هل ينجح الذكاء الاصطناعي في توقّع الزلازل؟

دمار ناتج عن زلزال في كاليفورنيا (أرشيف - رويترز)
دمار ناتج عن زلزال في كاليفورنيا (أرشيف - رويترز)
TT

هل ينجح الذكاء الاصطناعي في توقّع الزلازل؟

دمار ناتج عن زلزال في كاليفورنيا (أرشيف - رويترز)
دمار ناتج عن زلزال في كاليفورنيا (أرشيف - رويترز)

عندما ضرب زلزال بقوة 4.4 درجة مدينة لوس أنجليس في الثالث عشر من أغسطس (آب)، لم يكن الأمر مفاجأة للجميع. فقد تلقّى نحو مليون شخص من سكان كاليفورنيا تنبيهاً مبكراً على هواتفهم بأن زلزالاً وشيكاً قد يحدث.

كيف حدث ذلك؟ كان ذلك بفضل تطبيق «MyShake» الذي طُوّر حديثاً، والذي أنشأه باحثون في جامعة «كاليفورنيا بيركلي»، بالشراكة مع «مكتب خدمات الطوارئ» التابع لحاكم ولاية كاليفورنيا.

ويعتمد التطبيق على «بيانات دقيقة جداً عن حركة الهواتف عبر الساحل الغربي؛ من كاليفورنيا إلى ولاية واشنطن»، فحين يستشعر حركة متشابهة للهواتف بمواقع مختلفة في الوقت نفسه فإنه يرسل تنبيهات إلى الهواتف في المواقع المعنية باحتمالية وقوع زلزال فيها.

ونقلت صحيفة «نيويورك بوست» الأميركية عن مدير «مختبر الزلازل» بجامعة «كاليفورنيا بيركلي» الذي ساعد في تطوير التطبيق، الدكتور ريتشارد ألين، قوله: «يُرسل التحذير قبل وقوع الزلزال بعشرات الثواني. قد يبدو الأمر وكأنه لا شيء، فما الفارق الذي يمكن أن تحدثه هذه الثواني حقاً للأشخاص؟ ولكن في مجال التنبّؤ بالزلازل، قد يكون الأمر مدهشاً مثله مثل اختراع الهاتف على سبيل المثال».

هل يمكن حقاً توقّع الزلازل بدقة؟

لسنوات عديدة، كانت فكرة القدرة على التنبّؤ بالزلزال أمراً مستبعداً. وكما كتبت عالمة الزلازل آلي هاتشيسون في مجلة «إم آي تي ​​تكنولوجي ريفيو»، فإن فكرة التنبؤ بالزلزال «كانت تُعدّ غير جادة حتى عام 2013، وكان يُنظر إليها على أنها ضرب من ضروب الخيال».

ولا يزال عديد من العلماء البارزين يعتقدون أن الأمر شبه مستحيل. ويقول عالم الجيوفيزياء في معهد «كاليفورنيا للتكنولوجيا»، توم هيتون: «لقد درست الزلازل لأكثر من 50 عاماً، ورأيت عديداً من الدراسات التي أجراها علماء أبلغوا عن ظواهر سابقة للزلازل الكبيرة. ووفقاً لخبرتي، لم يطور أحد نظاماً للتنبّؤ بالزلازل. هذا مجال مهم من الفيزياء غير مألوف في الغالب لعلماء الأرض».

وتاريخياً، كان علم التنبّؤ بالزلازل يُنظر إليه على أنه مزيج من الشعوذة والدجل.

وحتى اليابان، التي تُعد واحدة من أكثر مناطق العالم نشاطاً في مجال الزلازل، إلا أنها حذرة من المبالغة في الوعود بشأن توقّع هذه الزلازل.

فعندما ضرب زلزال بقوة 7.1 درجة الجزر الجنوبية للبلاد في وقت سابق من هذا الشهر، أصدرت «وكالة الأرصاد الجوية اليابانية» أول «تحذير من زلزال هائل» على الإطلاق، مشيرة إلى وجود احتمال «أعلى من المعتاد» لحدوث زلزال ثانٍ أقوى. لكن الوكالة أوضحت على موقعها على الإنترنت أن التحذير لا يعني اليقين. وجاء في البيان: «المعلومات التي تتنبّأ بالزلازل من خلال تحديد التاريخ والوقت والمكان هي خدعة».

لكن بعض العلماء يقولون إن هذا الرأي يجب أن يتغيّر مع تطور العلم. ويقول الباحث في علوم الأرض بجامعة «كوت دازور» في نيس بفرنسا، كوينتين بليتري: «كان هناك نقاش لسنوات عديدة في مجتمع علم الزلازل حول ما إذا كانت الزلازل ظاهرة فوضوية أم محددة (غير عشوائية)». وأضاف: «إذا كانت الزلازل ظاهرة فوضوية، فبغض النظر عن التكنولوجيا، فلن نتمكن أبداً من التنبّؤ بها. ولكن إذا كانت الزلازل ظاهرة محددة تسبقها بعض الظواهر الأخرى التي يمكن ملاحظتها، فعندها سيصبح التنبؤ بالزلزال ممكناً».

ويحاول علماء الزلازل القيام بذلك تماماً باستخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، والبحث عن أنماط وبيانات مخفية بطرق لم يتم تجربتها من قبل. وهذا ما يحدث مع تطبيق «MyShake» ومع أدوات أخرى يحاول العلماء بمختلف الدول تطويرها.

تجربة الصين

ويقول عالم الجيولوجيا في جامعة تكساس في أوستن الذي قاد تجربة التنبّؤ بالزلزال لمدة سبعة أشهر في الصين العام الماضي، الدكتور سيرغي فوميل: «ركزت معظم المحاولات السابقة على الفيزياء المعقدة للغاية للزلازل. في نهجنا، يجري الجمع بين الفيزياء وتحليل البيانات الإحصائية باستخدام أدوات التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي الجديدة. نستخرج السمات الفيزيائية من البيانات المسجلة لدمجها إحصائياً للحصول على أفضل تنبؤ».

وقد تجاوزت النتائج التي نُشرت في نشرة «جمعية الزلازل الأميركية» في سبتمبر (أيلول) الماضي، توقعاتهم. فقد تنبّأت خوارزمية الذكاء الاصطناعي التي دُرّبت على اكتشاف بعض البيانات الزلزالية الدقيقة في الوقت الفعلي بشكل صحيح بنسبة 70 في المائة من الزلازل (أربعة عشر في المجموع) قبل أسبوع على الأقل وفي غضون 200 ميل من مراكزها. (أخطأت الخوارزمية زلزالاً واحداً، وتنبّأت بثمانية زلازل لم تحدث قط).

ويقول فوميل: «كانت نسبة النجاح في تجربة الصين مذهلة. ونظراً إلى تعقيد المشكلة والتاريخ الطويل من الإخفاقات السابقة، لم يتوقع أحد مثل هذه النتيجة».

«ريكاست»

وفي جامعة «كاليفورنيا» في بيركلي، يعمل الباحثون على تطوير نموذج جديد، أطلقوا عليه اسم «ريكاست» (RECAST) -وهو اختصار لـ«Recurrent Earthquake foreCAST»- الذي يستخدم التعلم العميق للتنبؤ بالزلازل.

ويعمل هذا النموذج بشكل مشابه لنموذج اللغة، الذي «يستخدم كمّاً كبيراً من النص المكتوب لإنشاء أفضل تخمين لما قد تكون الكلمة التالية»، كما يقول الباحث في جامعة «كاليفورنيا» في بيركلي الذي قاد الدراسة، كيليان داشر كوزينو.

وأضاف كوزينو أن «ريكاست» يستخدم بيانات سابقة وصوراً متعددة للزلازل لإنشاء أفضل تخمين لتوقيت الزلزال التالي.

وقد يكون هذا النهج القائم على البيانات والذكاء الاصطناعي هو مستقبل علم الزلازل، ويستكشف العلماء حالياً كل الطرق الممكنة التي يمكن أن تتمكّن بها تقنية التعلم الآلي من التنبؤ بالزلازل بشكل صحيح بنسبة 100 في المائة.


مقالات ذات صلة

الليلة... «أبل» تكشف عن هواتفها الجديدة وتعوّل على الذكاء الاصطناعي

تكنولوجيا رجل يتصفح هاتفه بالقرب من شعار شركة «أبل» خارج متجرها بشنغهاي في الصين... 13 سبتمبر 2023 (رويترز)

الليلة... «أبل» تكشف عن هواتفها الجديدة وتعوّل على الذكاء الاصطناعي

تعرض مجموعة «أبل»، اليوم (الاثنين)، مجموعتها الجديدة من أجهزة «آيفون»، وتدمج فيها للمرة الأولى نظامها الجديد القائم على الذكاء الاصطناعي التوليدي.

«الشرق الأوسط» (سان فرنسيسكو)
يوميات الشرق يسمح التطبيق للمستخدمين بتحميل مقاطع فيديو تعتمد على إبراز قدراتهم الرياضية (جامعة كينغستون)

تطبيق ذكي لاكتشاف مواهب كرة القدم

يساعد تطبيق جديد، طوّرته جامعة «كينغستون» البريطانية، في تحديد الرياضيين الموهوبين بمساعدة تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
تكنولوجيا  «ميتا إيه آي» القادرة على الإجابة على أسئلة المستخدمين بلغة بسيطة باتت تضم 400 مليون مستخدم شهرياً (رويترز)

منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي... تنافس ونمو متسارع

يستمر استخدام منصات الذكاء الاصطناعي التوليدي من جانب عامة الناس في النمو بوتيرة متسارعة، على ما تظهر أحدث الأرقام لجهات فاعلة رئيسية في القطاع.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
تكنولوجيا هذه الإضافات متاحة باللغة الإنجليزية فقط وعلى عدد محدود من الأجهزة (شاترستوك)

«غوغل» تقدم ملحقين جديدين لـ«جيميناي» مصممين لهواتف «بيكسل 9»

هذه الميزات حصرية حالياً لأجهزة «بيكسل» الأحدث.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا يعد «GPT-4o mini» نموذج ذكاء اصطناعي صغيراً فعالاً من حيث تكلفة العملاء (شاترستوك)

200 مليون مستخدم نشط في «تشات جي بي تي» أسبوعياً

صرحت شركة «أوبن إيه آي (OpenAI)»،الناشئة للذكاء الاصطناعي، بأن روبوت الدردشة الخاص بها «تشات جي بي تي (ChatGPT)» لديه الآن أكثر من 200 مليون مستخدم نشط أسبوعيا.

نسيم رمضان (لندن)

باحثون يُعلنون تطوير أول ساق آلية بـ«عضلات اصطناعية»

روبوت للمهام المنزلية (رويترز)
روبوت للمهام المنزلية (رويترز)
TT

باحثون يُعلنون تطوير أول ساق آلية بـ«عضلات اصطناعية»

روبوت للمهام المنزلية (رويترز)
روبوت للمهام المنزلية (رويترز)

أعلن فريق علمي، بقيادة باحثين سويسريين، الاثنين، أنه صمَّم أول ساق آلية بـ«عضلات اصطناعية»، وهي عبارة عن جيوب مملوءة بالزيت، تسمح بالقفز على أسطح مختلفة. وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وفي مقطع فيديو مصاحِب للدراسة التي نشرت نتائجها مجلة «نيتشر كوميونيكيشنز» (Nature Communications)، تظهر الساق الروبوتية الصغيرة وهي تقوم بقفزات صغيرة في دائرة مغطّاة بالعُشب والرمل والحجارة.

ويأمل الباحثون في أن تُستخدم تقنيتهم في الروبوتات القادرة على «إنجاز مهام منزلية مُمِلّة»، على ما قال الباحث روبرت كاتشمان، المشارك في إعداد الدراسة.

واستلهم فريق الباحثين من واقع أن جسم الإنسان يستخدم حوالى 600 عضلة، لإنشاء روبوت قادر على المشي والقفز بسلاسة.

وللقيام بذلك استخدم هؤلاء ما يُسمى «العضلات الاصطناعية»، المعروفة أيضاً باسم المحركات الكهربائية الهيدروليكية.

تشبه هذه العضلات أكياس تجميد صغيرة، متّصلة بالعظام المعدنية للساق الآلية، وهي مملوءة بالزيت ومجهَّزة بأقطاب كهربائية، وتنقبض وتسترخي عن طريق محاكاة حركة العضلات الحيوانية.

وقال كاتشمان، وهو أستاذ علم الروبوتات في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيوريخ، إن الروبوتات العادية الشبيهة بالبشر مصنوعة بمحركات ومفاصل معدنية صلبة، مماثلة لتلك المستخدَمة في خطوط التجميع الصناعية.

ولفت إلى أن هذه الروبوتات الصناعية ثقيلة للغاية، وبالتالي خطرة، ومكلِّفة بما يمنع استخدامها في المنزل، ولا ينبغي للروبوت المنزلي أن يكون قادراً على حمل الأحمال فحسب، بل يجب أن يكون مزوَّداً أيضاً بالقدرة على «العناق أو المصافحة».

وتتمتع تقنية العضلات الاصطناعية بميزة استخدام طاقة أقل مقارنةً بالمحرك التقليدي عند ثنْي رُكبة الروبوت، حسب الدراسة. وتُتيح للساق الاقتراب من التضاريس الصعبة بمزيد من الرشاقة، وفق الباحثين.

ولا تزال الأبحاث في مجال المحركات الكهروهيدروليكية حديثة نسبياً.

ويمكن للساق التي خضعت للاختبار أن تقفز 13 سنتيمتراً، أو 40 في المائة من ارتفاعها، لكنها في هذه المرحلة لا تستطيع أداء هذا العمل إلا ضمن دائرة، حيث تكون متصلة بمحور تدور حوله.

ولم يتمكن العلماء بعدُ من تطوير روبوت آلي يعمل بشكل كامل باستخدام عضلات اصطناعية، لكنّ البروفيسور كاتشمان يعتقد أن إنتاج عضلات اصطناعية على نطاق واسع، مدفوعاً بانخفاض تكلفة مكوناتها، يمكن أن يسرّع الحركة.