تصادم الملكية الفكرية في عالم التكنولوجيا... من يحمي حق المبتكر؟

قانون حق المؤلف مقابل التقدم التكنولوجي

دراسة:جهازا كمبيوتر من بين كل ثلاثة أجهزة في منطقة الشرق الأوسط يُشغِلان برامج غير مرخصة.(شاترستوك)
دراسة:جهازا كمبيوتر من بين كل ثلاثة أجهزة في منطقة الشرق الأوسط يُشغِلان برامج غير مرخصة.(شاترستوك)
TT

تصادم الملكية الفكرية في عالم التكنولوجيا... من يحمي حق المبتكر؟

دراسة:جهازا كمبيوتر من بين كل ثلاثة أجهزة في منطقة الشرق الأوسط يُشغِلان برامج غير مرخصة.(شاترستوك)
دراسة:جهازا كمبيوتر من بين كل ثلاثة أجهزة في منطقة الشرق الأوسط يُشغِلان برامج غير مرخصة.(شاترستوك)

تزداد مسألة حماية حقوق النشر والملكية الفكرية تعقيداً في المجال التقني مع التغييرات المتسارعة التي يشهدها القطاع، وسهولة انتشار المعلومات وتشابه الأفكار.

في وقت توفر قوانين حقوق النشر للكُتّاب والفنانين والمبدعين الحق الحصري في إعادة إنتاج وتوزيع أعمالهم، يمتد هذا الحق إلى العالم الرقمي، ويغطي البرامج والتطبيقات والمحتوى الرقمي ومختلف أشكال الأعمال ذات الصلة بالتكنولوجيا.

التغييرات المتسارعة في القطاع التقني وسهولة انتشار المعلومات تزيد من تعقيدات حقوق الملكية الفكرية (شاترستوك)

أين تقع المشكلة؟

حقوق الملكية الفكرية تشمل البراءات وحقوق الطبع والنشر والعلامات التجارية والتصميمات الصناعية وغير ذلك، مما يجعلها من أهم التحديات التي تواجه المبتكرين والحكومات على حد سواء.

يقول الأستاذ عدوان الشمري، المختص في قوانين الملكية الفكرية، في حديث، لـ«الشرق الأوسط»، من الرياض: «إن الفكرة لا تكون محمية إذا لم يجرِ تجسيدها بوصفها نموذجاً ملموساً للمجتمع». ويضيف «أن أفضل طريقة لحماية فكرة قبل تجسيدها بوصفها نموذجاً ملموساً، هو توقيع اتفاقية عدم إفصاح ما يضمن حق جميع الأطراف».





تشكل مسألة تشابه الأفكار التقنية، وخصوصاً فيما يتعلق بتطبيقات الهواتف الذكية، اختباراً حقيقياً لمدى حماية قانون الملكية الفكرية للمبتكرين. ويعتبر الأستاذ عدوان الشمري أن المعيار الثاني بعد تجسيد الفكرة هو «الجِدّة؛ أي أن تكون فكرة جديدة، وليست مماثلة لشيء موجود سابقاً».

من يحمي حق المؤلف؟

في منطقة الشرق الأوسط، يختلف نظام حقوق النشر بشكل كبير في البلدان المختلفة، حيث قام عدد من الدول، بما في ذلك السعودية والأردن والإمارات وقطر، بالاستثمار، بشكل كبير، في تحديث أنظمتها القانونية لتوافق المعايير الدولية، كما انضمت هذه الدول إلى الاتفاقيات العالمية مثل «اتفاقية بيرن» و«اتفاقية التريبس (TRIPS)»، اللتين تحددان المعايير الدولية لقوانين حقوق النشر.





الشرق الأوسط الثاني عالمياً في تثبيت البرامج غير المرخصة

يقف كثير من العوامل عائقاً أمام تنفيذ هذه الاتفاقيات، منها ثقافة القرصنة المنتشرة في عدد من الدول العربية والتزييف المقلد، مما يجعل انتهاكات حقوق الملكية الفكرية مسألة سهلة، والكشف عنها صعباً.

كما تتجاوز المهمة المعقدة لتتبع وتنفيذ انتهاكات حقوق النشر على الإنترنت غالباً، قدرات السلطات المحلية، على الرغم من وجود قوانين سليمة في مكانها.

فقد وجد الاستطلاع العالمي للبرامج لعام 2021، الذي أجرته «BSA» أن منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لديها ثاني أعلى معدل من عمليات تثبيت البرامج غير المرخصة في العالم، بنسبة 56 في المائة. هذا يعني أن ما يقرب من جهازيْ كمبيوتر من بين كل ثلاثة أجهزة كمبيوتر في المنطقة يشغلان برامج غير مرخصة.

تشابه الأفكار فيما يتعلق بتطبيقات الهواتف الذكية يعد اختباراً حقيقياً لمدى حماية قانون الملكية الفكرية (شاترستوك)

ويعزو الاستطلاع تلك العوامل التي تسهم في ارتفاع معدلات قرصنة البرمجيات في الشرق الأوسط وأفريقيا، إلى تدني مستويات الوعي بقوانين حقوق النشر والعقوبات المفروضة على قرصنة البرامج. هذا إضافة لتوافر البرامج المقرصنة بجزء بسيط من تكلفة البرامج الشرعية، وعدم تطبيق قوانين حقوق النشر في بعض دول المنطقة.



«ميتا»... تاريخ طويل من نسخ خصائص تطبيقات أخرى

التحديات في المجال التقني لا تقتصر فحسب على الأفراد أو الشركات الناشئة بل إن عمالقة الشركات التكنولوجية تتصدر المشهد.

أحدث فصول ذلك جاء بعد إطلاق شركة «ميتا» تطبيق «ثريدز»، ما أثار حفيظة منافِستها «تويتر» التي هددت بمقاضاة «ميتا»، بما وصفته تعيين موظفين سابقين «كانوا ولا يزالون يتمتعون بالقدرة على الوصول إلى الأسرار التجارية، وغيرها من المعلومات السرية للغاية».

مزايا كثيرة لتطبيقات شركة «ميتا» تُتهم بنسخ أفكارها من تطبيقات أخرى (شاترستوك)

هذه ليست المرة الأولى التي تُتهم فيها «ميتا» بنسخ أفكار من تطبيقات أخرى. ففي عام 2016 أدخلت «ميتا» خاصية القصص (Stories) إلى «إنستغرام» التي كانت تتميز بها «سناب تشات»، إضافة إلى فلاتر الوجه. وبحلول منتصف عام 2018، كانت قصص «إنستغرام» قد حققت ضِعفي العدد اليومي لمستخدمي «سناب تشات».

أما في عام 2020، فقد استحوذ «إنستغرام» على منصة «تيك توك»، بعد أن قدمت الأخيرة خاصية الـ«ريلز (Reels)»، وعرضت على صُناع المحتوى ما يصل إلى 10.000 دولار لنشر مقاطع الفيديو الخاصة بهم على التطبيق.

وفي وقت سابق من هذا العام، أطلق تطبيق «واتساب» ميزة تتيح للمستخدمين تحرير رسالة تصل إلى 15 دقيقة بعد إرسالها. كانت هذه الميزة متاحة على تطبيقات أخرى كـ«سيغنال»، و«تلغرام».


مقالات ذات صلة

التكنولوجيا الصينية تدخل «حرباً اقتصادية طويلة»

الاقتصاد عامل على خط إنتاج في مصنع رقائق إلكترونية صيني (رويترز)

التكنولوجيا الصينية تدخل «حرباً اقتصادية طويلة»

قررت الصين أن تحارب على عدة جبهات اقتصادية، مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة معاً، بعد أن استهدفا مؤخراً قطاعات السيارات والرقائق والتكنولوجيا الصينية

«الشرق الأوسط» (بكين)
تكنولوجيا شعار شركة «أوبن إيه آي» (رويترز)

متسللون يخترقون «أوبن إيه آي»... ويكشفون محادثات داخلية

تمكّن متسللون من اختراق أنظمة شركة «أوبن إيه آي» التي طورت برنامج الدردشة الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي «شات جي بي تي».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق روبوت ضخم لصيانة السكك الحديدية (رويترز)

روبوت ياباني ضخم لصيانة السكك الحديدية

أعلنت اليابان إطلاق روبوت ضخم بارتفاع 12 متراً صمم خصوصاً لصيانة خطوط السكك الحديدية.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
تكنولوجيا على الرغم من أنها لم تتفوق على «X» فإن «ثريدز» نجحت في بناء أساس متين ومجتمع إيجابي (شاترستوك)

عام على إطلاق «ثريدز»... هل تمكّن من منافسة «إكس»؟

يحتفل «ثريدز» بالذكرى السنوية لإطلاقه مع أكثر من 175 مليون مستخدم نشط شهرياً، فيما تبقى منافسته لـ«X» مثار جدل.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا يُعد «Exynos W1000» أول معالج من «سامسونغ» يطبق تقنية معالجة متقدمة مقاس 3 نانومتر (سامسونغ)

تعرّف على مزايا أول معالج من «سامسونغ» مخصص للساعات الذكية المقبلة

قبل أيام من حدث «Galaxy Unpacked»، تكشف «سامسونغ» عن معالج «إكسينوس W1000» المتوقع ظهوره لأول مرة في سلسلة «غالاكسي واتش».

نسيم رمضان (لندن)

عام على إطلاق «ثريدز»... هل تمكّن من منافسة «إكس»؟

على الرغم من أنها لم تتفوق على «X» فإن «ثريدز» نجحت في بناء أساس متين ومجتمع إيجابي (شاترستوك)
على الرغم من أنها لم تتفوق على «X» فإن «ثريدز» نجحت في بناء أساس متين ومجتمع إيجابي (شاترستوك)
TT

عام على إطلاق «ثريدز»... هل تمكّن من منافسة «إكس»؟

على الرغم من أنها لم تتفوق على «X» فإن «ثريدز» نجحت في بناء أساس متين ومجتمع إيجابي (شاترستوك)
على الرغم من أنها لم تتفوق على «X» فإن «ثريدز» نجحت في بناء أساس متين ومجتمع إيجابي (شاترستوك)

عندما أطلقت شركة «ميتا» تطبيق «ثريدز» في يوليو (تموز) عام 2023، سرعان ما استحوذت على الاهتمام العالمي. وفي غضون أيام، حصل التطبيق على نحو 100 مليون مستخدم، ما أثار تكهنات بأنه قد يطيح بـ«X» («تويتر» سابقاً). وقتها أعرب الرئيس التنفيذي لـ«ميتا» مارك زوكربيرغ عن آماله الطموحة للمنصة، متصوراً أنها ستستضيف في النهاية أكثر من مليار مستخدم. لكن مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لإطلاقها التي تصادف الجمعة، استقر نمو «ثريدز» عند نحو 175 مليون مستخدم نشط شهرياً.

طفرة أولية وتباطؤ لاحق

تم إطلاق «ثريدز» خلال فترة مضطربة لـ«X»، حيث دفعت التغييرات المثيرة للجدل التي أجراها إيلون ماسك على المنصة المستخدمين إلى البحث عن بدائل. وكانت الاستجابة الأولية لتطبيق «ثريدز» مذهلة، حيث تجاوز التطبيق 100 مليون مستخدم في أقل من 5 أيام. ومع ذلك، سرعان ما أعقب هذا الارتفاع السريع فترة من الركود حيث واجه البعض التطبيق بسلسلة من الانتقادات، نتيجة افتقاره إلى الميزات والهوية الفريدة ، ما أدى إلى انخفاض كبير في عدد مستخدميه النشطين يومياً بحلول أغسطس (آب) 2023.

«ميتا»: وصول «ثريدز» إلى 175 مليون مستخدم نشط شهرياً خلال عام كان مثيراً للغاية لنا (شاترستوك)

إطلاق مجموعة ميزات قوية

لمعالجة تعليقات المستخدمين المنتقدة وانحدار عددهم، طرحت «ميتا» باستمرار ميزات جديدة لـ«ثريدز». تضمّن ذلك واجهة ويب قابلة للتخصيص، وموضوعات شائعة، وعمليات تكامل محسّنة مع «Fediverse» وهي شبكة من منصات التواصل الاجتماعي اللامركزية . ووفقاً لـ«ميتا»، فإن 63 في المائة من المنشورات على «ثريدز» هي نصية فقط، ما يشير إلى تفضيل قوي للمحتوى النصي بين المستخدمين. كما تدعم المنصة مشاركة الصور ومقاطع الفيديو وبعض الخصائص الأخرى التي لاقت استحسان مستخدميها. ما عزّز إضافة واجهة برمجة التطبيقات (API) للمطورين وظائف النظام الأساسي، وأتاح النشر الآلي للمحتوى وعمليات التكامل الأخرى.

تعزيز مجتمع مستخدمين ودود

إحدى السمات المميزة لـ«ثريدز» هي تأكيدها على الحفاظ على بيئة إيجابية. وقد نفذت «ميتا» كثيراً من الإجراءات لتعزيز الأجواء الودية، مثل السماح للمستخدمين بالتحكم في من يمكنه الرد على منشوراتهم وتوفير أدوات لكتم صوت المستخدمين المزعجين أو حظرهم. وقد لاقى هذا التركيز على الإيجابية صدى لدى كثير من المستخدمين، ما ساهم في تكوين مجتمع مزدهر حول موضوعات ذات اهتمامات واسعة مثل الأدب والرياضة والثقافة الشعبية.

وعلى الرغم من أن «ثريدز» خطت خطوات مثيرة للإعجاب، فإنها لا تزال تواجه منافسة شديدة من «X». وقد صرح إيلون ماسك مؤخراً إلى وجود 600 مليون مستخدم نشط شهرياً على «X»، على الرغم من أن هذا العدد قد يشمل حسابات آلية وروبوتات غير مرغوب فيها، كما يدعي البعض. إلا أن «X» تظل منصة مهيمنة للأخبار والخطابات السياسية في الوقت الفعلي، وهي المجالات التي اختارت «ثريدز» فيها الحفاظ على مستوى منخفض من الاهتمام. وبالفعل أنشأت «ثريدز» مكاناً مناسباً لها من خلال التركيز على المحتوى الشخصي والموجه نحو المجتمع. وقد لعب تكاملها مع «إنستغرام» أيضاً دوراً حاسماً في نموها، ما يسمح للمستخدمين بالتسجيل في التطبيق بسهولة والانتقال من واحد للآخر وتلقي إشعارات عبر الأنظمة الأساسية.

تجاوز تطبيق «ثريدز» 100 مليون مستخدم في أقل من 5 أيام من إطلاقه وتلاه فترة من الركود (شاترستوك)

التطلع إلى المستقبل... تحديات وفرص

على الرغم من وصوله إلى 175 مليون مستخدم نشط شهرياً، فإنه لا تزال أمام تطبيق «ثريدز» طريق طويلة قبل أن يتمكن من مطابقة قاعدة مستخدمي «X» أو تخطيها. وسيعتمد نجاح المنصة في المستقبل على قدرتها على الابتكار المستمر وتلبية احتياجات المستخدمين. علاوة على ذلك، فإن إمكانات «ثريدز» كأداة للتحديثات في الوقت الفعلي للفعاليات الرياضية والثقافية توفر وسيلة أخرى للنمو.

بلا شك، رحلة «ثريدز» المقبلة ستطرح تحديات لـ«ميتا»، ولكن مع استمرار مشاركة المستخدمين والتطوير الاستراتيجي، قد تتمكن «ثريدز» من احتلال مكان مهم في النظام البيئي في عالم وسائل التواصل الاجتماعي الواسع.