«غوغل» تطلق مبادرة بـ15 مليون دولار لتعزيز الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط

ستوفر المهارات وتموّل الأبحاث وتطرح منتجات

مبادرة «فرص الذكاء الاصطناعي» هي الأكبر لـ«غوغل» في مجال الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (غوغل)
مبادرة «فرص الذكاء الاصطناعي» هي الأكبر لـ«غوغل» في مجال الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (غوغل)
TT
20

«غوغل» تطلق مبادرة بـ15 مليون دولار لتعزيز الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط

مبادرة «فرص الذكاء الاصطناعي» هي الأكبر لـ«غوغل» في مجال الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (غوغل)
مبادرة «فرص الذكاء الاصطناعي» هي الأكبر لـ«غوغل» في مجال الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (غوغل)

تمثل مبادرة «فرص الذكاء الاصطناعي» التي أطلقتها «غوغل»، الخميس، إحدى الدعائم الرئيسية لواجهة التحول الرقمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كونها أكبر برنامج لها يركز على الذكاء الاصطناعي في المنطقة حتى الآن.

وتهدف هذه المبادرة إلى تمكين 500 ألف شخص خلال عامين، من خلال تغطية ركائز حيوية، مثل تنمية مهارات الذكاء الاصطناعي وتمويل البحث والوصول إلى أحدث منتجات الذكاء الاصطناعي، ما يمثل خطوة كبيرة نحو تحقيق الإمكانات الاقتصادية للذكاء الاصطناعي في المنطقة.

بناء المهارات في الذكاء الاصطناعي

يعدّ بناء مهارات الذكاء الاصطناعي عنصراً أساسياً في مبادرة «غوغل»، إذ تهدف إلى «ديمقراطية المعرفة بالذكاء الاصطناعي» وتوفير التعليم والتدريب الشامل للمجتمعات المختلفة. ويتماشى هذا النهج مع التنوع الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تختلف إمكانية الوصول إلى التعليم التكنولوجي بشكل واسع.

في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» على هامش الحدث الذي أقيم في دبي، يؤكد نجيب جرّار، مدير التسويق الإقليمي في «غوغل» الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على أهمية الوصول إلى المجتمعات التي لا تصلها الخدمات.

ويقول: «أرادت (غوغل) تمكين المستخدمين والمعلمين والطلاب والشركات والمسؤولين الحكوميين من التكيف مع عصر الذكاء الاصطناعي، بغضّ النظر عن مكانهم أو مستوى وصولهم».

ويشير إلى دعم «Google.org»، وهي الذراع الخيرية لشركة «غوغل» لهذه المهمة من خلال منحة لـ«Village Capital» وهي منظمة غير ربحية تعمل مع منظمات دعم الأعمال في المنطقة، بما في ذلك السعودية ومصر والأردن والإمارات والبحرين والعراق وفلسطين وقطر ولبنان ومصر والمغرب، لتقديم برامج تطوير المهارات في الذكاء الاصطناعي لعدة مجموعات، منها النساء والشباب والمهاجرين والمجتمعات الريفية.

ويؤكد جرّار على التزام «غوغل» بتقديم تدريب هجين، وأيضاً خارج الإنترنت في المناطق ذات الوصول المحدود إلى الإنترنت.

ويعود عمل «غوغل» في هذا المجال إلى مبادرات دعم اللاجئين السوريين والمجتمعات المتأثرة بالصراعات، ما يضمن حصولهم على الموارد التعليمية، حتى في الظروف الصعبة.

ووفقاً لجينا فرانشيسكوتي، مديرة البرامج في «Google.org» أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، فإن الهدف الأساسي هو جعل مهارات الذكاء الاصطناعي متاحة للجميع، مع التركيز على التنوع والشمولية.

نجيب جرّار مدير التسويق الإقليمي في «غوغل» الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (غوغل)
نجيب جرّار مدير التسويق الإقليمي في «غوغل» الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (غوغل)

منهج جديد لتدريب الذكاء الاصطناعي

بالإضافة إلى ذلك، تقدم «غوغل» منهجاً جديداً لتدريب الذكاء الاصطناعي باللغة العربية، بالتعاون مع «كورسيرا» (Coursera) ضمن برنامج مهاراتها الرقمية «مهارات» من «غوغل».

سيساعد هذا المنهج المتعلمين في تطوير مهارات الذكاء الاصطناعي الأساسية، مثل هندسة الطلبات، ما يجعل الذكاء الاصطناعي أكثر سهولة للناطقين باللغة العربية في جميع أنحاء المنطقة.

ومع إدراك الحاجة إلى تعليم الذكاء الاصطناعي المسؤول، أطلقت «غوغل» أيضاً برنامج «Experience AI» الذي أنشأته مؤسسة «Raspberry Pi» (رازبيري باي)، بالتعاون مع «غوغل ديب مايند» ويتوفّر الآن باللغة العربية.

وستقدّم «Google.org» منحة إلى «Raspberry Pi» لتدريب المعلّمين والمعلّمات على هذا البرنامج التعليمي كي يتمكّنوا من تزويد الطلاب بين عمر الـ11 و14 عاماً في السعودية والإمارات وسائر أرجاء المنطقة بمهارات السلامة في مجال الذكاء الاصطناعي. وسيتم تقديم التدريب من قِبل مؤسسات محلية عدّة، منها «أماديست» (Amideast).

وتوضح فرانشيسكوتي، في حديثها الخاص لـ«الشرق الأوسط»، أن شركتها تعمل عن كثب مع الشركاء المحليين لضمان وصول مهارات السلامة والذكاء الاصطناعي إلى الجميع، «خاصة المجتمعات المحرومة»، مشيرة إلى أهمية طرق التعليم غير المتصلة بالإنترنت والتعليم المختلط في المناطق ذات الوصول المحدود للإنترنت.

الاستثمار في أبحاث الذكاء الاصطناعي

تماشياً مع رؤيتها لتعزيز نظام بيئي مزدهر للذكاء الاصطناعي، التزمت «غوغل» بتقديم أكثر من 400 مليون دولار للأبحاث الأكاديمية عالمياً منذ عام 2005.

وتمدّ هذا الالتزام إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من خلال إنشاء «صندوق أبحاث الذكاء الاصطناعي» خصيصاً للباحثين الجامعيين في المنطقة، ويستهدف تطبيقات في الرعاية الصحية، وتغير المناخ، والتعليم.

كما ستقدّم «Google.org» منحةً إلى «startAD»، وهي منصة لتسريع الشركات الناشئة، تتخذ من جامعة «نيويورك أبوظبي» مقراً لها، بهدف تحديد وتطوير تطبيقات قائمة على الذكاء الاصطناعي، تساعد في توفير الرعاية الصحية إلى الفئات الضعيفة في السعودية والإمارات، بمن فيهم كبار السن والشباب الأقل حظاً والأفراد من ذوي الدخل المحدود.

مديرة التسويق الإقليمي في «Google.org» الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (غوغل)
مديرة التسويق الإقليمي في «Google.org» الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (غوغل)

منتجات مدعومة بالذكاء الاصطناعي

في يوليو (تموز) 2023، أطلقت «غوغل» مساعدها الشخصي المدعوم بالذكاء الاصطناعي «جيمناي» الذي يفهم أكثر من 16 لهجة عربية.

والآن تضيف «غوغل» ميزات جديدة لـ«جيمناي» باللغة العربية، مثل «Imagen3» الذي يتيح للمستخدمين إنشاء صور باستخدام الأوامر باللغة العربية، ما يعزز الإبداع المدعوم بالذكاء الاصطناعي للناطقين بالعربية.

علاوة على ذلك، يوفر «Gems on Gemini» للمستخدمين خبراء ذكاء اصطناعي متخصصين في مهام، مثل: الإرشاد المهني، ودعم البرمجة، والتحرير. تتوفر هذه الميزة لمستخدمي «جيمناي» المتقدمين، وتلبي الاهتمام المتزايد بالمساعدة المتخصصة بالذكاء الاصطناعي في المنطقة.

كما تطلق «غوغل Gemini للمراهقين»، وهو تجربة ذكاء اصطناعي آمنة وملائمة للعمر، تتضمن ميزة التحقق المزدوج من الردود للتحقق من دقة المعلومات.

ويؤكد جرار على أهمية دعم «غوغل» لـ«جيمناي» باختلاف اللهجات عبر المناطق. ويقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «استثمرنا بشكل كبير لفهم جوانب اللغة الفريدة في السعودية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، مضيفاً أن الهدف هو جعل «جيمناي» أقرب للمستخدمين المتحدثين بالعربية قدر الإمكان. ويعكس هذا الاستثمار التزام «غوغل» الطويل الأمد بفهم اللغة العربية كوسيلة تواصل وثقافة أساسية، مع أكثر من عقد من العمل على البحث الصوتي والترجمة باللغة العربية.

يمكن الآن إنشاء نسخ احترافية من «جيمناي» مخصّصة لمهام معيّنة مثل الإرشاد المهني والتعليمي وتبادل الأفكار (الشرق الأوسط)
يمكن الآن إنشاء نسخ احترافية من «جيمناي» مخصّصة لمهام معيّنة مثل الإرشاد المهني والتعليمي وتبادل الأفكار (الشرق الأوسط)

السعودية: مركز للنمو الاقتصادي المدعوم بالذكاء الاصطناعي

تتوافق مبادرة «غوغل» بشكل وثيق مع «رؤية السعودية 2030». وتقول «غوغل» إن المملكة شهدت بالفعل فوائد اقتصادية كبيرة من منتجاتها، حيث ساهمت بنحو 7.3 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي السعودي في عام 2023 مع توقعات بالوصول إلى 8.3 مليار دولار في 2024.

وقد أبرز جرّار هذا التأثير، مشيراً إلى كيف عززت منتجات «غوغل» مثل البحث و«جيمايل» و«أندرويد» الاقتصاد السعودي.

ويعد جرّار أن الحكومة السعودية أبدت دعماً قوياً للذكاء الاصطناعي، من خلال العمل مع «غوغل» لتعزيز نظام بيئي يمكنه دفع أبحاث الذكاء الاصطناعي وتطوير البنية التحتية.

ويتضمن هذا التعاون منحة شراكة حديثة مع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KAUST)، تهدف إلى تعزيز البحث في الذكاء الاصطناعي.

ويضيف جرار: «الشباب في السعودية أبهرونا بمدى تبنيهم للتكنولوجيا»، مشيداً بنهج المملكة التقدمي تجاه الذكاء الاصطناعي.

تحصين مستقبل المنطقة بالذكاء الاصطناعي

مستقبلاً، تهدف مبادرة «فرصة الذكاء الاصطناعي» من «غوغل» إلى بناء «نظام بيئي مستدام للذكاء الاصطناعي» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ومع هدف تدريب 500000 شخص بحلول عام 2027، وتطلعات إلى وصول الرقم إلى مليون، تتضمن رؤية «غوغل» طويلة الأجل بناء مواهب محلية وتطوير قوى عاملة جاهزة للقيادة في عالم قائم على الذكاء الاصطناعي.

كما أشارت فرانشيسكوتي، يعتمد نجاح المبادرة على التعاون مع الشركاء المحليين والمنظمات المجتمعية.

وفي المملكة العربية السعودية، حيث يزداد الطلب على المهارات الرقمية، تهدف برامج «غوغل» المخصصة إلى سدّ الفجوة الرقمية وتزويد الأفراد بالكفاءات المطلوبة في اقتصاد يعتمد على الذكاء الاصطناعي.

من خلال الاستثمار في التدريب على الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية، تسعى الشركة العملاقة إلى وضع السعودية والمنطقة كلها كمساهمين في تطور الذكاء الاصطناعي عالمياً.

وتمثل مبادرة «فرصة الذكاء الاصطناعي» من «غوغل» خطوة تحوّلية نحو تحقيق إمكانات المنطقة الرقمية.

ومن خلال مزيج من التعليم والبحث والأدوات المحلية للذكاء الاصطناعي، لا تسعى الشركة لتوسيع الوصول إلى الذكاء الاصطناعي فقط، لكن لتعزيز ثقافة الابتكار أيضاً.

ويشدد جرّار على أن طموح «غوغل» أن تتجاوز هدفها، لتمكّن المجتمعات في جميع أنحاء المنطقة من الازدهار في عصر يعتمد على الذكاء الاصطناعي.


مقالات ذات صلة

موظفو «غوغل» ببريطانيا يعتزمون رفض صفقات مرتبطة بإسرائيل

أوروبا شعار شركة غوغل (رويترز) play-circle

موظفو «غوغل» ببريطانيا يعتزمون رفض صفقات مرتبطة بإسرائيل

يُخطط عدد من موظفي «غوغل ديب مايند» في بريطانيا للانضمام لنقابة عمالية حتى يتسنى لهم التصدي لقرار الشركة بيع تقنياتها للذكاء الاصطناعي لإسرائيل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
خاص تحول «يوتيوب» من منصة ترفيهية إلى مساحة للتعليم والتغيير الاجتماعي والتمكين الاقتصادي ما جعله جزءاً حيوياً من المشهد الرقمي العربي

خاص «يوتيوب» في عيده العشرين... ثورة ثقافية واقتصادية غيرت المحتوى الرقمي

«يوتيوب» يحتفل بمرور 20 عاماً على انطلاقه، مؤكداً دوره المحوري في تمكين صناع المحتوى، خصوصاً في السعودية عبر أدوات، ودعم وفرص دخل متنامية.

نسيم رمضان (سان فرانسيسكو - الولايات المتحدة)
تكنولوجيا خطوات بسيطة مثل منح العمال الإذن باستخدام الذكاء الاصطناعي قد تساعد في مضاعفة اعتماد التكنولوجيا الجديدة (رويترز)

«غوغل»: يمكن للعمال توفير 122 ساعة سنوياً عبر استخدام الذكاء الاصطناعي في المهام الإدارية

أظهرت برامج تجريبية أن العمال يمكنهم توفير أكثر من 120 ساعة سنوياً باستخدام الذكاء الاصطناعي في المهام الإدارية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن - لندن)
الاقتصاد شعار «ألفابت» على شاشة في سوق «ناسداك ماركت سايت» بنيويورك (أ.ب)

أرباح قوية من «ألفابت» تُنعش أسهمها مع تنامي أثر الذكاء الاصطناعي

قفزت أسهم «ألفابت» 4 في المائة بعد تقرير أرباح قوي أظهر أن استثماراتها في الذكاء الاصطناعي تعزز نمو إيراداتها الإعلانية، مبددةً مخاوف المنافسة والرسوم.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
تكنولوجيا ثلثي العاملين في بريطانيا لم يستخدموا الذكاء الاصطناعي التوليدي في وظائفهم أبدا (رويترز)

«غوغل»: بريطانيا تخاطر بفقدان المليارات بسبب بطء تبني الذكاء الاصطناعي

وجهت رئيسة عمليات «غوغل» في المملكة المتحدة وأوروبا «نداء للعمل» بشأن فجوة مقلقة في تبني المملكة المتحدة للذكاء الاصطناعي.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«يوتيوب» في عيده العشرين... ثورة ثقافية واقتصادية غيرت المحتوى الرقمي

تحول «يوتيوب» من منصة ترفيهية إلى مساحة للتعليم والتغيير الاجتماعي والتمكين الاقتصادي ما جعله جزءاً حيوياً من المشهد الرقمي العربي
تحول «يوتيوب» من منصة ترفيهية إلى مساحة للتعليم والتغيير الاجتماعي والتمكين الاقتصادي ما جعله جزءاً حيوياً من المشهد الرقمي العربي
TT
20

«يوتيوب» في عيده العشرين... ثورة ثقافية واقتصادية غيرت المحتوى الرقمي

تحول «يوتيوب» من منصة ترفيهية إلى مساحة للتعليم والتغيير الاجتماعي والتمكين الاقتصادي ما جعله جزءاً حيوياً من المشهد الرقمي العربي
تحول «يوتيوب» من منصة ترفيهية إلى مساحة للتعليم والتغيير الاجتماعي والتمكين الاقتصادي ما جعله جزءاً حيوياً من المشهد الرقمي العربي

في صباح الرابع عشر من فبراير (شباط) عام 2005، وبينما كان العالم يحتفل بعيد الحب، كان ثلاثة موظفين سابقين في شركة «باي بال» منشغلين بمشروع جانبي بدا بسيطاً. لم يكن ستيف تشين وتشاد هيرلي وجاويد كريم يدركون أن فكرتهم التي وُلدت في مرآب صغير بمدينة سان ماتيو في كاليفورنيا ستتحول إلى واحد من أعظم الابتكارات في التاريخ الرقمي الحديث. كانت الفكرة آنذاك بسيطة: إنشاء منصة تتيح للمستخدمين رفع ومشاركة مقاطع الفيديو بسهولة. لم تكن لديهم نية لتغيير العالم، ولكن ما بدأ كمجرد حل لمشكلة تقنية، أصبح لاحقاً ثورة إعلامية وثقافية عالمية.

يوتيوب... شرارة الانطلاق

في 23 أبريل (نيسان) 2005، نشر جاويد كريم مقطعاً مدته 19 ثانية أمام حظيرة الفيلة في حديقة حيوانات مدينة سان دييغو الأميركية. هذا الفيديو البسيط الذي حمل عنوان «أنا في حديقة الحيوانات» لم يكن مجرد بداية تقنية، بل كان لحظة ميلاد ثقافة جديدة. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2006، حدث التحول الكبير عندما استحوذت «غوغل» على «يوتيوب» مقابل 1.65 مليار دولار في صفقة وصفت حينها بأنها مبالغ فيها، لكنها تحولت إلى واحدٍ من أنجح الاستثمارات في تاريخ التكنولوجيا. بدعم «غوغل»، انطلق «يوتيوب» إلى العالمية. لكن رحلة «يوتيوب» في العالم العربي سارت بشكل أبطأ، بسبب محدودية انتشار الإنترنت وضعف البنية التحتية الرقمية في ذلك الوقت.

«يوتيوب» عربياً

في عام 2010، أطلق «يوتيوب» واجهة المستخدم الخاصة بها باللغة العربية بهدف تمكين المشاهدين من مشاركة آرائهم وأصواتهم مع العالم، وإتاحة الفرص للتفاعل مع المحتوى المفضل لديهم. ومع تحسن خدمات الإنترنت، بدأ التأثير الحقيقي لـ«يوتيوب» يظهر في المنطقة العربية. ففي 2012، تمّ إطلاق برنامج «شركاء يوتيوب» لمساعدة صناع المحتوى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على تحقيق مصدر دخل مستدام من خلال المحتوى الذي يبدعون فيه.

بحسب البيانات الجديدة الصادرة عن «يوتيوب»، زاد عدد القنوات التي تتخذ من المملكة العربية السعودية مقراً لها وتحقق إيرادات سنوية تزيد على مليون ريال سعودي بنسبة 40 في المائة. كما شهدت مصر زيادة بنسبة 60 في المائة في عدد القنوات التي تحقق إيرادات تتجاوز مليون جنيه مصري، بينما شهدت الإمارات العربية المتحدة نمواً بنسبة 15 في المائة في القنوات التي تحقق إيرادات تزيد على المليون درهم إماراتي سنوياً.

يؤكد نيل موهان، الرئيس التنفيذي لـ«يوتيوب»، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» على هامش دعوة خاصة لزيارة المقر الرئيسي للشركة في مدينة سان برونو بولاية كاليفورنيا بمناسبة الذكرى العشرين لإطلاق المنصة، التزام «يوتيوب» المتزايد بدعم نمو مجتمع المبدعين في السعودية والمنطقة العربية، واصفاً المملكة «بأنها من أكثر الأسواق حيوية وتأثيراً ثقافياً على مستوى العالم». وقد أشاد موهان «بدور المبدعين السعوديين في تجاوز الحدود المحلية وتصدير الثقافة إلى جمهور عالمي».

نيل يوهان الرئيس التنفيذي لـ«يوتيوب» متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (يوتيوب)
نيل يوهان الرئيس التنفيذي لـ«يوتيوب» متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (يوتيوب)

دعم إقليمي متصاعد

وعلى الرغم من عدم تأكيده لـ«الشرق الأوسط» عن خطط حالية لإنشاء مركز إقليمي لـ«يوتيوب» للمبدعين في السعودية، فإن موهان سلّط الضوء على مبادرة جديدة تحت مسمى «مجموعات المبدعين»، وهي مبادرة تهدف إلى تعزيز الترابط بين المبدعين وبناء مجتمعات إنتاجية مستدامة. وشرح موهان ذلك قائلاً: «واحد من أكثر الطلبات التي نسمعها من المبدعين هو رغبتهم في التواصل مع بعضهم البعض ليس فقط مع فريق (يوتيوب)». وذكر أن هذه المجموعات مبنية على اهتمامات مشتركة أو مجالات محتوى متقاربة، وقد بدأ «يوتيوب» فعلاً بتطبيقها في المنطقة. وأضاف أن هذا نموذج جديد نسبياً، لكن «يوتيوب» يعتزم الاستمرار في الاستثمار فيه؛ لأنه يساعد على بناء مجتمعات حقيقية تتبادل الخبرات وتنمو معاً.

من جهته، قال جافيد أصلانوف، رئيس «يوتيوب» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خلال حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، إن المنصة «أصبحت جزءاً من النسيج الرقمي والاجتماعي في المملكة». وأشاد أصلانوف بأهمية العلاقة التي بناها «يوتيوب» مع المجتمع في السعودية. وقال: «نركز بشكل كبير على مواصلة الاستثمار في ثلاثة محاور رئيسية: الابتكار في المنتج، وبناء القدرات، وتحقيق الدخل».

جافيد أصلانوف رئيس «يوتيوب» في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (يوتيوب)
جافيد أصلانوف رئيس «يوتيوب» في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (يوتيوب)

الربيع العربي وتحول الأدوار

مع اندلاع أحداث الربيع العربي في 2011، اكتسب «يوتيوب» بعداً جديداً في المنطقة. تحول من منصة ترفيهية إلى أداة توثيق وتغيير اجتماعي. في الجانب الثقافي، شهدت هذه الفترة ظهور موجة جديدة من صناع المحتوى العرب الذين استخدموا اللهجات المحلية بطلاقة. الأهم من ذلك، بدأت تظهر نماذج اقتصادية جديدة. فبعض القنوات الصغيرة على «يوتيوب» تحولت إلى شركات إنتاج قائمة بذاتها. ففي مايو (أيار) 2024، وصل «يوتيوب» إلى 20 مليون شخص في السعودية، و7.5 مليون شخص في الإمارات ممن تزيد أعمارهم على 18 عاماً. وفي قطر، وصلت إلى أكثر من 1.7 مليون شخص ضمن الفئة العمرية 25 - 54 عاماً خلال الفترة نفسها.

منصة لأصوات متنوعة

على مر السنوات، أضحى «يوتيوب» منصة لأصوات متنوعة، بدءاً من البرامج الكوميدية السعودية الرائدة مثل برنامج «نون النسوة» للإعلامية هتون قاضي، ومسلسل الرسوم المتحركة «مسامير»، وصولاً إلى قناة «عالم الزراعة» لمحمد عبد الحفيظ، والتي حصدت نصائحه الزراعية أكثر من 102 مليون مشاهدة حتى الآن. كما شهدت المنصة بعضاً من أبرز اللحظات الأيقونية في المنطقة، بدءاً من تسلّم جلالة الملكة رانيا العبد الله جائزة «يوتيوب لصاحبة الرؤية» (YouTube Visionary Award)، ومروراً برقصة «هارلم شيك» الشهيرة عند أهرامات مصر، وحملة «أبو فلة» لجمع التبرعات للاجئين، ووصولاً إلى حلقة بودكاست «ثمانية» عن العلاقات التي سجلت رقماً قياسياً في موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية. وحتى شهر أبريل 2025 تم رفع أكثر من 20 مليار مقطع فيديو على «يوتيوب».

ازداد عدد القنوات السعودية التي تحقق إيرادات تفوق مليون ريال سنوياً بنسبة 40 في المائة ما يعكس نمو اقتصاد المبدعين في المملكة (يوتيوب)
ازداد عدد القنوات السعودية التي تحقق إيرادات تفوق مليون ريال سنوياً بنسبة 40 في المائة ما يعكس نمو اقتصاد المبدعين في المملكة (يوتيوب)

نقلة في المحتوى

مع تغيّر أساليب المشاهدة، يواصل «يوتيوب» تطوير منتجه ليتماشى مع تطلعات المستخدمين وصنّاع المحتوى. وبهدف مساعدة المزيد من صناع المحتوى على مشاركة قصصهم بالطريقة الأكثر ملاءمة لهم ولجمهورهم، بدأ «يوتيوب» بتوفير مجموعة متنوعة من تنسيقات المحتوى، بدءاً من الفيديو حسب الطلب (VOD)، والبودكاست، والبث المباشر وصولاً إلى جلب محتوى صناع المحتوى إلى شاشة التلفزيون. ففي مايو 2024، وصل «يوتيوب» إلى أكثر من 12 مليون شخص في السعودية، وأكثر من 2.5 مليون شخص في الإمارات عبر شاشات «التلفزيون المتصل بالإنترنت» و600 ألف شخص في قطر ممن تزيد أعمارهم على 18 عاماً. يقول جافيد أصلانوف إن ذلك يأتي في إطار مواصلة «يوتيوب» دعم تجربة متعددة الصيغ ومتعددة الشاشات للمشاهدين وصنّاع المحتوى. ويعد بأن صنّاع المحتوى يتمتعون اليوم بمرونة أكبر في تقديم قصصهم بالطريقة التي يفضلونها. ومع تصاعد استخدام التلفزيونات الذكية، يرى أصلانوف أن التحول لا يتعلق بالراحة فقط، بل بقيمة التجربة أيضاً.

اقتصاد المبدعين

وفقاً لبيانات «ستاتستا» 2024، فإن اقتصاد المبدعين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يشهد نمواً متسارعاً. وأصبحت المنصات الرقمية مصدر دخل رئيسياً لكثير من الشباب في العالم العربي. كما أن الشركات والعلامات التجارية بدأت في التعاون مع هؤلاء المبدعين للوصول إلى جمهور أوسع بطرق أكثر تفاعلية وأصالة. تشير بيانات «يوتيوب» إلى أن المنصة دفعت نحو 70 مليار دولار لصنّاع المحتوى والفنانين والشركات الإعلامية حول العالم خلال السنوات الثلاث الماضية، ويشترك معها اليوم أكثر من 3 ملايين منشئ محتوى، نصفهم بدأ رحلته قبل أكثر من 10 سنوات.

لا يقتصر الأمر على الإعلانات. يقول أصلانوف إن المنصة قامت في عام 2023 بتوسيع برنامج «شركاء يوتيوب» ليتمكن الآلاف من صنّاع المحتوى في سبع دول، من ضمنها السعودية، من تحقيق الدخل لأول مرة باستخدام أدوات التمويل الجماهيري مثل «سوبر تشات» و«سوبر ثانكس» و«سوبر ستيكرز» وعضويات القنوات. كما يشير أصلانوف إلى دور «يوتيوب بريميوم» في دعم الدخل، قائلاً إن «جزءاً كبيراً من إيرادات الاشتراكات المدفوعة يذهب إلى شركاء (يوتيوب)».

وصف الرئيس التنفيذي لـ«يوتيوب» نيل موهان السعودية بأنها واحدة من أكثر الأسواق حيوية وتأثيراً ثقافياً على مستوى العالم (أدوبي)
وصف الرئيس التنفيذي لـ«يوتيوب» نيل موهان السعودية بأنها واحدة من أكثر الأسواق حيوية وتأثيراً ثقافياً على مستوى العالم (أدوبي)

بناء القدرات

أحد محاور دعم المنصة لصنّاع المحتوى هو بناء القدرات من خلال التدريب والدعم. من أبرز المبادرات في هذا المجال، برنامج «بطلة يوتيوب»، الذي يهدف إلى تمكين النساء في مجال صناعة المحتوى. في 2024، تخرّج أكثر من 500 امرأة من مختلف أنحاء المنطقة في البرنامج، بحسب أصلانوف. كما أشار إلى التعاون المستمر مع جهات محلية مثل هيئة الموسيقى السعودية لتنمية المواهب الإبداعية وصقل المهارات الرقمية.

التحديات والتحولات

لم تكن السنوات الأخيرة سهلة على المنصة. فقد واجهت تحديات تتعلق بالرقابة من جهة، واحتدام المنافسة من منصات مثل «تيك توك» من جهة أخرى. لكن «يوتيوب» استجاب بإطلاق «يوتيوب شورتس» محلياً، ودعم صيغ الفيديو القصير بميزات تنافسية مثل الترجمات التلقائية والدبلجة الذكية.

خوارزميات تراعي الثقافة

فيما يخص سياسات المنصة وخوارزمياتها، يوضح أصلانوف أن نظام التوصية مبني على أكثر من 80 مليار إشارة تهدف إلى إيصال المستخدم للمحتوى الذي يهمه بالفعل. كما أشار إلى أن «يوتيوب» يستجيب لطلبات إزالة المحتوى المخالف للقوانين المحلية فقط بعد مراجعة دقيقة.

يعتمد «يوتيوب» بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة المشاهدة وتوفير أدوات متقدمة للمبدعين مثل التلخيص الذكي والدبلجة التلقائية (يوتيوب)
يعتمد «يوتيوب» بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة المشاهدة وتوفير أدوات متقدمة للمبدعين مثل التلخيص الذكي والدبلجة التلقائية (يوتيوب)

دور الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنية مساعدة في «يوتيوب»، بل تحول إلى محرّك رئيسي للابتكار. أصبح بإمكان المستخدمين طرح أسئلة في أثناء مشاهدة الفيديو والحصول على إجابات مباشرة، إضافة إلى أدوات تلخيص المحتوى وتوليد صور مصغّرة وعناوين جذابة تلقائياً لصنّاع المحتوى.

عبر تبويب «إنسبيرايشون» في «يوتيوب استديو» يمكن للمبدعين توليد أفكار جديدة لفيديوهاتهم، والحصول على عناوين جذابة وصور مصغرة مستندة إلى تفضيلات جمهورهم. وتبرز هنا أداة «دريم سكرين»، التي تمكّن منشئي «شورتس» من ابتكار خلفيات وصور باستخدام وصف نصي فقط، مما يفتح آفاقاً جديدة للإبداع بأسلوب سريع وفعّال. وفي خطوة رائدة لكسر حواجز اللغة، أطلق «يوتيوب» ميزة «أوتو دابنغ»، التي تسمح بدبلجة الفيديوهات تلقائياً إلى لغات متعددة (العربية قريباً) مع الحفاظ على نبرة الصوت الأصلية. هذه الميزة تتيح لصناع المحتوى توسيع نطاق جمهورهم دولياً، دون الحاجة لإعادة تسجيل الصوت أو إنتاج نسخ جديدة من الفيديو، مما يعزز من فرص الانتشار والوصول إلى شرائح أوسع حول العالم.

من الماضي نحو المستقبل

من فيديو مدته 19 ثانية أمام قفص فيلة، إلى منصة تُشاهد فيها مليارات الساعات يومياً، رحلة «يوتيوب» لم تكن عادية. السؤال اليوم لم يعد: كيف غيّر «يوتيوب» العالم؟ بل: كيف سيغيّر العالم شكل «يوتيوب» في العقد المقبل؟ الإجابة تبدأ مع كل فيديو جديد وكل قناة ناشئة وكل فكرة تُطرح. فالمستقبل لم يعد مجرد مشاهدة... بل مشاركة وإبداع وتغيير.