«الداتا»... الصراع الجيوسياسي العالمي الجديد

شريحة معالج مركزي من أشباه الموصلات بين علمَي الصين والولايات المتحدة (رويترز)
شريحة معالج مركزي من أشباه الموصلات بين علمَي الصين والولايات المتحدة (رويترز)
TT
20

«الداتا»... الصراع الجيوسياسي العالمي الجديد

شريحة معالج مركزي من أشباه الموصلات بين علمَي الصين والولايات المتحدة (رويترز)
شريحة معالج مركزي من أشباه الموصلات بين علمَي الصين والولايات المتحدة (رويترز)

مَن يملك الثروة والقوة يُقرر مصير العالم. ومَن يملك ويتحكّم في مواد صنع الثروة يتحكّم في مصير من يسعى إلى الهيمنة على العالم. تُقاس عناصر قوّة الدولة بأربعة أبعاد هي: السياسة، والاقتصاد، والقوة العسكرية، وأخيراً وليس آخراً القوّة التكنولوجية بكل ما تملك من أبعاد. وعند الحديث عن التكنولوجيا، لا نعني بالضبط الداتا، وكيفيّة تجميعها، والتحكّم بها، ومعالجتها وتحويلها إلى معرفة للاستعمال بهدف إنتاج الثروة وبالتالي تجميع القوّة.

فكلمة «تكنولوجيا» هي من أصل يوناني. وهي مركّبة من كلمتين: «تكنو» تعني الحرفة. و«لوجيا» تعني المهارة. عند العرب كانت تعني علم الحِيل.

بكلام آخر، كانت التكنولوجيا موجودة منذ العصر الحجري عندما حوّل الإنسان الحجر الصوّاني إلى خنجر، وصولاً إلى السوبر - حاسوب، مروراً بالثورة الصناعيّة، وستبقى.

ترمب يوقّع قرارات تنفيذية في البيت الأبيض 23 يناير 2025 (رويترز)
ترمب يوقّع قرارات تنفيذية في البيت الأبيض 23 يناير 2025 (رويترز)

بين الماضي والحاضر

تبدأ الثورات التكنولوجيّة في مكان معيّن، بعدها تبدأ عملية الانتشار (proliferation). لكن سرعة الانتشار في الماضي مع الثورة الصناعية مثلاً، كانت كانتشار رقعة الزيت؛ بطيئة، ارتكزت أكثر ما ارتكزت على الاستعمار. أما الثورة التكنولوجية الحديثة، التي بدأت في الولايات المتحدة الأميركية في الخمسينات، فقد انتشرت بسرعة لم يسبق لها مثيل. يعود هذا الأمر إلى العولمة، والحرب الباردة، كما الانتشار الأميركيّ من خلال تقسيمها العالم إلى مناطق عسكريّة، كـ«القيادة الأوروبية» مثلاً خلال الحرب الباردة. وبسبب هذا الانتشار السريع، ظهرت في العالم ثورات تكنولوجية كثيرة، وفي الوقت نفسه يتعاون ويتنافس بعضها مع بعض. هي مترابطة ومتباعدة. فعلى سبيل المثال تتعاون أميركا مع تايوان جيوسياسياً، وفي مجال تصنيع أفضل شرائح ذكيّة في العالم. لكنها، أي أميركا، تتنافس مع الصين التي تريد ضمّ تايوان، كما تريد رسم منطقة نفوذ حولها خصوصاً جنوب بحر الصين.

حفلة تنصيب ترمب

يمكن تصنيف كلمة الرئيس دونالد ترمب في حفل تنصيبه على أنها «الاستراتيجية الكبرى للأمن القومي الأميركي». فهو أعلن حالة الطوارئ على الحدود الأميركية - المكسيكية. كما أعلن حالة طوارئ للطاقة والعودة إلى التنقيب، وغيّر اسم خليج المكسيك، وجمع حوله مباشرةً وخلال خطابه أهم مَن يملك الشركات الأميركية العظمى في التكنولوجيا («ميتا»، و«أمازون»، و«غوغل»، و«تسلا»).

يريد ترمب جعل الولايات المتحدة قوة عظمى تهيمن على الداتا، خصوصاً الذكاء الاصطناعيّ.

هذا في البُعد الداخلي، أما في البُعد الإقليمي والمحيط المباشر للولايات المتحدة الأميركيّة، فهو أعلن عزمه على استعادة قناة بنما. يريد شراء غرينلاند التي تحتوي على أهمّ الثروات الطبيعيّة والأساسيّة للصناعات التكنولوجيّة. لم يذكر أوكرانيا. تحدث عن السلام في الشرق الأوسط. أما ذكر الصين فقد أتى في معرض الحديث عن الشركات الصينيّة التي تشغّل مرافئ بحريّة في بنما.

إيلون ماسك يتحدث خلال تجمع جماهيري يوم تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترمب لولاية رئاسية ثانية بـ«كابيتول وان» في واشنطن 20 يناير 2025 (رويترز)
إيلون ماسك يتحدث خلال تجمع جماهيري يوم تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترمب لولاية رئاسية ثانية بـ«كابيتول وان» في واشنطن 20 يناير 2025 (رويترز)

في بعض الوقائع

تملك الولايات المتحدة الأميركيّة 5 حواسيب سوبر من أصل 10 في العالم، التي تعد الأسرع في العالم. تملك الولايات المتحدة الأميركية نحو 2701 مركز لجمع الداتا، وذلك مقابل 443 للصين، و487 لألمانيا (2022). وأخيراً وليس آخراً، هناك مشروع ستارغيت (Stargate)، الذي تتبناه الشركات الأميركيّة التكنولوجية الكبرى، لتستثمر فيه نحو 500 مليار دولار. والهدف هو دائماً تبوُّؤ المركز الأول في مجال الذكاء الاصطناعي في العالم.

وإذا كان الذكاء الاصطناعي بحاجة إلى كثير من الداتا لتدريبه عليها. وإذا كانت أميركا تملك أهم مراكز الداتا في العالم، وأهم مختبرات صناعة الشرائح الذكيّة، فهذا يعني أن أميركا تريد الهيمنة على الداتا في العالم، وذلك بعد أن رأت أنها تهيمن على البحار والمحيطات، كما تهيمن على الجوّ والفضاء حتى الفضاء السيبراني.

فهل يعني هذا الأمر أن الداتا ستكون أساس الصراع الجيوسياسي في العالم؟ وماذا عن الصراع الجيوسياسي التقليدي؟ حتى الآن، ما نشهده وما يبشّر به خطاب ترمب أن الصراع الجيوسياسي الجديد سيدور حالياً، وحتى إشعار آخر، على الشريحة، وفي الوقت نفسه تشريح الجغرافيا لتغيير الحدود.


مقالات ذات صلة

الكرملين: الرئيس الصربي سيحضر عرض يوم النصر في موسكو

أوروبا طائرات «ميغ - 29» و«سو - 30 إس إم» المقاتلة تحلّق في استعراض جوي خلال «يوم النصر» في موسكو (رويترز) play-circle

الكرملين: الرئيس الصربي سيحضر عرض يوم النصر في موسكو

أعلنت روسيا، اليوم الجمعة، أن الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش قبل دعوة لحضور الاحتفالات في موسكو بمناسبة الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
تحليل إخباري صورة مركبة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مع الرئيسين الروسي والصيني فلاديمير بوتين وشي جينبينغ (إ.ب.أ)

تحليل إخباري نظام ترمب العالمي الجديد... الأقوياء يضعون القواعد

يتعرَّض النظام الدولي الذي تَشكَّل بعد الحرب العالمية الثانية لضغط شديد من جميع الجهات، بسبب عودة الزعماء الأقوياء والقومية ودوائر النفوذ.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
آسيا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جينبينغ خلال حضورهما حفلاً موسيقياً في مايو الماضي بمناسبة الذكرى الـ75 لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين (أ.ب) play-circle

الرئيس الصيني يقبل دعوة لحضور احتفالات روسيا بيوم النصر

ذكرت وكالة «تاس» الروسية للأنباء، الاثنين، أن الرئيس الصيني شي جينبينغ قبل دعوة من روسيا لحضور الاحتفالات بذكرى انتصار الاتحاد السوفياتي السابق على ألمانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
آسيا شيغمي فوكاهوري أحد الناجين من القنبلة الذرية التي ألقيت على مدينة ناغازاكي عام 1945 (أ.ب)

كرّس حياته للسلام... رحيل ناجٍ من قنبلة ناغازاكي النووية عن 93 عاماً

توفي شيغمي فوكاهوري، أحد الناجين من القنبلة الذرية التي ألقيت على مدينة ناغازاكي عام 1945، والذي كرَّس حياته للدفاع عن السلام، عن عمر يناهز 93 عاماً.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
العالم جنود يشاركون في عرض عسكري لإحياء الذكرى السبعين لهدنة الحرب الكورية في بيونغ يانغ بكوريا الشمالية 27 يوليو 2023 (رويترز)

قوات كورية شمالية قد تشارك باحتفالات روسيا في الانتصار بالحرب العالمية الثانية

قال مسؤول روسي كبير إنه يعتقد بإمكانية مشاركة جنود كوريين شماليين في العرض العسكري في الساحة الحمراء العام المقبل، في ذكرى الانتصار بالحرب العالمية الثانية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

انطلاق صاروخ الفضاء الألماني «سبكتروم» في أول رحلة تجريبية من النرويج

انطلاق صاروخ «سبكتروم» الألماني في أول رحلة تجريبية له (أ.ف.ب)
انطلاق صاروخ «سبكتروم» الألماني في أول رحلة تجريبية له (أ.ف.ب)
TT
20

انطلاق صاروخ الفضاء الألماني «سبكتروم» في أول رحلة تجريبية من النرويج

انطلاق صاروخ «سبكتروم» الألماني في أول رحلة تجريبية له (أ.ف.ب)
انطلاق صاروخ «سبكتروم» الألماني في أول رحلة تجريبية له (أ.ف.ب)

انطلق صاروخ «سبكتروم» التابع لشركة «إيزار ايروسبيس» الألمانية وهي شركة ناشئة في جنوب ألمانيا، في أول رحلة تجريبية له، والتي استغرقت نحو 30 ثانية فقط قبل أن يسقط في البحر.

ووفقاً لوكالة الأنباء الألمانية، وصف دانيال ميتسلر، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك للشركة، المهمة بأنها «نجاح كبير»، مشيراً إلى أن العمل جار بالفعل على صاروخين إضافيين، وأضاف أن «(إيزار إيروسبيس) تستعد للإطلاق التالي».

وتم بث الرحلة مباشرة عبر الإنترنت، الأحد، بعد أن تم تأجيلها مرات عدة بسبب الظروف الجوية.

وفي الساعة 3:12 ظهراً، أقلع الصاروخ من موقع الإطلاق في ميناء أندويا الفضائي النرويجي.

وأوضح ميتسلر أن الرحلة التجريبية حققت جميع التوقعات، قائلاً: «قمنا بإقلاع سليم، و30 ثانية من الطيران، وتمكنا حتى من التحقق من نظام إلغاء الرحلة».

وبحسب الشركة، كان الهدف الأساسي من هذا الاختبار هو جمع أكبر قدر ممكن من البيانات والخبرات، مشيرة إلى أن هذا هو ما تحقق بنجاح. كما أكدت الشركة أن إجراءات السلامة الصارمة ضمنت بقاء جميع العاملين في الميناء الفضائي في أمان.

وقالت الشركة إنه كان المستبعد بشكل كبير في السابق أن يصل الصاروخ إلى المدار، حيث أكدت متحدثة باسم الشركة أنه لم تنجح أي شركة في الماضي على الإطلاق في توصيل صاروخها الأول إلى المدار.

وأضافت أن «الصاروخ قد ينفجر، وهذا أمر محتمل حتى أثناء الرحلة التجريبية». وأردفت أن الوصول إلى «30 ثانية من الطيران سيكون نجاحاً كبيراً».

بدورها، وصفت ماري - كريستينه فون هان، المديرة التنفيذية للرابطة الاتحادية لصناعة الطيران والفضاء الألمانية، هذه المهمة بأنها خطوة بارزة في مجال الفضاء الألماني. وأكدت أن «هذا الاختبار لصاروخ معقد للغاية تم تصنيعه في ألمانيا، وفَّر كمية هائلة من البيانات؛ ما سيساعدنا

في تحقيق المزيد من التقدم».

وأشارت إلى أن التمتع بالقدرة التنافسية والاستقلالية في مجال الفضاء يتطلب ميزانيات ضخمة، مضيفة: «بشكل محدد يعني هذا 500 مليون يورو لبرنامج الفضاء الوطني، و6 مليارات يورو لوكالة الفضاء الأوروبي».

ولفتت إلى أن المؤتمر الوزاري لوكالة الفضاء الأوروبية والمزمع عقده في ألمانيا في الخريف المقبل سيكون حاسماً لمستقبل قطاع الفضاء الأوروبي.

وشددت على ضرورة ضمان السيادة الأوروبية في الفضاء، قائلة: «مشروع (ستارلينك) التابع لإيلون ماسك ليس بلا بديل، ولا ينبغي أن يكون كذلك».

ويبلغ طول صاروخ «سبكتروم» 28 متراً وقطره متران. ويعتمد مقدار الحمولة التجارية التي يمكنه نقلها - أو ما يعرف بـ«بايلود» في مصطلحات الفضاء على المدار المستهدف، حيث تتراوح هذه الحمولة بين 700 و1000 كيلوغرام.

يعدّ هذا الإطلاق من النرويج إنجازاً مزدوجاً، حيث لم يكن فقط أول رحلة لصاروخ تابع لشركة «إيزار إيروسبيس»، بل إنه كان أيضاً أول إطلاق لصاروخ حامل مداري من أوروبا القارية.

من جانبه، قال روبرت هابيك، وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال الألمانية، إن ألمانيا من خلال إطلاق صاروخ «سبكتروم» على نحو مثير للإعجاب أنها موقع مهم لتطوير تكنولوجيا الفضاء، ووصف الحدث بأنه علامة فارقة على طريق القدرة التنافسية في قطاع الفضاء.

وأضاف السياسي المنتمي إلى حزب الخضر: «الوصول غير المقيد إلى الفضاء مسألة استراتيجية حاسمة - فالذين يصلون إلى الفضاء هم فقط من يستطيعون الاستفادة منه».

وأوضح أن الأقمار الاصطناعية تتيح إمكانية الملاحة والاتصالات ومراقبة الأرض، كما تسهم في حماية المناخ وتعزز السيادة الاقتصادية والتكنولوجية لألمانيا.