الخريطة... والحرب

يهدف التدمير الإسرائيلي إلى إعادة هندسة خريطة قطاع غزة كي تتناسب مع أهداف تل أبيب العسكريّة وتسهيلها (رويترز)
يهدف التدمير الإسرائيلي إلى إعادة هندسة خريطة قطاع غزة كي تتناسب مع أهداف تل أبيب العسكريّة وتسهيلها (رويترز)
TT

الخريطة... والحرب

يهدف التدمير الإسرائيلي إلى إعادة هندسة خريطة قطاع غزة كي تتناسب مع أهداف تل أبيب العسكريّة وتسهيلها (رويترز)
يهدف التدمير الإسرائيلي إلى إعادة هندسة خريطة قطاع غزة كي تتناسب مع أهداف تل أبيب العسكريّة وتسهيلها (رويترز)

خريطة طريق. خريطة للبحث عن الكنز المدفون. خريطة ذهنيّة في عقل ووعي الإنسان تساعده على التموضع في محيطه الجغرافيّ، كما تساعده على تحديد مكان وجود أعضاء جسمه بإحداثيات ثلاثية الأبعاد كي تنتظم حركته. يوجّهنا النجم القطبي إلى الشمال الجغرافيّ. وترقص إبرة البوصلة دائماً باتجاه الشمال المغناطيسيّ. يتمثّل هوس الإنسان في نقل الصورة الذهنيّة إلى واقع مرئي وملموس إذا أمكن. نتج مفهوم المعادلة الصفريّة (Zero Sum game) في الحروب خلال الصراع على الأرض إبان وبعد الثورة الزراعيّة. ما تربحه أنت، أخسره أنا، والعكس صحيح. الأمر الذي أدّى إلى تكوّن مبدأ «المعضلة الأمنيّة» بين الدول (Security Dilemma).

في عام 1494 ساهم البابا ألكسندر السادس في توقيع معاهدة «تورد سيلاس» بين البرتغال وإسبانيا. وبموجب هذه المعاهدة رُسمت خطوط على الكرة الأرضيّة تقسّم العالم بين الإمبراطوريّتين. صدف أن مرّ أحد الخطوط الطوليّة في أميركا الجنوبيّة ليضع البرازيل الحاليّة تحت سيطرة البرتغال. أما باقي دول الجنوب فكانت تحت السيطرة الإسبانيّة. هكذا غيرت الخريطة الأدوار الجيوسياسيّة للدول المعنيّة. تعوق الثقافة كما الموانع الجغرافيّة البرازيل من لعب دور مهم في محيطها. لذلك تبحث البرازيل دائماً عن دور بعيد عن القارة الأميركيّة، وخاصة أن قدرها مرتبط مباشرة بإرادة العم سام في الشمال. هكذا هي قدريّة الخريطة.

قسّمت الخريطة المشرق العربيّ إلى مناطق نفوذ في عام 1916 مع سايكس وبيكو. في عام 2011 أصدر الكاتب الإنجليزي جيمس بار كتاباً تحت عنوان «خط في الرمل» (A Line in the Sand)، يقول فيه ما معناه إن السير مارك سايكس الإنجليزي طلب أن يكون هناك خطّ مرسوم في رمال الصحاري يصل عكّا في فلسطين، بمدينة كركوك في العراق، على أن يكون تحت السيطرة الإنجليزيّة. والسبب بالطبع هو الثروة النفطيّة. في ذلك الوقت كانت البحريّة الإنجليزيّة والتي كانت تهيمن على محيطات وبحار العالم، تُحدّث نفسها بالانتقال من استعمال المحرّك البخاري إلى استعمال المحرّك الانفجاري الداخلي (Internal Explosion Engine).

الخريطة

يرجع أصل كلمة الخريطة إلى اللغة اللاتينيّة (Mappa)؛ أي المنديل أو قطعة قماش كانت تستعمل لبدء المباريات. بعدها تطوّرت الكلمة لتصبح جملة «Mappa Mundi»؛ أي خريطة العالم المُكتشف والمعروف آنذاك. عندما ننظر إلى الخريطة، يتكوّن في عقلنا صورة العالم والأمكنة المرسومة. تساعدنا الخريطة على فهم المساحة وعلاقتها بالوقت، ولكل خريطة المقياس الخاص بها. تختصر الخريطة العالم بكل أبعاده؛ الجغرافيّة، الطوبوغرافيّة كما الديموغرافيّة. تحدّد الخريطة الحدود السياسية بين البلدان، فتنتج بذلك القوانين الدوليّة كما مفهوم السيادة. هناك خرائط سياحيّة، كما خرائط للثروات الطبيعيّة. والأخطر عادة هو الخرائط العسكريّة، والتي بطبيعتها تُجرّد الإنسان من إنسانيّته (Dehumanize) فتبرّر قتله دون تردّد أو ندم. في فيتنام مثلاً، أصدر الجيش الأميركي خرائط تصنّف أمكنة معيّنة على أنها مناطق «قتل». بكلام آخر، كل شيء يتحرّك داخل هذه المناطق، هو هدف لا بد من تدميره. تبسّط الخريطة الوقائع والتعقيدات في كل أبعادها، فتحوّلها إلى رموز وخطوط.

تساعد الخريطة القائد العسكريّ على رسم خطوط المناورة لحربه. فيوزّع عليها القوى الصديقة كما القوى العدوّة. لتتحوّل بذلك الحرب إلى فكرة في عقل القائد، فيستسهل خوضها بعيداً عن تعقيدات الواقع الماديّ. اعتمد القادة قديماً صندوقة الرمل لإسقاط (Projection) الخريطة عليها بأبعادها الثلاثة بهدف تسهيل عملية التخطيط للحرب. حالياً، يعتمد القادة العسكريون العالم الرقمي في لعبة الحرب، لتتحولّ صندوقة الرمل القديمة إلى عملية تفاعليّة (Interactive).

حرب غزّة

غيّرت «حماس» هندسة وخريطة القطاع، فبنت شبكة من الأنفاق فقط لتعقيد مهمّة الجيش الإسرائيليّ. يسعى الجيش الإسرائيليّ في المقابل إلى تدمير القطاع (Tabula Rasa)، خاصة ما هو فوق الأرض، وذلك بهدف الوصول إلى ما تحتها. إذاً، يهدف التدمير إلى إعادة هندسة خريطة القطاع كي تتناسب مع أهدافه العسكريّة وتسهيلها. ابتكر الجيش الإسرائيليّ خرائط جديدة ليتواصل مع الغزيّين فيما خصّ إخلاء المناطق التي ينوي مهاجمتها. لكنه تجاهل أن الوسيط (Medium) الرقمي بينه وبين الغزيّين والذي من المفروض أن يُعمّم هذه الخرائط على سكان غزّة، هو وسيط ميت، وذلك في ظلّ غياب الإنترنت، والكهرباء. وفي انتظار نهاية المأساة في قطاع غزّة. فهل يحقّ لنا التفكير في مستقبل خرائط المنطقة ككلّ؟


مقالات ذات صلة

نتنياهو لبلينكن: هناك حاجة لإحداث تغيير سياسي وأمني في لبنان

شؤون إقليمية صورة تظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في اجتماع بالقدس في 22 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

نتنياهو لبلينكن: هناك حاجة لإحداث تغيير سياسي وأمني في لبنان

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اجتماع مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إن هناك حاجة إلى إحداث تغيير أمني وسياسي في لبنان.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
خاص منزل عائلة أبو طه الذي هُدم خلال حرب غزة وداخله السنوار (الشرق الأوسط)

خاص المشهد الأخير لقائد «حماس»... قصة عائلة غزاوية فرحت بـ«ضياع مُقتنياتها»

يروي نجل شقيق أشرف أبو طه، صاحب المنزل الذي قُتل داخله رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» يحيي السنوار، كيف شتتت الحرب أسرته، وكيف لم تحزن الأسرة لدمار منزلها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية متظاهرة إسرائيلية تحمل لافتة للمطالبة بالإفراج عن الأسرى لدى حركة «حماس» (أ.ف.ب)

أثرياء إسرائيليون يعرضون مكافآت مالية لإطلاق سراح الرهائن في غزة

يسعى بعض رواد الأعمال الإسرائيليين إلى إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في قطاع غزة من خلال عرض مكافآت مالية لمن يسهم في الإفراج عنهم.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي صورة أرشيفية تظهر رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» حينها إسماعيل هنية وزعيم حركة «حماس» في قطاع غزة آنذاك يحيى السنوار يحضران احتجاجاً في مدينة غزة في 26 يونيو 2019 (أ.ب)

«حماس» لاعتماد مجلس قيادي بدل تعيين خليفة للسنوار

تتجّه حركة «حماس» لعدم تعيين خليفة لرئيسها يحيى السنوار الذي قُتل في عملية عسكرية إسرائيلية في قطاع غزة، مؤكدة أن «لجنة خماسية» ستتولّى إدارة الحركة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
تحليل إخباري مسيرة داعمة للفلسطينيين تحمل صور زعيمي «حماس» و«حزب الله» في إسطنبول يوم 20 أكتوبر الحالي (رويترز)

تحليل إخباري ما الفارق بين تداعيات مقتل السنوار واغتيال نصر الله؟

لم يحصل بنيامين نتنياهو على صورة البطل لنجاحه في قتل السنوار رغم ارتفاع شعبيته، بعكس ما حصل مع زعيم «حزب الله» حسن نصر الله... فلماذا يحدث ذلك؟

المحلل العسكري

غالانت لبلينكن: من المهم أن تقف الولايات المتحدة مع إسرائيل بعد ضرب إيران

وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (د.ب.أ)
وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (د.ب.أ)
TT

غالانت لبلينكن: من المهم أن تقف الولايات المتحدة مع إسرائيل بعد ضرب إيران

وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (د.ب.أ)
وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (د.ب.أ)

أبلغ وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال اجتماعهما في تل أبيب، الثلاثاء، أنه من المهم أن تقف الولايات المتحدة مع إسرائيل بعد ضرب إيران.

وحسب صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، قال غالانت، وفقاً لمكتبه: «إن الموقف المشترك للولايات المتحدة مع إسرائيل بعد هجومنا على إيران من شأنه أن يعزز الردع الإقليمي ويضعف محور الشر».

ومن المتوقع على نطاق واسع أن تضرب إسرائيل إيران بعد أن أطلقت طهران ما يقرب من 200 صاروخ باليستي على إسرائيل في الأول من أكتوبر (تشرين الأول).

وبعد اجتماعهما الثنائي، انضم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي اللواء هرتسي هاليفي، والمدير العام لوزير الدفاع إيال زامير ومسؤولون دفاعيون كبار آخرون.

وبينما ناقش الحاضرون القتال في قطاع غزة، حضّ غالانت على استبدال «كيانات إقليمية ومحلية أخرى» بـ«حماس»، وفقاً لمكتبه.

وفيما يتعلق بلبنان، قال غالانت إن إسرائيل «ستواصل مهاجمة جميع وحدات المنظمة الإرهابية بشكل منهجي»، حتى بعد انتهاء العملية البرية، ليتمكن سكان الشمال من العودة إلى منازلهم وتنسحب قوات «حزب الله» من جنوب لبنان.