في المائة عما كان عليه الوضع عام 2018. ولقد وصلت نسبة المستخدمين الذين يتفاعلون بدرجة ما مع الأخبار، عبر التعليقات وإعادة المشاركة نحو 31 في المائة، بينما بلغت نسبة الاستهلاك السلبي نحو 47 في المائة، بزيادة 5 في المائة على عام 2018».

إلا أن التقرير أشار، من جهة ثانية، إلى أن «هذه النسب تختلف من منطقة إلى أخرى، حيث تزيد المشاركة النشطة في بلدان أفريقيا وجنوب شرقي آسيا وأميركا اللاتينية، مقارنةً ببلدان أوروبا الوسطى والشمالية».

للتعليق على هذه الحصيلة، حاورت «الشرق الأوسط» الدكتور أشرف الراعي، الكاتب الصحافي الأردني والاختصاصي في القانون الجزائي والتشريعات الإعلامية والإلكترونية. وأرجع الراعي تراجع التفاعل مع الأخبار على مواقع التواصل إلى بضعة أسباب، أبرزها: «التدفق الهائل للمعلومات، ما جعل عدداً كبيراً من القراء عاجزين عن استقبال هذا الكم من الأفكار والمعلومات والمقالات». وتابع الراعي أن «انتشار مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية وأنظمة الذكاء الاصطناعي والحوسبة السّحابية، كل ذلك أسهم في تقليل التوجه نحو وسائل الإعلام التقليدية بشأن الأخبار».

وحول ما يمكن فعله لاستعادة اهتمام الجمهور بالأخبار، قال الكاتب والاختصاصي الأردني إنه «لا بد من تنظيم دورات مهنية للصحافيين من جهة، وتوعية الجمهور بأهمية التعامل مع المصادر الصحافية والإعلامية من جهة ثانية»، مشيراً إلى «أهمية أن يترافق التدريب مع تشريعات تُعزز من مفهوم التعبير الجيد والمسؤول في الوقت ذاته، نظراً لأن المحتوى السيئ يحتل اليوم مكانة أوسع على منصات التواصل من المحتوى الجيد. وهذا عاملٌ يقلل أيضاً من نسبة التفاعل مع الأخبار والمعلومات الحقيقية والصحيحة التي تبثها وسائل الإعلام المهنية الملتزمة».

وبالفعل، أشار تقرير نشره معهد «نيمان لاب» بنهاية يونيو الماضي، إلى أنه «بقدر ما سهّل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي النقاشات المفتوحة، ترافق ذلك مع انتشار المعلومات المضلّلة وازدياد نسبة التنمّر عبر الإنترنت وتراجع ثقة الجمهور». وبحسب هذا التقرير، فإن «وسائل الإعلام عادة ما تعتمد على قياس تفاعل الجمهور مع ما تنشره على مواقع التواصل الاجتماعي عبر علامات الإعجاب والتعليقات وإعادة المشاركة، رغم مخاوفها من أن يدفع ذلك إلى مناقشات حادة وعدائية».

من جهة أخرى، يرى أنس بنضريف، الصحافي والخبير الإعلامي المغربي، أن السبب وراء تراجع التفاعل مع الأخبار على مواقع التواصل يرجع إلى ما بات يعرف إعلامياً بـ«إعياء السوشيال الميديا». ويوضح لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه، أنه «بسبب التخمة في الأخبار، ما عاد المرء قادراً على التفاعل والتعامل معها».

ويضيف بنضريف سبباً آخراً هو «الرقابة الذاتية»، ويشرح هذا الأمر بقوله إنه «في ضوء كثرة الهجمات على بعض منشورات مواقع التواصل الاجتماعي، فإن بعض المستخدمين باتوا يتجنبون الدخول في مناقشات يرونها عقيمة، ما أدى في النهاية إلى ارتفاع نسبة الجمهور غير المتفاعل مع الأخبار».

أما السبب الثالث، بحسب بنضريف، فيرجع إلى «كبر عُمر الشريحة التي تناولها تقرير (رويترز)، والتي ركزت على مستخدمي (تويتر) و(فيسبوك)، وهؤلاء بطبيعة الحال أقل رغبة في الدخول بمناقشات مقارنة بالأجيال الأصغر سناً»، لافتاً إلى أن «هيمنة آراء وأصوات معينة على مواقع التواصل الاجتماعي، جعلتها ساحة يصعب فيها النقاش الحر من دون تجريح ومواجهات عنيفة».

حقاً، قد تكون بعض شرائح الجمهور «باتت تتجنّب تشارك الأخبار علناً، لأن أفرادها يرون أن المناقشات عبر الإنترنت أو الأخبار بشكل عام غير مفيدة»، بحسب تقرير «رويترز». وكشف التقرير عينه أن «21 في المائة من مستخدمي الأخبار يقولون إن تجاربهم في التعامل مع الأخبار عبر الإنترنت سلبية مقابل 6 في المائة فقط يقولون إن تجاربهم إيجابية».

وهنا تلفت الدكتورة كيرستن إدي، الباحثة في معهد «رويترز» لدراسات الصحافة، عبر تقرير نشره معهد «نيمان لاب» بنهاية يونيو الماضي، إلى «إغلاق وسائل إعلام عدة مساحات للتعليق على الأخبار بسبب صعوبة إدارة المناقشات على مواقع التواصل الاجتماعي، واتجاه بعض مواقع التواصل مثل تلك التابعة لشركة (ميتا)، إلى تحويل اهتمامها بعيداً عن الأخبار، وهذا بجانب تغيّر طبيعة المنصات التي يستخدمها الناس، مع ظهور تطبيقات مثل (تيك توك) التي تركّز على المحتوى الذي ينتجه المبدعون».

إدي تشدد على «ضرورة أن يدرك القائمون على صناعة الإعلام هذه التغيرات، وأن يعملوا على التفكير في طرق جديدة لتوسيع المشاركة وتعميقها... وربما يكون ذلك عبر الاستثمار في تعزيز المساحات الرقمية الصحية، لإعادة بناء التواصل مع الجمهور».

وللعلم، سبق أن أشار تقرير معهد «رويترز» العام الماضي، إلى أن 4 من كل 10 أشخاص صاروا يتجنبون الأخبار أحياناً لأنها تؤثر سلباً على مزاجهم. وأرجع ذلك لعدة عوامل من بينها أن الأخبار باتت تصيب بعض المستخدمين بالاكتئاب!


مقالات ذات صلة

«البتكوين» في مصر... تداول غير رسمي وملاحقات «أمنية ودينية»

شمال افريقيا التمثيلات المادية للعملة المشفّرة البتكوين (رويترز)

«البتكوين» في مصر... تداول غير رسمي وملاحقات «أمنية ودينية»

تطفو تحذيرات في مصر بين فترة وأخرى من تداول العملات الرقمية المشفرة «البتكوين»، المجرّمة قانوناً، آخرها لمسؤول بدار الإفتاء المصرية، حذر من التعامل بها.

رحاب عليوة (القاهرة)
يوميات الشرق المقبرة تضم رموزاً لطبيب القصر الملكي في الدولة القديمة (وزارة السياحة والآثار)

مصر: اكتشاف مصطبة طبيب ملكي يبرز تاريخ الدولة القديمة

أعلنت مصر، الاثنين، اكتشافاً أثرياً جديداً في منطقة سقارة (غرب القاهرة)، يتمثّل في مصطبة لطبيب ملكي بالدولة المصرية القديمة.

محمد الكفراوي (القاهرة)
العالم العربي رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

دخل حزب «الوفد» المصري العريق، في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه الدكتور عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي.

عصام فضل (القاهرة)
شمال افريقيا سفن حاويات تعبر قناة السويس المصرية في وقت سابق (رويترز)

لماذا لا تتدخل مصر عسكرياً في اليمن؟

أعاد نفي مصري لتقارير إسرائيلية عن استعداد القاهرة لشن هجمات عسكرية ضد جماعة «الحوثي» في اليمن، تساؤلات بشأن أسباب إحجام مصر عن التدخل عسكرياً في اليمن.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا «سد النهضة» الإثيوبي (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي على إكس)

توالي الزلازل في إثيوبيا يجدد مخاوف مصرية بشأن أمان «سد النهضة»

جدد توالي الزلازل في إثيوبيا خلال الأيام الأخيرة مخاوف مصرية بشأن أمان «سد النهضة»، الذي أقامته أديس أبابا على الرافد الرئيسي لنهر النيل.

أحمد إمبابي (القاهرة )

جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
TT

جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)

بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير الذكاء الاصطناعي ضمان الموضوعية مع التدفّق المعلوماتي المتسارع والمتزايد عبر شبكة الإنترنت، واستخدام وسائل عديدة لضخ مختلف المعطيات والمعلومات، بات من الصعب على المتلقي التمييز بين الحقيقة والدعاية من جهة وبين الإعلام الموضوعي والتأطير المتحيّز من جهة ثانية.

وهكذا، تتأكد أكثر فأكثر أهمية وجود تقنيات التحليل والكشف وتصفية (أو «فلترة») هذا الكم الهائل من المعطيات، توصلاً إلى وقف سيل المعلومات المضللة وإبعاد الإشاعات و«الأخبار المزيّفة»، وجعل شبكة الإنترنت مكاناً آمناً لنقل المعلومات والأخبار الصحيحة وتداولها. والواقع أنه مع التحول الرقمي المتسارع وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، غدت «الأخبار المزيّفة» واحدة من أبرز التحديات التي تهدد المجتمعات حول العالم؛ إذ يجري تداول ملايين الأخبار والمعلومات يومياً، ما يجعل من الصعب على الأفراد - بل وحتى المؤسسات الإعلامية - التمييز بين ما هو صحيح وما هو مزيّف أو مضلِّل، وفي هذا السياق برزت تقنيات الذكاء الاصطناعي كأداة مبتكرة وفعّالة للكشف عن «الأخبار المزيفة» وتحليلها.

تُعرَّف «الأخبار المزيّفة» بأنها محتوى إعلامي يُنشأ ويُنشر بهدف التضليل أو التلاعب بالرأي العام، وغالباً ما يصار إلى استخدامه لتحقيق غايات سياسية واقتصادية أو اجتماعية. وتتنوّع تقنيات إنشاء «الأخبار المزيّفة» بين التلاعب البسيط بالمعلومات... واستخدام تقنيات متقدمة مثل التزييف العميق، الأمر الذي يزيد من تعقيد اكتشافها.

جهود مبتكرة

من هذا المنطلق والمبدأ، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، يقود الدكتور بريسلاف ناكوف، أستاذ ورئيس قسم معالجة اللغة الطبيعية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، جهوداً مبتكرة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخصوصاً تحليل الطرق المستخدمة في الإعلام للتأثير على الرأي العام. ويبرز ضمن أبرز إسهامات ناكوف تطوير تطبيق «فرابيه - FRAPPE»، وهو أداة تفاعلية مصممة لتحليل الأخبار عالمياً، حيث يقدم التطبيق رؤية شاملة حول أساليب الإقناع والخطاب المستخدمة في المقالات الإخبارية، ما يمكّن المستخدمين من فهم أعمق للسياقات الإعلامية المختلفة. ويشير ناكوف إلى أن «فرابيه» يساعد المستخدمين على تحديد كيفية صياغة الأخبار وتأطيرها في بلدان مختلفة، ما يتيح رؤية واضحة لتباينات السرد الإعلامي.

تحليل أساليب الإقناع

مع أن دراسة أساليب الإقناع لها جذور قديمة تعود إلى الفيلسوف الإغريقي القديم أرسطو، الذي أسس لمفاهيم الأخلاق والعاطفة والمنطق كأساس للإقناع، فإن فريق ناكوف أضاف تطويرات جديدة لهذا المجال.

وعبر تحليل 23 تقنية مختلفة للإقناع، مثل الإحالة إلى السلطة، واللعب على العواطف، وتبسيط الأمور بشكل مفرط، يُسهم «فرابيه» في كشف أساليب الدعاية وتأثيرها على القراء. وتُظهر هذه الأساليب كيف يمكن للإعلام أن يختار كلمات أو صوراً معينة لتوجيه فهم الجمهور. وكمثال، يمكن تأطير قضية تغيّر المناخ كمشكلة اقتصادية أو أمنية أو سياسية، حسب الإطار الذي تختاره الوسيلة الإعلامية.

التشديد على أهمية تقنيات التحليل والكشف و"فلترة" المعلومات لجعل شبكة الانترنت مكاناً آمناً. (رويترز)

تقنية التأطير الإعلامي

أيضاً من الخواص التي يستخدمها تطبيق «فرابيه» تحليل أساليب التأطير الإعلامي، وهنا يوضح ناكوف أن التطبيق يمكّن المستخدمين من مقارنة كيفية تناول وسائل الإعلام للقضايا المختلفة؛ إذ يستطيع التطبيق أن يُظهر كيف تركّز وسيلة إعلامية في بلد معيّن على الجوانب الاقتصادية لتغير المناخ، بينما قد تركز وسيلة إعلامية في بلد آخر على الجوانب السياسية أو الاجتماعية.

وفي هذا السياق، يعتمد التطبيق على بيانات متقدّمة مثل قاعدة بيانات «SemEval-2023 Task 3»، التي تحتوي على مقالات بأكثر من 6 لغات، ما يجعل «فرابيه» قادراً على تحليل محتوى إعلامي عالمي متنوع. ويستخدم التطبيق الذكاء الاصطناعي لتحديد الإطارات السائدة في الأخبار، كالهوية الثقافية أو العدالة أو المساواة ما يساهم في تقديم صورة أوضح للسياق الإعلامي.

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية في تطبيق «فرابيه»؛ إذ إنه يتيح للتطبيق تحليل الأنماط اللغوية التي تؤثر على آراء القراء. وهنا يقول ناكوف، خلال حواره مع «الشرق الأوسط» عن قدرات التطبيق: «يُعد الذكاء الاصطناعي في (فرابيه) عنصراً أساسياً في تحليل وتصنيف واكتشاف الأنماط اللغوية المعقّدة التي تؤثر على آراء القراء وعواطفهم». ويضيف أن هذا التطبيق «يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، مثل الشتائم ولغة الترهيب، والتنمّر والمبالغة والتكرار. ولقد جرى تدريب النظام على التعرّف على 23 تقنية مختلفة غالباً ما تكون دقيقة ومعقّدة في محتوى الوسائط في العالم الحقيقي».

ويتابع ناكوف شرحه: «... ويستخدم التطبيق أيضاً الذكاء الاصطناعي لإجراء تحليل التأطير، أي لتوصيف وجهات النظر الرئيسة التي تُناقش قضية ما من خلالها مثل الأخلاق والعدالة والمساواة والهوية السياسية والثقافية وما إلى ذلك. ويسمح هذا للتطبيق بتمييز الإطارات الأساسية التي تؤثّر على كيفية سرد القصص وإدراكها، وتسليط الضوء على الإطارات المهيمنة في المقالة ومقارنتها عبر مصادر الوسائط والبلدان واللغات».

التحيزات الإعلامية

من جهة ثانية، بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ضمان الموضوعية والتقليل من التحيّز. وفي هذا الجانب، يوضح ناكوف أن «فرابيه» يركّز على تحليل اللغة المستخدمة في المقالات وليس على تقييم صحتها أو موقفها السياسي، وكذلك يعتمد التطبيق على تصنيفات موضوعية وضعها صحافيون محترفون لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، ما يقلل من مخاطر التحيّز.

وبالفعل، تمكن «فرابيه»، حتى الآن، من تحليل أكثر من مليوني مقالة تتعلق بمواضيع مثل الحرب الروسية الأوكرانية وتغير المناخ. ويدعم التطبيق راهناً تحليل المحتوى بـ100 لغة، ويخطط الفريق لتوسيع نطاقه ليشمل لغات إضافية وتحسين دقة التحليل، ما سيعزّز قدرة التطبيق على فهم الأنماط الإعلامية عالمياً.

وفي حين يأمل الباحثون أن يصبح هذا التطبيق أداة أساسية للصحافيين والأكاديميين لفهم أساليب الإقناع والدعاية، يشير ناكوف إلى أهمية تطوير مثل هذه التقنيات لمساعدة الناس على التمييز بين الحقائق والدعاية، خاصة في عصر تزايد استخدام المحتوى «المؤتمت» والمعلومات المضللة. وبالتوازي، يسهم «فرابيه» بدور حيوي في تمكين الجمهور من تحليل الأخبار بطريقة أكثر وعياً وموضوعية، ووفق ناكوف: «في عصرنا الحالي، يمكن أن تُستخدم أساليب الإقناع لتضليل الناس؛ ولهذا السبب نحتاج إلى أدوات تساعد في فهم اللغة التي تشكّل أفكارنا». وبالتالي، من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يصبح «فرابيه» نموذجاً لتطبيقات مستقبلية تسعى لتعزيز الشفافية في الإعلام وتقليل تأثير التضليل الإعلامي.

مكافحة «الأخبار المزيّفة»

في سياق متصل، تمثل خوارزميات الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في مكافحة «الأخبار المزيّفة»؛ حيث تعتمد على تقنيات متقدمة لتحليل النصوص والصور ومقاطع الفيديو.

ومن بين أبرز التقنيات المستخدمة في هذا المجال يمكن أيضاً تحليل النصوص؛ إذ تعتمد خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية على تحليل لغة المقالات والتحقق من الأسلوب، واكتشاف المؤشرات اللغوية التي قد تشير إلى التضليل.

كذلك تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي على التحقّق من المصادر، وبالأخص من موثوقية المصادر الإعلامية من خلال تحليل تاريخ النشر والتكرار والمصداقية، والتعرف على التزييف البصري عن طريق استخدام تقنيات التعلم العميق للكشف عن الصور أو الفيديوهات المزيفة باستخدام خوارزميات يمكنها تحديد التلاعبات البصرية الدقيقة.

التحديات المستقبلية

ولكن، على الرغم من النجاح الكبير للذكاء الاصطناعي في هذا المجال، لا بد من القول إن التحديات لا تزال قائمة. من هذه التحديات تزايد تعقيد تقنيات التزييف، بما في ذلك عبر تطوّر تقنيات مثل «التزييف العميق» الذي يزيد مهمة كشف «الأخبار المزيّفة» صعوبة. وأيضاً ثمة مشكلة «تحيّز البيانات (أو المعطيات)» حيث يمكن أن تتأثر خوارزميات الذكاء الاصطناعي ببيانات التدريب، ما قد يؤدي إلى نتائج قليلة الدقة أو متحيزة. وبالطبع، لا ننسى أيضاً إشكالية التنظيم القانوني مع طرح استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا السياق تساؤلات حول الخصوصية والموثوقية والمسؤولية القانونية.