يشهد عديد من الدول العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية طفرة في التحول الرقمي، حيث يعمد كثير من المواطنين إلى إجراء خدماتهم الحكومية أو الخاصة عبر الإنترنت من خلال تطبيقات على الهواتف المحمولة أو صفحات الويب. ويجد المستخدم العربي فعلاً أن واجهة تلك التطبيقات (User Interface) أو المواقع تتوفر باللغتين الإنجليزية والعربية في أغلب الأحيان. لكن المشكلة تكمن عندما يطلب من المستخدم تسجيل الدخول أو إنشاء حساب لدى أي موقع متوفر باللغة العربية عبر بريده الإلكتروني وباللغة الإنجليزية.
من المعروف أن عناوين «IP» وأسماء النطاقات تعد بمثابة شريان الحياة للإنترنت، حيث تعمل كالإحداثيات الرقمية التي تمكّننا من التنقل في المشهد الرقمي الواسع.
فماذا يفعل ذلك المستخدم عندما يجد أن الكثير من تلك المواقع والخدمات لا تخدم اللغة العربية؟
تقع مسؤولية إدارة العناوين وأسماء نطاقات الإنترنت على عاتق سلطة معترف بها عالمياً تسمى «شركة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة» التي تختصر بـ«ICANN». وقد تولت «ICANN» وهي مؤسسة غير ربحية تخدم أكثر من 5 مليارات مستخدم مهمة الإشراف وتطوير السياسات التي تنظم عمل هذه المكونات المهمة للإنترنت.
حملة القبول العالمي
تقود «ICANN» حالياً حملة عالمية لـ«القبول العالمي» المعروف باسم «UA» بهدف معالجة التحديات المرتبطة بأسماء النطاقات التي لا تعمل بشكل موحد عبر جميع الأجهزة والتطبيقات التي تدعم الإنترنت بسبب قيود النص أو اللغة أو طول الأحرف. يقول باهر عصمت المدير الإداري لمكتب الشرق الأوسط وأفريقيا في «ICANN» في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» من مدينة إسطنبول التركية «إن حملة القبول العالمي مدفوعة بشكل أساسي بالسعي وراء إنترنت عالمي وشامل حقاً»، ويتابع بأن الهدف منها هو «التأكد من أن جميع أسماء النطاقات، بغض النظر عن نصوصها أو لغاتها أو طول أحرفها، تعمل بسلاسة عبر نظام الإنترنت بأكمله».
العوائق والتحديات
تواجه «ICANN» عوائق هائلة في سعيها للحصول على القبول العالمي، خاصة عند التعامل مع نصوص مثل اللغة العربية. كما أن التحدي المتمثل في عدم عمل أسماء النطاقات بشكل موحد عبر الأجهزة والتطبيقات المختلفة بسبب القيود المفروضة على النص أو اللغة أو طول الأحرف هو مصدر قلق ملح. تؤدي هذه المشكلة إلى فجوة رقمية تحد من التواجد عبر الإنترنت وإمكانية الوصول لبعض الأفراد والشركات والمجتمعات. وتسعى «UA» إلى سد هذه الفجوة من خلال جعل أسماء النطاقات معترفاً بها عالمياً وبشكل فعال، حيث تتطلب تعقيدات اللغة والكتابة والاختلافات الإقليمية حلولاً تقنية معقدة.
الشمولية والتنوع في المجال الرقمي
للقبول العالمي آثار عميقة على الشمولية والتنوع، خاصة في مناطق مثل الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث تهيمن النصوص غير اللاتينية. يقدم القبول الشامل فوائد كبيرة للشركات، خاصة تلك التي تعمل في المناطق التي تستخدم بشكل أساسي نصوصاً غير لاتينية. إنه يفتح الأبواب أمام أسواق جديدة، ويعزز الرؤية عبر الإنترنت، ويعزز بيئة رقمية أكثر شمولاً. وتعمل «UA» على تمكين الشركات من الوصول إلى جماهير متنوعة دون قيود.
التعاون للوصول إلى الخدمات
تتعاون «ICANN» بشكل وثيق مع مجموعة واسعة من الحكومات والشركات والمطورين، لتعزيز وتنفيذ القبول العالمي. ويضمن هذا النهج التعاوني أن يصبح تعميم الوصول إلى الخدمات مجهوداً جماعياً يتجاوز الحدود والمصالح. كما يتقاطع القبول العالمي مع مبادرات «ICANN» المختلفة، بما فيها المتعلقة بحوكمة الإنترنت والشمولية الرقمية. هذا وتتوافق «UA» مع مهمة «ICANN» الأوسع نطاقاً لتعزيز الوصول إلى الإنترنت بشكل أكثر إنصافاً وتعزيز التزامها تجاه مجتمع الإنترنت العالمي.
التحسينات التقنية لدعم «UA»
يتطلب تحقيق القبول العالمي إجراء تحسينات تقنية كبيرة على البنية التحتية للإنترنت. يتضمن ذلك تحديثات لبرامج نظام اسم النطاق وأنظمة البريد الإلكتروني ومتصفحات الويب والتطبيقات. وتشارك «ICANN» بنشاط مع المجتمعات التقنية لدفع هذه التغييرات الضرورية. ومع اعتماد تعميم الوصول إلى الخدمات على نطاق واسع، فمن المتوقع أن يكون له تأثير عميق على تجربة المستخدم الشاملة ونمو الإنترنت، لا سيما في المجتمعات متعددة اللغات. وسيستمتع المستخدمون بالوصول السلس إلى الموارد عبر الإنترنت، مما يعزز المزيد من الشمولية وتوسيع المشهد الرقمي.
يمثل التزام «ICANN» بالقبول العالمي خطوة حاسمة نحو إنترنت أكثر شمولاً وتنوعاً وسهولة الوصول إليه. ومن خلال التصدي للتحديات المرتبطة بأسماء النطاقات والنصوص البرمجية، يمهد تعميم الوصول إلى الإنترنت الطريق لعالم رقمي لا يتخلف فيه أحد عن الركب، مما يضمن أن الإنترنت يرقى حقاً إلى مستوى إمكاناته كمورد عالمي للجميع.