تراجع الأخبار المدفوعة يُثير تساؤلات بشأن مصادر الربح البديلة

تراجع الأخبار المدفوعة يُثير تساؤلات بشأن مصادر الربح البديلة
TT

تراجع الأخبار المدفوعة يُثير تساؤلات بشأن مصادر الربح البديلة

تراجع الأخبار المدفوعة يُثير تساؤلات بشأن مصادر الربح البديلة

مع تصاعد الأزمة الاقتصادية التي تعيشها غالبية الصحف على خلفية تراجع الإعلانات المدفوعة، وتوتر العلاقة مع منصات التواصل الاجتماعي، كانت الحلول تتجه نحو تقديم خدمات مدفوعة تستهدف جمهوراً خاصاً، غير أن تراجع كيانات صحافية ضخمة عن نموذج الدفع مقابل الخدمات الإخبارية ربما يقلب الموازين.

مجلة «تايم» الأميركية التي تقدم محتوى مدفوعاً منذ سنوات، أعلنت أنها بصدد طرح نشرة خدماتها الأسبوعية بالمجان، ابتداء من يونيو (حزيران) الجاري. وجاء هذا القرار بعد سنة من توقف موقع أخبار سوق الأعمال «كوارتز» عن الخدمات المدفوعة، والميل نحو تقديم خدماته مجاناً. كذلك، طرح موقع «إنسايدر»، في مطلع العام الحالي، خطة لإتاحة مزيد من محتواه مجاناً، إلا أن المشروع توقف بسبب بعض المقاومة من الشركة. أما موقع «يو إس توداي» -الذي تملكه مجموعة «غانيت» العملاقة- فقد قلص عدد الأخبار المدفوعة إلى الثُّلث بهدف زيادة عائدات الإعلانات التي تشترط الوصول إلى قاعدة جماهيرية أكبر.

كل هذا يشير إلى أن ثمة تراجعاً أو إعادة تقييم لنموذج الأخبار المدفوعة، مع أنه كان أحد المخارج التي تلوح في الأفق للخروج من الأزمة الاقتصادية التي أثقلت التجارب الصحافية المخضرمة. ولكن كثرة من الخبراء لا ترى أن هذا التراجع الجزئي دليل على قلة جدوى نموذج العمل الصحافي المدفوع. وذلك لاستمرار أسماء أميركية وبريطانية بارزة، مثل «النيويورك تايمز»، و«الواشنطن بوست»، و«التلغراف»، و«الفايننشيال تايمز»، و«الـوول ستريت جورنال»، و«بلومبرغ»، و«الإيكونوميست»، وغيرها، وتحقيقها نجاحات في نموذج الأخبار المدفوعة، وهذا يعني أنه لا تزال ثمة فرصة للاعتماد على الخدمات المدفوعة؛ لكن في نماذج صحافية وخدمات إخبارية بعينها.

جيسيكا سيبلي، الرئيسة التنفيذية لـ«تايم»، قالت في حديث لبودكاست «ذا ريبورتنغ شو»، إن القرار «اتُّخذ بدافع المسؤولية الاجتماعية وليس بغرض اقتصادي، لا سيما أن الصحيفة حظرت أرشيفها بالكامل، ليتوفر فقط للاشتراكات المدفوعة». وأردفت جيسيكا سيبلي بأنها شعرت بأن من مهمتها «إتاحة ما يُقدم من أخبار ومعلومات للجميع وفي أي مكان».

للعلم، في نموذج «تايم»، حققت الأخبار المدفوعة عوائد استمرت أكثر من 12 سنة. ووفق مطبوعة «بريس غازيت»، قدمت «تايم» خدماتها مقابل الدفع لأول مرة في عام 2011 على نحو تدريجي، من خلال طرح جزء من الأخبار مجاناً، بينما ظل الجزء الأكثر تميزاً مقتصراً على المشتركين، قبل أن ينتهي بها الأمر عام 2021، باستخدام نظام يسمح للزائرين بقراءة 4 مقالات غير مدفوعة. وبحلول العام الجاري، وصل عدد المشتركين الرقميين في المجلة العريقة إلى نحو 250 ألف مشترك، إلى جانب 1.3 مليون مشترك في النسخة المطبوعة. بيد أن هذه الأرقام لم تساير طموح القائمين على المجلة.

تساؤلات مطروحةالواقع أنه بين فلسفة الأخبار المدفوعة والمجانية، خرجت تساؤلات حول التوازنات الربحية والبدائل المتاحة، وبالأخص، إثر تراجع عوائد الصحف بوجود منصات التواصل الاجتماعي، وتصاعد السجال حول من يحق له أن يدفع ولمن؟ وفي هذا السياق ترى آسيا العتروس، رئيسة تحرير صحيفة «الصباح» التونسية، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن «بدايات الأزمة الحالية بدأت منذ تصاعد منصات التواصل الاجتماعي ودخولها ساحة منافسة نقل الأخبار». وأضافت: «الإعلانات الورقية تراجعت إلى حد يهدد صدور النسخة المطبوعة بسبب تكلفتها. ثم باتت الصحف تنافس منصات التواصل الاجتماعي، وكذلك الصحافة الإلكترونية، من خلال عدد ضخم من المواقع الإخبارية التي اقتحمت المجال، غير مرتكزة على معايير المؤسسات الصحافية الرنانة التي تصدر النمطين الإلكتروني والورقي». وتابعت: «حتى العامة باتوا ينافسون الصحافة على نقل الأخبار... إذ برزت صحافة المواطن التي لها عيوب ومزايا. كل هذا ضاعف التحديات الاقتصادية على الصحف، وتسبب في تراجع الأرباح».

آسيا العتروس تحلل فكر القارئ -الذي تحول إلى مستخدم بفضل مساحات التفاعل- بطرحها سؤالاً: «لماذا أدفع ما دام بإمكاني الحصول على كل الأخبار بمجرد الضغط على زر الهاتف؟». وتجيب: «لا بد من التعاطي مع المتغيرات؛ سواءً كانت في سلوك القارئ وأنماط احتياجاته، أو في التكنولوجيا وتطوراتها المتسارعة... ومن هنا تأتي الإجابة حول نموذج الربح وإمكانية تقديم خدمة صحافية مدفوعة». وترى الإعلامية التونسية أن «المزج بين المجاني والمدفوع هو المخرج الآمن للأزمة الراهنة». وتؤكد أن بدائل الربح متوفرة، غير أنها رهينة العقول الطازجة، وتتابع بأن «تشجيع القارئ على الدفع مقابل خدمة رهين تقديم شيء فريد يغرد خارج السرب، فالصحافة بحاجة أولاً إلى عقول مبتكرة قادرة على تعزيز الخدمات المقدمة للقارئ، ثم يتم تقييم ما إذا كان النموذج المدفوع مجدياً أو لا».

وتضع آسيا العتروس خاصية التفاعل كأحد المعايير الأساسية لاستقطاب القارئ، ومن ثم فتح مجالات ربح متعددة، فتقول إن «القارئ يتوق إلى أن يشعر بأنه جزء من الخدمة الإخبارية، أكان مشاركاً بالرأي أو الكتابة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال خدمات تفاعلية رياضية أو فنية أو ترفيهية ومسابقات، وحتى في مجال السياسة ثمة أفكار لاستعادة القراء، ومن ثم الاستثمار في ذلك». ثم تشدد على «ضرورة توفير بدائل ربحية كي تصمد المؤسسات الصحافية... لقد ساهمت الاشتراكات المدفوعة في بقاء بعض المؤسسات العريقة حتى الوقت الراهن، ودرأت عنها آثار الأزمات المتتالية، مرتكزة على علاقة مباشرة تجمع المؤسسة بالقارئ. ومن ثم هذا نموذج يجب الدفع إليه بأدوات عصرية تتفهم متطلبات القارئ... وفي شأن الخدمات المدفوعة تلعب الوزارات والجهات الرسمية وغير الرسمية دوراً بارزاً، ما يُمكّن الصحف من السعي لجذب هؤلاء من خلال خدمات متخصصة تحمل قيمة مضافة لهم».

من جهته، خلال حوار مع «الشرق الأوسط»، فرَّق عماد الدين حسين، رئيس تحرير صحيفة «الشروق» المصرية، في مناقشة بدائل الأرباح، بين تجربة «تايم» التي تخاطب جمهوراً له ثقافة غربية، وبين التجارب العربية وجدوى السعي وراء تقديم خدمات مدفوعة. إذ قال: «ثقافة الجمهور العربي، والمصري على وجه التحديد، تختلف عن ثقافتي الأميركيين والأوروبيين، من حيث عادات القراءة وطبيعة الخدمة الصحافية التي يتوق لها القارئ». وأردف: «قد لا يكون المجتمع العربي مؤهلاً في الوقت الراهن لخوض تجربة الخدمات الصحافية المدفوعة».

وعن «هضم» الجمهور العربي فكرة الدفع مقابل متابعة محتوى درامي وترفيهي على شاكلة تجارب منصات المشاهدة، رأى رئيس تحرير «الشروق» أنه «لا يمكن قراءة سلوك القارئ وتعاطيه مع المحتوى الصحافي على خلفية تجارب المحتوى الترفيهي التي باتت جزءاً من مدفوعات المشاهد العربي... إن الفرق هو التفرد والتميز. فالمشاهد العربي دفع اشتراكاً حين اطمأن إلى أن المنصة ستخصه بعرض عمل درامي أو فكاهي خاص، وشعوره بالتميز والراحة والرفاهية عزز رغبته في الدفع».

ومن ثم، يشترط حسين نجاح تجربة الصحافة المدفوعة بتحقيق معادلة «الحصري»، معتبراً أن «المعيار هو جودة المحتوى، فالقارئ واعٍ، ويتعرض إلى ملايين المعلومات يومياً، ولن يخرج بطاقته الائتمانية إلا أمام ضمانة التفرد بمحتوى ممتع ودقيق. غير ذلك لن يهتم». ثم يضيف أن الصحف بحاجة إلى «رفع جودة المحتوى» حتى تنجح في استقطاب القارئ، سواء بمحتوى مجاني أو مدفوع، ويزيد أنه «لا يجوز أن ننسى معركة الصحف مع منصات التواصل الاجتماعي التي باتت تتحكم فيمن يتابع الصحيفة أو يرى المحتوى، وحتى تفوز المؤسسات في هذه المنافسة، فعليها أن تُعلي قيمة المحتوى».


مقالات ذات صلة

العالم العربي ندوة «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر

«امسك مزيّف»... استنفار مصري لمواجهة «الشائعات»

حالة استنفار تشهدها مصر أخيراً لمواجهة انتشار «الشائعات»، تصاعدت مع إعلان «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام»، الثلاثاء، عزمه إطلاق موقع «امسك مزيف».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
إعلام إدمون ساسين (إنستغرام)

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق وزير الإعلام سلمان الدوسري التقى رئيسة الإدارة الوطنية للإذاعة والتلفزيون الصينية كاو شومين (واس)

شراكة إعلامية سعودية صينية تطلق برامج تنفيذية مع القطاعين العام والخاص

اختتم وزير الإعلام السعودي، اليوم، أعمال برنامج الشراكة الإعلامية السعودية الصينية، وشهدت الزيارة إبرام اتفاقيات وبرامج تنفيذية وورش عمل بين الجانبين.

«الشرق الأوسط» (بكين)
إعلام توقيع مذكرة تفاهم للتعاون بين منصة سعوديبيديا وجامعة بكين للغات والثقافة (الخارجية السعودية)

مباحثات سعودية - صينية في بكين لتطوير التعاون الإعلامي

التقى سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، في بكين، اليوم الخميس، مدير مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني مو قاو يي.

«الشرق الأوسط» (بكين)

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
TT

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)

«إحدى الوظائف الرئيسية لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل في القدرة على توحيد الناس وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات» اختتم المنتدى الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» أخيراً أعماله في موسكو، مطلِقاً آليات لتعزيز التواصل مع المؤسسات الثقافية والإبداعية في عشرات البلدان، بهدف تحويل المنتدى -كما قال منظموه- إلى «منصة فريدة لتبادل الخبرات وتطوير أساليب الابتكار والإبداع في عالم متعدد لا تهيمن عليه الثقافة الغربية وحدها بأساليبها القديمة».

جمع المنتدى، عبر النقاشات التي دارت خلال ورشات العمل «قادة الصناعات الإبداعية من روسيا ودول أخرى، لمناقشة آفاق تطوير الصناعة والمخاطر والفرص التي أحدثها التقدم السريع للتكنولوجيا الجديدة في حياة الناس وإبداعهم».

عاصمة عالمية للإعلام والثقافة

ووفقاً لحكومة العاصمة الروسية موسكو، التي رعت تنظيم المنتدى، فإن من بين أهداف إطلاقه «تحويله إلى فعالية تُنظّم بشكل دوري وتكريس رؤية جديدة للتعاون الثقافي والإعلامي والإبداعي تقودها موسكو». ومن جهتها، رأت رئاسة المنتدى أن موسكو «عزّزت عبره مكانتها بين عواصم الثقافة في العالم، وباتت تجذب انتباه الخبراء في الصناعات الإبداعية والمتخصصين المشهورين من مختلف أنحاء العالم، من الولايات المتحدة وفرنسا إلى الهند والصين». وبهذا المعنى فإن روسيا «ما زالت تحتفظ بهويتها الثقافية، على الرغم من العقوبات والتحديات المعاصرة، بل تمضي قدماً أيضاً نحو تطوير أشكال جديدة من التفاعل في مجالات السينما ووسائل الإعلام الجديدة وغيرها من الصناعات الإبداعية».

وحقاً، جمع منتدى «الثقافة والإعلام والرقمنة» في دورته الأولى متخصصين في مجالات السينما، والألعاب، والإعلام، والتكنولوجيا، والصناعات الإبداعية؛ للبحث عن توازن جديد بين الأهداف التجارية والمصالح العامة، وإمكانيات الآلات وقدرات البشر.

ولمدة يومين، تواصل المشاركون من مختلف دول العالم في ورشات عمل لبحث المواضيع الرئيسة المطروحة التي توزّعت على عدة محاور؛ بينها: اقتصاد وسائل الإعلام الجديدة، والتأثير المتبادل بين وسائل الإعلام الجديدة والسينما، والاتصالات، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن تطوير ألعاب الفيديو، والمساحات الافتراضية، والرياضات الإلكترونية.

تقارب وأرضية مشتركة

رؤية المنتدى تقوم، بالدرجة الأولى، على محاولة تعزيز التقارب والتنسيق من أجل «إيجاد أرضية مشتركة وتطوير أساليب جديدة وفريدة للإبداع بين روسيا ودول مجموعة (بريكس+)» والدول العربية، لا سيما في مجال منصات الثقافات وتشابكها. وبذا لا يُخفي المنظمون الهدف الأساسي المتمثل في محاولة «كسر» الحصار الغربي، والعمل على تشكيل منصة فريدة تُسهم في تطوير حوار دولي بين روسيا وشركائها في الدول العربية والبلدان الأخرى التي تعمل مثل روسيا لإيجاد روابط جديدة للتعاون في ظل التغيّرات السريعة على بيئة المعلومات العالمية.

لذا، رأى المنتدى في جلسات الحوار أن إحدى الوظائف الرئيسة لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل «في القدرة على توحيد الناس، وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات واللغات المختلفة عبر استخدام الشبكات الاجتماعية، والمدوّنات، ومحتوى الفيديو». وعدّ أن تأثير مساحة الإعلام الجديدة يتمثّل أيضاً في إمكانية إنشاء مبادرات مشتركة - مشاريع مشتركة، وأحداث ثقافية، وبرامج تعليمية تهدف إلى تعزيز الروابط وتوسيع آفاق التعاون المتبادل.

برنامج اليوم الأول تضمّن جلسة رئيسة بعنوان «مستقبل التواصل والتواصل من أجل المستقبل»، شاركت فيها نخبة من كبار المخرجين العالميين؛ مثل: أمير كوستوريكا، وأوليفر ستون، استعرضوا خلالها دور السينما في تجاوز الحواجز الثقافية وتعزيز التفاهم بين الشعوب. وفي كلمته، شدّد كوستوريكا على أن «السينما لا تُقاس بقيمتها المالية بقدر ما تحمله من مضامين وأفكار عميقة»، مشيراً إلى تأثير أفلام المخرج أندريه تاركوفسكي التي على الرغم من محدودية مشاهدتها عند إصدارها، اكتسبت قاعدة جماهيرية واسعة على مر الزمن، بفضل طرحها أسئلة جوهرية عن الحياة.

أما ستون فأكد أن «السينما اليوم في مرحلة تطور مستمر، تتضمّن رؤى فنية جديدة وإمكانيات إبداعية متاحة حتى في المدن الصغيرة»، داعياً إلى احتضان هذا التغيير وتقدير الماضي في الوقت ذاته.

الحضور العربي

وفي الجلسات عن العالم العربي، شارك لوبو سيوس مقدم البرامج الحوارية في دبي، وعلي الزكري رئيس قسم التحرير الرقمي في صحيفة «البيان» في دبيّ، وعلا الشافعي رئيسة تحرير صحيفة «اليوم السابع» المصرية، والصحافي اللبناني نبيل الجبيلي. وأكد المنتدى تعزيز الروابط بين الشعوب، كونها تُسهم في خلق أرضية مشتركة وتقديم طرق مبتكرة للإبداع. ورأى المشاركون أن العلاقات بين روسيا ودول «بريكس» لا سيما الدول العربية تستند إلى التفاعل الثقافي وتشابك الثقافات؛ مما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون والإبداع المشترك.

وعن دور السينما، بين وسائل هذا التعاون، فإنها عُدّت جسراً فعّالاً يربط بين العالمين الروسي والعربي. إذ إن الأفلام لا تكتفي بعرض جوانب من حياة شعوب معينة، بل تساعد أيضاً على تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية؛ مما يخلق قصصاً عالمية قادرة على التأثير في قلوب المشاهدين في كل مكان.

ومن ثم، تناول المنتدى دور الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة واعدة في عملية التأليف والإنتاج السينمائي، بجانب بحث الفرص التي توفرها المنصات الرقمية لتمكين المواهب الشابة.

جانب من الحضور يسجلون اللحظة بهواتفهم الجوّالة (الشرق الأوسط)

منصة مهمة لتبادل الخبرات

مع مشاركة أكثر من 70 متحدثاً من 10 دول، شكّل المنتدى منصة مهمة لتبادل الخبرات وتعزيز التواصل الثقافي بين روسيا والعالم، بما يُسهم في دفع عجلة الابتكار والتنوع في قطاعي الإعلام والسينما العالميين. وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قال جورجي بروكوبوف، رئيس شركة موسكينو - مركز موسكو السينمائي، إن المنتدى -الأول من نوعه- يُنظّم «في لحظة محورية؛ إذ تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي والابتكارات الرقمية على إعادة تشكيل الصناعات الإبداعية بشكل أساسي». وأردف أن «الملعب العالمي بات أكثر توازناً... وظهرت مناطق جديدة، أو عزّزت مناطق، كانت موجودة أصلاً في هذه الصناعة، مكانتها لتتحول إلى مراكز لإنتاج الأفلام والتلفزيون».

وأوضح بروكوبوف أن موسكو استثمرت، بمبادرة من رئيس بلديتها سيرغي سوبيانين، بكثافة في «بناء مجموعات إبداعية عالمية المستوى» في المدينة وإنشاء شبكات تعاون مع مراكز إبداعية مماثلة في جميع أنحاء العالم. ولقد انصب أحد البرامج الأساسية على تطوير صناعة السينما. وتابع أن «مجموعة صناعة الأفلام الروسية وصلت إلى حجم مماثل (من حيث مرافق الإنتاج ومعداتها المتطورة) لتلك الموجودة في كاليفورنيا أو مومباي (...) تتغيّر صناعة الأفلام العالمية بسرعة، ولم يعد الأمر يقتصر على (هوليوود)، النموذج القديم؛ حيث تُملى ثقافة واحدة، والأذواق العالمية تتلاشى». ثم كشف عن أن عدد الأفلام الروائية المنتجة في دول «بريكس» تضاعف أكثر من ثلاث مرات على مدى العقدين الماضيين، في حين ظل عدد الإنتاجات في الغرب ثابتاً إلى حد كبير.

داخل القاعة (الشرق الأوسط)

التطور في «بريكس» ودول الخليج العربي

ومن ثم، أفاد بأن تقنيات الذكاء الاصطناعي تسمح بتكييف المحتوى المتنوع مع السياقات المحلية بسلاسة. وبالنسبة إلى دول مجموعة «بريكس» فإنها، مثل روسيا، «تتطلّع إلى تعزيز التعاون مع القطاع الإبداعي المزدهر في الخليج العربي، بما يمثّل فرصة مثيرة لاستكشاف أسواق جديدة».

وزاد المسؤول أن الأوساط الروسية «تتابع باهتمام كبير ما يحدث في المملكة العربية السعودية. إن تفاني الحكومة في رعاية المواهب وجعل المملكة واحدة من المراكز الإبداعية الرائدة في العالم أمر رائع حقاً. ومن الملهم أن نرى كيف تتحوّل المملكة بسرعة إلى قوة إبداعية عالمية مع الحفاظ على تراثها الثقافي الغني».