فرنسا: ساركوزي كان «صاحب القرار الفعلي» في الصفقة المبرمة مع القذافي

الرئيس الفرنسي حينها نيكولا ساركوزي يصافح الزعيم الليبي معمر القذافي لدى وصول الأول في زيارة رسمية إلى ليبيا في 25 يوليو 2007 (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي حينها نيكولا ساركوزي يصافح الزعيم الليبي معمر القذافي لدى وصول الأول في زيارة رسمية إلى ليبيا في 25 يوليو 2007 (أ.ف.ب)
TT
20

فرنسا: ساركوزي كان «صاحب القرار الفعلي» في الصفقة المبرمة مع القذافي

الرئيس الفرنسي حينها نيكولا ساركوزي يصافح الزعيم الليبي معمر القذافي لدى وصول الأول في زيارة رسمية إلى ليبيا في 25 يوليو 2007 (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي حينها نيكولا ساركوزي يصافح الزعيم الليبي معمر القذافي لدى وصول الأول في زيارة رسمية إلى ليبيا في 25 يوليو 2007 (أ.ف.ب)

أكّدت النيابة الوطنية المالية في مرافعاتها، الاثنين، خلال محاكمة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي في باريس في قضية الأموال الليبية أن الأخير كان «صاحب القرار والراعي الفعلي» لصفقة الفساد التي أبرمها معاونان له مع القذافي سنة 2005 قبل انتخابه.

وقدّم المدّعي المالي كانتان دادوي عرضاً تفسيرياً طويلاً مرفقاً بتسلسل زمني للأحداث لتبيان كيف عقد المعاونان المقرّبان من ساركوزي، كلود غيان وبريس أورتوفو، صفقة يشوبها الفساد في طرابلس، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال إن «إيفاد المعاونين هو دليل على انخراطه (ساركوزي) الكامل كصاحب القرار ولهذا السبب لن نعثر يوماً على أثر خطّي لأيّ توجيه»، مطالباً بإدانة ساركوزي ومعاونيه اللذين لم يحضرا جلسة الاثنين بالفساد وتشكيل عصابة إجرامية.

«انتقام»

تعود القضية إلى أواخر عام 2005 حين كان ساركوزي وزيراً للداخلية، وهو متهم بأنه عقد بمساعدة قريبين منه هما مدير مكتبه آنذاك كلود غيان والوزير السابق بريس أورتوفو «اتفاقاً يشوبه الفساد» مع القذافي الذي أطاحته ثورة دعمها حلف شمال الأطلسي في 2011، من أجل أن «يدعم» مالياً حملته للوصول إلى قصر الإليزيه.

ويحاكم ساركوزي مع 11 شخصاً آخر في هذه القضية بتهم الفساد وحيازة أموال عامة مختلسة وتمويل غير مشروع لحملته والانتماء إلى عصابة إجرامية، ويواجه عقوبة بالسجن عشر سنوات وغرامة مقدارها 375 ألف يورو، فضلاً عن الحرمان من الحقوق المدنية (ومن ثم عدم الأهلية للترشح لانتخابات) لمدّة تصل إلى خمس سنوات.

وينفي ساركوزي كلّ الاتهامات، ويؤكد أنّها ليست سوى «انتقام» من قبل الليبيين لدعمه الثورة ضد القذافي الذي قُتل في أكتوبر (تشرين الأول) 2011.

ويقول الادعاء إنّ «الاتفاق» مع القذافي تم في خريف 2005 في طرابلس وتحديداً في خيمة الزعيم السابق الذي كان يعرف بتوزيعه الأموال بسخاء على زواره الأجانب.

وكان ساركوزي في ذلك الحين وزيراً شديد الطموح وطاغي الحضور في الإعلام، واضعاً نصب عينيه قصر الإليزيه. وكان الهدف الرسمي لزيارته إلى ليبيا موضوع الهجرة غير القانونية.

ولم يتمكن الادعاء من تحديد مبلغ دقيق للتمويل المشتبه به، لكن بعد عشر سنوات من التحقيق ظهرت «مجموعة قرائن» أقنعت قضاة التحقيق بوجود هذا الدعم المالي.

واستند القضاة بصورة خاصة إلى تصريحات سبعة مسؤولين ليبيين سابقين وزيارات قام بها غيان وأورتوفو إلى ليبيا بعيداً عن الإعلام، وتحويلات مشبوهة ومدونات وزير النفط الليبي السابق شكري غانم الذي عثر على جثته في نهر الدانوب في 2012.

«تلميع صورة»

وفي مقابل هذا التمويل، يعتقد المحققون أن القذافي حصل على تلميع صورته في العالم، إذ استقبله ساركوزي بحفاوة بعيد انتخابه رئيساً، في زيارة مثيرة للجدل لباريس كانت الأولى منذ ثلاثة عقود.

كما انعكس الاتفاق في توقيع عقود ضخمة وتقديم مساعدة قضائية لعبد الله السنوسي مدير الاستخبارات الليبية المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة غيابياً في فرنسا لدوره في الاعتداء على طائرة «دي سي - 10» التابعة لشركة «يوتا» الفرنسية عام 1989 الذي أودى بحياة 170 شخصاً بينهم 54 فرنسياً.

وبين المتهمين، وزير الميزانية السابق وأمين صندوق حملة ساركوزي الانتخابية إريك وورت، ورجلان يملكان خبرة في المفاوضات الدولية الموازية، هما رجل الأعمال الفرنسي الجزائري ألكسندر جوهري، والفرنسي اللبناني زياد تقي الدين الذي فرّ إلى لبنان.

«أكاذيب وألاعيب»

وكان المدّعي المالي الثاني فيليب جيغليه قد وصف في كلمة استهلالية في جلسة الاثنين الصفقة بأنها «لا يمكن تصوّرها، غير معقولة وغير لائقة» لأنها «أبرمت مع نظام سفّاح بهدف دعمه مادياً حملة من أصبح لاحقاً رئيس فرنسا».

وأردف أنه كان من الممكن أن تتسبّب هذه الصفقة في «الإخلال بنتائج» الانتخابات الرئاسية لعام 2007 و«المساس بسيادة فرنسا ومصالحها».

وأكّد: «فيما كان ساركوزي (70 عاماً) يدوّن ملاحظات والتوتّر بادٍ عليه أن النيابة الوطنية المالية لم يكن لها موقف محسوم من هذه القضيّة، لكن المداولات الممتدّة 10 أسابيع التي تخلّلتها تفسيرات مثيرة للعجب من ثلاثة وزراء سابقين والرئيس السابق، عزّزت وحوّلت موقفنا إلى قناعة ثابتة».

وأشار جيغليه إلى أن هذه القضيّة كانت «مشحونة بالأكاذيب والتدخّلات والألاعيب»، لا سيّما من الرئيس السابق بغرض عرقلة التحقيق وكان لا بدّ من «نزع الألغام وتبيان الحقائق».


مقالات ذات صلة

رسائل بارجة الأسطول السادس الأميركي لفرقاء ليبيا

شمال افريقيا عسكريون بغرب ليبيا يرحبون بقائد الأسطول السادس للبحرية الأميركية (السفارة الأميركية)

رسائل بارجة الأسطول السادس الأميركي لفرقاء ليبيا

أربكت زيارة البارجة الأميركية «ماونت ويتني» كثيراً من الليبيين الذين تساءلوا عن مغزى إبحارها للبلاد، واستعادوا «ذكريات سيئة» تتعلق بالأسطول السادس الأميركي.

جمال جوهر (القاهرة)
خاص صدام مستقبلاً الجميل في بغداد (أرشيف الرئيس أمين الجميل) play-circle 02:18

خاص أمين الجميل: حاولت بطلب من صدام إبعاد شبح الحرب الأميركية على العراق

يروي أمين الجميل في الحلقة الأخيرة من مقابلته مع «الشرق الأوسط» قصة لقاءات سرية مع صدام والقذافي، وسط صراع إقليمي أعاد تشكيل لبنان والمنطقة.

غسان شربل (بيروت)
شمال افريقيا الرئيس الليبي الراحل معمّر القذافي (إ.ب.أ)

ما «ضريبة الجهاد» التي أٌقرت في عهد القذافي وألغتها محكمة ليبية؟

حرَّك المواطن الليبي علي السنوسي مناع، الذي يعمل بوزارة التربية التعليم دعوى قضائية طالب فيها بإلغاء اقتطاع مبلغ من راتبه لحساب صندوق «ضريبة الجهاد».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا أبو عجيلة المريمي ضابط الاستخبارات الليبية السابق (أرشيفية - رويترز)

عائلة المتهم بتفجير «لوكربي»: نختصم الدبيبة دولياً لتسهيله خطف أبو عجيلة

قال عبد المنعم المريمي، ابن شقيق أبو عجيلة، ضابط الاستخبارات الليبي، إنهم «سيُحركون دعاوى قضائية بمحاكم دولية الأيام المقبلة، يختصمون الدبيبة والمنقوش».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا عائشة القذافي (وكالة الأنباء الليبية)

عائشة القذافي تناشد الرئيس اللبناني الإفراج عن شقيقها هانيبال

قالت عائشة معمر القذافي: «أعوِّل على الرئيس اللبناني وحكومة بلده وكل قواها الحية بالدفع باتجاه تطبيق العدالة والاستماع إلى لغة العقل، للإفراج عن أخي».

جمال جوهر (القاهرة)

ماذا نعرف عن اتفاق المعادن بين واشنطن وكييف؟

واشنطن وكييف توقعان اتفاقاً لاستغلال المعادن والنفط والغاز في أوكرانيا (أ.ف.ب)
واشنطن وكييف توقعان اتفاقاً لاستغلال المعادن والنفط والغاز في أوكرانيا (أ.ف.ب)
TT
20

ماذا نعرف عن اتفاق المعادن بين واشنطن وكييف؟

واشنطن وكييف توقعان اتفاقاً لاستغلال المعادن والنفط والغاز في أوكرانيا (أ.ف.ب)
واشنطن وكييف توقعان اتفاقاً لاستغلال المعادن والنفط والغاز في أوكرانيا (أ.ف.ب)

وقّعت واشنطن وكييف الأربعاء اتفاقاً لاستغلال المعادن والنفط والغاز في أوكرانيا. وتقول الإدارة الأميركية إنّ الاتفاق يهدف إلى التعويض عن «المساعدات المالية والمادية الكبيرة» التي قدّمتها لأوكرانيا للدفاع عن أراضيها منذ بدء الغزو الروسي في فبراير (شباط) 2022.

وجاء هذا الاتفاق بعد أسابيع من التوترات التي طغت على العلاقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في أعقاب مشادة كلامية حادة بين الاثنين عرقلت التوقيع على الاتفاق في ذلك الوقت.

في ما يلي أبرز المعلومات بشأن هذا النص الذي نشرته الحكومة الأوكرانية، والذي لا يحتوي على أي ضمانات أمنية أميركية لأوكرانيا.

مفاوضات صعبة

لطالما طالب الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتعويض عن المساعدات العسكرية والمالية التي قدّمتها بلاده لأوكرانيا منذ بدء الحرب الروسية قبل ثلاث سنوات.

وقدّر المبلغ المُستحق على كييف بنحو 500 مليار دولار؛ أي أكثر بأربعة أضعاف من المساعدات المقدّمة إلى الآن، والتي تبلغ نحو 120 مليار دولار، وفقاً لمعهد كيل الألماني.

وكان زيلينسكي رفض مسوّدة سابقة للاتفاق بشأن الموارد الطبيعية الأوكرانية؛ إذ ستضطرّ «عشرة أجيال من الأوكرانيين» إلى دفع ثمنها.

وكان من المقرّر أن يوقّع نسخة أخرى من الاتفاق في 28 فبراير في البيت الأبيض، لكنّ المشادّة الكلامية غير المسبوقة التي جرت بينه وبين ترمب ونائبه جي دي فانس أمام الكاميرات، أدّت إلى مغادرته وإلغاء التوقيع.

وفي أعقاب ذلك، طرحت واشنطن نسخة جديدة وصفتها وسائل إعلام وخبراء بأنها غير مناسبة لكييف. وتضمّنت إشارة إلى كافّة المساعدات العسكرية الأميركية التي قدمها جو بايدن، على شكل دين أوكراني.

وبعد أسابيع من المفاوضات المتوترة، وقّعت الدولتان أخيراً على الاتفاق الأربعاء. وقبل التوقيع، رحّب رئيس الحكومة الأوكرانية دينيس شميغال بـ«اتفاق دولي عادل حقاً بين الحكومتين الأميركية والأوكرانية».

كذلك، قال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، إنّ بلاده لديها «فرصة للمشاركة وللحصول على... تعويض» مقابل المساعدات المقدّمة لأوكرانيا.

كيف يعمل الاتفاق؟

يتعيّن على الدولتين إنشاء صندوق استثمار بحصص متساوية لإعادة إعمار أوكرانيا. وستساهم أوكرانيا في العائدات من التراخيص «الجديدة» للمواد الخام (النفط والغاز والمعادن النادرة)، مع الاحتفاظ بالسيطرة على جميع مواردها الطبيعية والبنية التحتية.

ويغطي الاتفاق 57 نوعاً من الموارد المعدنية، بما في ذلك الغاز والنفط والتيتانيوم والليثيوم والمعادن الأرضية النادرة.

وفي حين يعترف الاتفاق بـ«دعم مالي» كبير قدمته الولايات المتحدة لأوكرانيا منذ عام 2022، فإنّه لا يذكر أي دين يجب سداده مقابل هذه المساعدات. ولكنه ينص على أن المساعدات العسكرية الأميركية الجديدة ستُحسب بمثابة مساهمة في الصندوق.

وقالت كييف إن أرباح الصندوق ستتم إعادة استثمارها داخل البلاد.

وينص الاتفاق أيضاً على أن أحكامه لا ينبغي أن تمنع أوكرانيا من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، على أن يتم تقديمه إلى البرلمان الأوكراني للتصديق عليه.

ما هي الموارد الطبيعية الموجودة في أوكرانيا؟

وفق تقديرات مختلفة، فإنّ أوكرانيا وحدها تحتوي على نحو 5 في المائة من الموارد المعدنية في العالم، ولكنّها ليست مستغلّة أو قابلة للاستغلال بسهولة. ويقع بعض هذه الموارد في مناطق تحتلّها روسيا.

وتحتل أوكرانيا المرتبة الأربعين بين الدول المنتجة للمعادن في الفئات مجتمعة (بما في ذلك الفحم)، وفقاً لـ«وورلد ماينينغ داتا» (World Mining Data) في عام 2024.

وتوجد في أوكرانيا ثلاثة معادن استراتيجية، وهي: المانغنيز (ثامن أكبر منتِج في العالم)، والتيتانيوم (المنتِج الـ11 في العالم)، والغرافيت (المنتِج الـ14 في العالم) الضروري للبطاريات الكهربائية.

وفي ما يتعلق بالمعدن الأخير، يقول المكتب الفرنسي للأبحاث الجيولوجية والمعدنية إنّ «20 في المائة من الموارد العالمية المقدّرة» تتركز في أوكرانيا.

ويشير إلى أنّ أوكرانيا «واحدة من الدول الرئيسية في أوروبا من حيث إمكانية» استغلال الليثيوم الضروري أيضاً للبطاريات؛ إذ إنّها أحد أكبر احتياطات الليثيوم في القارّة، ولكن لم يتم استغلالها بعد.

ومن ناحية أخرى، لا تشتهر أوكرانيا بشكل خاص باحتياطاتها من المعادن النادرة، وهي فئة محدّدة للغاية من 17 معدناً أساسياً للاقتصاد العالمي (طائرات من دون طيار وطواحين هواء ومحرّكات كهربائية...).

ضمانات أمنية؟

أكدت أوكرانيا مراراً أنّ أي اتفاق بشأن مواردها الطبيعية يجب أن يتضمن ضمانات أمنية قوية وطويلة الأمد لردع موسكو عن مهاجمتها. غير أن الاتفاق الذي تم توقيعه لا يذكر أي التزامات أمنية أميركية محددة.

وبينما كانت وزارة الخزانة الأميركية قد رحّبت بالاتفاق، فقد قالت في بيان إنّه جاء «اعترافاً بالدعم المالي والمادّي الكبير الذي قدّمه شعب الولايات المتّحدة لأوكرانيا منذ الغزو الروسي الواسع النطاق».

وتعتبر عبارة: «منذ الغزو الروسي الواسع النطاق» التي أضافتها الوزارة، أمراً نادر الحدوث من جانب واشنطن؛ نظراً للتقارب بينها وبين موسكو منذ عودة ترمب إلى البيت الأبيض.

وقال وزير الخزانة إنّ الاتفاق يظهر أنّ «للولايات المتحدة مصلحة اقتصادية في أوكرانيا»، مضيفاً في حديث لشبكة «فوكس نيوز» أنّ «هذه إشارة للقيادة الروسية».