الذكاء الاصطناعي بين الحوكمة والحرية... من يكبح من؟

المعايير تتعدد... والتقنيات تتخطى الحدود

«ساس»: الشفافية وبناء الثقة عنصران أساسيان لحماية سمعة المؤسسات في ظل الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي (شاترستوك)
«ساس»: الشفافية وبناء الثقة عنصران أساسيان لحماية سمعة المؤسسات في ظل الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي (شاترستوك)
TT

الذكاء الاصطناعي بين الحوكمة والحرية... من يكبح من؟

«ساس»: الشفافية وبناء الثقة عنصران أساسيان لحماية سمعة المؤسسات في ظل الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي (شاترستوك)
«ساس»: الشفافية وبناء الثقة عنصران أساسيان لحماية سمعة المؤسسات في ظل الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي (شاترستوك)

بينما تتسارع وتيرة نشر الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، من قرارات الائتمان إلى التوائم الرقمية، لم تكن الحاجة إلى الحوكمة الواعية والمسؤولة أكثر إلحاحاً من اليوم. على هامش مؤتمر «SAS Innovate 2025» الذي استضافته مدينة أورلاندو الأميركية هذا الشهر، قال ريدجي تاونسند، نائب رئيس وحدة أخلاقيات البيانات في شركة «SAS»: «إن الذكاء الاصطناعي يسمح بالتحرك بسرعة... لكن الحوكمة هي المكابح». ونبّه خلال حديثه الخاص لـ«الشرق الأوسط» أنه حتى الآن «لا يملك كثير من المؤسسات الشجاعة للضغط عليها».

الثقة والحوكمة في القطاع المصرفي

في قطاع البنوك والخدمات المالية، حيث يُستخدم الذكاء الاصطناعي منذ عقود في كشف الاحتيال وتقييم الجدارة الائتمانية، تتضاعف أهمية الحوكمة بسبب حساسية السمعة وشدة التنظيم. وأوضح تاونسند أن لدى البنوك ممارسات ومعايير راسخة، وهي معتادة على بيئات تنظيمية صارمة. لكن الذكاء الاصطناعي اليوم ينتشر خارج أقسام المخاطر، ليصل إلى الموارد البشرية والدعم الفني وسير العمل الداخلي. وأشار إلى أن البنوك اليوم تتبنى نماذج مختلفة، بعضها يدمج فرق إدارة المخاطر ضمن فرق حوكمة الذكاء الاصطناعي الأكبر، بينما تفضّل أخرى إبقاءها منفصلة لضمان الاستقرار. وذكر أن القرار النهائي لا يزال غير محسوم، لكن ما لا يمكن التفاوض حوله هو الحاجة إلى الحفاظ على الثقة. وأكّد تاونسند على أهمية القدرة على شرح سبب حصول هذا العميل على قرض، ولم يحصل الآخر عليه، على سبيل المثال، دون تعريض الأنظمة المعقدة بالكامل للمستهلكين.

ريدجي تاونسند نائب رئيس وحدة أخلاقيات البيانات في شركة «SAS» متحدثاً إلى «الشرق الأوسط» (ساس)

الحوكمة ليست أداة، بل ثقافة

أطلقت شركة «ساس» وحدة استشارية مخصصة لحوكمة الذكاء الاصطناعي. وأشار تاونسند إلى أن ردود الفعل من العملاء كانت «إيجابية للغاية»، لكن التحدي الأكبر يتمثل في مقاومة التغيير داخل المؤسسات. وقال إن «العمل الحقيقي يبدأ بعد الأدوات.... الحوكمة ليست منتجاً، بل حواراً مع الإدارة العليا وثقافة مؤسسية متجذرة». وذكر أن القطاع العام يواجه تحديات أكبر، إذ يصعب على الجهات الحكومية تعديل هياكلها بسرعة لاستيعاب وتيرة تطور الذكاء الاصطناعي. وأشار إلى وجود وعي متزايد، «لكن الهيكل الإداري في كثير من الحكومات لا يسمح بالتحرك بالسرعة المطلوبة».

بين الحذر والأمل

قدّم تاونسند نظرة دقيقة ومتحفظة عن أخلاقيات استخدام البيانات الاصطناعية والتوائم الرقمية. وقال: «إذا استخدمت البيانات الاصطناعية بطريقة خاطئة، يمكن أن تضخم التحيزات القائمة. لكن إذا استُخدمت بحكمة، يمكن أن تساعدنا في اكتشاف هذه التحيزات ومعالجتها».

وأقرّ تاونسند، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI) يمثل تحدياً جديداً بالكامل. وشرح أنه داخل «ساس» يتم تضمينه في منتجات مثل «كوبايلوت» (Copilot)، لكن ضمن ضوابط واضحة مثل تقنيات «RAG» للحدّ من الانحرافات. وأشار إلى أن الشركة تطور حالياً أدوات جديدة لحوكمة «GenAI»، تتضمن «Model Manager» وبطاقات النماذج، إلى جانب منتج شامل للحوكمة سيُعلن عنه قريباً.

يرى خبراء أن البيانات الاصطناعية والتوائم الرقمية قد تعزز التحيز إذا أُسيء استخدامها (غيتي)

الحوسبة الكمية... كن مستعداً جيداً

وحول مستقبل الحوسبة الكمية، دعا تاونسند إلى التريث، قائلاً: «الحوسبة الكمية تعني السرعة، لكننا لسنا مستعدين بعد لنشر الضرر بسرعة».

تنصح «ساس» باستخدام إطار حوكمة يسمى طبقة التفعيل (Activation Layer)، يتضمن الرقابة والعمليات والضوابط والثقافة. وأوضح أن قلة من المؤسسات اليوم جاهزة فعلياً لاستخدام القدرات الكمية. ونقل أن «معظم المؤسسات لا تزال تكافح مع أساسيات الذكاء الاصطناعي. فلنبدأ أولاً بتنظيف بياناتنا».

توحيد قوانين الذكاء الاصطناعي عالمياً

رغم التفاؤل بشأن التعاون الدولي، يشكك تاونسند في إمكانية توحيد القوانين عالمياً. وقال إنه «لن نحصل على لغة موحدة، لكن يمكننا بناء مستوى من الاتساق يسمح بالتعاون الدولي. ويبين جهود منظمات مثل (OECD) والمنتدى الاقتصادي العالمي، بالإضافة إلى مبادرات في الاتحاد الأوروبي وكوريا واليابان». ويفصّل أن المستقبل يكمن في التوافق التقني، مثل بروتوكولات «عميل لعميل» (Agent-to-Agent) التي تعمل عليها شركات كبرى، مثل «غوغل» و«أنثروبيك». واستشهد تاونسند بمثال واضح قائلاً: «كما أن الكهرباء تعمل رغم اختلاف المقابس، والإنترنت يعمل رغم اختلاف الحدود، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعمل ضمن تناغم وظيفي عالمي».

فجوة المعرفة... ومعركة الثقة

في نهاية المطاف، يرى تاونسند أن «أمية الذكاء الاصطناعي» هي التحدي الأكبر قائلاً إن «معظم الناس يخافون من الذكاء الاصطناعي لأنهم لا يفهمونه. لا يمكنك تنظيم ما لا تفهمه». ونوّه إلى الحاجة «إلى مجتمع يعرف ما يطلبه من الشركات. من دون ذلك، ستبقى الثقة هشّة».

وفي نهاية حديثه، يجزم تاونسند أن «الحوكمة ليست قضية تقنية، بل قضية قيادة». ويقول إن «ساس» تسعى من خلال وحدة أخلاقيات البيانات إلى ترسيخ ثقافة مساءلة تحفّز العملاء والمؤسسات على التفكير بعمق، والعمل بحذر، ونشر الذكاء الاصطناعي بحكمة. ويختتم قائلاً: «نحن لسنا هنا لبيع برامج فقط... بل لنطرح سؤالاً؛ هل الذكاء الاصطناعي الذي نبنيه يعكس أفضل ما فينا؟».


مقالات ذات صلة

التسويق الرقمي... رافعة الكفاءة الاقتصادية في عصر البيانات

الاقتصاد تماثيل صغيرة مع أجهزة كمبيوتر وجوالات ذكية أمام عبارة «الذكاء الاصطناعي» (رويترز)

التسويق الرقمي... رافعة الكفاءة الاقتصادية في عصر البيانات

في عصرٍ تقوده البيانات وتتسارع فيه التحولات الرقمية بات التسويق الرقمي ركيزة أساسية للكفاءة الاقتصادية لا مجرد وسيلة ترويج.

آيات نور (الرياض )
الاقتصاد مقر وزارة التجارة السعودية بالرياض (واس)

السعودية تسجل 1.7 مليون سجل تجاري بنهاية الربع الثاني

ارتفعت السجلات التجارية المُصدرة في السعودية، خلال الربع الثاني من العام الحالي، بشكل ملحوظ تجاوز 80 ألف سجل تجاري جديد ليصل الإجمالي إلى أكثر من 1.7 مليون.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
تكنولوجيا جهاز بلو إير 311 آي ماكس

أفضل أجهزة تنقية الهواء لعام 2025

للمعانين من الحساسية وتدني جودة الهواء

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص صعود «وكلاء الذكاء الاصطناعي» يتطلب بنية تحتية أكثر ترابطاً تشمل الحوسبة والتخزين والشبكات كمنظومة موحدة (أدوبي)

خاص مع صعود «وكلاء الذكاء الاصطناعي»... هل البنية التحتية للمؤسسات مستعدة؟

صعود «وكلاء الذكاء الاصطناعي» يفرض تحولاً جذرياً في بنية الشبكات مع الحاجة إلى أتمتة وأمان مدمج ومحولات ذكية لمواكبة التعقيد المتزايد.

نسيم رمضان (سان دييغو - الولايات المتحدة)
علوم تقنية جديدة تُحوّل هواء الصحراء إلى مياه شرب آمنة

تقنية جديدة تُحوّل هواء الصحراء إلى مياه شرب آمنة

تسحب أبخرة الماء ليلاً لتتكاثف القطرات نهاراً

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«جنسبارك» تطلق أول نظام ذكي في العالم قائم على تعاون وكلاء الذكاء الاصطناعي

«جنسبارك» منصة ذكاء اصطناعي توفّر أدوات ذكية للمستندات والجداول والعروض يديرها وكلاء مستقلون ينفذون المهام تلقائياً بدقة (جنسبارك)
«جنسبارك» منصة ذكاء اصطناعي توفّر أدوات ذكية للمستندات والجداول والعروض يديرها وكلاء مستقلون ينفذون المهام تلقائياً بدقة (جنسبارك)
TT

«جنسبارك» تطلق أول نظام ذكي في العالم قائم على تعاون وكلاء الذكاء الاصطناعي

«جنسبارك» منصة ذكاء اصطناعي توفّر أدوات ذكية للمستندات والجداول والعروض يديرها وكلاء مستقلون ينفذون المهام تلقائياً بدقة (جنسبارك)
«جنسبارك» منصة ذكاء اصطناعي توفّر أدوات ذكية للمستندات والجداول والعروض يديرها وكلاء مستقلون ينفذون المهام تلقائياً بدقة (جنسبارك)

أعلنت منصة «جنسبارك» Genspark، المتخصصة في تقديم حلول الذكاء الاصطناعي التفاعلي، عن توسيع نطاق خدماتها بإطلاق «مستندات Genspark الذكية»، أول منشئ مستندات ذكاء اصطناعي كامل الوكالة في العالم، يدعم كلاً من «النص المنسق» ولغة «ماركداون» في آنٍ واحد، في خطوة تهدف إلى إعادة تعريف تجربة المستخدم مع أدوات الكتابة الذكية.

ويأتي هذا الإطلاق ضمن رؤية «جنسبارك» للتحوّل إلى نظام تشغيلي متكامل قائم على ما يُعرف بـ«مزيج من الوكلاء»، حيث تتعاون مجموعة من الوكلاء الذكيين لتنفيذ المهام المعقدة بشكل متناغم وذاتي.

أبرز الأدوات الذكية الجديدة من Genspark

1. الوكيل الفائق Genspark

وكيل افتراضي مستقل قادر على تحليل الأوامر المعقدة وتنفيذها بشكل تسلسلي دون تدخل بشري متكرر.

مثلاً، عند طلب «إنشاء خطة تسويق لمنتج إلكتروني»، يقوم الوكيل بتحليل السوق وجمع البيانات ووضع الاستراتيجية وتنظيمها في مستند شامل.

2. شرائح العرض الذكية «AI Slides»

أداة متقدمة لتوليد عروض تقديمية كاملة بناءً على فكرة أو عنوان رئيسي.

على سبيل المثال، عند إدخال عبارة مثل «مستقبل التعليم بالذكاء الاصطناعي» يُنتج عرضاً يحتوي على مقدمة ومزايا وتحديات وحلول، مع تصميم متكامل وجاهز للعرض.

3. الجداول الذكية «AI Sheets»

خدمة لتوليد جداول البيانات وتحليلها باستخدام أوامر نصية بسيطة دون الحاجة لخبرة في برامج مثل «إكسل» (Excel).

عند طلب «تحليل مبيعات 2023»، يُنتج جدولاً متكاملاً بالبيانات والنسب والرسوم البيانية تلقائياً.

4. مستندات الذكاء الاصطناعي «AI Docs»

أداة تحرير نصوص مدعومة بالذكاء الاصطناعي تتيح إنشاء مستندات احترافية عبر التعليمات النصية.

يتميز النظام بعدد من الخصائص التي تضمن تجربة سلسة واحترافية. فهو يدعم التنسيق المزدوج، سواء باستخدام «النص المنسق» أو «ماركداون»، مما يمنح المستخدم مرونة في إعداد المحتوى. كما يوفّر طباعة تلقائية ذات جودة احترافية دون الحاجة لتدخل يدوي.

ويحتوي النظام على مكتبة من القوالب الجاهزة التي صممها محترفون، مما يسهّل على المستخدمين اختيار التصاميم المناسبة لمحتواهم. إلى جانب ذلك، يتيح الدمج المرئي الذكي مواءمة تصميم المستند تلقائياً مع الصور المستخدمة، ما يعزز الجانب البصري ويضفي لمسة احترافية.

كما يمكن استيراد البيانات بسهولة من مصادر متعددة مثل «لينكد إن» والمواقع الإلكترونية والمستندات المختلفة، بفضل نظام الاستيراد الذكي المدمج.

على سبيل المثال، عند إدخال أمر مثل «أنشئ تقريراً عن نمو قطاع التقنية في الشرق الأوسط» يُنتج مستنداً تنسيقياً متكاملاً قابلاً للتعديل الفوري.

5. خدمة «حمّلها لي» «Download For Me»

وكيل ذكي لتحميل الملفات تلقائياً من الإنترنت.

لو تم إدخال «تحميل تقرير الذكاء الاصطناعي من منظمة الصحة العالمية» يفعّل عملية بحث وتحميل تلقائية للنسخة الأصلية من المصدر الرسمي بصيغة «بي دي إف» (PDF).

أطلقت «جنسبارك» أدوات ذكية مستقلة لإنشاء المستندات والجداول والعروض وتحميل الملفات تلقائياً (جنسبارك)

تحديثات إضافية حديثة

يشمل التحديث الجديد مجموعة من الميزات المتقدمة التي تعزز الأداء وتوسّع من إمكانيات المستخدمين.

أبرزها ميزة «مكالمات الأدوات المتوازية»، التي تتيح تنفيذ المهام بسرعة تتراوح بين 2 و10 أضعاف، ما يوفّر وقتاً ثميناً ويسرّع سير العمل بشكل ملحوظ. كما تم إطلاق «بودكاست الذكاء الاصطناعي للأخبار»، وهو بودكاست تفاعلي يستخدم صوتاً بشرياً طبيعياً، ليقدّم تجربة واقعية ومباشرة لمتابعة الأخبار.

أما على صعيد النماذج، فقد أصبحت «نماذج الذكاء الاصطناعي المجانية» مثل «O3-Pro» من OpenAI و«Claude Opus 4» متاحة الآن لمشتركي الباقات المدفوعة، مما يفتح آفاقاً جديدة لتجربة أدوات متعددة ومتقدمة.

وفي مجال إنشاء المحتوى المرئي، توسعت المنصة لتدعم 16 نموذجاً للفيديو، ما يتيح إنتاج أشكال متنوعة من الفيديوهات حسب الحاجة.

وأخيراً، يأتي «نمط العمل» كمفهوم مبتكر للعمل الذكي، حيث يمكن إنجاز مهام معقدة من خلال إرشاد واحد فقط، وذلك بفضل تكامل الوكلاء الذكي داخل المنصة.

ترى «جنسبارك» أن مستقبل العمل لا يقتصر على إنتاجية أعلى، بل على تجربة ممتعة وأكثر ذكاءً. ووصفت الشركة نظامها الجديد بأنه «أول نظام في العالم قائم على مزيج من الوكلاء»، مما يمثل نقلة نوعية في العلاقة بين الإنسان والذكاء الاصطناعي.