تساؤلات حول «الموازنة» بين حماية محتوى الصحف... وحرية تداول المعلومات

تساؤلات حول «الموازنة» بين حماية محتوى الصحف... وحرية تداول المعلومات
TT

تساؤلات حول «الموازنة» بين حماية محتوى الصحف... وحرية تداول المعلومات

تساؤلات حول «الموازنة» بين حماية محتوى الصحف... وحرية تداول المعلومات

مع توقيع قادة وأكاديميين يعملون بصناعة التكنولوجيا «الذكاء الاصطناعي»، بينهم مالك شركة «تويتر» إيلون ماسك، والعالم الأميركي ستيف فوزنياك، على خطاب مفتوح يدعو إلى «التوقف لمدة 6 أشهر في تجارب (الذكاء الاصطناعي) واسعة النطاق للحد من مخاطره على مجالات عدة»، أشار استطلاع إلى أن نحو نصف غرف الأخبار داخل الصحف تعمل بنشاط لتأصيل استخدام أدوات «الذكاء الاصطناعي» في العمل الإخباري.

الاستطلاع أجرته الرابطة العالمية لناشري الأخبار (WAN - IFRA) مطلع يونيو (حزيران) الحالي، وأفاد بأن «قادة غرف الأخبار هم مَن يقودون نشر (الذكاء الاصطناعي) في غرف الأخبار بالصحف، وهذا على الرغم من التحذيرات المتكرّرة بشأن تأثير هذه التقنيات على حماية المحتوى، سواء على مستوى حقوق النشر الخاصة بالمؤسسات أو التجاوزات التي أمكن رصدها بشأن نشر محتوى مضلل».

وتابع الاستطلاع، الذي شمل 101 محرر وصحافي من غرف أخبار متفرقة، وأُجري بالشراكة مع شركة الاستشارات الألمانية «تشيكلير»، أن «المؤسسات الإخبارية تسارع لتعزيز إنتاج نصوص طويلة بلغة بسيطة في وقت قياسي، ما يضمن وفرة الإنتاج».

وفي الوقت ذاته رصد الاستطلاع بعض «المقاومة» من الصحافيين للذكاء الاصطناعي، إذ ذكر أن 85 في المائة من المشاركين أعربوا عن قلقهم بشأن نشر «معلومات مضللة»، أو «تدنّي جودة المحتوى». في حين أعرب آخرون عن قلقهم بشأن تقليص أدوارهم في غرف الأخبار. وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن «القلق بشأن المحتوى يتعاظم، في حين أن المسار العكسي يحد من حرية تداول المعلومات التي هي حق أصيل للجمهور».

الدكتور لخضر شادلي، أستاذ الإعلام الجديد والرقمي في الجامعة الكندية بدبي، أشار خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» إلى أن «استخدام (الذكاء الاصطناعي) التوليفي لإنشاء محتوى أصلي يؤدي إلى حدوث مشكلات تتعلق بانتهاك حقوق الملكية الفكرية وحقوق النشر». وأردف: «يعيد النموذج الاصطناعي إنتاج مواد محمية بحقوق الطبع والنشر من دون الحصول على إذن مناسب. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أيضاً استخدام (الذكاء الاصطناعي) التوليدي لإنشاء محتوى مضلّل أو تشهيري أو مسيء، ما يثير مسؤولية إضافية ومخاوف أخلاقية». قبل أن يضيف أن «القوانين والسياسات قد تختلف من بلد إلى آخر، وقد تتضمّن شروط وأحكام ناشرين محدّدين أحكاماً مختلفة فيما يتعلق باستخدام (الذكاء الاصطناعي) التوليدي».

شادلي يرى أيضاً أن «هناك جهوداً يجب أن تُبذل لتحقيق الموازنة بين حماية المحتوى وحرية تداول المعلومات». ويقول ضمن هذا الإطار إنه «يمكن تحقيق التوازن إذا كانت الصحف هي المصدر، ذلك أن استخدام الصحف لتزويد برامج (الذكاء الاصطناعي) بمعلومات لها الحق في نشرها، يمكن اعتباره بالفعل إنجازاً مهماً. إذ لطالما كانت الصحف مصدراً قيّماً للمعلومات، فهي تقدّم مجموعة واسعة من الموضوعات ووجهات النظر، ومن خلال الاستفادة من هذه الثروة المعرفية يمكن لبرامج (الذكاء الاصطناعي) الاستفادة من آخر الأخبار والآراء والتحليلات».

من جهة أخرى، أرجع الدكتور شادلي قيمة العمل الصحافي، بأن يستمر بوصفه مصدراً للمعلومات، إلى «اعتماد الصحف على فرق من الصحافيين والباحثين الذين يجمعون ويحللون المعلومات من مصادر مختلفة، ما يحقق دقة وموثوقية في محتواها... وبالتالي، من خلال الاستفادة من هذه الخبرة، يمكن لبرامج (الذكاء الاصطناعي) الوصول إلى مجموعة منتقاة من المعلومات، وتعزيز قدرتها على تقديم رؤى دقيقة ومحدثة حول مجموعة واسعة من الموضوعات».

وهنا يشير الأكاديمي في الجامعة الكندية بدبي إلى أن تفاصيل التنفيذ المُحددة لكيفية تغذية الصحف بالمعلومات لبرامج «الذكاء الاصطناعي» قد تختلف. وعليه، يقترح أن «تستخدم الصحف تقنيات مثل معالجة اللغة الطبيعية، واستخراج البيانات، أو حتى الشراكات المباشرة مع مطوري (الذكاء الاصطناعي) لتسهيل تدفق المعلومات». ويقول إنه في خضم تحقيق التوازن بين حماية المحتوى وحرية تداول المعلومات «يجب تطوير قوانين حقوق النشر التي تحمي منشئ المحتوى من الاستخدام غير المرخص لمحتوياته، كذلك يجب إخضاع استخدام الأعمال المحمية بحقوق الطبع والنشر في أنظمة (الذكاء الاصطناعي) للتحليل بموجب قانون حقوق النشر والاستخدام العادل».

بالمناسبة، سأل الصحافيون روبوت الدردشة «تشات جي بي تي» سؤالاً بسيطاً هو: متى نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» أول تقرير عن «الذكاء الاصطناعي»؟ فأجاب: «كان ذلك يوم 10 يوليو (تموز) 1956 في مقال بعنوان «الآلات ستكون قادرة على التعلم وحل المشكلات» على هامش تغطية مؤتمر أساسي في كلية دارتموث». لكن «نيويورك تايمز» أشارت إلى أن هذا المقال لم يكن حقيقياً، حتى لو كان المؤتمر الذي زعمت تغطيته قد حدث بالفعل.

عودة إلى شادلي، الذي قال: «لا يخطئ (تشات جي بي تي) في بعض الأحيان فحسب؛ بل يمكن أن يختلق المعلومات، والأسماء، والتواريخ، والتفاسير الطبية، وعناوين الإنترنت، وحتى الأحداث التاريخية التي لم تحدث قط».

من جانبه يرى محمد فتحي، الصحافي المصري المتخصص في الإعلام الرقمي، أنه قبل ظهور «الذكاء الاصطناعي» «سُجّلت انتهاكات عدة لقوانين حماية المحتوى بدعوة حرية تبادل المعلومات على مواقع التواصل الاجتماعي». وذكر لـ«الشرق الأوسط» أن منصات التواصل الاجتماعي «لا تحمي المحتوى، بل ما يعنيها هو إبقاء المستخدم في حالة تفاعل لأطول وقت ممكن، لأن التفاعل يترجم لاحقاً إلى أموال من قبل معلنين... أما الأصل في الصحافة والعمل الإعلامي فهو نقل المعلومات وتوفيرها للقارئ، الذي بات مستخدماً، غير أن هذا لا يحق للوسيط على الإطلاق، سواء كان مواقع التواصل الاجتماعي أو أدوات (الذكاء الاصطناعي)».

فتحي يشير إلى وجود «خلل في الحدود الفاصلة بين الحق في المعلومة، وتخطي حق الغير وهو منشئ المحتوى». ويشرح أن «تداول المعلومات طمس ثقافة الحقوق من جانب، كما تسبب في تراجع أهمية التحقق من دقة المعلومة... وأنا أتوقع أن تتضاعف هذه الأزمة مع ضم أدوات (الذكاء الاصطناعي) في منظومة العمل الصحافي».

فتحي شدد أيضاً على سلوكيات رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فقال: «كل مَن يحمل هاتفاً جوالاً صار ناشراً من دون أي معايير للحياة الشخصية، وبالفعل جرى رصد حالات عدة من اختراق الخصوصية مثل نشر مقاطع مصورة من حفلات خاصة من دون حق».

وعمّا هو مطلوب الآن من أجل تحقيق التوازن، يرى فتحي أن «الضوابط والقوانين من شأنها تحقيق التوازن اللازم، عبر تفعيل القوانين الموجودة بالفعل وتطوير بعض المواد لتحقيق أقصى درجة من الحماية». ومن جانب آخر فإنه يناشد الجهات الاعتبارية والشخصيات العامة، قائلاً: «إن جزءاً من الفوضى يعود إلى سلوك الشخصيات العامة أو المؤسسات، التي لا تطالب بحقها حال اختراق خصوصيتها... وأيضاً يجب أن يظل الحديث العام حكراً على الصحف والقنوات من دون غيرها؛ لأن هذه تقدّم المعلومة وفقاً لقواعد مهنية».



كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟
TT

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

كيف يتفادى الناشرون قيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي؟

تزامناً مع انتشار الصراعات والأزمات والأحداث السياسية، تزايدت الشكاوى من حذف منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي بحجة «تعارضها مع أو انتهاكها لمعايير النشر على تلك المنصات»، الأمر الذي جدّد الجدل حيال مدى تأثر المواقع الإخبارية بقيود منصات «التواصل» على المحتوى السياسي، وكيف يتفادى الناشرون الخوارزميات لعدم حذف تقاريرهم عن النزاعات والحروب.

وحقاً، طوال السنة تصاعدت شكاوى ناشرين وصُناع محتوى من القيود المفروضة على نشر المحتوى السياسي، لا سيما في فترات الأحداث الكبرى خلال «حرب غزة»، من بينها أخيراً قتل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» يحيى السنوار، ولقد شكا صحافيون ومنصات إخبارية من «حذف» منشوراتهم و«تقييد» صفحاتهم بسبب نشرهم محتوى عن مقتل السنوار. خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أكدوا أن منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما تلك التابعة لشركة «ميتا»، زادت من قيودها على نشر المحتوى السياسي، واقترحوا وسائل عدة للالتفاف حول تلك القيود: أبرزها الالتزام بالمعايير المهنية، وبناء استراتيجيات جديدة للترويج للمحتوى لا تعتمد بشكل كلي على وسائل التواصل الاجتماعي.

الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام في جامعة بنغازي والباحثة في الإعلام الرقمي، أرجعت استمرار منصات التواصل الاجتماعي في حذف بعض المنشورات والحسابات إلى «تعارض تلك المنشورات مع المصالح السياسية للشركات المالكة للمنصات». وأردفت أن «تحكم المنصات في المحتوى المنشور يزداد في أوقات الحروب والأزمات وفترات التوتر العالمي، على غرار الحرب الدائرة منذ أكثر من سنة في غزة».

وأوضحت مي عبد الغني أنه «على مدار العام الماضي تعرض المحتوى العربي لأشكال عدة من التقييد ومنع وصول المحتوى وإيقاف البث المباشر، وحذف وحظر المنشورات وحتى إيقاف الحسابات... من الطبيعي أن ينعكس ذلك على حسابات المواقع الإخبارية العربية، لكونها معنية بنقل ما يحدث في المنطقة من زاوية قد تتعارض مع مصالح وتوجهات الجهات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي».

لمواجهة هذه القيود اقترحت الباحثة والأكاديمية «استخدام أساليب عدة من بينها تقطيع الكلمات، أو استخدام أحرف لاتينية في الكتابة أو صور، مع محاولة اختيار الألفاظ بشكل دقيق للتحايل على خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي».

في المقابل، يرى الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، خالد البرماوي، أن «كُل طُرق التحايل لتفادي قيود منصات التواصل على نشر المحتوى، ليست إلا حلولاً مؤقتة... وهذه الطرق عادةً ما تُكتَشف بعد فترة، ما يجعلها عديمة الفاعلية في منع الحذف».

وأضاف البرماوي: «على المواقع الإخبارية أن تبني استراتيجيتها الترويجية بعيداً عن منصات التواصل الاجتماعي بحيث تكون لها وسائلها الخاصة للترويج، مهما تطلب ذلك من وقت ومجهود». ولذا اقترح أن «تلجأ المواقع الإخبارية إلى تنويع حساباتها على المنصات، بعمل حسابات مختلفة للأخبار والمنوعات والرياضة، إضافة إلى ممارسة الضغط على وسائل التواصل الاجتماعي لتقليل القيود المفروضة على نشر المحتوى الإخباري».

ويوضح محمد فتحي، الصحافي المتخصّص في الإعلام الرقمي، أنه منذ بدء «حرب غزة» أدخلت منصات التواصل الاجتماعي سياسات وقيوداً تؤثر على ظهور المحتوى المتعلق بالحرب، وهو ما «عرّض تلك المنصات لانتقادات عدة واتهامات بالتضليل».

وأكد فتحي أنه «إذا أراد الناشر الاستفادة من المنصات، فيجب عليه مراعاة معاييرها وسياستها... بينما على ناشري المحتوى الموازنة بين المنصات المختلفة، فلكل منصة سياسة خاصة بها، وما يصلح للنشر على (يوتيوب) قد لا يناسب (فيسبوك)». واختتم بالتشديد على «ضرورة مراعاة المعايير المهنية وتدقيق المعلومات عند النشر كوسيلة لتفادي الحذف... فالالتزام بالمهنية غالباً ما يكون الحل الأمثل لمواجهة أي قيود».