الحرب الباردة الجديدة وسباق التسلّح النووي

صواريخ بالستية صينية من طراز «دي إف 41» في بكين (رويترز)
صواريخ بالستية صينية من طراز «دي إف 41» في بكين (رويترز)
TT

الحرب الباردة الجديدة وسباق التسلّح النووي

صواريخ بالستية صينية من طراز «دي إف 41» في بكين (رويترز)
صواريخ بالستية صينية من طراز «دي إف 41» في بكين (رويترز)

على وقع الحرب الأوكرانية التي تحولت بعد أكثر من سنتين إلى «حرب استنزاف» - أقلّه في المرحلة الراهنة -، ومع أهوال الحرب المدمّرة على غزة، وفي ظل التوترات المتواترة في مياه تايوان وبحر الصين الجنوبي، يسهل الحديث عن تنافس حاد بين القوى الكبرى... هذا وصف ملطّف لما يحدث في «الكوكب الأزرق»، لأن الواقع المرّ هو أن البشر يواجهون خطراً متزايداً لنشوب صراع بين الدول المسلحة نووياً، والتي تعمل كلها بشكل أو بآخر على تحديث ترساناتها استعداداً لثمانين عاماً أخرى من العصر النووي... العالم إذاً يشهد مجدداً سباق تسلح نووي.

لننسَ كل معاهدات النزع والحد من الانتشار، فالقوى الكبرى لم تقتنع بدروس الحربين العالميتين وما أعقبهما من حرب باردة لم تخلُ من سخونة أحرقت ساحات جانبية شهدت مواجهات بين «وكلاء» المعسكرين الكبيرين.

العلمان الأميركي والصيني (رويترز)

يقول جون إيراث مدير الأبحاث في مركز مراقبة الأسلحة والحد من انتشارها (واشنطن)، إن «احتمال نشوب حرب نووية ضئيل للغاية»، مستدركاً أنه لا يمكن في المقابل تجاهل الأخطار الكارثية والعواقب المحتملة حتى «للاستخدام المحدود» للأسلحة النووية. ويضيف أن روسيا تلوّح بـ«عصا» ترسانتها النووية بطريقة مضبوطة لثني الدول عن مساعدة أوكرانيا. واعتبر أن السلوك الروسي سيفضي، في حال انتصار موسكو في الحرب الأوكرانية، إلى تثبيت الابتزاز النووي كأداة من أدوات إدارة الدولة، مما يشكّل حافزاً إضافياً لامتلاك أسلحة نووية. ويخلص إلى أن نتيجة حرب أوكرانيا يمكن أن تحدد نمطاً لديناميات الأمن الدولي على امتداد العقود المتبقية من القرن الحادي والعشرين.

وقد أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين – الذي بدأ ولاية رئاسية خامسة - بإطلاق تدريبات عسكرية على استخدام أسلحة نووية غير استراتيجية، رداً على تلويح بلدان غربية باحتمال إرسال قوات إلى أوكرانيا، والانخراط بشكل مباشر في الصراع. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن التدريبات تهدف إلى «رفع جاهزية الأفراد والمعدات في الوحدات المعنية بالاستخدام القتالي للأسلحة النووية التكتيكية، بهدف مواجهة أي تهديدات وضمان سلامة أراضي الدولة الروسية وسيادتها من دون قيد أو شرط».

صاروخ بالستي روسي خلال عرض عسكري في الساحة الحمراء بموسكو (أ.ف.ب)

يجدر بنا أن نشير هنا إلى أن معاهد الأبحاث تقدر عدد الرؤوس النووية في العالم بأكثر من 12 ألفاً، من بينها نحو 5500 في روسيا، ونحو 3700 في الولايات المتحدة، فيما تتوزع البقية في دول أخرى. ويُعتقد على نطاق واسع أن واشنطن وموسكو ليستا في صدد توسيع ترسانتيهما النوويتين، بينما يقال إن الصين تعمل على ذلك. وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أفاد التقرير السنوي لوزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) بأنه اعتباراً من مايو (أيار) 2023، تمتلك الصين أكثر من 500 سلاح نووي نشط، وهو ما يتجاوز التقديرات السابقة التي كانت تشير إلى رقم 400.

وأضاف التقرير أنه تماشياً مع أهداف تحديث الجيش الصيني، يُتوقع أن تمتلك الصين أكثر من ألف سلاح نووي قابل للتشغيل بحلول عام 2030، على أن يصل الرقم إلى 1500 بحلول عام 2035، وفق الجدول الزمني الذي وضعته المؤسسة العسكرية الصينية لعملية التحديث. ونشرت صحيفة «نيويورك تايمز» في ديسمبر (كانون الأول) الماضي أن الصين تعمل على تجهيز منشأة عسكرية «لاختبار جيل جديد من الأسلحة النووية».

وتجدر الإشارة هنا إلى أن ثمة كلاماً عن كون روسيا تعمل على تطوير سلاح نووي في الفضاء، من شأنه إذا أبصر النور أن ينتهك معاهدة الفضاء الخارجي التي عُقدت عام 1967، وهي واحدة من معاهدات الحد من الأسلحة القليلة المتبقية «على قيد الحياة». وفي موازاة ذلك، تواصل الولايات المتحدة تطوير صاروخ كروز يطلَق من البحر ومجهز برؤوس نووية.

إطلاق صاروخ «توماهوك» من الغواصة الأميركية «نبراسكا» قبالة كاليفورنيا (رويترز)

*نبرة سياسية عالية

الجو العسكري المشحون يرافق في الواقع مواقف سياسية تصعيدية بدأت في الساحة الأوروبية قبل الحرب الأوكرانية (اندلعت عام 2022 أم فعلياً عام 2014؟)، واشتدت حماوتها في الساحة الآسيوية منذ ذلك المدّ الاقتصادي الذي جعل من العملاق الأصفر في غضون عقدين عملاقاً اقتصادياً يمثل تحدياً جيوسياسياً هائلاً للغرب.

من هنا، يمكن النظر إلى المخزون النووي المتزايد لدى الصين باعتباره مدفوعاً بعاملين: الأول، الحفاظ على مقدار معقول من الردع حيال الدول الأخرى المسلحة نووياً التي تتنافس معها، وتحديداً الولايات المتحدة والهند (200 رأس نووي). والعامل الثاني هو تحسين مكانة الصين العالمية كدولة عظمى تملك ردعاً نووياً فعالاً.

يقول نورييل روبيني الخبير الاقتصادي التركي المولد والإيراني الأصل والأميركي الجنسية، إن مجموعة السبع التي تضم الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وبريطانيا بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، حاولت في قمة هيروشيما التي عُقدت في مايو 2023 أن ترسم خطة لاحتواء الصين دون تصعيد الحرب الباردة الجديدة. وتوقع الرئيس الأميركي جو بايدن وقتذاك «ذوبان الجليد» في العلاقات مع الصين. لكن كل المؤشرات تنبئ بأن العلاقات تظل فاترة بدليل أن الرئيس الصيني شي جينبينغ قال في مارس (ىذار) 2023 إنّ «دولاً غربية، بقيادة الولايات المتّحدة، نفّذت سياسة احتواء وتطويق وقمعٍ ضدّ الصين، الأمر الذي أدّى إلى تحدّيات غير مسبوقة لتنمية بلادنا».

الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون والصيني شي جينبينغ في مطار تارب بجنوب غرب فرنسا (أ.ف.ب)

ويؤكد روبيني أن الولايات المتحدة استراتيجية تنتهج بالفعل سياسة «الاحتواء الشامل والتطويق والقمع»، لافتاً إلى أن قمة هيروشيما بيّنت أن شركاء واشنطن يعتزمون توحيد الجهود لمواجهة الصين، وهو أمر لم تبدده زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ الأخيرة لفرنسا ولا زيارة وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين للصين في أبريل (نيسان) الماضي.

... ماذا يبقى من خيارات في بحث البشر عن الأمان؟

إجالة النظر في الوقائع والمؤشرات تخلص إلى نتيجة واحدة: نظرية الردع المتبادل المبنية على عقيدة عسكرية تقول إن الدمار الشامل الذي سينتج عن حرب نووية سيمنع نشوبها...

هل يكفي ذلك لضمان السلام أم إن «درع» الدمار الشامل وهم؟

لَربّ سائل هنا: هل منع امتلاك إسرائيل المؤكد لأسلحة نووية حركة «حماس» من القيام بعملية السابع من أكتوبر؟


مقالات ذات صلة

المحكمة العليا الهولندية توصي بوقف تصدير مكونات طائرات «إف - 35» لإسرائيل

شؤون إقليمية طائرة مقاتلة من طراز «إف - 35 أ» تسير على مدرج في قاعدة القوات الجوية السويسرية في إمين بسويسرا يوم 23 مارس 2022 (رويترز)

المحكمة العليا الهولندية توصي بوقف تصدير مكونات طائرات «إف - 35» لإسرائيل

أوصى المدعي العام للمحكمة العليا في هولندا، بتأييد الحكم الذي ينصُّ على أنه يتعيَّن على الدولة الهولندية وقف تصدير مكونات طائرات «إف - 35» إلى إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (أمستردام)
أوروبا سارا فاغنكنشت زعيمة حزب «تحالف سارا فاغنكنشت» وعضو البوندستاغ (البرلمان) في جلسة للبرلمان ببرلين (د.ب.أ)

زعيمة حزب ألماني تدافع عن نشر نظام «آرو 3» الإسرائيلي في مقاطعة براندنبورغ

أعربت زعيمة حزب ألماني عن اعتقادها بأن نشر نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي «آرو 3» في ولاية براندنبورغ، لن يشكل عائقاً لتشكيل ائتلاف حاكم مع حزب المستشار شولتس.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ عناصر من الجيش الإسرائيلي يقفون خارج منزل أصيب بصواريخ أطلقها «حزب الله» من لبنان على بلدة كريات شمونة الحدودية شمال إسرائيل... 26 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

إدارة بايدن تعتزم بيع أسلحة بقيمة 680 مليون دولار لإسرائيل

قال مسؤول مطلع، اليوم الأربعاء، إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تسعى إلى المضي قدما في صفقة لبيع أسلحة بقيمة 680 مليون دولار لإسرائيل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الصيني شي جينبينغ (رويترز)

تقرير: الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات على شركات صينية تدعم روسيا

كشف تقرير صحافي أن الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات على عدة شركات صينية يُزعم أنها ساعدت شركات روسية في تطوير طائرات مسيرة هجومية تم استخدامها ضد أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (بروكسل )
العالم نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

عبر جعل التهديد النووي عادياً، وإعلانه اعتزامه تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، نجح بوتين في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية حول العالم.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

بوتين يزور كازاخستان لتعزيز العلاقات وبحث ملف الطاقة

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف في أستانا في 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف في أستانا في 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

بوتين يزور كازاخستان لتعزيز العلاقات وبحث ملف الطاقة

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف في أستانا في 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف في أستانا في 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كازاخستان، الأربعاء، في زيارة تستمر يومين تهدف لتوطيد العلاقات مع حليفة بلاده الواقعة في وسط آسيا في ظل تفاقم التوتر على خلفية حرب أوكرانيا.

ورغم انضوائها في «منظمة معاهدة الأمن الجماعي» التي تقودها موسكو، فإن كازاخستان أعربت عن قلقها حيال النزاع المتواصل منذ نحو ثلاث سنوات مع رفض رئيسها قاسم جومارت توكاييف التغاضي عنه.

وفي مقال نشرته صحيفة «إسفيستيا» الروسية قبيل زيارة بوتين، أكد توكاييف دعم بلاده «الحوار السلمي» من دون أن يأتي على ذكر أوكرانيا، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

من جانبه، أشاد بوتين بـ«التقارب الثقافي والروحي والقيمي» بين كازاخستان وروسيا، وذلك في مقال نشر في صحيفة «كازاخ» الرسمية، قائلا إنه يساعد في تطوير «العلاقات الودية والقائمة على التحالف» مع أستانا بشكل أكبر.

وبث الإعلام الرسمي الروسي مقطعا مصورا لطائرة بوتين لدى هبوطها في أستانا الأربعاء.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال حفل الاستقبال في مقر الرئاسة أكوردا في أستانا بكازاخستان... 27 نوفمبر 2024 (رويترز)

تدهورت العلاقات التجارية بين البلدين في الأشهر الأخيرة مع منع موسكو بعض الصادرات الزراعية من كازاخستان غداة رفض الأخيرة الانضمام إلى مجموعة «بريكس».

وجعل بوتين توسيع تحالف الاقتصادات الناشئة أساسا لسياسة روسيا الخارجية، مسوّقا لمجموعة «بريكس» على أنها قوة موازية لما يعتبرها «هيمنة» الغرب على العالم.

تأتي زيارة بوتين على وقع تصاعد التوتر بين موسكو والغرب بسبب حرب أوكرانيا، إذ أطلقت روسيا صاروخا تجريبيا فرط صوتي باتّجاه جارتها الأسبوع الماضي، بينما أطلقت كييف صواريخ بعيدة المدى زودتها بها كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على روسيا لأول مرة.

وفي سبتمبر (أيلول)، دعا توكاييف إلى حل سلمي للنزاع، محذرا من أن التصعيد يمكن أن يؤدي إلى «تداعيات لا يمكن إصلاحها بالنسبة للبشرية بأكملها».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف يلتقطان صورة مع أطفال في أستانا في 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

أوكرانيا على جدول الأعمال

ورغم أن رحلات بوتين الدولية بقيت محدودة منذ العملية العسكرية الروسية الشاملة في أوكرانيا عام 2022، فإنه زار الدولة الواقعة في وسط آسيا بشكل متكرر.

تعد كازاخستان حليفا عسكريا واقتصاديا تاريخيا لروسيا وتمتد الحدود بين البلدين على مسافة 7500 كيلومتر.

ويتوقع أن يناقش الزعيمان العلاقات التجارية وملف الطاقة، إضافة إلى بناء أول محطة في كازاخستان للطاقة النووية، علما بأن شركة «روساتوم» الروسية من بين الشركات المرشحة لبنائها.

تسهم كازاخستان بنحو 43 في المائة من إنتاج اليورانيوم العالمي لكنها لا تملك مفاعلات نووية.

وأكد بوتين الأربعاء أن «(روساتوم) مستعدة لمشاريع كبيرة جديدة مع كازاخستان».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف يرسمان على لوحة قبل لقائهما في أستانا في 27 نوفمبر (أ.ف.ب)

سيوقّع البلدان أيضا عدة وثائق الأربعاء وسيصدران بيانا للإعلام، بحسب مستشار الكرملين يوري أوشاكوف.

ويجتمع بوتين الخميس وقادة «منظمة معاهدة الأمن الجماعي» في أستانا في إطار قمة أمنية.

وستتصدر أوكرانيا جدول الأعمال، إذ يتوقع أن يناقش القادة «الإذن الغربي (لكييف) بإطلاق صواريخ بعيدة المدى باتّجاه عمق أراضي روسيا الاتحادية»، وفق ما أكدت وكالة «تاس» الإخبارية نقلا عن مصدر.

وفي خطوة لافتة، ستتغيب أرمينيا عن الاجتماع بعدما علّقت عضويتها في المنظمة احتجاجا على عدم وقوف موسكو إلى جانبها في نزاعها مع أذربيجان.

وقال أوشاكوف الثلاثاء إن أرمينيا ما زالت عضوا كاملا في التحالف ويمكن أن تعود في أي لحظة.