أزمة المياه العذبة تتفاقم في الدول العربية

نصف البشر يعانون من قلَّة الماء

الحصول على المياه النظيفة مهمة صعبة في اليمن... أهالي صنعاء يحصلون على ماء صالح للشرب من أحد الأنابيب الموصولة بخزان (إ.ب.أ)
الحصول على المياه النظيفة مهمة صعبة في اليمن... أهالي صنعاء يحصلون على ماء صالح للشرب من أحد الأنابيب الموصولة بخزان (إ.ب.أ)
TT

أزمة المياه العذبة تتفاقم في الدول العربية

الحصول على المياه النظيفة مهمة صعبة في اليمن... أهالي صنعاء يحصلون على ماء صالح للشرب من أحد الأنابيب الموصولة بخزان (إ.ب.أ)
الحصول على المياه النظيفة مهمة صعبة في اليمن... أهالي صنعاء يحصلون على ماء صالح للشرب من أحد الأنابيب الموصولة بخزان (إ.ب.أ)

يمثِّل توفُّر المياه النظيفة أمراً حيوياً لصحة الإنسان والصناعة والزراعة وتوليد الطاقة. ومع ذلك، تواجه أنظمة المياه العذبة في العالم تهديدات كبيرة بسبب الإدارة غير المستدامة، وتدهور النظام البيئي، وتغيُّر المناخ.  ويتعرَّض ما يصل إلى 4 مليارات شخص لظروف الإجهاد المائي لمدة شهر واحد على الأقل في السنة. كما تعاني النظم الطبيعية التي توفِّر المياه النظيفة وتخفف حدّة الفيضانات، من ضغوط مختلفة تؤدي إلى تقلُّصها بمعدلات مثيرة للقلق.

أزمة مائية غير مسبوقة

في جميع أنحاء العالم، يتجاوز الطلب على المياه ما هو متاح فعلياً. وخلال السنوات الستين الماضية ازداد الطلب على المياه بنسبة 100 في المائة، ومن المتوقع أن يزداد الطلب خلال العقود الثلاثة المقبلة بنسبة تصل إلى 30 في المائة.

ويرتبط ازدياد الطلب على المياه بزيادة أعداد السكان ونمو التصنيع والأنشطة البشرية الأخرى، مثل الزراعة المرويَّة، وتربية الثروة الحيوانية، وإنتاج الطاقة. وفي الوقت نفسه، يؤثِّر نقص الاستثمار في البنية التحتية للمياه، وسياسات استخدام المياه غير المستدامة وغير العادلة، وزيادة التقلُّبات بسبب تغيُّر المناخ على إمدادات المياه المتاحة.

ويقيس الإجهاد المائي (وهو نسبة الطلب على المياه إلى الإمدادات المتجددة) المنافسة على موارد المياه المحلية. وكلَّما ضاقت الفجوة بين العرض والطلب، أصبح المكان أكثر عرضة لنقص المياه. فالبلد الذي يواجه «الإجهاد المائي الشديد» يعني أنه يستخدم ما لا يقل عن 80 في المائة من إمداداته المتاحة، ويشير «الضغط المائي المرتفع» إلى أنه يسحب 40 في المائة من إمداداته.

ومن دون إجراءات فعّالة، مثل الاستثمار في البنية التحتية للمياه وتحسين إدارة المياه، سوف يستمر الإجهاد المائي في التفاقم؛ خصوصاً في البلدان التي تشهد نمواً سكانياً واقتصادياً سريعاً. وحتى الجفاف القصير الأمد سيعرِّض هذه البلدان لخطر نفاد المياه، وسيدفع الحكومات في بعض الأحيان إلى إيقاف إمداد المياه في الشبكة العامة، مثلما جرى سابقاً في بريطانيا والهند وإيران والمكسيك وجنوب أفريقيا.

ويعكس تقرير عن تقييم مخاطر ندرة المياه الذي صدر عن معهد الموارد العالمية (WRI) مؤخراً، الأزمة المائية غير المسبوقة التي تلقي بثقلها على بلدان كثيرة. وتشير البيانات الجديدة إلى أن 25 دولة، تضم ربع سكان العالم، تتعرض حالياً لإجهاد مائي مرتفع للغاية سنوياً. وبينما يعاني نصف سكان العالم من الإجهاد المائي لمدة شهر واحد على الأقل في السنة، ستطول المعاناة نحو 60 في المائة من سكان العالم في عام 2050.

ويذكر التقرير أن الدول الأكثر تعرضاً للإجهاد المائي في المنطقة حالياً، هي: البحرين، والكويت، ولبنان، وعُمان، وقطر، إلى جانب قبرص. ويُعزى الإجهاد المائي في هذه البلدان غالباً إلى انخفاض ما هو متاح من مياه بالمقارنة مع الطلب المائي لغايات الاستهلاك المنزلي والزراعي والصناعي. وفي حين تشمل القائمة أيضاً: تونس، والإمارات، واليمن، والعراق، ومصر، وليبيا، والأردن، والسعودية، وسوريا، من المتوقع أن يعيش جميع سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ظل إجهاد مائي مرتفع للغاية بحلول عام 2050.

ولا تمثّل قلّة المياه مشكلة بالنسبة للمستهلكين والصناعات التي تعتمد على المياه فحسب، ولكنها تهدد أيضاً الاستقرار السياسي والاجتماعي. ففي إيران -على سبيل المثال- تسببت عقود من سوء إدارة المياه والاستخدام غير المستدام للمياه لأغراض الزراعة في حصول احتجاجات واسعة، وهذا النوع من الاضطرابات سيشتد مع تفاقم الإجهاد المائي.

حلول قائمة على الطبيعة

يؤدي تغيُّر المناخ إلى تفاقم مشكلة ندرة المياه، ويزيد من حدَّة الفيضانات والجفاف، ويغيِّر أنماط هطول الأمطار، ويرفع مستوى سطح البحر. ويتفاقم الضرر في البلدان التي يعتمد اقتصادها بشكل كبير على الزراعة، لا سيما في حوض البحر المتوسط، والشرق الأوسط، وجنوب أفريقيا، وجنوب غربي الولايات المتحدة، وأجزاء من البرازيل وتشيلي وأستراليا.

ويذهب أكثر من 90 في المائة من المياه المستهلكة في العالم للزراعة، وجزء كبير منها يخصص لتربية المواشي. وتساعد الممارسات الشخصية في تقليل استنزاف المياه عن طريق إنقاص استهلاك اللحوم. فإنتاج 100 غرام فقط من اللحم البقري يستلزم أكثر من 1500 لتر من الماء في المتوسط، أي نحو عشرة أضعاف كمية المياه اللازمة لإنتاج كمية معادلة من البروتين النباتي. لذلك، قد يكون تعديل العادات الغذائية اليومية أفضل بكثير من الترشيد المباشر لاستهلاك المياه.

وتساعد الحلول التقنية لزيادة إنتاجية المحاصيل وتحسين كفاءة الري -مثل الزراعة العمودية والري الموضعي- في ترشيد استهلاك المياه العذبة. ومن منظور السياسات، يمكن لخفض الدعم الحكومي المخصص لمياه الري، في البلدان التي تعاني من قلَّة المياه ولا تواجه أزمات غذائية، أن يُحدِث فرقاً كبيراً.

وبعيداً عن الزراعة، تمثّل محطات الطاقة الحرارية أحد أكبر مستهلكي المياه حول العالم. وتعتمد هذه المحطات في توليد الكهرباء على استغلال الفرق في الحرارة بين مراجلها أو توربيناتها ودرجة الحرارة المحيطة. ومن أجل الحفاظ على هذا الفارق الحراري، تستخدم معظم محطات الطاقة كمية كبيرة من الماء للتبريد. ويساعد التحوُّل السريع إلى طاقة الرياح والطاقة الشمسية في جعل إنتاج الطاقة أكثر مرونة في مواجهة تغيُّر المناخ، وتقليل استخدام المياه في الوقت ذاته.

وما لم يحدث هذا التحوُّل، فقد يتسبب نقص المياه في انقطاعات في الطاقة كتلك التي شهدتها الهند بين عامي 2017 و2021. وكان نقص المياه اللازمة لتبريد محطات الطاقة الحرارية الهندية خلال تلك السنوات قد أدَّى إلى فقدان 8.2 تيراواط/ ساعة من الطاقة، أو ما يكفي من الكهرباء لإنتاج طاقة تزوّد 1.5 مليون أسرة هندية بالكهرباء لمدة 5 سنوات.

وفي الإمكان تعزيز البنية التحتية للمياه من خلال الحلول القائمة على الطبيعة والبنية التحتية الخضراء. فحماية الأراضي الرطبة واستعادتها مع شجيرات المانغروف والغابات لا تساعد في تحسين نوعية المياه، وبناء القدرة على الصمود في مواجهة الجفاف والفيضانات فحسب؛ بل يمكنها أيضاً توفير الأموال التي تُنفق على تكاليف معالجة المياه. ويمكن لهذه الحلول القائمة على الطبيعة أن تحقق نتائج إيجابية في مجال المناخ والمياه في البلدان غير القادرة على تحمل تكاليف إدارة المياه بشكل أفضل بمفردها.

ولا يؤدي الإجهاد المائي بالضرورة إلى أزمة مياه. فعلى سبيل المثال، تثبت أماكن مثل سنغافورة ومدينة لاس فيغاس الأميركية أن المجتمعات قادرة على الازدهار، حتى في ظل أكثر ظروف ندرة المياه، من خلال استخدام تقنيات مثل إزالة العشب المتعطش للمياه، وتحلية المياه، ومعالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها.

خفض البصمة المائية للشركات

ورغم أن الاتجاهات العالمية تشير إلى مزيد من الإجهاد المائي، فإن هناك أسباباً قد تدعو إلى التفاؤل. فأزمة المياه تتداخل بشكل كبير مع أزمات الكوكب الكبرى؛ لا سيما اضطرابات الأمن الغذائي ومشكلة تغيُّر المناخ وتدهور النظم الطبيعية. وهذه الأزمات موضع اهتمام عالمي متزايد، مما يعني أن أي تقدم منجز فيها سينعكس إيجاباً على أزمة المياه.

وفي إطار مسؤوليتها الاجتماعية، تعمل شركات كثيرة عابرة للدول على خفض بصمتها المائية، مثلما تفعل في بصمتها الكربونية. وكانت «شبكة الأهداف المستندة إلى العلوم»، وهي تحالف يضم منظمات غير ربحية ومؤسسات علمية، قد أصدرت في وقت سابق من هذا العام، إرشادات حول أين وكيف ينبغي للشركات أن تقلل من بصمتها المائية.

وتركِّز أهداف المياه العذبة المستندة إلى العلوم على قضيتين رئيسيتين، هما: استخدام المياه، وتحديداً السحب من المسطحات المائية والمياه الجوفية، وتلوُّث المياه العذبة الناتج عن النيتروجين والفوسفور. وهذه الضغوط ذات أولوية بسبب أهميتها لغالبية الشركات، وضرورتها في قطاعات وقضايا بيئية محددة.

وابتداءً من العام المقبل، سيفرض تشريع إعداد «تقارير استدامة الشركات» (CSRD) في الاتحاد الأوروبي على جميع الشركات الإبلاغ عن آثارها البيئية، بما في ذلك المياه. وستضمن القواعد الجديدة حصول المستثمرين وأصحاب المصلحة الآخرين على المعلومات التي يحتاجون إليها لتقييم تأثير الشركات على الناس والبيئة، كما ستضمن للمستثمرين تقييم المخاطر والفرص المالية الناشئة عن تغيُّر المناخ وقضايا الاستدامة الأخرى.

إن المياه عنصر أساسي في تحقيق الأهداف المناخية العالمية، وإطعام عدد متزايد من السكان، وتلبية احتياجات الناس الأساسية للبقاء على قيد الحياة. ويستلزم ذلك إعطاء الأولوية لقضايا المياه، ومعالجة أزماتها على نحو عاجل، كما هي الحال في التحوُّل المتسارع نحو مصادر الطاقة النظيفة. ورغم أن الحلول موجودة، فإنها تتطلب الإرادة السياسية والدعم المالي وتكثيف جهود الحكومات والمجتمعات والشركات، لبناء مستقبل مائي آمن للجميع.


مقالات ذات صلة

استنشاق هواء نيودلهي يعادل تدخين 50 سيجارة يومياً

يوميات الشرق رجل يركب دراجة نارية وسط ضباب كثيف بالقرب من نيودلهي (إ.ب.أ)

استنشاق هواء نيودلهي يعادل تدخين 50 سيجارة يومياً

مع تفاقم الضباب الدخاني السام الذي يلف نيودلهي هذا الأسبوع، فرضت السلطات في العاصمة الهندية مجموعة من القيود الأكثر صرامة على حركة المركبات والسكان.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
يوميات الشرق النسخة الأولى من المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير أقيمت في 2022 (واس)

السعودية تنظِّم «المعرض والمنتدى الدّولي لتقنيات التّشجير»

يهدف المعرض إلى الاستفادة من التّقنيات الحديثة في تشجير البيئات الجافة وتدهور الأراضي، وإتاحة منبرٍ لمناقشة المشكلات البيئية الحالية، والبحث عن حلول لها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق دجاج (أ.ف.ب)

الدجاجة أم البيضة؟ علماء يتوصلون أخيراً إلى إجابة لغز «من الذي جاء أولاً»

قالت صحيفة إندبندنت البريطانية إن علماء من جامعة جنيف قدموا، في دراسة، إجابة للغز الشائع «مَن الذي جاء أولاً الدجاج أم البيضة؟» استندت إلى اكتشاف كائن حي متحجر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من التحضيرات للجلسة الافتتاحية لقمة «مجموعة العشرين» في ريو دي جانيرو الاثنين (أ.ف.ب)

وزير البيئة السعودي: المملكة تركز على أهمية معالجة تحديات الأمن الغذائي

نوّه وزير البيئة والمياه والزراعة السعودي المهندس عبد الرحمن الفضلي، بريادة المملكة في دعم جهود «مجموعة العشرين»، لتحقيق أهداف تحديات الأمن الغذائي.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
الاقتصاد رئاسة «كوب 16» الرياض ستخصص منطقة خضراء لتنظيم 7 أيام للمحاور الخاصة لتحفيز العمل العالمي لمواجهة تحديات تدهور الأراضي والجفاف والتصحر (الشرق الأوسط)

تحديد 7 أيام في «المنطقة الخضراء» بـ«كوب 16» لتقديم حلول تدهور الأراضي

أعلنت رئاسة «كوب 16» عن إقامة منطقة خضراء وتنظيم 7 أيام للمحاور الخاصة، مشيرة إلى أن هذا البرنامج غير المسبوق يأتي في إطار الجهود التي تبذلها السعودية.

«الشرق الأوسط» (الرياض) «الشرق الأوسط» (الرياض)

دراسة: ارتفاع درجات الحرارة يزيد خطر الإصابة بالرجفان الأذيني

رجل يسكب الماء على رأسه أثناء موجة حر في هيوستن بولاية تكساس بالولايات المتحدة - 25 أغسطس 2023 (رويترز)
رجل يسكب الماء على رأسه أثناء موجة حر في هيوستن بولاية تكساس بالولايات المتحدة - 25 أغسطس 2023 (رويترز)
TT

دراسة: ارتفاع درجات الحرارة يزيد خطر الإصابة بالرجفان الأذيني

رجل يسكب الماء على رأسه أثناء موجة حر في هيوستن بولاية تكساس بالولايات المتحدة - 25 أغسطس 2023 (رويترز)
رجل يسكب الماء على رأسه أثناء موجة حر في هيوستن بولاية تكساس بالولايات المتحدة - 25 أغسطس 2023 (رويترز)

تشير دراسة جديدة إلى أن موجات الحر قد تزيد خطر الإصابة بالرجفان الأذيني، وهو اضطراب في ضربات القلب، إلى ضعفين أو 3 أضعاف، لا سيما إذا لم يكن القلب بصحة جيدة.

وتتبع الباحثون أكثر من 2000 شخص في أنحاء الولايات المتحدة، وقع الاختيار عليهم لأنهم زرعوا أجهزة تراقب نشاط القلب باستمرار. ومعظم هؤلاء يعانون من السمنة، ولديهم جميعاً ضعف في عضلة القلب، بصورة تجعلها تكافح لضخ ما يكفي من الدم إلى الجسم، وفق «وكالة رويترز للأنباء».

وعندما وصلت درجات الحرارة في الخارج إلى 39 درجة مئوية، زادت احتمالات الإصابة بنوبة من الرجفان الأذيني، بنحو 2.66 مرة مقارنةً بدرجات حرارة تتراوح بين 5 و8 درجات مئوية.

وارتفعت احتمالية الإصابة بالرجفان الأذيني لتصبح أعلى 2.87 مرة عند 40 درجة مئوية، و3.09 مرة عند 41 درجة.

ووجد الباحثون، الذين سيقدمون البيانات في اجتماعات جمعية القلب الأميركية، أن نوبات الرجفان الأذيني حدثت بمعدل أقل بين الساعة 12 صباحاً والسابعة صباحاً، مقارنة بساعات العمل الاعتيادية، من الثامنة صباحاً وحتى الخامسة مساء، وبمعدل أكبر في أيام الأسبوع مقارنةً بعطلات نهاية الأسبوع.

وتعقد جمعية القلب الأميركية جلسات علمية في مدينة شيكاغو، الفترة من 16 إلى 18 نوفمبر (تشرين الثاني).

وقال المتحدث باسم جمعية القلب الأميركية، الدكتور سانجاي راجاجوبالان من جامعة كيس وسترن ريزيرف في كليفلاند، الذي لم يشارك في الدراسة «نظراً للانتشار المتزايد للرجفان الأذيني بين عامة السكان بسبب التقدم في العمر وانتشار السمنة؛ فقد نضطر الآن أيضاً إلى التعامل مع ارتفاع درجات الحرارة».

وأضاف في بيان: «الأشخاص المهددون الذين يعيشون في مناطق معرضة لخطر الارتفاع الكبير في درجات الحرارة يجب أن يطلعوا على هذه النتائج، ويتأكدوا من اتخاذهم الاحتياطات اللازمة» للبقاء في أجواء باردة وتجنب الجفاف.