تهديد ينذر بانهياره... الذكاء الاصطناعي «يأكل نفسه»

تدريب التقنية الجديدة على بيانات من إنتاجها «رهان محفوف بالمخاطر»

الذكاء الاصطناعي أصبح يشكل خطراً على نفسه (رويترز)
الذكاء الاصطناعي أصبح يشكل خطراً على نفسه (رويترز)
TT

تهديد ينذر بانهياره... الذكاء الاصطناعي «يأكل نفسه»

الذكاء الاصطناعي أصبح يشكل خطراً على نفسه (رويترز)
الذكاء الاصطناعي أصبح يشكل خطراً على نفسه (رويترز)

إذا أُخضعت نماذج الذكاء الاصطناعي لتدريب متكرر باستخدام بيانات مُنتَجة أصلاً بهذه التقنية، فستبدأ بعرض محتويات متضاربة بصورة متزايدة، وهي مشكلة يتناولها عدد كبير من الدراسات العلمية.

النماذج القائمة على أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل برنامج «تشات جي بي تي»، التي تتيح إنتاج مختلف أنواع المحتوى بناءً على طلب بسيط بلغة يومية، تحتاج إلى التدريب من خلال كميات هائلة من البيانات.

ووفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية»، غالباً ما يجري الحصول على هذه البيانات من شبكة الإنترنت التي تنتشر فيها كميات متزايدة من الصور والنصوص المُنتَجة بوساطة الذكاء الاصطناعي.

ويؤدي هذا الوضع، الذي يُوصف بعبارة «الالتهام الذاتي»؛ إذ يتغذّى الذكاء الاصطناعي على نفسه، إلى انهيار النماذج، فتصبح الأدوات مُنتِجة لمعلومات غير منطقية حتى تصل إلى نتائج لا معنى لها، على ما توصلت إليه مقالة نُشرت في مجلة «نيتشر» العلمية في نهاية يوليو (تموز).

ومع استخدام هذا النوع من البيانات، الذي يُطلق عليه اسم «بيانات اصطناعية»؛ لأنه مُنتَج بوساطة آلات، يقل غنى العينة التي تستمد منها نماذج الذكاء الاصطناعي معطياتها لتوفير إجاباتها.

فالوضع مشابه لإنشاء نسخة من صورة بتقنية المسح الضوئي ثم طباعتها. ومع تكرار النسخ والطباعة، ستفقد النتيجة جودتها حتى تصبح في النهاية غير مقروءة.

وباء «جنون البقر»

توصّل باحثون من جامعتي «رايس» و«ستانفورد» الأميركيتين إلى النتيجة نفسها، بعد دراسة نماذج الذكاء الاصطناعي التي تولّد الصور، مثل «ميدجورني»، و«دال - إي»، و«ستيبل ديفيوجن».

وأظهر الباحثون أن الصور المُنتَجة أصبحت مليئة بعناصر غير متطابقة كلما أضافوا بيانات «مُنتَجة بوساطة الذكاء الاصطناعي» إلى النموذج، وشبّهوا هذه الظاهرة بمرض «جنون البقر».

فهذا الوباء، الذي ظهر في المملكة المتحدة، يعود مصدره إلى استخدام العلف الحيواني الذي يجري الحصول عليه من أجزاء غير مأكولة من جيف أبقار وحيوانات تحمل الفيروس، لتغذية المواشي.

وتستخدم شركات الذكاء الاصطناعي في مرات كثيرة «بيانات اصطناعية» لتدريب برامجها، بسبب سهولة الحصول عليها ووفرتها وتكلفتها المنخفضة مقارنة ببيانات ابتكرها البشر.

تدريب الذكاء الاصطناعي باستخدام بيانات مُنتَجة أصلاً بهذه التقنية يؤدي إلى نتائج متضاربة (رويترز)

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول الباحث المتخصص في التقنيات الجديدة لدى جامعة «موناش» في أستراليا جاثان سادوفسكي، إن «مصادر البيانات البشرية غير المستغلة وعالية الجودة والقابلة للقراءة آلياً تصير أكثر ندرة».

ويقول ريتشارد بارانيوك، أحد معدي المقالة المنشورة في «نيتشر»، في بيان: «في حال لم يُراقب الوضع على مر أجيال عدة، فسنكون أمام نتيجة كارثية تتمثّل في متلازمة انهيار نماذج ستؤثر سلباً في جودة البيانات على الإنترنت وتنوعها».

وكما أن أزمة «جنون البقر» أثّرت بشكل كبير في مجال إنتاج اللحوم في تسعينات القرن العشرين، قد تهدد شبكة الإنترنت المليئة بمحتوى مُنتَج بوساطة الذكاء الاصطناعي ونماذج تحولت إلى «مجنونة»، مستقبل مجال الذكاء الاصطناعي، الذي يشهد ازدهاراً كبيراً، وتبلغ قيمته مليارات الدولارات، حسب هؤلاء العلماء.

ويقول جاثان سادوفسكي إن «التساؤل الفعلي بالنسبة إلى الباحثين والشركات الذين يعملون على بناء أنظمة ذكاء اصطناعي هو في أي مرحلة يتجاوز استخدام البيانات الاصطناعية الحد اللازم؟».

سيناريو غير واقعي كثيراً

يرى بعض المتخصصين الآخرين أن المشكلة مبالغ فيها وليست حتمية تماماً.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، تؤكد شركتا «أنثروبك» و«هاغينغ فايس»، المتخصصتان في مجال الذكاء الاصطناعي، أنهما تستخدمان بيانات مُنتَجَة بوساطة الذكاء الاصطناعي.

ويقول أنتون لوزكوف، وهو مهندس متخصص في التعلم الآلي لدى شركة «هاغينغ فايس»، إن المقالة المنشورة في مجلة «نيتشر» توفّر رؤية نظرية مثيرة للاهتمام؛ لكن غير واقعية إلى حد كبير.

ويؤكد أن «تدريب النماذج على مجموعات عدة من البيانات الاصطناعية لا يتم في الواقع».

ويقر لوزكوف بأن الخبراء في الذكاء الاصطناعي يشعرون بالإحباط من واقع الإنترنت، على غرار ما ينتاب الجميع.

ويضيف أن «جزءاً من الإنترنت هو مجرد قمامة»، مشيراً إلى أن شركته بدأت تبذل جهوداً كبيرة لتنظيف البيانات التي جُمعت، وحذفت أحياناً ما يصل إلى 90 في المائة منها.


مقالات ذات صلة

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

يوميات الشرق إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

«الشرق الأوسط» (برلين)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد شاشة تسجيل الوصول في مكتب «إنفيديا» في أوستن بتكساس (أ.ف.ب)

«إنفيديا» تتفوق على توقعات الأرباح مع ترقب المستثمرين للطلب على رقائق «بلاكويل» للذكاء الاصطناعي

أعلنت شركة «إنفيديا»، يوم الأربعاء، عن زيادة في أرباحها ومبيعاتها في الربع الثالث مع استمرار الطلب على رقائق الكمبيوتر المتخصصة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
تكنولوجيا  الحكومة الأميركية تتحرك لإجبار «غوغل» على بيع متصفّحه «كروم»

 الحكومة الأميركية تتحرك لإجبار «غوغل» على بيع متصفّحه «كروم»

طلبت الحكومة الأميركية، الأربعاء، من القضاء إجبار «غوغل» على بيع متصفّحه «كروم»، في إجراء يهدف لمكافحة الممارسات الاحتكارية المتّهم بارتكابها عملاق التكنولوجيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك بهدف تكوين صورة بصرية ذات معنى لمشهد ما تقوم أعيننا بسلسلة من الحركات السريعة المنسقة (رويترز)

خلل بسيط في حركة العين قد يشير إلى إصابتك بألزهايمر

تبرز مؤخراً طريقة جديدة للكشف المبكر عن مرض ألزهايمر ترتبط بالاستماع إلى حركة عيون المرضى عبر ميكروفونات في آذانهم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ساكرامنتو تستضيف بطولة الرياضات الإلكترونية الكبرى

ساكرامنتو تستضيف بطولة الرياضات الإلكترونية الكبرى
TT

ساكرامنتو تستضيف بطولة الرياضات الإلكترونية الكبرى

ساكرامنتو تستضيف بطولة الرياضات الإلكترونية الكبرى

احتضن الفائزون بعضهم، وهز الخاسرون رؤوسهم، وانفجر المشجعون في الهتافات.

معارك رياضية إلكترونية

احتدمت المشاعر في معرض «كال أكسبو» Cal Expo هذا الأسبوع، حيث اشتبك الطلاب من جميع أنحاء البلاد في معارك رياضية إلكترونية متوترة وعالية المخاطر، كما كتب ماثيو ميراندا (*).

في المسابقات التي تضم لوحات المفاتيح ونقرات الماوس المحمومة، تنافس لاعبو ألعاب الفيديو في ألعاب مثل Super Smash Bros Ultimate and Street Fighter 6.

وقالت أنجيلا برنهارد توماس، كبيرة مسؤولي الرياضات الإلكترونية في بطولة Collegiate Esports Commissioners Cup West الإقليمية: «إنها مثل بطولة (مارتش مادنيس) March Madness، لكنها ألعاب فيديو».

لاعبو مدرسة سنتر الثانوية أثناء المنافسة في أول بطولة ألعاب إلكترونية كبرى في ساكرامنتو

فرق مدرسية إلكترونية تنافسية

استضافت ساكرامنتو البطولة في وقت تنمو فيه شعبية الرياضات الإلكترونية، مع تشكيل المزيد من المدارس لفرق تنافسية، واستقطب الحدث الذي استمر ثلاثة أيام، 22 فريقاً جامعياً من 18 ولاية وأكثر، من 150 طالباً في المدرسة الثانوية المحلية.

وقالت أنجيلا برنهارد توماس: «معظم لاعبي الكلية الذين يلعبون هنا هذا الأسبوع مواظبون على الدراسة، ويحصلون على منح دراسية للعب ألعاب الفيديو»، وأضافت: «هذا شيء لم نفكر أبداً أنه سيحدث حقاً».

على المسرح الرئيسي، واجهت ولاية سان خوسيه فريق «يو سي ريفرسايد» في نهائي مكثف من Super Smash Bros. Ultimate - لعبة قتال ومنصة تضم شخصيات العديد من إبداعات نينتندو.

بطولة الرياضات الإلكترونية الوطنية

خرج فريق «يو سي ريفرسايد» المكون من أربعة أفراد منتصراً للعام الثاني على التوالي، وسيتقدم الفريق، جنباً إلى جنب مع أبطال عطلة نهاية الأسبوع الآخرين، إلى بطولة الرياضات الإلكترونية الوطنية في تكساس، في مايو (أيار) المقبل.

وقال كين هوانغ، طالب يدرس الرياضيات التطبيقية في «يو سي ريفرسايد»، إنه يأمل في أن يعزز الفوز الاعتراف بالرياضات الإلكترونية داخل الجامعة.

في السنوات الأخيرة، صنفت بعض الكليات في جميع أنحاء الولايات المتحدة فرق الرياضات الإلكترونية الخاصة بها على أنها رياضات مدرسية رسمية.

وأضاف هوانغ الذي مارس اللعبة لمدة 8 سنوات: «هذه الحالات توفر المزيد من الفرص للتمويل والسفر. ويعد فريق Super Smash Bros التابع لجامعة كاليفورنيا ريفرسايد نادياً ترفيهياً».

وتابع: «نأمل في أن يدفعنا أداؤنا الجيد والحصول على نتائج إلى القول إننا لسنا مجرد نادي ترفيهي».

رياضة للصغار والكبار

في مكان قريب، هتفت إيلينا فيريل، البالغة من العمر 15 عاماً، بينما كانت صديقتها تتنافس في لعبة Valorant، وهي لعبة إطلاق نار شهيرة من منظور الشخص الأول. وصاح الجميع معاً بحماس، ورفعوا أيديهم أحياناً احتفالاً.

حافظت فيريل، قائدة فريق اللعب المكون من 12 لاعباً في مدرسة «سنتر» الثانوية في أنتيلوب، على نشاط زملائها في الفريق من خلال إطعامهم وتقديم المشروبات لهم.

وبالقرب منها جلس والدا فيريل على بُعد أقدام قليلة، يراقبان ابنتهما الصغرى بابتسامات فخورة. وحضر آباء ثلاثة لاعبين آخرين، اعتادوا على شغف أطفالهم بالمنافسة عبر الإنترنت. وقالت والدتها لأنيل فيريل باربي: «أستمتع بمشاهدتهم وهم منخرطون في شيء ما. نريد أن نراهم يفعلون شيئاً إيجابياً، حتى لو كان ذلك ألعاباً». وتابعت: «أشعر بالضياع لأن لديهم لغتهم الخاصة... نطرح الكثير من الأسئلة، وأحياناً يجيبون عنها. لكننا ما زلنا ضائعين».

* «ذا ساكرمنتو بي»، خدمات «تريبيون ميديا».