استخدام الفيزياء للتنبؤ بالفيضانات الساحلية الناجمة عن العواصف

تقدم تقييمات مخاطر لشوارع أو مبانٍ محددة

يطور العلماء الأدوات الأساسية لإجراء تقييمات مخاطر الفيضانات الناجمة عن الأعاصير في المدن الساحلية للعقود الحالية والمستقبلية (شاترستوك)
يطور العلماء الأدوات الأساسية لإجراء تقييمات مخاطر الفيضانات الناجمة عن الأعاصير في المدن الساحلية للعقود الحالية والمستقبلية (شاترستوك)
TT

استخدام الفيزياء للتنبؤ بالفيضانات الساحلية الناجمة عن العواصف

يطور العلماء الأدوات الأساسية لإجراء تقييمات مخاطر الفيضانات الناجمة عن الأعاصير في المدن الساحلية للعقود الحالية والمستقبلية (شاترستوك)
يطور العلماء الأدوات الأساسية لإجراء تقييمات مخاطر الفيضانات الناجمة عن الأعاصير في المدن الساحلية للعقود الحالية والمستقبلية (شاترستوك)

سلطت موجة الكوارث الطبيعية الأخيرة التي ضربت مناطق في الشرق الأوسط الضوء على الحاجة الملحة لتحسين استراتيجيات التنبؤ بالفيضانات وإدارتها. وكانت أبرز تلك الكوارث قد شهدتها مدينة درنة الليبية عام 2023 عندما أدت الفيضانات المدمرة إلى مقتل أكثر من 4000 شخص وفقدان آلاف آخرين. وفي العام الماضي أيضاً، تعرض المغرب لزلزال مميت في جبال الأطلس حصد أرواح أكثر من 3000 شخص وتسبب في فيضانات لاحقة. سبق ذلك زلزال تركيا وسوريا الهائل الذي أودى بحياة أكثر من 55 ألف شخص وتسبب في فيضانات ساحلية كبيرة بسبب أمواج تسونامي.

فيضانات درنة الليبية الكارثية التي نجمت عن انهيار سدين على وادي درنة خلال عاصفة دانيال عام 2023 (شاترستوك)

هل يمكن التنبؤ بالفيضانات؟

في محاولة لمواجهة هذه التحديات الطبيعية، طور علماء من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) طريقة رائدة للتنبؤ بالفيضانات في المناطق الساحلية الناجمة عن الأعاصير المتطورة. ويركز هذا النهج المبتكر على التأثيرات المركبة للعواصف وهطول الأمطار في أثناء الأعاصير. غالباً ما يتم تجاهل نمذجة الفيضانات التقليدية التفاعل بين مصادر الفيضانات المختلفة، مثل العواصف والأمطار الداخلية. إلا أن هذه الدراسة الجديدة تطرح طريقة قائمة على الفيزياء قادرة على التنبؤ بتعقيدات الفيضانات المركبة، التي تنتج عن هذه العوامل مجتمعة، تحت تأثير ارتفاع درجة حرارة المناخ.

تحليل بيانات إعصار «ساندي»

لوحظ مثال بارز على التأثير المدمر للفيضانات المركبة خلال الإعصار «ساندي» في عام 2012. فقد جلبت العاصفة، التي ضربت الساحل الشرقي للولايات المتحدة، موجة هائلة من العواصف وأمطار غزيرة، ما أدى إلى فيضانات غير مسبوقة في نيويورك ونيويورك جيرسي. ويرى الباحثون أن هذا الحدث يؤكد على الحاجة الماسة لتحسين الأدوات التنبؤية في التخطيط الحضري الساحلي وإدارة الكوارث.

هكذا بدا إعصار ساندي من الفضاء في أثناء ضربه منطقة الكاريبي والساحل الشرقي للولايات المتحدة وكندا في أواخر أكتوبر 2012 (شاترستوك)

وباستخدام هذه الطريقة الجديدة، أجرى فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا تحليلاً يركز على مدينة نيويورك لتوقع كيفية تأثير تغير المناخ على خطر الفيضانات المركبة الناجمة عن الأعاصير المشابهة لإعصار «ساندي». وأظهرت النتائج أنه من المتوقع أن تتزايد بشكل كبير احتمالات حدوث فيضان مركب على مستوى «ساندي» في مدينة نيويورك، ومن المتوقع أن يحدث كل 150 عاماً حالياً. وبحلول منتصف القرن قد تحدث مثل هذه الأحداث كل ستين عاماً، وبحلول نهاية القرن قد تتكرر كل ثلاثين عاماً. ويمثل هذا زيادة بمعدل خمسة أضعاف في ظل سيناريو المناخ المستقبلي.

ويؤكد كيري إيمانويل، الأستاذ الفخري لعلوم الغلاف الجوي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والمؤلف المشارك للدراسة، على أهمية التنبؤ الدقيق بهذه الأحداث النادرة والمكثفة. ويقول إنه من المهم تنفيذ هذه الأمور بشكل صحيح، «مسلطاً الضوء على الطبيعة الحاسمة لأبحاثهم من أجل التخطيط الطويل المدى والتخفيف من آثار الكوارث».

تقييمات دقيقة للمخاطر

تتيح المنهجية التي طورها فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إجراء تقييمات تفصيلية ودقيقة للمخاطر للمدن الساحلية، وتمتد إلى شوارع أو مبان محددة. ويوضح مؤلف الدراسة علي سرهادي، باحث ما بعد الدكتوراه في قسم علوم الأرض والغلاف الجوي والكواكب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أن هذا النهج «يزود السلطات وصانعي السياسات بالأدوات الأساسية لإجراء تقييمات مخاطر الفيضانات المركبة الناجمة عن الأعاصير في المدن الساحلية للعقود الحالية والمستقبلية».

وقد طور سرهادي وزملاؤه توقعاتهم من خلال الجمع بين محاكاة الأعاصير والنماذج المناخية التي تأخذ في الاعتبار ظروف المحيطات والغلاف الجوي في ظل توقعات مختلفة لدرجات الحرارة العالمية. كما يسمح هذا النهج بتمثيل دقيق لكيفية تطور الأعاصير من حيث الشدة والتكرار والحجم في ظل سيناريوهات مناخية مختلفة.

أطفال يقفون بين بيوت دمرتها مياه الفيضانات داخل «مخيم يوسف باتير» للاجئين في مابان جنوب السودان (أ.ف.ب)

آفاق البحث المستقبلية

ومع توقعات بازدياد عدد سكان المناطق الساحلية بحلول منتصف القرن، ومع وجود أصول بقيمة تريليونات الدولارات في المناطق المعرضة للفيضانات، فإن نتائج هذا البحث تأتي في الوقت المناسب، وهي بالغة الأهمية. لا تساعد هذه المنهجية في التنبؤ بمخاطر الفيضانات المركبة فحسب، بل تعمل أيضاً بوصفها أداة حاسمة لصانعي القرار في تنفيذ تدابير التكيف. وتشكل هذه التدابير، مثل تعزيز الدفاعات الساحلية، ضرورة أساسية لتعزيز قدرة البنية التحتية على الصمود وحماية المجتمعات من التهديد المتصاعد المتمثل في الأعاصير في عالم يزداد حرارة.


مقالات ذات صلة

تقرير: ترمب رفض تقديم مساعدات حرائق الغابات في كاليفورنيا قبل معرفة من سيصوت له

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق والمرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترمب يتحدث خلال تجمع انتخابي في ولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة في 23 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

تقرير: ترمب رفض تقديم مساعدات حرائق الغابات في كاليفورنيا قبل معرفة من سيصوت له

قال تقرير لموقع «بوليتيكو» إنه في السنوات الأربع التي جلس فيها دونالد ترمب في البيت الأبيض، فضّل أحياناً اعتماد التفضيل السياسي في الاستجابة للكوارث.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ متطوّع يسهم في إزاحة الركام بعد الدمار الذي خلّفه إعصار هيلين بنورث كارولاينا (أ.ب)

كارثة «هيلين» تتحوّل لقضية انتخابية

تحوُّل كارثة إعصار هيلين إلى قضية انتخابية بعدما هاجم ترمب «تقاعس» إدارة بايدن

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ منطقة غمرتها المياه جرّاء الأمطار التي حملها الإعصار هيلين في كارولينا المالية السبت الماضي (أ.ف.ب)

البيت الأبيض: حصيلة الإعصار «هيلين» قد ترتفع إلى 600 قتيل

أعلنت ولايات ألاباما وفلوريدا وجورجيا وكارولينا الشمالية وكارولينا الجنوبية وتينيسي حالة الطوارئ الفيدرالية؛ لاحتواء أضرار الإعصار «هيلين».

«الشرق الأوسط» (سيدر كيز - الولايات المتحدة)
شمال افريقيا العلم المغربي (أرشيفية - رويترز)

ارتفاع حصيلة الفيضانات في المغرب إلى 10 قتلى

ارتفعت حصيلة ضحايا انقلاب حافلة للنقل جرفتها سيول نتجت عن فيضانات جديدة جنوب المغرب إلى 10 قتلى، وفق ما أفادت به وزارة الصحة، الاثنين.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
أوروبا سيول سابقة بمدينة كان (أ.ف.ب)

سيول مفاجئة في كان الفرنسية تجرف السيارات عبر الشوارع

اجتاحت السيول مدينة كان الفرنسية، اليوم الاثنين، لتجرف السيارات عبر الشوارع وتترك المدينة الواقعة بمنطقة الريفييرا والشهيرة بمهرجانها السينمائي بحالة تأهب قصوى.

«الشرق الأوسط» (باريس)

تقرير: قيمة «إكس» تراجعت بنحو 80 % عما كانت عليه قبل ماسك

صورة الملياردير الأميركي إيلون ماسك تظهر إلى جانب شعار منصة «إكس» (أ.ف.ب)
صورة الملياردير الأميركي إيلون ماسك تظهر إلى جانب شعار منصة «إكس» (أ.ف.ب)
TT

تقرير: قيمة «إكس» تراجعت بنحو 80 % عما كانت عليه قبل ماسك

صورة الملياردير الأميركي إيلون ماسك تظهر إلى جانب شعار منصة «إكس» (أ.ف.ب)
صورة الملياردير الأميركي إيلون ماسك تظهر إلى جانب شعار منصة «إكس» (أ.ف.ب)

كشفت تقديرات شركة الاستثمار العملاقة Fidelity، عن أن قيمة منصة التواصل الاجتماعي «إكس» المعروفة سابقاً باسم «تويتر» تقل بنحو 80 في المائة عما كانت عليه قبل عامين عندما اشتراها المياردير إيلون ماسك، وفقاً لتقرير لشبكة «سي إن إن».

لم تعد «إكس» تُتداول علناً بعد أن دفع ماسك 44 مليار دولار لتحويلها إلى شركة خاصة في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

ومع ذلك، تكشف شركة Fidelity عما تعتقد أنها قيمة أسهمها في «إكس»، وتعمل هذه التقديرات كمقياس دقيق لصحة الشركة بشكل عام.

بحلول نهاية أغسطس (آب)، بلغت قيمة هذه الأسهم 4.2 مليون دولار فقط، وفقاً لتحليل من قبل صندوق Blue Chip Growth Fund التابع لشركة Fidelity.

يمثل هذا التقدير الجديد انخفاضاً بنسبة 24 في المائة في القيمة عن تقديرات الشركة حتى نهاية يوليو (تموز). ويمثل ذلك انخفاضاً مذهلاً بنسبة 79 في المائة عن 19.66 مليون دولار، قيمة الأسهم في أكتوبر 2022 عندما استحوذ ماسك على المنصة.

وتشير التقديرات الجديدة للشركة إلى اعتقادها أن قيمة «إكس» الآن تبلغ 9.4 مليار دولار فقط، وهو ما يختلف تمامًا عن مبلغ 44 مليار دولار الذي دفعه ماسك.

بالمقابل، يقول محللون آخرون إن انخفاض السعر يعكس على الأرجح تقلص عائدات الإعلانات في الشركة، التي لم تعد تنشر مقاييس مالية ربع سنوية علناً.