هل يمكن التنبؤ بالزلازل عبر نماذج الذكاء الاصطناعي؟

يعتقد باحثو جامعات عالمية أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في التنبؤ بالزلازل (شاترستوك)
يعتقد باحثو جامعات عالمية أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في التنبؤ بالزلازل (شاترستوك)
TT

هل يمكن التنبؤ بالزلازل عبر نماذج الذكاء الاصطناعي؟

يعتقد باحثو جامعات عالمية أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في التنبؤ بالزلازل (شاترستوك)
يعتقد باحثو جامعات عالمية أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في التنبؤ بالزلازل (شاترستوك)

تؤكد الزلازل المؤلمة التي ضربت تركيا والمغرب وأفغانستان خلال عام 2023، التي أسفرت عن خسائر قاسية تعدت آلاف القتلى والجرحى وسببت أضراراً جسيمة في البنية التحتية، على أهمية تشييد مبانٍ قادرة على تحمل الهزات الأرضية. تتوفر الآن الكثير من الحلول التكنولوجية لتعزيز مقاومة المباني للزلازل من شأنها حماية الأرواح أو التخفيف من تأثيراتها وتداعياتها النفسية والاقتصادية. كما تتسابق جامعات عالمية عدة لتطوير تقنيات قد تساعد في التنبؤ بحدوث الزلازل عبر استخدام الذكاء الاصطناعي.

تبتكر كبرى الجامعات تقنيات قد تساعد في التنبؤ بحدوث الزلازل عبر استخدام الذكاء الاصطناعي (شاترستوك)

تصاميم مقاومة للزلازل

يتضمن التصميم المقاوم للزلازل مجموعة من التقنيات والأساليب لتعزيز قدرة المبنى على تحمل القوى الزلزالية. ويشرح المهندس المعماري محمد عبيد، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «إمكان» للاستشارات المعمارية والهندسية، في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، التقنيات والأساليب الأساسية المستخدمة في التصميم المقاوم للزلازل في الوقت الحاضر. ويقول عبيد إنها تتراوح بين «أنظمة عزل القواعد، وجدران القص، والإطارات المقاومة للحظات، وأنظمة التثبيت، والمخمدات الجماعية المضبوطة، والمخمدات اللزجة، والخرسانة المسلحة، والإطارات الفولاذية، والمواد المرنة، وأجهزة تبديد الطاقة، والتعديل التحديثي الزلزالي، وتصميم العناصر غير الهيكلية، وتحسين التربة، وتقييم المخاطر الزلزالية، والنمذجة والمحاكاة الحاسوبية، وقوانين ومعايير البناء». ويضيف أن «غالباً ما يجمع المهندسون والمعماريون بين هذه التقنيات والأساليب لإنشاء تصميمات شاملة مقاومة للزلازل ومصممة خصيصاً لتلبية الاحتياجات والظروف المحددة للمبنى وموقعه وأن اختيار التقنيات يعتمد على عوامل مثل نوع المبنى والموقع والميزانية ومستوى المخاطر الزلزالية».

المهندس المعماري محمد عبيد المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «إمكان» للاستشارات المعمارية والهندسية (إمكان)

تأهيل المباني القديمة

من المؤكد أن إعادة تأهيل المباني القائمة بتقنيات مستدامة ومقاومة للزلازل أمر ممكن، ولكنه يتطلب تخطيطاً دقيقاً، وخبرة هندسية، والامتثال للوائح المحلية. ويرى المهندس المعماري محمد عبيد، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أنه «يمكن تحديث المباني القائمة بتقنيات مستدامة ومقاومة للزلازل، على الرغم من أن العملية يمكن أن تختلف في التعقيد اعتماداً على التقنيات المحددة والخصائص الهيكلية والمعمارية للمبنى». ويشرح أن بعض الاعتبارات الخاصة بتعديل المباني الحالية عبر هذه التقنيات تشمل «التعديل التحديثي الهيكلي، وترقيات المواد، والاعتبارات المعمارية، والخبرة الهندسية، وقوانين البناء والتصاريح، واعتبارات التكلفة، والنهج المرحلي، والتقييم الزلزالي، وتكامل التقنيات المستدامة». وينوه بأن «تحديات وتعقيدات العملية تختلف من مبنى إلى آخر، وغالباً ما يكون النهج المخصص ضرورياً لتحقيق الأهداف الزلزالية وأهداف الاستدامة المرغوبة مع تقليل التعطيل لشاغلي المبنى».

التنبؤ بالهزات الارتدادية

طوّر باحثون في جامعة ستانفورد الأميركية نموذجاً للذكاء الاصطناعي يمكنه التنبؤ بالهزات الارتدادية عقب حدوث الزلزال بدقة تزيد على 80 في المائة.

تم تدريب النموذج على مجموعة بيانات تضم أكثر من 700 ألف زلزال من جميع أنحاء العالم ما يجعله قادراً على تحديد الأنماط في البيانات التي تعد معقدة للغاية ولا يمكن اكتشافها بالطرق التقليدية، بحسب الباحثين.

يعمل النموذج من خلال تحليل مصادر بيانات النشاط الزلزالي والبيانات الجيولوجية وخوارزميات التعلم الآلي لتحدد من خلالها الأنماط والاتجاهات المرتبطة بحدوث الهزات الارتدادية. كما يمكنه التنبؤ بحجم وتوقيت الهزة الارتدادية. النموذج لا يزال قيد التطوير، ولكن قد يكون أداة تنبؤ قيمة تساعد في تحسين دقة وتوقيت التحذيرات من الهزات الارتدادية وإنقاذ الأرواح والممتلكات.

تم تدريب نموذج «DLEPM» الياباني على مجموعة بيانات تضم أكثر من 10 ملايين حدث زلزالي عالمي (شاترستوك)

نموذج ياباني ذو دقة عالية

نجح علماء في جامعة طوكيو في ابتكار نموذج يُسمى «نموذج التنبؤ بالزلازل للتعلم العميق» (DLEPM) يستطيع التنبؤ بدقة عالية عبر تحليل أنماط النشاط الزلزالي. تم تدريب النموذج على مجموعة بيانات تضم أكثر من 10 ملايين حدث زلزالي من جميع أنحاء العالم. يحلل «DLEPM» مجموعة متنوعة من مصادر البيانات تتضمن تلك الجيولوجية وخوارزميات التعلم الآلي. ويقول باحثو الجامعة اليابانية إنه أثبت دقته الكبيرة في التنبؤ. وقد نجح في التنبؤ بالزلازل التي تبلغ قوتها 6 درجات أو أكثر على مقياس ريختر خلال أسبوع من حدوثها بنسبة 80 في المائة.

«DLEPM» لا يزال قيد التطوير، ولكن قدرته لا تقتصر على إنقاذ الأرواح والممتلكات بل تحسين فهم الباحثين في عمليات الزلازل وكيفية وسبب حدوثها بشكل أفضل لتطوير استراتيجيات جديدة للوقاية منها والتخفيف من آثارها.

يطور مختبر لوس ألاموس الوطني في الولايات المتحدة نموذجاً يعمل بالذكاء الاصطناعي قد يساعد في التنبؤ بالزلازل (شاترستوك)

التنبؤ باحتكاك الصدع

نموذج ذكاء الاصطناعي آخر يمكنه التنبؤ باحتكاك الصدع في المستقبل يُطلق عليه اسم نموذج «احتكاك الأعطال للتعلم العميق» (DLFFM)، طوره علماء في مختبر لوس ألاموس الوطني في الولايات المتحدة.

يحلل النموذج المدرّب على مجموعة بيانات تضم أكثر من مليون زلزال مختبري مجموعة متنوعة من مصادر البيانات لتحديد الأنماط والاتجاهات المرتبطة بالاحتكاك الخاطئ. ومن ثم يمكن استخدامها للتنبؤ بالاحتكاك المستقبلي في موقع معين وأيضاً كيفية تغير الاحتكاك بمرور الوقت. لا يزال «DLFFM» قيد التطوير، ولكن يمكن أن يكون أداة قيمة تحسّن دقة وتوقيت التحذيرات من الزلازل.

كينغو كوما مهندس معماري ياباني استخدم ألياف الكربون لتثبيت المباني ووقايتها من الزلازل (شاترستوك)

طريقة يابانية مبتكرة

تقع اليابان على «حزام النار» في المحيط الهادئ، وهي منطقة معروفة بنشاطها الزلزالي المتكرر ما يدفع إلى تصميم وبناء مبانٍ مقاومة الزلازل.

قامت شركة هندسة معمارية تابعة لشركة «Kengo Kuma» باستخدام ألياف الكربون لتثبيت المباني ووقايتها من الزلازل. تُصنع هذه المواد من ألياف الكربون البلاستيكية الحرارية، وهي مادة تتميز بقوة شدّ مذهلة تتنافس مع مواد البناء التقليدية كالفولاذ. يوفر هذا الابتكار تعزيزاً إضافياً لهيكل المبنى نتيجة الحبال التي تمتد من ألياف الكربون عبر إطار معدني فوق السقف الصديق للبيئة، ثم تتوالى على الجوانب لتصل إلى الأرض. وتُترك ألياف الكربون، المقسمة بشكل يشبه الستائر لفترات زمنية ما ينتج مداخل تؤدي إلى مساحات داخلية مغطاة بالقماش الأبيض.

يعمل نموذج جامعة ستانفورد عبر تحليل مصادر بيانات النشاط الزلزالي وتلك الجيولوجية وخوارزميات التعلم الآلي (شاترستوك)

تكلفة المباني المقاومة للزلازل

يمكن أن يكون للتقنيات المقاومة للزلازل تأثير كبير على التكلفة الإجمالية لمشروع البناء. في حين أن هذه التقنيات ضرورية لضمان سلامة ومرونة المبنى أثناء الأحداث الزلزالية، إلا أنها يمكن أن تضيف أيضاً نفقات إلى المشروع. ويشرح المهندس المعماري محمد عبيد، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «إمكان» للاستشارات المعمارية والهندسية، في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، أن «مدى هذا التأثير يعتمد على عوامل مختلفة، بما في ذلك التقنيات المحددة المستخدمة، وموقع المشروع، ونوع المبنى، ومستوى المخاطر الزلزالية». كما يرى أن «التقنيات المقاومة للزلازل تؤثر على تكاليف البناء بسبب المواد والمكونات، وتعقيد التصميم الهيكلي، والأنظمة المتخصصة، وأنظمة الأساس، ومراقبة الجودة والتفتيش، والتعديلات المعمارية، والتعديل التحديثي الزلزالي، وقوانين البناء المحلية، ومستوى المخاطر الزلزالية، وحجم المشروع وتعقيده، والصيانة، وتكاليف دورة الحياة».

وفي حين أن التقنيات المقاومة للزلازل يمكن أن تضيف تكاليف البناء الأولية، فإنها يمكن أن تؤدي أيضاً إلى فوائد طويلة المدى. ويقول المهندس المعماري محمد عبيد إن «هذه الفوائد تشمل زيادة السلامة، وانخفاض تكاليف الإصلاح وإعادة الإعمار بعد وقوع الزلزال، وتخفيضات محتملة في أقساط التأمين، كما أن بعض المناطق تقدم حوافز أو منحاً لتعويض التكاليف الأولية لدمج التقنيات المقاومة للزلازل». بشكل عام، قد يكون بناء مبنى مقاوم للزلازل أكثر تكلفة من بناء مبنى عادي. وبحسب قول المهندس المعماري محمد عبيد، تكون تلك التكلفة «أعلى بنسبة تتراوح بين 10 في المائة و30 في المائة من تكلفة بناء مبنى عادي».


مقالات ذات صلة

السلطات اليابانية تتوقع مزيداً من الزلازل... وتستبعد وقوع كارثة كبرى

آسيا عبّارة تنقل سكاناً من جزيرة أكوسيكي اليابانية (أ.ب)

السلطات اليابانية تتوقع مزيداً من الزلازل... وتستبعد وقوع كارثة كبرى

حذرت الحكومة اليابانية، اليوم (السبت)، من احتمال وقوع مزيد من الزلازل القوية في المياه الواقعة جنوب غربي جزر البلاد الرئيسية.

«الشرق الأوسط» (طوكيو )
آسيا جزيرة أكوسيكيجيما، وهي جزء من سلسلة جزر توكارا في اليابان، والتي ضربها أكثر من 900 زلزال خلال أسبوعين (الغارديان)

خلال أسبوعين...جزر توكارا اليابانية تتعرض لـ900 زلزال

ضرب أكثر من 900 زلزال سلسلة جزر نائية في جنوب اليابان خلال الأسبوعين الماضيين، وفقاً لـ«وكالة الأرصاد الجوية اليابانية»، مما أصاب السكان بالأرق والخوف

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
آسيا منازل متضررة جراء زلزال في ماشيكي بمحافظة كوماموتو جنوب اليابان 16 أبريل 2016 (أرشيفية - أ.ب)

خطة يابانية للاستعداد في حال وقوع زلزال ضخم

عرضت الحكومة اليابانية خطة مُحدَّثة للاستعداد للكوارث، مقرة بضرورة القيام بالمزيد للحد من تداعيات «زلزال ضخم محتمل» قد يسفر عن مقتل ما يصل إلى 300 ألف شخص.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
آسيا هزة أرضية ثانية تضرب جزيرة كريت خلال يومين (رويترز)

زلزال بقوة 5.5 درجات يهز باكستان

ذكر المركز الألماني لأبحاث علوم الأرض، أن زلزالا بقوة 5.5 درجة هز باكستان.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
شؤون إقليمية سيدة إيرانية تسير بجوار محالّ مغلقة في طهران (وانا - رويترز)

زلزال بقوة 5.2 درجة يضرب إيران

أفادت وسائل إعلام إيرانية، اليوم الجمعة، بوقوع زلزال بقوة 5.2 درجة في وسط إيران، وشعر به سكان العاصمة طهران.

«الشرق الأوسط» (طهران)

حالات لا يُستخدم فيها الذكاء الاصطناعي بديلاً للرأي البشري

حالات لا يُستخدم فيها الذكاء الاصطناعي بديلاً للرأي البشري
TT

حالات لا يُستخدم فيها الذكاء الاصطناعي بديلاً للرأي البشري

حالات لا يُستخدم فيها الذكاء الاصطناعي بديلاً للرأي البشري

يبدو أن كل شركة تعجّ بقصص حول نجاحاتها في التحول في ميدان الذكاء الاصطناعي، لكن الواقع خلف الكواليس يروي قصة مختلفة، كما كتب شاما هايدر(*).

مكاسب موعودة لم تتحقق

في حين أفادت 72 في المائة من المؤسسات بتطبيق حلول الذكاء الاصطناعي خلال العام الماضي، أقرت 74 في المائة منها بأن استثماراتها التكنولوجية لم تحقق مكاسب الكفاءة الموعودة.

ولا يتعلق هذا التباين بالقدرات التقنية للذكاء الاصطناعي، بل يتعلق باندفاع المؤسسات نحو الأتمتة دون فهم مواضع ازدياد أهمية الذكاء البشري (المرافق لهذه التحولات)، وليس انخفاضها... إذ لا يمكنك استخدام الذكاء الاصطناعي لاستبدال جميع مكونات عملك.

القيمة الاستراتيجية للإشراف البشري

أدت هذه الفجوة بين ضجيج الذكاء الاصطناعي والواقع التشغيلي إلى ما يُطلق عليه خبراء الصناعة «مفارقة الأتمتة». فمع ازدياد تعقيد الأنظمة، تزداد القيمة الاستراتيجية للرقابة البشرية في مجالات محددة، حيث يُحدد السياق والحكم وإدارة العلاقات النجاح أو الفشل.

إن معرفة متى يُستفاد من الذكاء البشري (HI)، أو ما يُعرف بالذكاء الاصطناعي (AI)، ستحدد المؤسسات المهيأة للمرحلة التالية من تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

أين يفشل الذكاء الاصطناعي؟

إن وعد الذكاء الاصطناعي بتحويل العمليات التجارية ليس بلا أساس، لكن واقع التطبيق يكشف عن نقاط ضعف كبيرة.

لنأخذ إدارة القوى العاملة العالمية مثالاً، حيث تتطور قوانين العمل بوتيرة متفاوتة عبر البلدان، وتتغير متطلبات الامتثال لها بناءً على التغيرات الجيوسياسية. ولكن عندما تظهر لوائح جديدة أو تؤثر الفروق الثقافية الدقيقة في استراتيجيات القوى العاملة، فإن نجاحها يُثبت أن الخبراء البشريين لا يزالون ضروريين لتقديم التفسير الدقيق الذي لا تستطيع الخوارزميات تقديمه.

ويواجه قطاع الخدمات المالية تحديات مماثلة. تُكلف الأنظمة القديمة قطاع المدفوعات 36.7 مليار دولار سنوياً، مما يعوق التحول الرقمي. وبينما تتطلع المؤسسات المالية والمؤسسات في مختلف القطاعات إلى تحديث مجموعاتها التقنية، تُمثل منصات معالجة الدفع إحدى الطرق لتحديث وتبني نماذج أعمال أكثر مرونة.

لهذا السبب، تُقدم بعض الشركات الرائدة في تكنولوجيا الدفع، تجارب سلسة للعملاء الذين يحتاجون إلى التغلب على هذه العوائق. وتُنظّم هذه التقنيات قرارات التوجيه بين الشبكات بذكاء، مُحسّنةً السرعة والتكلفة. ويمكن للمؤسسات بعد ذلك دمج هذه التقنية مع الرؤية البشرية لاتخاذ قرارات استراتيجية بشأن هياكل التسعير، وتجارب العملاء، وتفسير اللوائح التنظيمية، وديناميكيات السوق التي تغفلها الأتمتة البحتة.

يكشف هذا الواقع عن حدود الذكاء الاصطناعي الحالية: فرغم كفاءته الاستثنائية في معالجة المعايير المحددة، فإنه يتطلب تفسيراً بشرياً لقرارات الأعمال الدقيقة.

أهمية «الإنسان عند المهمات الضرورية»

لا تكفي القيود لدفع المؤسسات إلى التخلي عن تبني الذكاء الاصطناعي. وبدلاً من ذلك، تسعى المؤسسات الناجحة إلى إيجاد التوازن من خلال استراتيجيات الأتمتة الانتقائية. ويُحدد هذا النهج نقاط اتصال محددة حيث يُقدم الذكاء البشري قيمة لا تُعوض، حتى مع ازدياد أتمتة العمليات المحيطة.

تُجسد شركات التصنيع هذا المبدأ بوضوح. فبينما يُحدد الذكاء الاصطناعي الكفاءات التشغيلية، تتطلب القرارات المتعلقة بتحوّلات القوى العاملة والمفاضلة بين الجودة والسرعة حكماً بشرياً يُراعي الآثار التجارية طويلة المدى.

يُصبح هذا الإطار بالغ الأهمية في العمليات التي تُواجه العملاء مباشرةً. فبينما يُمكن للذكاء الاصطناعي التعامل مع الاستفسارات الروتينية ومعالجة المعاملات القياسية، فإن حلّ النزاعات، وإدارة العلاقات مع العملاء ذوي القيمة العالية، والتخطيط الاستراتيجي للحسابات، تستفيد جميعها من الرؤية البشرية التي تُدرك السياق العاطفي والعلاقات التجارية التي لا يُمكن للبيانات وحدها استيعابها.

في أحد التقارير، تُشير 46 في المائة من المؤسسات التي تُطبق الذكاء الاصطناعي بشكل انتقائي إلى أنها تفعل ذلك لمواكبة الصناعات المُنظّمة والأنظمة القديمة. يُوفر هذا النهج الأبطأ والأكثر توازناً مزيداً من التحكم قبل دمج التكنولوجيا في عمليات الأعمال الأوسع.

إيجاد التوازن بين أحجام المؤسسات

غالباً ما تُكيّف الشركات الناشئة هذا التوازن بفاعلية أكبر من المؤسسات الأكبر حجماً، نظراً إلى قدرتها على تطبيق الأتمتة الانتقائية دون الحاجة إلى التعامل مع الأنظمة القديمة. قد تستخدم الشركات الناشئة أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لأتمتة دعم العملاء، والتنبؤات المالية، وتحسين التسويق، مع الحفاظ على الإشراف البشري على علاقات المستثمرين، والشراكات الاستراتيجية، وقرارات تطوير المنتجات التي تتطلب حدساً في السوق وإدارة العلاقات.

وتواجه المؤسسات متوسطة الحجم تحديات مختلفة، لكنها تستطيع الاستفادة من المبادئ نفسها. قد تُؤتمت مراقبة الامتثال للضوابط، ومعالجة الرواتب، والتواصل الروتيني مع العملاء، مع ضمان توافر الخبراء البشريين للتخطيط الاستراتيجي، وحل المشكلات بفاعلية، وإدارة العلاقات عالية المخاطر التي تُحدد الموقع التنافسي.

تتطلب المؤسسات الكبرى مناهج أكثر تطوراً، لكنها تستفيد من موارد أكبر لتطبيق استراتيجيات شاملة للذكاء الاصطناعي. ويمكنها أتمتة سير العمل التشغيلي بالكامل، وإنشاء أدوار لخبراء الذكاء الاصطناعي المتخصصين، مع بناء فرق إشراف بشري متخصصة تُركز على التفسير الاستراتيجي، ومعالجة الاستثناءات، وإدارة العلاقات، مما يُحقق تمايزاً تنافسياً حقيقياً.

ما لا يُمكن استبدال استخدام الذكاء الاصطناعي به

في حين تُخفّض أنظمة الذكاء الاصطناعي النفقات التشغيلية، فإن القرارات الاستراتيجية المتعلقة بالتنفيذ والتحسين وإدارة العلاقات التي يُقدّمها البشر يُمكن أن تُولّد عوائد استثمار أعلى بكثير.

وجدت صحيفة «نيويورك تايمز» حديثاً أن أحدث أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي تُولد نتائج مختلقة او وهمية بمعدلات تُضاعف مُعدّلات سابقاتها، حيث تصل مُعدّلات الأخطاء إلى 79 في المائة في بعض الحالات. إذا لم تتمكن المؤسسة من تحديد هذه الأخطاء، يفقد العملاء ثقتهم بمنتجاتها وخدماتها، ويبحثون عن حلول بديلة.

وبالنسبة إلى وكالة التسويق، قد يكون هذا كارثياً. فبينما يُسرّع الذكاء الاصطناعي عملية إنشاء المحتوى، لا تزال الوكالات بحاجة إلى نشر خبراء بشريين للتحقق من النتائج، واكتشاف الأخطاء، والتوافق مع مُلخصات العملاء، وضمان الامتثال. تُوفّر هذه الطبقة الإضافية من المراجعة للذكاء الاصطناعي التوليدي المصداقية التي يفتقر إليها حالياً، ما يضمن قدرة المؤسسات على التوسع دون التضحية بالجودة.

بناء استراتيجية ذكاء مؤسستك

تشترك عمليات التنفيذ الناجحة في خصائص رئيسية عبر مختلف القطاعات. البداية هي بتحديد العمليات المناسبة للأتمتة -وهي عادةً مهام روتينية قائمة على قواعد ذات معايير واضحة ونتائج متوقعة- التي يُمكن استخدام الذكاء الاصطناعي فيها ليحل محل العمل اليدوي. وفي الوقت نفسه، الحفاظ على سلطة اتخاذ القرار البشري في المجالات التي تتطلب تقديراً سياقياً، وإدارة العلاقات، والتفكير الاستراتيجي.

يكمن السر في وضع حدود واضحة بين العمليات الآلية ومسؤوليات الإشراف البشري. تُنشئ التطبيقات الناجحة «أشجار» قرارات تُصعّد تلقائياً السيناريوهات المعقدة إلى خبراء بشريين، في الوقت الذي يسمح فيه لأنظمة الذكاء الاصطناعي بمعالجة العمليات الروتينية بكفاءة.

يُصبح التدريب أمراً بالغ الأهمية في هذا الإطار. تحتاج الفرق إلى فهم ليس فقط كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، ولكن أيضاً متى يجب تجاوز التوصيات الآلية، وكيفية تفسير الرؤى المُولّدة من الذكاء الاصطناعي ضمن سياقات الأعمال الأوسع، وكيفية الحفاظ على العلاقات الإنسانية التي لا يُمكن للتكنولوجيا استبدالها.

* «إنك»، خدمات «تريبيون ميديا».

حقائق

79 %

نسبة مُعدّلات الأخطاء التي تولِّدها احدث أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي في نتائج مختلقة أو وهمية وهي تُضاعف مُعدّلات سابقاتها