تقنية واعدة وسط تحديات الخصوصية... كيف تتبنَّى الصحة والدواء الذكاء التوليدي؟

يشهد الذكاء الاصطناعي التوليدي اعتماداً متسارعاً في قطاعي الرعاية الصحية وعلوم الحياة عالمياً (شاترستوك)
يشهد الذكاء الاصطناعي التوليدي اعتماداً متسارعاً في قطاعي الرعاية الصحية وعلوم الحياة عالمياً (شاترستوك)
TT

تقنية واعدة وسط تحديات الخصوصية... كيف تتبنَّى الصحة والدواء الذكاء التوليدي؟

يشهد الذكاء الاصطناعي التوليدي اعتماداً متسارعاً في قطاعي الرعاية الصحية وعلوم الحياة عالمياً (شاترستوك)
يشهد الذكاء الاصطناعي التوليدي اعتماداً متسارعاً في قطاعي الرعاية الصحية وعلوم الحياة عالمياً (شاترستوك)

لم يعد الذكاء الاصطناعي التوليدي مجرّد مصطلح رائج، بل أصبح قوة محركة للتحول في الصناعات التي تؤثر مباشرة على حياة البشر، مثل الرعاية الصحية وعلوم الحياة.

ويكشف استطلاع عالمي جديد أجرته شركة «ساس» (SAS) الرائدة في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع «كولمان باركس ريسرتش» (Coleman Parkes Research)، عن مدى اعتماد هذه القطاعات على تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي والتحديات التي تواجهها، وكيف تُقارن بقطاعات أخرى، مثل البنوك والتصنيع والقطاع العام.

وقد شمل الاستطلاع آراء 477 من كبار صنّاع القرار، بينهم 237 من قطاع علوم الحياة والأدوية، و240 من قطاع الرعاية الصحية، جميعهم مسؤولون بشكل مباشر عن استراتيجيات البيانات والتحليلات والذكاء الاصطناعي في مؤسساتهم.

الرعاية الصحية نحو الذكاء الاصطناعي

رغم أن معدلات اعتماد الذكاء الاصطناعي التوليدي في قطاع الرعاية الصحية لا تزال أقل من المتوسط العالمي، فإن المؤشرات تدل على تسارع ملحوظ؛ حيث تستخدم 46 في المائة من المؤسسات الصحية التقنية حالياً، مقارنة بمتوسط 54 في المائة عبر جميع القطاعات. لكن الصورة المستقبلية أكثر إشراقاً؛ حيث إن 95 في المائة من المؤسسات الصحية إما بدأت بالفعل باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي وإما تُخطط لاعتماده خلال العامين القادمين. و87 في المائة من هذه المؤسسات تُخطط للاستثمار فيه خلال السنة المالية المقبلة، و92 في المائة من هذه الاستثمارات مخصصة من خلال ميزانيات محددة. وتشمل أبرز الفوائد التي تحققت حتى الآن تحسين كفاءة معالجة مجموعات البيانات الكبيرة (89 في المائة)، وإدارة المخاطر والامتثال (88 في المائة).

تقول أليسا فاريل، مديرة التسويق العالمية لقطاع الصحة وعلوم الحياة في شركة «SAS»، إن طبيعة قطاع الرعاية الصحية الخاصة والوظائف المتنوعة التي يؤديها تتطلب مراعاةً دقيقة لقضايا الامتثال والتنظيم، وحساسية البيانات وتكامل الأنظمة والانحياز في خوارزميات الذكاء الاصطناعي. وتُضيف: «مع معالجة هذه التحديات، من المتوقع أن يزداد اعتماد القطاع بسرعة».

التحديات الأبرز التي تواجه الذكاء التوليدي تشمل خصوصية البيانات وحوكمة الذكاء الاصطناعي (شاترستوك)

علوم الحياة تتقدم بخطى أسرع

أما في قطاع علوم الحياة والصناعات الدوائية، فإن تبنّي الذكاء الاصطناعي التوليدي يشهد تقدماً أوضح. وأظهرت النتائج أن 58 في المائة من المؤسسات في هذا القطاع تستخدم التقنية حالياً، وهو أعلى من متوسط جميع القطاعات.

وفيما يخص المستقبل، فإن 97 في المائة من هذه المؤسسات إما تعتمد الذكاء الاصطناعي التوليدي وإما تُخطط لاعتماده. كما تخطط 85 في المائة منها للاستثمار في التقنية خلال السنة المالية المقبلة، مع وجود ميزانيات مخصصة لذلك لدى 92 في المائة منها.

أما عن النتائج، فقد أفادت 86 في المائة من المؤسسات بأن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي أسهم في تحسين كفاءة معالجة البيانات، في حين لاحظت 79 في المائة توفيراً في التكاليف والوقت التشغيلي.

وأضافت أليسا فاريل أن قطاع علوم الحياة يتجه إلى مستقبل يعتمد بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي التوليدي، مدعوماً بمعدلات استخدام مرتفعة وميزانيات مخصصة. فبفضل قدراته في التنبؤ والنمذجة، يمكن للتقنية تسريع العمليات عبر سلسلة القيمة بأكملها، من البحث والتطوير إلى التجارب السريرية وحتى التسويق التجاري.

الخصوصية والحوكمة: التحديان الأكبر

ورغم التفاؤل، فإن هناك قلقاً واضحاً من قضايا الخصوصية وحوكمة البيانات، خصوصاً في القطاعات التي ترتبط نتائجها بصحة وحياة الناس. فوفق الدراسة، يشعر 79 في المائة من قادة قطاع علوم الحياة و77 في المائة من قادة الرعاية الصحية بالقلق حيال الخصوصية والأمان عند استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي. وهذه النسب تُعدّ من بين الأعلى مقارنة بقطاعات أخرى.

وتأتي الحوكمة بوصفها من أبرز المخاوف كذلك؛ حيث أشار 62 في المائة من مؤسسات الرعاية الصحية و59 في المائة من مؤسسات علوم الحياة إلى أن الحوكمة تمثل تحدياً رئيسياً. ورغم ذلك، أفاد فقط 14 في المائة من قادة علوم الحياة و9 في المائة من قادة الرعاية الصحية بأن لديهم أطر حوكمة شاملة ومُعتمدة للذكاء الاصطناعي داخل مؤسساتهم.

أبرز فوائد الذكاء الاصطناعي التوليدي في الرعاية الصحية يشمل تحسين كفاءة معالجة البيانات وتعزيز الامتثال وإدارة المخاطر (شاترستوك)

البيانات الاصطناعية: حل واعد للتحديات

ومن أبرز الحلول التي بدأت تظهر لتجاوز هذه التحديات استخدام «البيانات الاصطناعية»، وهي بيانات يتم توليدها اصطناعياً لتُشبه البيانات الحقيقية دون الكشف عن معلومات حساسة.

وأظهرت الدراسة أن 56 في المائة من مؤسسات علوم الحياة و46 في المائة من كيانات الرعاية الصحية تستخدم أو تُفكر بجدية في استخدام البيانات الاصطناعية.

وتُستخدم هذه البيانات لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي أو لمحاكاة سير عمل المرضى أو سلاسل التوريد، دون المساس بخصوصية المرضى.

وتعد أليسا فاريل أن البيانات هي المحرك الأساسي لمنظومة الصحة الرقمية، وأن الاستثمار المستمر في تكامل الأنظمة وحوكمة البيانات ضروري لتغذية مستقبل الذكاء الاصطناعي التوليدي. وترى أنه يمكن من خلال دمج البيانات الاصطناعية وتكنولوجيا التوائم الرقمية استخراج قيمة أكبر من البيانات لخدمة المرضى وتحسين الصحة العامة.

المستقبل يبدأ الآن

وتؤكد نتائج الدراسة التي أعدّتها «ساس» (SAS) أن الذكاء الاصطناعي التوليدي لم يعد خياراً في قطاعي الرعاية الصحية وعلوم الحياة، بل ضرورة استراتيجية. ورغم التحديات المتعلقة بالخصوصية والحوكمة والأخلاقيات، يبدي القادة في هذه الصناعات تفاؤلاً واستعداداً واضحاً للاستثمار والمُضي قدماً.

من تحسين التشخيص إلى تسريع تطوير العلاجات، يعِد الذكاء الاصطناعي التوليدي بمستقبل أكثر كفاءة وذكاءً للرعاية الصحية، شريطة أن تتم معالجته بحكمة ووفق أسس تنظيمية واضحة.


مقالات ذات صلة

احذر قبل المشاركة... تريندات «دُمَى الذكاء الاصطناعي» متعة أم تهديد للخصوصية؟

تكنولوجيا التطبيقات قد تستخدم صور الوجه في تقنيات التعرف البيومتري دون علم المستخدمين (كاسبرسكي)

احذر قبل المشاركة... تريندات «دُمَى الذكاء الاصطناعي» متعة أم تهديد للخصوصية؟

تحذِّر «كاسبرسكي» من مخاطر مشاركة الصور والمعلومات الشخصية عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي الترفيهي، لما قد تسببه من انتهاك للخصوصية وسرقة الهوية.

نسيم رمضان (سان فرنسيسكو - الولايات المتحدة)
تكنولوجيا أفضل خدمات الألعاب السحابية

أفضل خدمات الألعاب السحابية

تحمل الألعاب السحابية في طياتها إمكانات تعد بمستقبل مذهل؛ فبدلاً من أن تكون مقيداً بجهاز تحكم أو كومبيوتر قوي، تتيح لك خدمات البث الجديدة حرية نقل ألعابك من جها

هيلي بيري (نيويورك)
خاص الرؤية المستقبلية لـ«غوغل» ترتكز على تعدد الوسائط وتعاون العوامل الذكية وديمقراطية بناء حلول الذكاء الاصطناعي (شاترستوك)

خاص ما بعد النماذج الضخمة... «غوغل» تمهّد لعصر الذكاء التعاوني متعدد الوسائط

«غوغل» تكشف في «كلاود نكست 2025» عن تحول الذكاء الاصطناعي من النماذج إلى الإنتاج، مؤكدة أن العوامل الذكية تقود مستقبل الأعمال والابتكار.

نسيم رمضان (لاس فيغاس)
علوم واجهات تفاعل الدماغ والكمبيوتر تواجه اختباراً حاسماً

واجهات تفاعل الدماغ والكمبيوتر تواجه اختباراً حاسماً

تعمل كل من شركات «نيورالينك» و«سينكرون» و«نيوراكل» على توسيع نطاق التجارب السريرية، وتحاول جاهدة الوصول إلى منتجات فعلية، كما كتب أنطونيو ريغالادو،

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الواقع الافتراضي يستخدم لإنشاء بيئات ثلاثية الأبعاد تفاعلية تحاكي الواقع (المعاهد الوطنية للصحة في أميركا)

تطبيقات الواقع الافتراضي تعزز علاج الأمراض النفسية

لا يزال التشخيص الدقيق أحد أكبر التحديات في مجال الطب النفسي، حيث يتغير تشخيص أكثر من نصف المرضى النفسيين خلال 10 سنوات.

محمد السيد علي (القاهرة)

«مايكروسوفت» تتوقع ظهور «زملاء الذكاء الاصطناعي»

«مايكروسوفت» تتوقع ظهور «زملاء الذكاء الاصطناعي»
TT

«مايكروسوفت» تتوقع ظهور «زملاء الذكاء الاصطناعي»

«مايكروسوفت» تتوقع ظهور «زملاء الذكاء الاصطناعي»

بدأ الذكاء الاصطناعي يجد مكانه بسرعة في مكان العمل، ولكن هذا العام سيُذكر باعتباره اللحظة التي تجاوزت فيها الشركات مجرد تجربة الذكاء الاصطناعي وبدأت في البناء حوله، وفقاً لما ورد في منشور على مدونة «مايكروسوفت» مرفق بتقريرها السنوي لمؤشرات اتجاهات العمل Work Trend Index.

عام الشركات الرائدة

كجزء من هذا التحول، تُطلق مايكروسوفت على عام 2025 اسم «عام الشركات الرائدة». وقال جاريد سباتارو، مدير التسويق للذكاء الاصطناعي في قسم العمل في «مايكروسوفت»، في المنشور: «مثل الشركات الرقمية الأصلية في الجيل السابق، تُدرك هذه الشركات قوة الجمع بين الرؤى البشرية التي لا تُعوض، والذكاء الاصطناعي والوكلاء لتحقيق قيمة هائلة».

وستُبنى هذه الشركات، التي تُسمى «الشركات الرائدة» (أو الشركات الجبهوية) Frontier Firm على «الذكاء عند الطلب، مدعومة بفرق (هجينة) من البشر والوكلاء، وهذه الشركات تتوسع بسرعة، وتعمل بمرونة، وتولد قيمة أسرع»، وفقاً للتقرير.

وجادلت «مايكروسوفت» بأنه في غضون العامين إلى الخمسة أعوام المقبلة، ستكون كل شركة في طريقها لتصبح واحدة من هذه الشركات.

استراتيجيات «دمج الوكلاء»

وأوضحت «مايكروسوفت» أن 82 في المائة من القادة أجابوا، في استطلاع لها، بأن هذا عام «محوري» لإعادة التفكير في الاستراتيجيات والعمليات الرئيسية، بينما قال 81 في المائة إنهم يتوقعون دمج الوكلاء «بشكل معتدل أو مكثف» في استراتيجيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم في غضون 12 إلى 18 شهراً مقبلة.

وتُعد النتائج تتويجاً لبيانات استطلاع رأي من 31000 من العاملين في 31 دولة، واتجاهات التوظيف وسوق العمل في «لنكدإن LinkedIn»، وتريليونات إشارات الإنتاجية من «Microsoft 365» والمحادثات مع الخبراء، والشركات الناشئة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي.

3 مراحل انتقالية

وتتوقع مايكروسوفت أن يتم الانتقال إلى الشركات الرائدة على 3 مراحل. المرحلة الأولى، كما ذكرت، هي:

* أولاً - الذكاء الاصطناعي سيعمل مساعداً لتبسيط مهام العمل.

* ثانياً - إضافة وكلاء الذكاء الاصطناعي كـ«زملاء رقميين»، يمكنهم تولي مهام محددة.

* أمّا الخطوة الثالثة فتتطلب مزيداً من الحرية: إذ يُحدد البشر توجيهات الوكلاء الذين يديرون عمليات الأعمال وسير العمل بأكملها، مع قيام البشر بالتحقق من صحة البيانات عند الحاجة.

ويُقدم هذا مثالاً على دور سلسلة التوريد. إذ يمكن للوكلاء التعامل مع الخدمات اللوجيستية الشاملة، بينما يمكن للبشر توجيه الوكلاء وحل الاستثناءات وإدارة علاقات الموردين.

وكلاء الذكاء الاصطناعي

لا تزال أدوات وكلاء الذكاء الاصطناعي في مراحلها الأولى، لكن الشركات المنتجة لها تُراهن بشدة على أن الذكاء الاصطناعي الوكيل يُمثل الأفق الرئيسي المقبل، وهو تُحقق ابتكارات سريعة.

أصدرت «أوبن إيه آي» أخيراً أداة «Operator»، وهي أداة تُؤتمت المهام عبر الويب، إلى جانب Deep Research، التي تقول إنها قادرة على جمع المعلومات من جميع أنحاء الويب وتلخيصها في تقارير سهلة الفهم. وأطلقت «أمازون» نموذجاً مُصمماً للسيطرة على متصفح الويب الخاص بالمستخدم وتنفيذ مهام بسيطة. كما قدمت «أنثروبيك Anthropic»، نظما مُبتكرة من «كلود»، إضافة إلى وكلاء الذكاء الاصطناعي من «غوغل».

وظائف جديدة في عصر الذكاء الاصطناعي

وذكر التقرير: «هذا التحول متعدد الأوجه - فكل صناعة ودور سيتطور بشكل مختلف مع انتشار التكنولوجيا في قطاع الأعمال والمجتمع». كما خلق عصر الإنترنت مليارات الوظائف المعرفية الجديدة - من مديري وسائل التواصل الاجتماعي إلى مصممي تجربة المستخدم - فإن عصر الذكاء الاصطناعي يُفسح المجال بالفعل لوظائف جديدة، مع المزيد منها في المستقبل.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات « تريبيون ميديا».