التلوُّث بالمواد البلاستيكية

اتفاق عالمي على الأهداف واختلاف في الحلول

تنظيف أحد الشواطئ من النفايات وقناني البلاستيك الفارغة في كولومبو بسريلانكا (أ.ف.ب)
تنظيف أحد الشواطئ من النفايات وقناني البلاستيك الفارغة في كولومبو بسريلانكا (أ.ف.ب)
TT

التلوُّث بالمواد البلاستيكية

تنظيف أحد الشواطئ من النفايات وقناني البلاستيك الفارغة في كولومبو بسريلانكا (أ.ف.ب)
تنظيف أحد الشواطئ من النفايات وقناني البلاستيك الفارغة في كولومبو بسريلانكا (أ.ف.ب)

يُنتِج العالم حالياً نحو 430 مليون طن من اللدائن البلاستيكية، ومع ذلك لا يُعاد تدوير سوى 9 في المائة منها، فيما تنتهي الكمية المتبقية في مكبّات النفايات والمسطحات المائية والأراضي الزراعية والأماكن المفتوحة. وتُقدِّر الأمم المتحدة أن بين 19 إلى 23 مليون طن من النفايات البلاستيكية تتسرب إلى البحيرات والأنهار والبحار سنوياً. وتُشير التقديرات أيضاً إلى أن كل شخص على هذا الكوكب يبتلع مع الماء والغذاء أكثر من 500 ألف جزيء بلاستيكي دقيق سنوياً، وقد تكون الكمية أكبر بكثير إذا احتُسِبت الجزيئات المعلّقة في الهواء.

ولا تزال المخاطر الصحية والبيئية للمخلّفات البلاستيكية موضع بحث علمي، رغم وجود الكثير من المؤشرات على أضرارها المتزايدة وانتشارها في العديد من الأوساط، حيث جرى العثور على جزيئات بلاستيكية في مناطق نائية مثل قيعان المحيطات وذرى الجبال والمناطق القطبية. ويمكن لابتلاع الجزيئات البلاستيكية واستنشاقها أن يسبب مشكلات صحية للكائنات الحية، تشمل انسداد الأمعاء والاختناق والتسمم والربو والتهاب الشُعب الهوائية. كما أن المركّبات الكيميائية التي تُضاف إلى اللدائن تحتوي مواد سامّة، يسبب بعضها السرطان ومشكلات في الإنجاب والنمو.

وعندما يُحرق البلاستيك تتحرر عنه ملوّثات ضارة في الهواء، مثل الديوكسينات والفيوران، تسبب أمراضاً خطيرة ومصاعب في الجهاز التنفسي. ومن الناحية الفيزيائية، تؤدي المخلّفات البلاستيكية إلى تشويه المنظر العام، وتقيّد حركة الحيوانات، وتعرقل الأنشطة الزراعية. وخلال دورة حياة المنتجات البلاستيكية، من التصنيع إلى التخلُّص أو التدوير، تنتج عنها انبعاثات كربونية تساهم في تغيُّر المناخ العالمي.

وفي مقابل ذلك، لا يمكن إنكار فوائد البلاستيك التي تجعل التخلي عنه أمراً صعب المنال. فهو مادة خفيفة سهلة التشكيل، متينة وزهيدة الثمن. وهو يدخل في الصناعات الطبيّة وتغليف الأغذية لكفاءته في حماية المواد من التلوُّث الخارجي. كما يحافظ البلاستيك على نضارة ونكهة ما يُخزّن به من طعام وشراب، وهو الوسيلة المفضلة لتخزين المنتجات الكيميائية، لا سيما مواد التنظيف. وفوق كل ذلك، تشكّل المنتجات البلاستيكية بدائل عملية تساهم في خفض استنزاف الموارد الطبيعية كالأشجار والثروات المعدنية.

ويمكن اعتبار البلاستيك لاعباً أساسياً في حماية الصحة العامة منذ جرى تسويقه تجارياً قبل أقل من مائة عام. وأظهرت السياسات الصحية التي انتهجتها العديد من الدول المتقدمة خلال جائحة كورونا الدور الهام للمنتجات البلاستيكية في مواجهة انتشار الوباء. ومع ذلك، يبقى الاستخدام غير الرشيد للمنتجات البلاستيكية وتراكم مخلّفاتها في الطبيعية مصدر قلق واهتمام عالمي.

وكانت 193 دولة وافقت في مارس (آذار) 2022 على إنهاء التلوُّث بالبلاستيك، وإجراء مفاوضات حول اتفاقية ملزمة قانوناً بحلول 2024. واستضاف برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) في نهاية مايو (أيار) 2023 جولة مفاوضات ثانية للوصول إلى نهج شامل يعالج دورة الحياة الكاملة للبلاستيك، ويلحظ التلوُّث الذي يطال المحيطات.

أهداف قابلة للتحقيق

وأشار تقرير، صدر مؤخراً عن «يونيب» في إطار التحضير لجولة المفاوضات الثانية، إلى قدرة العالم على خفض التلوُّث البلاستيكي بنسبة 80 في المائة بحلول عام 2040. وأن التغييرات المطلوبة لتحقيق ذلك كبيرة، لكنها عملية وذات تكاليف معقولة. ويقترح التقرير أولاً التخلي عن المواد البلاستيكية غير الضرورية، كمواد التغليف المفرطة. ويدعو إلى زيادة إعادة استخدام المنتجات البلاستيكية، كالعبوات القابلة لإعادة الملء، كما يدعم إعادة تدوير واستبدال بدائل صديقة للبيئة بالبلاستيك.

ويتوقع تقرير «يونيب» أن تجلب التغييرات المقترحة، من الآن وحتى 2040، عوائد إجمالية تبلغ ثلاثة تريليونات دولار، عبر تقليل الأضرار التي تسببها المواد البلاستيكية للصحة والمناخ والبيئة. وتشير التقديرات إلى أن مثل هذا التحوُّل، مدفوعاً بالسياسات الحكومية والتغيُّرات في صناعة البلاستيك، يمكنه خفض التلوُّث البلاستيكي إلى حوالي 40 مليون طن في عام 2040، بدلاً من 227 مليونا إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء.

وإلى جانب إعادة الاستخدام وتبنّي مواد بديلة صديقة للبيئة، يقترح التقرير فرض ضرائب على البلاستيك البكر وإلغاء دعم الوقود الأحفوري لجعل إعادة التدوير أكثر جاذبية من الناحية الاقتصادية مقارنة بإنتاج البلاستيك الجديد. ومن المهم أيضاً فرض إرشادات حول التغليف لزيادة قابلية المنتجات لإعادة التدوير.

وفي مجال تغيُّر المناخ، يتوقع التقرير أن الخفض بنسبة 80 في المائة سيمنع انبعاث 500 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً، وهي كمية تعادل انبعاثات كندا. وسيؤدي هذا التحوُّل إلى زيادة صافية في قطاعات الأعمال المختلفة تصل إلى 700 ألف وظيفة بحلول عام 2040، معظمها في البلدان المنخفضة الدخل.

ويرى كثيرون أن تقديرات «يونيب» في تقريره الأخير مفرطة بالتفاؤل، وهي تقدّم عدداً من البدائل غير المثبتة، بحيث تبدو عملية وسهلة التطبيق. ويشير «تحالف علماء من أجل معاهدة بلاستيك فعّالة» (SCEPT)، الذي يضم 200 عالِم تمت دعوتهم للتعليق على التقرير قبل نشره، إلى أن مخاوفهم وانتقاداتهم جرى تجاهلها. ومن بين هذه المخاوف ما يتعلّق بإدراج إعادة التدوير الكيميائي كحلّ مؤقت محتمل، رغم عدم الاعتراف به كإدارة سليمة بيئياً بموجب اتفاقية بازل.

وبينما يبني تقرير «يونيب» آماله على تحقيق خفض بنسبة 80 في المائة في التلوُّث البلاستيكي مع «الاقتصاد البلاستيكي الجديد» المقترح، فإن هذا الرقم لا يمثّل انخفاضاً حقيقياً بل تضييقاً لنطاق وتعريف ما يُعد تلوُّثاً بلاستيكياً من منظور دورة الحياة الكاملة. وقد تجاهل التقرير حساب العناصر الأخرى للتلوُّث البلاستيكي، مثل الانبعاثات السامة وانبعاثات غازات الدفيئة خلال مراحل تصنيع المنتجات البلاستيكية الأولى.

كما أصدرت منظمة «غرينبيس» تحذيراً من أن البلاستيك المعاد تدويره قد يكون أكثر سميّة ولا يصلح للاستخدام بسبب تلوُّثه. وتخلص المنظمة الدولية، في تقرير ضمّ مجموعة من الأبحاث حول مخاطر تدوير البلاستيك، إلى أن البلاستيك بطبيعته غير متوافق مع الاقتصاد الدائري.

ويقول التقرير إن البلاستيك المعاد تدويره يحتوي غالباً مستويات أعلى من المواد الكيميائية، مثل مثبطات اللهب السامة والبنزن والديوكسينات والكلور والعديد من الملوّثات البيئية والمواد المسرطنة وعوامل اختلال الغدد الصماء التي يمكنها التسبب بتغيُّرات في مستوى الهرمونات الطبيعية في الجسم. وتقوم الدول الغنية بتصدير نفايات البلاستيك إلى الدول الفقيرة لإعادة تدويرها، وهي ممارسة حاولت التعديلات الأخيرة على اتفاقية بازل وضع شروط صارمة لها وتقييدها.

من المتوقع أن يتضاعف إنتاج البلاستيك عالمياً ثلاث مرات بحلول 2060. وفيما تتباين الآراء حول طرق معالجة التلوُّث البلاستيكي، يتفق الجميع على ضرورة ترشيد استهلاك المنتجات البلاستيكية، وإعادة استخدامها كلّما كان ذلك ممكناً، ودفع عجلة البحث العلمي نحو إيجاد حلول فعّالة ومجدية للتخلص من نفاياتها.


مقالات ذات صلة

تحركات دولية تقودها السعودية لمكافحة التغيّر المناخي وتدهور الأراضي

الاقتصاد مسؤولون من رئاسات النسخ الثلاث المقبلة لـ«مؤتمر الأطراف»... (الشرق الأوسط)

تحركات دولية تقودها السعودية لمكافحة التغيّر المناخي وتدهور الأراضي

اجتمعت رئاسات النسخ الثلاث المقبلة من «مؤتمر الأطراف» وهي السعودية وأذربيجان وكولومبيا؛ لتحديد إطار طموحاتها المتعلقة بالاتفاقيات الثلاث لـ«مبادرة ريو البيئية».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الخليج جانب من فعالية «الطريق إلى الرياض» التي نظمتها المملكة في نيويورك (واس)

وزير الخارجيةالسعودي يفتتح فعالية «الطريق إلى الرياض» في نيويورك

افتتح الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، الخميس، الفعالية رفيعة المستوى تحت عنوان «الطريق إلى الرياض»، التي نظمتها المملكة في نيويورك.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية رئيس وفد المملكة والمهندس عبد الرحمن الفضلي وزير البيئة والمياه والزراعة خلال جلسة «الطريق إلى الرياض» («الشرق الأوسط»)

السعودية تدعو المجتمع الدولي للمشاركة الفاعلة في «كوب 16» بالرياض

شدّدت السعودية، الخميس، على أهمية تعزيز التعاون الدولي على الأصعدة كافة لمواجهة التحديات البيئية، ومضاعفة الجهود للحد من تدهور الأراضي، وتقليل أثار الجفاف.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية هذا الصيف في أوروبا (أرشيفية - رويترز)

صيف 2024 الأكثر حرارة على الإطلاق في جنوب شرقي أوروبا

أفاد تقييم أولي لخدمة «كوبرنيكوس» للتغير المناخي التابعة للاتحاد الأوروبي، بأن درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية هذا الصيف في منطقة جنوب شرقي أوروبا.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق اكتشاف صفيحة تكتونية جديدة يبلغ عمرها 120 مليون عام (جامعة أوترخت الهولندية)

اكتشاف جزء مفقود من الأرض منذ زمن طويل في «بورنيو»

يُجري الخبراء باستمرار اكتشافات جديدة عن كوكبنا ما بين العثور على قارات مفقودة منذ مئات السنين إلى اكتشاف محيطات شاسعة مخفية تحت قشرة الأرض.

«الشرق الأوسط» (لندن)

صيف 2024 الأعلى حرارة على الإطلاق

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة في كاليفورنيا (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة في كاليفورنيا (رويترز)
TT

صيف 2024 الأعلى حرارة على الإطلاق

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة في كاليفورنيا (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة في كاليفورنيا (رويترز)

أعلنت خدمة مراقبة تغير المناخ، التابعة للاتحاد الأوروبي، (الجمعة)، أن العالم مرّ بأشد فصول الصيف سخونةً في نصف الكرة الأرضية الشمالي منذ بدء تسجيل درجات الحرارة، وسط ازدياد الاحتباس الحراري، وفقاً لوكالة «رويترز».

وذكرت خدمة «كوبرنيكوس» للتغير المناخي، في نشرة شهرية، أن الصيف في نصف الكرة الأرضية الشمالي من يونيو (حزيران) إلى أغسطس (آب) هذا العام تجاوز الصيف الماضي، ليصبح الأشد حرارة في العالم.

وتزيد الحرارة الاستثنائية احتمالات أن يتجاوز عام 2024 عام 2023 ليصبح الأعلى حرارة على الإطلاق على كوكب الأرض.

وقالت سامانثا بورجيس، نائب مدير الخدمة: «خلال الأشهر الثلاثة الماضية، شهد العالم بين شهرَي يونيو وأغسطس درجات الحرارة الأعلى والأكثر سخونة، واليوم الأكثر سخونة على الإطلاق، والصيف الأعلى حرارة في نصف الكرة الأرضية الشمالي على الإطلاق».

عامل يشرب الماء بموقع بناء وسط ارتفاع درجات الحرارة في لوس أنجليس (رويترز)

وأضافت أنه ما لم تعمل الدول على خفض انبعاثاتها المسببة لارتفاع درجة حرارة الكوكب بشكل عاجل، فإن الطقس المتطرف «سيصبح أكثر حدة». وتشكل الانبعاثات الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري السبب الرئيسي لتغير المناخ.

وواصل تغير مناخ الكوكب مفاقمة الكوارث هذا الصيف. ففي السودان، تسببت الفيضانات الناجمة عن الأمطار الغزيرة الشهر الماضي في إلحاق أضرار بأكثر من 300 ألف شخص، وأدت إلى انتشار الكوليرا في البلاد التي مزقتها الحرب.

وتعود بيانات خدمة «كوبرنيكوس» لعام 1940، وقارنها العلماء ببيانات أخرى للتأكد من أن هذا الصيف كان الأكثر سخونة منذ فترة ما قبل الصناعة في عام 1850.

الصين وحرّ أغسطس

بدورها، سجّلت الصين هذا العام أكثر أشهر أغسطس حراً منذ عام 1961، وفق ما أعلنت هيئة الأرصاد الجوية الوطنية.

وقالت هيئة الأرصاد الجوية: «في أغسطس، شهدت الصين درجات حرارة مرتفعة جداً، ولفترات طويلة»، مضيفة أن «متوسط درجة الحرارة على الصعيد الوطني كان الأعلى للفترات نفسها منذ عام 1961».

وبلغ متوسط درجة الحرارة في كل أنحاء البلاد 22.6 درجة في أغسطس، أي أعلى بمقدار 1.5 درجة من الفترة نفسها من العام الاعتيادي، وفق ما أوضحت الهيئة (الخميس).

وقال جيا شيالولونغ، نائب مدير المركز الوطني للمناخ: «شهدت المناطق الشمالية عواصف رعدية متكررة ومدمّرة، في حين شهدت المناطق الجنوبية موجات حر طويلة».

وتعد الصين أكبر مصدر لانبعاثات غازات الدفيئة، من حيث القيمة المطلقة، التي تسهم في هذا الاضطراب المناخي. وتعهّدت بلوغ ذروة الانبعاثات بحلول عام 2030 وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060.