منتدى «كايسيد» ينوّه بدور الحوار في مواجهة التحديات العالمية

بن حميد عدّه ركيزة أساسية وضرورية لتحقيق السلام العادل والشامل

انطلاق أعمال «منتدى الحوار العالمي» في العاصمة البرتغالية لشبونة (الشرق الأوسط)
انطلاق أعمال «منتدى الحوار العالمي» في العاصمة البرتغالية لشبونة (الشرق الأوسط)
TT

منتدى «كايسيد» ينوّه بدور الحوار في مواجهة التحديات العالمية

انطلاق أعمال «منتدى الحوار العالمي» في العاصمة البرتغالية لشبونة (الشرق الأوسط)
انطلاق أعمال «منتدى الحوار العالمي» في العاصمة البرتغالية لشبونة (الشرق الأوسط)

يستكشف «منتدى الحوار العالمي» بالعاصمة البرتغالية لشبونة، القوة التحويلية للحوار في معالجة بعض التحديات الأكثر إلحاحاً بالعالم، وذلك على مدى يومين، بتنظيم من مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، ومشاركة 150 شخصاً، من بينهم قيادات دينية ورؤساء دول حاليُّون وسابقون وقادة الأمم المتحدة وممثلو المجتمع المدني ووفود شبابية.

وقال الدكتور زهير الحارثي، أمين عام «كايسيد»، لدى انطلاق أعمال النسخة الأولى من المنتدى، إن الأساس المنطقي وراء هذا الحدث واضح بقدر ما هو مُلح، إذ إن الحوار يعد أمراً بالغ الأهمية، مضيفاً: «الخبراء، الذين لعبوا أدواراً حاسمة في خدمة الإنسانية، سيلهمون مناقشاتنا بخلفيتهم وخبراتهم الغنية».

وأوضح الحارثي أن «العالم يتغير بسرعة، ونعيش في عصر تتصاعد فيه الصراعات، والانقسامات العميقة، وانعدام الثقة المتزايد»، منوهاً بضرورة «أن نشعر بالقلق ونظل يقظين، ومع ذلك، يجب أن نحافظ على الأمل».

الدكتور زهير الحارثي شدد على أن الحوار يعد أمراً بالغ الأهمية (الشرق الأوسط)

وتابع: «اليوم، تجمعنا مسؤوليتنا المشتركة تجاه أجيالنا القادمة وكوكبنا، وتتطلب التحديات المعقدة العمل الجماعي، ونحن نعلم أننا نعمل بشكل أفضل معاً»، لافتاً إلى أن «هذا المنتدى هو دعوة للعمل، ونجاحه يعتمد علينا جميعاً، وعلى مدار فعالياته، سنبدأ رحلة من التأمل والحوار والتعاون، وجميع المناقشات تركز على السعي لتحقيق كرامة الإنسان وحقوقه».

وأبان أمين عام «كايسيد»، أن «هذا المنتدى ليس حدثاً آخر ينتهي خلال يومين، بل تم إعداده لإلهام العمل وتمهيد الطريق لإحداث تأثير مستدام، فلنغتنم هذه الفرصة لنسير معاً ونمضي قدماً».

وشدد على التزام «كايسيد» بتعزيز السلام والحوار بين الأديان والثقافات «مما يمهد الطريق نحو مستقبل أكثر إشراقاً لعالمنا، ويتطلب منا التصدي لجميع أشكال العنف والكراهية مع تعزيز التسامح والوحدة، واحترام التنوع بين جميع المجتمعات».

المؤتمر يشهد مشاركة قيادات دينية ورؤساء دول وقادة الأمم المتحدة وممثلو المجتمع المدني ووفود شبابية (الشرق الأوسط)

وأكدت الجلسة الافتتاحية للمنتدى، أن العالم يواجه تحديات تتجاوز بكثير قدرة أي دولة على إدارتها، وتتخطى حدود الآليات التقليدية للتعاون الدولي، موضحة أن تحقيق جداول أعمال التنمية العالمية، مثل جدول أعمال الأمم المتحدة لعام 2030، يتطلب الإرادة السياسية والاستثمار المالي، وإحداث تحول في قلوب الأفراد وعقولهم والمجتمعات في شتى أنحاء العالم.

بدوره، قال الشيخ صالح بن حميد، إمام وخطيب المسجد الحرام: «عبر الحوار وبه نمد أيدينا للتعاون بين كل القوى الفاعلة من أجل تحقيق الأهداف النبيلة، إيماناً بقوة العمل والشراكة الحقيقية على الرغم من تنوعنا الثقافي والديني، لنبني السلام المنشود، ونحافظ على كرامة الإنسان في كل بقاع العالم»، مضيفاً: «الحوار الحقيقي يمكن أن يبني شراكات وتحالفات متينة، ويوحد أصواتاً متعددة من مختلف أنحاء العالم، ويوجهها نحو التزام مشترك، بتعزيز السلام والتضامن من أجل إعلاء القيم الإنسانية، والحق في العيش الكريم لكل الناس بسلام».

وأبان أن الحوار أصبح ركيزة أساسية وضرورية لتحقيق السلام العادل والشامل، وترسيخ القيم الأخلاقية في المجتمعات كلها، عاداً تعزيز ثقافة الحوار ومبادئه خطوة أساسية نحو تحصينها من التطرف والكراهية، ومشيراً إلى أن الدين الإسلامي يقوم على مبدأي العدل والمساواة بين الناس، ويدعو للتسامح والاعتدال والتفاهم بين الشعوب والدول.

بن حميد شدد على أن الحوار أصبح ركيزة أساسية وضرورية لتحقيق السلام العادل والشامل (الشرق الأوسط)

من ناحيته، قال هاينز فيشر، الرئيس النمساوي السابق: «يكتسي الحوار في سياق متحول أهمية خاصة في وقت نشهد فيه مواقف مأساوية ومفجعة في جميع أنحاء العالم»، متابعاً: «لهذا، ينبغي عيلنا أن نتحد جميعاً - سياسيين وقيادات دينية وأشخاصاً عاديين - في العمل من أجل السلام وحقوق الإنسان والمساواة».

إلى ذلك، شدد أوغستو سانتوس سيلفا، وزير خارجية البرتغال السابق والرئيس الخامس عشر لجمعية الجمهورية، على الدور الحاسم للحوار في الشؤون العالمية الحالية. وقال: «في أوقات الاضطرابات الاجتماعية والاستقطاب السياسي والصراعات المسلحة في أجزاء كثيرة من العالم، علينا أن نبذل قصارى جهدنا لإعادة بناء الثقة وتعزيز التواصل والحوار بين مختلف المناطق والثقافات والحضارات، وينبغي أن يكون أساس هذا الحوار هو الالتزام الواضح بحقيقة أن اختلافاتنا تثري العالم، والعالم هو مسؤوليتنا المشتركة».

ويتطرق المنتدى إلى المد المتصاعد للتطرف والصراعات العنيفة، والحاجة إلى دعم حقوق الإنسان وكرامته، والدور المهم الذي يضطلع به الحوار بين أتباع الأديان في التصدي لهذه التحديات، إذ يُنظر إلى القيادات الدينية، المعترف بها لسلطتها وللثقة بها داخل المجتمعات، على أنها شخصيات رئيسية في سد الفجوات التي تغذي مثل هذه الصراعات.

المؤتمر يشهد مشاركة قيادات دينية ورؤساء دول وقادة الأمم المتحدة وممثلو المجتمع المدني ووفود شبابية (الشرق الأوسط)

في شأن متصل، تحدث الدكتور شوقي علَّام، مفتي الديار المصرية، عن حتمية الحوار في المجتمع المعاصر. وقال: «إن مسؤوليتنا عن تعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات ليست مجرد التزام أخلاقي، بل إنها ضرورة ملحة لضمان وحدة نسيج المجتمع الإنساني وإنقاذ الأجيال المقبلة من الوقوع في براثن التطرف والكراهية والعنف والتعصب».

وأشار المتحدثون إلى أن التحالفات التي تحققت بشق الأنفس والتي ترمي إلى دعم السلام تتعرض لضغوط كبيرة، إذ يكافح الشركاء من أجل إبقاء القيادات العالمية ملتزمة بمبادئ حقوق الإنسان المتفق عليها. وبيَّنوا أن الحوار يمكن أن يخفف من حدة العديد من التهديدات للسلام الدائم، ومن ضمنها المظالم التي لم تُحل بعد، والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، وبخاصة تلك التي تتعرض لها الأقليات.

وأضافوا أن الحوار يساعد أيضاً، إلى جانب التوسط في النزاعات، المجتمعات المتضررة من انعدام الثقة والاستقطاب، على مواجهة تحديات مثل تغير المناخ وانعدام الأمن الغذائي وعدم المساواة المجتمعية وإدماج اللاجئين في المجتمعات المضيفة.

الجلسة الافتتاحية أكدت أن العالم يواجه تحديات تتخطى حدود الآليات التقليدية للتعاون الدولي (الشرق الأوسط)

ويتوقع أن تصدر عن المنتدى خطة شاملة لمعالجة قضايا السلام العالمي والتماسك الاجتماعي، وخطط عمل لإعطاء الأولوية للحوار من أجل التنمية الشاملة، وبرامج مشتركة ترمي إلى تعزيز تنفيذ مبادرات الحوار حيثما تمس الحاجة إليها، فضلاً عن الالتزام بتنمية القدرات والمساعدة التقنية والموارد الأخرى لصقل المهارات داخل المنظمات، وستشمل مجالات التركيز؛ التعليم وبناء السلام بقيادة المرأة وحماية البيئة.

جانب من أعمال «منتدى الحوار العالمي» في العاصمة البرتغالية لشبونة (الشرق الأوسط)


مقالات ذات صلة

التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب يطلق برنامجه في دول الساحل

أفريقيا الأمين العام للتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب اللواء الطيار الركن السعودي محمد بن سعيد المغيدي خلال إطلاق البرنامج اليوم بنواكشوط (الشرق الأوسط)

التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب يطلق برنامجه في دول الساحل

أطلق التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، الاثنين، برنامجه لمحاربة الإرهاب في دول الساحل الخمس، وهي موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

الشيخ محمد (نواكشوط)
آسيا الشرطة الباكستانية تُلقي القبض على رجل متهم بإهانة القرآن (إ.ب.أ)

باكستان: اعتقال شخص بتهمة إهانة القرآن بعد محاولة حشد إعدامه

ألقت الشرطة الباكستانية القبض على رجل متهم بإهانة القرآن، في شمال غربي البلاد، اليوم الثلاثاء، بعدما تلقت بلاغاً يفيد بأن مجموعة من الناس تسعى لإعدامه.

«الشرق الأوسط» (بيشاور (باكستان))
الخليج الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى حل ضيفَ شرفٍ على نادي 44 للدراسات الفكرية (الشرق الأوسط)

العيسى يناقش «تفهم الاختلاف ومعالجة سوء الفهم بين الإسلام والغرب» في سويسرا

حَلّ الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس هيئة علماء المسلمين الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى ضيفَ شرفٍ على نادي 44 للدراسات الفكرية.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب (رويترز)

متعهداً بإنهاء صراع الشرق الأوسط... ترمب يسعى لأصوات المسلمين في ميشيغان

سعى المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترمب إلى استمالة الناخبين المسلمين في ولاية ميشيغان.

«الشرق الأوسط» (ديترويت)
أوروبا مظاهرة لدعم غزة في ميدان ترافالغار بلندن (رويترز)

دراسة: نصف مسلمي الاتحاد الأوروبي يتعرضون للتمييز

أفاد نحو نصف المسلمين المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي بأنهم يتعرضون للتمييز في حياتهم اليومية، مع تسجيل «زيادة حادة في الكراهية» عقب حرب غزة.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

مايوت... أفقر أقاليم فرنسا تجهد لمحو آثار الإعصار المدمّر

شابّة تسير وسط الدمار بمنطقة مبويوغو في مايوت (أ.ب)
شابّة تسير وسط الدمار بمنطقة مبويوغو في مايوت (أ.ب)
TT

مايوت... أفقر أقاليم فرنسا تجهد لمحو آثار الإعصار المدمّر

شابّة تسير وسط الدمار بمنطقة مبويوغو في مايوت (أ.ب)
شابّة تسير وسط الدمار بمنطقة مبويوغو في مايوت (أ.ب)

بعد أسبوع من أسوأ إعصار يضربها منذ ما يقرب من قرن، لا تزال جزيرة مايوت الفرنسية الفقيرة الواقعة في المحيط الهندي تجهد لإحصاء عدد القتلى واستعادة الخدمات الأساسية ومساعدة السكان المحاصرين، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

والمستشفيات التي تعاني بشكل دائم نقصاً في الإمكانات تكتظ بالمرضى الذين يعانون ليس من الإصابات المرتبطة بالإعصار «شيدو» فحسب، بل أيضاً من الجفاف وسوء التغذية والأمراض. وفي المستشفى الرئيس في مايوت بالعاصمة مامودزو، يواجه الأطباء سلسلة من الأزمات.

وقال الدكتور روجيه سرحال، رئيس قسم التوليد وأمراض النساء في المستشفى: «فقدنا 40 في المائة من غرف المرضى؛ أي نحو 50 إلى 60 سريراً. هناك الكثير من المرضى يأتون إلى المستشفى، وليس لدينا مكان لاستقبالهم».

وفي ظل الإعصار الذي ضرب الأرخبيل في نهاية الأسبوع الماضي مصحوباً برياح سرعتها 220 كيلومتراً في الساعة، أجبرت الأضرار البنيوية التي لحقت بالمستشفى الموظفين على فرز المرضى، وإعطاء الأولوية لأكثر الحالات شدة.

تم تأكيد وفاة خمسة وثلاثين شخصاً حتى أمس (الجمعة) في مايوت، لكن وزيرة الصحة الفرنسية جنفييف داريوسيك، حذرت من أن أي تقديرات من المرجح أن تكون أقل بكثير من الأعداد الحقيقية «مقارنة بحجم الكارثة».

سيندو محمدي يجلس على السرير في المستشفى بعدما أصيب خلال مرور الإعصار «شيدو» (أ.ب)

* دمار شامل

دمرت العاصفة أحياء بأكملها، وتجاهل العديد من الناس التحذيرات، معتقدين أن العاصفة لن تكون شديدة للغاية. والأسوأ من ذلك أن العديد من المهاجرين تجنبوا الملاجئ خوفاً من الترحيل، حسبما قالت السلطات، مضيفة أنه قد يكون هناك مئات أو ربما آلاف الوفيات.

ويخشى الأطباء أن يؤدي نقص المياه النظيفة والكهرباء إلى أزمة صحية. وقال الدكتور فنسان جيل، مدير الطوارئ الطبية في المستشفى: «يأتي المرضى لأن أمراضهم لم تعالَج، ولا ماء ولا كهرباء. نحن قلقون بشأن الأوبئة، مثل تفشي مرض الكوليرا الذي أوقفناه قبل أشهر فقط».

ويواصل طاقم المستشفى العمل بلا كلل، لكن الموارد تنفد بشكل مقلق. وقال سرحال: «إذا هطلت الأمطار سيكون الأمر كارثياً».

من بين المرضى الراقدين في المستشفى، سيندو محمدي (54 عاماً) الذي كُسرت ذراعه والتوى كاحله أثناء العاصفة التي دمرت منزله تماماً. وقال: «أمي مريضة، وأنا مريض، وأحد أطفالي الستة مريض. عائلتي بحاجة إلى تناول الطعام، وبما أني الشخص الذي يحصّل الرزق، فليس لدى أمي وأطفالي شيء الآن».

وأضاف: «لست وحدي. هناك الكثير منا فقدوا كل شيء. أريد من الحكومة أن تهتم بنا، وأن تمنحنا الطعام ومكاناً للنوم».

يُذكر أن مايوت التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، هي أرخبيل يقع بين مدغشقر والقارة الأفريقية. ومما يزيد الاكتظاظ أن قرابة 100 ألف مهاجر يعيشون فيها.

وعانى أفقر أقاليم فرنسا ما وراء البحار لفترة طويلة من الإهمال ونقص الاستثمار؛ لذا يعيش نحو 75 في المائة من سكان مايوت في فقر، في حين أن البنية التحتية للأرخبيل غير مجهزة لتحمل كارثة بهذا الحجم.

نساء يغسلن ملابس في أحد شوارع مامودزو عاصمة مايوت بما جمعنه من مياه الأمطار (أ.ب)

وبينما تبذل سلطات باريس جهوداً لتقديم المساعدات الطارئة، بما في ذلك النقل الجوي للمياه والغذاء، تبقى الحاجات كبيرة بالنظر لحجم الكارثة. ولا يزال مطار مايوت مغلقاً أمام الرحلات المدنية بسبب الأضرار، الأمر الذي يعرقل الخدمات اللوجستية.

وأقر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته مايوت أمس (الجمعة)، بخطورة الوضع وتعهد بإعادة البناء. لكنه واجه انتقادات من السكان المحبطين من بطء وتيرة المساعدات. وقدرت وزارة الداخلية الفرنسية أن 70 في المائة من السكان تأثروا بشكل خطير، وأن العديد منهم أصبحوا بلا مأوى وعرضة للخطر بعد هذه الكارثة الطبيعية.