الذكاء الاصطناعي يدفع حيل الهندسة الاجتماعية نحو مستويات مخيفة

تعزيز الوعي السيبراني وتوظيف أدوات تقنية مطورة لمقاومتها

الذكاء الاصطناعي يدفع حيل الهندسة الاجتماعية نحو مستويات مخيفة
TT

الذكاء الاصطناعي يدفع حيل الهندسة الاجتماعية نحو مستويات مخيفة

الذكاء الاصطناعي يدفع حيل الهندسة الاجتماعية نحو مستويات مخيفة

تمثل الهندسة الاجتماعية أحد أقوى أشكال الجرائم السيبرانية وأكثرها استمراراً.

وثمة سبب يقف وراء الانتشار الواسع للهندسة الاجتماعية في أوساط مجرمي الإنترنت، إذ إن اختراق بيانات الأشخاص أسهل بكثير من اختراق البرامج الكومبيوترية. والهندسة الاجتماعية عبارة عن مجموعة من الحيل والتقنيات المستخدمة لخداع الناس.

خداع إلكتروني شخصي

ولكي يتمكن المرء من اختراق شبكات البرمجيات، فإنه بحاجة إلى فهم البيئة المستهدفة، وكيفية اكتشاف نقاط الضعف ورصد الثغرات - الأمر الذي يتطلب مهارات وموارد تكنولوجية كبيرة. وعلى الجهة المقابلة، نجد أن اختراق بيانات البشر يتطلب ببساطة معرفة أساسية بالطبيعة البشرية – بمعنى مدى قابليتنا للسقوط في شرك الجشع والشهوة والفضول ونفاد الصبر. وإذا نجحت في اختراق حسابات الشخص المناسب، أي كل شخص غير مدرك لإغراءات التصيُّد الاحتيالي وعلاماته المنذرة، فإنك تحصل حينها على مفاتيح المملكة المنشودة، ولا يجري اكتشاف نواياك غير المشروعة.

تلعب التكنولوجيا دوراً هي الأخرى، فكلما تطورت، زاد اعتمادنا عليها. إضافة لذلك، أصبح خداع البشر أسهل، ففي البداية، جرت عمليات الاحتيال عبر البريد الإلكتروني (التصيد الاحتيالي phishing)، ثم الرسائل النصية القصيرة (التصيد عبر الرسائل النصية القصيرة smishing)، تلاه «التصيد الصوتي» vishing، وبعد ذلك ظهرت اختراقات شبكات التواصل الاجتماعي، ثم اختراقات رموز الاستجابة السريعة المعروفة باسم «كيو آر كود QR codes «quishing. والملاحظ أن الهندسة الاجتماعية تطورت جنباً إلى جنب مع التكنولوجيا.

موجة الذكاء الاصطناعي

وجاءت موجة مفاجئة من تقنيات الذكاء الاصطناعي لتدفع مثل هذه الهجمات باتجاه مستويات جديدة من التعقيد.

لنتفحص الآن 5 تطورات جديدة على صعيد الذكاء الاصطناعي، والتداعيات المحتملة لها على عمليات الاحتيال المرتبطة بالهندسة الاجتماعية:

*التصيُّد الاحتيالي المهني والشخصي على نطاق واسع

خلص بحث أجرته «غوغل كلاود» إلى أنه تجري الاستعانة بالذكاء الاصطناعي التوليدي بالفعل في تطوير هجمات التصيُّد الاحتيالي التي تغيب عنها الأخطاء الإملائية والنحوية، ما يزيد في صعوبة رصدها وحظرها.

بجانب ذلك، تمكّن الأتمتة المهاجمين من إضفاء طابع شخصي على رسائل التصيُّد الاحتيالي أو تعديلها حسب الهدف، ما يجعلها تبدو أكثر واقعية وإقناعاً.

* استنساخ بالصوت وتوليف الفيديو

تتيح تقنيات الذكاء الاصطناعي للمستخدمين استنساخ الصوت، وتركيب الوجوه على مقاطع الفيديو، وانتحال شخصيات تخصّ آخرين. واللافت وقوع هجمات مقنعة في جميع أرجاء العالم؛ حيث يستنسخ المهاجمون الصوت ويبتدعون شخصيات افتراضية بهدف الاحتيال على مؤسسات وسرقة أموالها عبر موظفيها.

* المزيد من الهجمات باستخدام النماذج اللغوية الكبيرة

تعالج النماذج اللغوية الكبيرة القياسية النصوص فقط. في المقابل، تتيح النماذج اللغوية الكبيرة متعددة الوسائط فوائد كبيرة مقارنة بالنماذج اللغوية الكبيرة، وذلك لقدرتها على معالجة وسائط إضافية وربطها، مثل الصور ومقاطع الفيديو والمقاطع الصوتية والبيانات الحسية.

ويمكّن ذلك أدوات الذكاء الاصطناعي من بناء وعي أعمق بالسياق، ما يفضي بدوره إلى استجابات أكثر ذكاءً، وتحسين المنطق، والتفاعلات بين الإنسان والحاسوب. وقد يتمكّن المهاجمون قريباً من تسخير النماذج اللغوية الكبيرة متعددة الوسائط لإنشاء رسائل تصيّد سياقية إلى حد كبير، ما يعزز بشكل كبير من فعالية هجمات الهندسة الاجتماعية.

* التطبيقات الضارة لتكنولوجيا تحويل النص إلى فيديو

يعد تحويل النص إلى فيديو إحدى صور التكنولوجيا الصاعدة بمجال الذكاء الاصطناعي. ومثلما يوحي الاسم، تتيح تكنولوجيا تحويل النص إلى فيديو للمستخدمين إنشاء محتوى مرئي عالي الجودة ببساطة عن طريق توفير مدخلات نصية.

وحال وقوع مثل هذه التكنولوجيا بأيدي عناصر خطرة، فإنها قد تصبح خطيرة، ويمكن استغلالها في تلفيق روايات زائفة (معلومات مضللة) وتوليد صور مزيفة عبر تقنية «ديب فيك» على نطاق واسع، وخداع أفراد ومؤسسات، وشن هجمات مهندسة على صلة بالهندسة الاجتماعية.

* صعود تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بوصفها خدمة

يتوقع التقرير الصادر عن «غوغل كلاود» أن أدوات الذكاء الاصطناعي سيجري عرضها قريباً بوصفها خدمة تساعد عناصر خطرة أخرى في حملاتها الخبيثة. وقد بدأت بالفعل أدوات خبيثة على صلة بالذكاء الاصطناعي، مثل «فرود جي بي تي» FraudGPT، في شبكة الإنترنت المظلمة (دارك ويب)، الأمر الذي يمكّن مجرمين سيبرانيين من صياغة رسائل بريد إلكتروني متطورة للتصيّد الاحتيالي.

ومع نضوج تقنيات الذكاء الاصطناعي هذه وتسهيل الوصول إليها، ستتمكن الجهات الفاعلة السيئة الأقل مهارة من نشر هذه الأدوات، ما يؤدي إلى زيادة حجم هجمات الهندسة الاجتماعية المدفوعة بالذكاء الاصطناعي.

وسائل مقاومة الهجمات الإلكترونية

كيف يمكن للشركات التخفيف من مخاطر هجمات الهندسة الاجتماعية المدفوعة بالذكاء الاصطناعي؟ لا تقتصر هجمات الهندسة الاجتماعية على المؤسسات الكبيرة، إذ تشير التقديرات إلى أن العامل في شركة بها أقل من 100 موظف سيواجه عدد هجمات على صلة بالهندسة الاجتماعية أكثر بنسبة 350 في المائة مقارنة بنظيره داخل شركة أكبر.

بجانب ذلك، مع انتشار تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتعامل الشركات رقمياً وتفاعلها أكثر من تفاعلها على أرض الواقع، ستصبح هذه الهجمات أكثر شيوعاً.

وفيما يلي أفضل الممارسات التي يمكن أن تساعد في التخفيف من خطورة هذا التهديد:

* تعزيز الوعي بمخاطر الذكاء الاصطناعي

من خلال الاتصالات والتذكيرات المنتظمة، تجب توعية الموظفين بالمخاطر الناشئة على صعيد الذكاء الاصطناعي. وينبغي العمل على توثيق مخاطر الذكاء الاصطناعي في السياسات الأمنية، كي يدرك العاملون كيفية رصدها والتعامل معها، ومن يمكنهم الاتصال به حال ظهور تهديد.

* تدريب المستخدم النهائي

ثمة أهمية كبرى وراء التدريب المنتظم (الشهري) بمجال التوعية الأمنية. يمكن للمؤسسة توفير تدريب شخصي، بل وربما تدريب معدل حسب الحاجات الفردية للمتدربين إذا لزم الأمر، بجانب إجراء تمارين محاكاة لهجمات التصيّد الاحتيالي، لتعزيز المهارات والقدرات الأمنية للموظفين. وبوجه عام، يعتمد نجاح وفشل هجمات الهندسة الاجتماعية على يقظة الموظفين ومستوى معرفتهم.

*تعظيم الاستفادة من الأدوات والتكنولوجيا

رغم صعوبة اكتشاف هجمات الهندسة الاجتماعية عادة، يمكن للمؤسسات تنفيذ ضوابط لتقليل مخاطر سرقة الهوية والاحتيال. مثلاً، يمكن تفعيل خاصية التحقق متعدد العوامل لمكافحة التصيد الاحتيالي، بهدف تعزيز عملية التحقق. ويمكن للمؤسسات كذلك التفكير في استخدام أدوات الأمن السيبراني المدعومة بالذكاء الاصطناعي، التي يمكنها فحص البيانات الوصفية لرسائل البريد الإلكتروني للكشف عن مؤشرات محاولات التصيد الاحتيالي.

في العادة، تشكل الهندسة الاجتماعية المرحلة الأولى في دورة الهجوم السيبراني. فإذا تعلمت المؤسسات كيفية استغلال الحدس البشري الذي جرى تطويره من خلال تمارين التصيّد الاحتيالي المتكررة، ستصبح قادرة على رصد أي هجوم ومنعه قبل أن يتسبب في أضرار مادية. وبجانب تعزيز الحدس الصحيح، من المهم بالقدر ذاته أن يخضع الموظفون للمساءلة، وأن يتصرفوا بمسؤولية تجاه الإبلاغ عن العناصر والحوادث المشبوهة. ولتحقيق ذلك، يجب على المؤسسات أن تسعى إلى تعزيز ثقافة صحية وداعمة للأمن السيبراني.

* «مانسويتو فنتشرز»، خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

السعودية تسجل 44 % انخفاضاً في الهجمات الإلكترونية حتى نوفمبر مقارنة بـ2023

تكنولوجيا تعمل استراتيجيات مثل الأمن متعدد الطبقات واستخبارات التهديدات المتقدمة على تعزيز دفاعات الشركات السعودية (شاترستوك)

السعودية تسجل 44 % انخفاضاً في الهجمات الإلكترونية حتى نوفمبر مقارنة بـ2023

تواجه السعودية التحديات السيبرانية باستراتيجيات متقدمة مع معالجة حماية البيانات وأمن السحابة وفجوات مواهب الأمن السيبراني.

نسيم رمضان (لندن)
خاص تتضمن الاتجاهات الرئيسة لعام 2025 الاستعداد الكمومي وممارسات الأمن السيبراني الخضراء والامتثال (شاترستوك)

خاص كيف يعيد الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية تشكيل الأمن السيبراني في 2025؟

«بالو ألتو نتوركس» تشرح لـ«الشرق الأوسط» تأثير المنصات الموحدة والذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية على مستقبل الأمن السيبراني.

نسيم رمضان (لندن)
يوميات الشرق الاختبارات المعملية أظهرت أن الطريقة الجديدة حسّنت الخصائص الميكانيكية للخرسانة (جامعة نانيانغ التكنولوجية)

خرسانة مطبوعة ثلاثية الأبعاد تمتص ثاني أكسيد الكربون

طوّر علماء من جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة طريقة جديدة لطباعة الخرسانة ثلاثية الأبعاد، تجعلها قادرة على امتصاص ثاني أكسيد الكربون.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
تكنولوجيا تسمح لك ميزة «Image Playground» بالدمج بين الذكاء الاصطناعي وسهولة الاستخدام (أبل)

كل ما تحتاج إلى معرفته عن ميزة «Image Playground» في «iOS 18.2»

تُمثل «Image Playground» قفزة نوعية في مجال الإبداع البصري؛ حيث تدمج بين الذكاء الاصطناعي وسهولة الاستخدام.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)

سمكة تلهم باحثين لتطوير نموذج مرشّح مياه صناعي!

تتميز سمكة «موبولا راي» بهيكلها العظمي الغضروفي وأجنحتها الضخمة ما يسمح لها بالانزلاق بسهولة في الماء (أدوبي)
تتميز سمكة «موبولا راي» بهيكلها العظمي الغضروفي وأجنحتها الضخمة ما يسمح لها بالانزلاق بسهولة في الماء (أدوبي)
TT

سمكة تلهم باحثين لتطوير نموذج مرشّح مياه صناعي!

تتميز سمكة «موبولا راي» بهيكلها العظمي الغضروفي وأجنحتها الضخمة ما يسمح لها بالانزلاق بسهولة في الماء (أدوبي)
تتميز سمكة «موبولا راي» بهيكلها العظمي الغضروفي وأجنحتها الضخمة ما يسمح لها بالانزلاق بسهولة في الماء (أدوبي)

في عالم الهندسة، غالباً ما تعمل الطبيعة بوصفها مصدراً للإلهام. يمكن أن تؤدي ديناميكيات السوائل والكفاءة، التي نراها في الحيوانات، إلى تحقيق اختراقات في التصميم الصناعي. ومن بين هذه الحالات سمكة «موبولا راي»؛ وهي حيوان بحري يتغذى على الترشيح، أصبحت محور دراسة رائدة أجراها مهندسون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. ومن خلال تحليل آليات التغذية الفريدة للسمكة، يطور الباحثون رؤى جديدة لتصميم مرشحات مياه صناعية أكثر كفاءة.

آلية التغذية المبتكرة لسمكة «موبولا راي»

توجد الكائنات التي تتغذى على الترشيح في جميع أنحاء مملكة الحيوان، من الكريل الصغير، إلى الحيتان العملاقة. وتأخذ سمكة «موبولا راي» وهي عائلة تضم أسماك «مانتا» و«شيطان البحر»، هذا السلوك إلى مستوى جديد. تتغذى هذه الأسماك عن طريق السباحة بأفواه مفتوحة على مصراعيها، مما يسمح بتدفق الماء، وتصفية العوالق للحصول على الغذاء، وطرد الماء المتبقي من خلال خياشيمها.

ركز فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا على الهياكل أو الصفائح التي تشبه المشط في سمكة «الراي»، والتي تبطن أرضية فمها. تعمل هذه الصفائح على توجيه المياه للخارج عبر الخياشيم، مع إجبار العوالق على التوغل بشكل أعمق في تجويف السمكة. لا تساعد هذه الصفائح سمكة «الراي» على التغذية بكفاءة فحسب، بل تدعم أيضاً تنفسها من خلال السماح بامتصاص الأكسجين أثناء مرور المياه عبر خياشيمها.

توضح أنيت بيكو هوسوي، أستاذة الهندسة الميكانيكية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أن سمكة «الراي» طورت هندسة هذه الصفائح لتكون بالحجم المثالي لتحقيق التوازن بين التغذية والتنفس.

من الطبيعة إلى الهندسة

استلهم باحثو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا من نظام الترشيح الخاص بسمكة «الراي» لتطوير نموذج أولي لمرشح المياه الصناعي. باستخدام صفائح مطبوعة ثلاثية الأبعاد جرى تصميمها على غرار الهياكل التي تشبه المشط الخاصة بسمكة «الراي»، ابتكر الفريق تصميم «قناة متسربة»؛ أي أنبوب به ثقوب على طول جوانبه. جرى ضخ السوائل، جنباً إلى جنب مع الجسيمات المحاكاة، عبر هذه القناة في ظل ظروف خاضعة للرقابة؛ لدراسة كيفية تدفق الماء والجسيمات عبر الهيكل.

اكتشف الباحثون أنه عند معدلات تدفق أبطأ، مرّت المياه والجسيمات عبر المرشح دون عرقلة كبيرة. ومع ذلك، مع زيادة معدل التدفق، حدثت ظاهرة رائعة. تشكلت دوامات صغيرة عند فم كل أخدود في الألواح. ويشرح هوسوي أن هذه الدوامات تعمل بوصفها حواجز للجسيمات، فهي لا تحجب الماء لكنها تمنع الجسيمات من الهروب بشكل فعال.

اختراق في كفاءة الترشيح

كشف تكوين الدوامات عن مبدأ مهم. من خلال ضبط معدل تدفق وتباعد الألواح، يمكن للمهندسين تصميم مرشحات تمنع الجسيمات بشكل أكثر فعالية. تتسبب الدوامات، المُشابهة للدوامات الصغيرة، في ارتداد الجسيمات عبر الألواح، والبقاء في النظام، بينما يستمر الماء في التدفق بحرية.

هذه الآلية مهمة بشكل خاص لتحسين التوازن بين النفاذية (مدى سهولة تدفق المياه عبر المرشح) والانتقائية (مدى جودة حجب الجسيمات). غالباً ما تواجه المرشحات التقليدية مقايضات. قد يسمح المرشح ذو النفاذية العالية للجسيمات بالمرور، بينما يتطلب المرشح شديد الانتقائية مزيداً من الطاقة لضخ المياه عبر مسامِّها الأصغر.

يقول المؤلف الرئيسي وباحث ما بعد الدكتوراه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا شينيو ماو إن سمكة راي حققت توازناً مثالياً... إنها شديدة النفاذية، مما يسمح للماء بالتدفق بسهولة للتنفس، وانتقائية جداً، حيث تلتقط العوالق للتغذية.

التطبيقات العملية في الترشيح الصناعي

تشترك مرشحات التدفق المتقاطع الصناعية، المستخدمة بشكل شائع في محطات معالجة المياه، في أوجه تشابه مع نظام التغذية الخاص بسمكة «موبولا». يتدفق السائل عبر غشاء نافذ، حيث يمر معظم الماء أثناء حمل الجسيمات بعيداً. ومع ذلك، غالباً ما تكافح هذه الأنظمة من أجل الكفاءة.

باستخدام رؤى من تجاربهم، طوّر فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا مخططاً لتحسين المرشحات الصناعية. تقترح المبادئ التوجيهية تصميم مرشحات بأحجام مسامّ محددة ومسافات لتوليد دوامات بمعدلات تدفق مرغوب فيها. يمكن أن يعزز هذا النهج احتباس الجسيمات دون التضحية بكفاءة الطاقة.

يضيف ماو: «نريد توسيع مساحة تصميم الترشيح المتقاطع التقليدي بمعرفة جديدة من سمكة شيطان البحر. يمكن للمصممين اختيار معلمات محددة لتحسين أداء المرشح الإجمالي».

التأثير الأوسع للتصميم

تعود أصول هذه الدراسة إلى جائحة كوفيد-19 عندما ركز الباحثون على تحسين الترشيح في أقنعة الوجه. بمرور الوقت، تحولت اهتماماتهم إلى استكشاف آليات الترشيح في الطبيعة، مما أدى إلى الاختراق الحالي.

تسلط آلية تغذية سمكة «شيطان البحر» الضوء على كيفية قدرة الأنظمة البيولوجية على حل التحديات الهندسية المعقدة. من خلال محاكاة هذه العمليات الطبيعية، يمكن للصناعات تحسين الأداء والاستدامة. وتوضح هوسوي أن الأمر لا يتعلق بالمرشحات فحسب، بل بتعلم كيفية حل الطبيعة للمشكلات بكفاءة، وتطبيق هذه المبادئ على التكنولوجيا البشرية

ماذا عن المستقبل؟

إن الآثار المترتبة على هذا البحث تمتد إلى ما هو أبعد من معالجة المياه. يمكن تطبيق مبادئ مماثلة على أنظمة الترشيح في التطبيقات الطبية والبيئية والصناعية. على سبيل المثال، يمكن أن يستفيد تصميم المرشحات للأجهزة الطبية أو أنظمة تنقية الهواء من التوازن نفسه بين النفاذية والانتقائية الملحوظ في سمكة «موبولا راي».

يقول ماو: «لقد قدّمنا ​​إرشادات عملية حول كيفية الترشيح، كما تفعل سمكة شعاع موبولا. هذه ليست مجرد نظرية؛ إنها قاعدة عامة للتصميم العقلاني».

كما تفتح نتائج الدراسة آفاقاً لمزيد من الاستكشاف حول كيفية تحقيق الحيوانات الأخرى التي تتغذى على الترشيح، كفاءتها. ويمكن أن تؤدي مثل هذه الأفكار إلى موجة جديدة من التقنيات المستوحاة من البيولوجيا والتي تتميز بالإبداع والاستدامة.

دروس من المحيط

تُظهِر سمكة «موبولا راي» كيف يمكن للتطور الطبيعي أن يلهم التقدم التكنولوجي. من خلال دراسة آلية التغذية المعقدة، اكتشف المهندسون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا طرقاً جديدة لتحسين أنظمة الترشيح الصناعية. ويؤكد البحث أهمية النظر إلى الطبيعة للحصول على حلول للتحديات الهندسية الحديثة.

ومع سعي الصناعات إلى تحقيق قدر أعظم من الكفاءة والاستدامة، تقدم الدروس المستفادة من سمكة شعاع موبولا مثالاً مقنعاً لكيفية قدرة براعة الطبيعة على دفع الابتكار. قد يكون مستقبل الترشيح في أيدي المهندسين الراغبين في إلقاء نظرة فاحصة على الحلول الأكثر أناقة في المحيط.